فجر يوم جديد: {تمبكتو} والأقصر!

نشر في 23-03-2015
آخر تحديث 23-03-2015 | 00:01
 مجدي الطيب أثناء متابعتي مراسم حفل افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية (16 – 21 مارس 2015) لم أستطع أن أنحي عن تفكيري وذاكرتي صورة فاروق حسني وهو يفتتح مهرجاني القاهرة السينمائي الدولي والمهرجان القومي للسينما المصرية، طوال الفترة التي تولى فيها حقيبة وزارة الثقافة.

كان الرجل غاية في التكثيف وهو يكتفي بالقول: «بسم الله... نفتتح المهرجان»، على عكس ما جرى في حفل افتتاح الدورة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية؛ حيث انهالت الكلمات على ضيوف الحفل، ومتابعيه، كالرصاص، واعتلى كل من لديه مقعد في الصف الأول خشبة المسرح ليقول كلمة. فإضافة إلى عصام شرف رئيس الوزراء السابق، الذي تحدث بوصفه رئيس مجلس أمناء المهرجان، تحدث محافظ الأقصر، التي تستضيف المهرجان على أرضها، سيد فؤاد رئيس المهرجان، وعزة الحسيني مدير المهرجان، بالإضافة إلى ممثلي وزراء الثقافة والشباب والسياحة. كذلك تحدث رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي أهداه المهرجان درع طلعت حرب لدوره في دعم صناعة السينما المصرية، وسار على نهجه المكرمون: النجمة ليلى علوي والمخرج خالد يوسف... ولولا غياب المخرج البوركيني إدريسا وادراوجو، بسبب مرضه المفاجئ، لما انتهت «المكلمة» التي لا تجد لها مثيلاً في أي من مهرجانات العالم!

العجيب أن إدارة المهرجان كانت تستطيع، لو أرادت، إيقاف هذا الطوفان الخطابي «الممل»، عبر الاكتفاء بالفيلم التسجيلي الذي رصد تطور المهرجان، واختصار الفقرة الفنية التي قدمتها فرقة «ملكوت» الموسيقية، والاحتفاء بالمكرمين، ثم تقديم أعضاء لجان تحكيم مسابقات الأفلام الطويلة والقصيرة وأفلام الحريات والوصول، مباشرة، إلى فيلم الافتتاح «تمبكتو» (موريتانيا / فرنسا) خصوصاً أن الفيلم (97 دقيقة)، الذي أخرجه عبد الرحمن سيساكو، سبق وصوله إلى الأقصر سمعة طيبة مدوية، بعد حصوله على جائزة «سيزار» الفرنسية، ووصوله إلى قائمة الأفلام التسعة المرشحة للفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية في الدورة الـ 87 للمسابقة الشهيرة، وانطباع إيجابي كبير حققه الفيلم عقب عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي.

  اللافت أن فيلم «تمبكتو» نجح، في مشهد غير مسبوق، في إجبار ضيوف حفل افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية على البقاء في مقاعدهم لمتابعته، بعد ما جرت العادة، في المهرجانات السينمائية المصرية، على انفضاض الحشد بمجرد انتهاء مراسم التكريم، والانصراف عن مشاهدة فيلم الافتتاح، وهو ما لم يحدث هذه المرة، لأهمية وجرأة مضمون الفيلم الذي يرصد ظاهرة تنامي التطرف الديني في دول الساحل الإفريقي، وبالتحديد مدينة «تمبكتو» التي عُرفت بهويتها الثقافية وخصوصيتها التاريخية، وتعرضت لاجتياح أعضاء تنظيم القاعدة، ونجاحهم في فرض كل أشكال العنف والقهر والقوة، تحت ستار الدين، وإصدار الفتاوى التي تُحرم الموسيقى والغناء، ولعب كرة القدم، وتدخين السجائر، ومشاهدة التلفزيون، وإباحة زواج القاصرات.

وفي لقطة من أجمل ما قدمت السينما العالمية، طوال تاريخها، يُبدع المخرج عبد الرحمن سيساكو مشهداً لمجموعة من الصبية أعلنوا تحديهم لجماعة العنف، بأن نظموا مباراة في كرة القدم من دون كرة، بعد أن افترضوا، للهروب من فتوى التحريم، والتحايل عليها، بأنهم يتقاذفون كرة وهمية، وهو ما يثير حيرة أتباع و»زبانية» التنظيم، بسبب عجزهم عن التعامل مع الأمر، ما يضطرهم إلى الانصراف تاركيهم من دون عقاب!

في هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أن فيلم «تمبكتو» حفل بكثير من المشاهد التي غلبت عليها النزعة الإنسانية، وعذوبة الرؤية، ورهافة الحس، بعيداً عن الخطابة والمباشرة المعتادة عند تناول ظاهرة التطرف الديني، كما حدث في مشهد المرأة التي تم القبض عليها، والحكم عليها بالجلد لقيامها بالغناء. لكنها لم تستسلم، ولم تعلن التوبة، بل ظلت تغني أثناء تنفيذ عقوبة الجلد، وانتزع المشهد الإنساني المؤثر تعاطف كل من شاهده.

  كانت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية قد أهدت، في لفتة طيبة للغاية، أعمال الدورة الرابعة للفنان خالد صالح (20 يناير 1964 – 25 سبتمبر 2014)، وكرمته في حفل الافتتاح بأن منحت نجله الأكبر درع التكريم، كذلك أصدرت كتاباً سجل مسيرته الفنية والحياتية، ونظمت ندوة بعنوان «اتجاهات التمثيل في السينما المصرية... خالد صالح نموذجاً»، حضرها الممثل التونسي المرموق هشام رستم، وفي إطار تأكيد الوجه الثقافي للمهرجان، والتوجه الإفريقي أيضاً، صدر كتاب مرجعي بعنوان «الفيسباكو... حالة إفريقية» عن المهرجان البانافريقي للسينما والتلفزيون من تأليف كولان دوبري وترجمة عبلة عبد الحفيظ سالم وتقديم وتحرير الناقد علي أبو شادي.

  نجح المهرجان، عبر دوراته الأربع، في تلطيف أجواء «الحرب الباردة» بين مصر ودول القارة السمراء، وبعدما حقق الهدف راح يصبو إلى تبني رسالة على درجة كبيرة من الأهمية تمثلت في توظيف فن السينما من أجل حشد صفوف أبناء القارة لمجابهة الإرهاب، والتطرف، وهي الرسالة التي أكدها، بجلاء، فيلم الافتتاح. 

back to top