الكتابة باللهجة المحلية

نشر في 23-03-2015
آخر تحديث 23-03-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم طرحت جريدة "الكويتية" في ندوتها المغلقة موضوع الكتابة باللهجة المحلية في الحوار الذي دار بين كتّاب وأصحاب دور نشر، وكنت من ضمن الذين شاركوا فيها، الطرح دار حول تصاعد عملية النشر لكتّاب شباب يكتبون باللهجة العامية الكويتية، وهناك تخوّف من انتشار الكتابة بالعامية بدلا من "الفصحى"، وطُرحت آراء وأفكار متعددة حول هذا الموضوع تحلل أسبابها، وكان تخوّف الصحيفة من أن تصبح الكتابة باللهجة العامية هي الأساس في الكتابة وتحل مكان اللغة العربية.

الكتابة باللهجة العامية لا يمكن لها أن تحل مكان اللغة العربية الفصحى، ولن تستطيع أخذ مكانتها في التواصل والمخاطبة، حتى وإن زاد تداولها وانتشارها بين الكتابات الشبابية، فهي ستبقى محصورة ومحدودة في ما بينهم، ولا يمكنها أبداً أن تتخطى الحدود هذه، حتى وإن وجدت بعضا من دور النشر تنشر لها، فلا يوجد أي تخوف منها، فمعظمها ليس سوى تنفيس عن طاقة شبابية محتبسة وجدت قدرة مالية فنشرت ما تكتبه، وهذا شيء جيد، ففي كل المراحل الدراسية التي مررت بها كان أغلبية الطالبات يرسمن أو يكتبن أو يعزفن موسيقى أو يمارسن الرياضة، لكن بعد انتهاء الدراسة، كم كاتبة أو رسامة أو موسيقية أو رياضية تبقت منهن؟

من أصبحن بالفعل كاتبات أو رسامات أو موسيقيات يتم عدّهن على أصابع اليد الواحدة، إذن الموضوع في الغالب لمن هم تحت سن العشرين وما فوقها بقليل ليس سوى إخراج لطاقات محصورة وتفريغها في الكتابة أو أي أداء فني أو رياضي هو أمر محمود وعلاج لامتصاص كل مظاهر الغضب والعنف والتمرد المتمثل في هذا العمر.

ووجود الإنترنت ساعد كثيرا على التخاطب الكتابي باللهجة العامية، هذا إلى جانب انتشار اللغة الخاصة بالإنترنت مع ضعفهم في اللغة العربية التي لم تطور طريقة التعليم، ولم تسهلها وتحببها لهم بأساليب التعلم الحديثة مثل اللغات الأجنبية الأخرى.

وتقع مسؤولية نشر الكتابات باللهجة العامية على بعض من دور النشر التي يهمها الكسب المادي في المقام الأول من دون مراعاة لدورها في المحافظة على اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم ولغة التخاطب العربية الأولى، ولو كان عند الناشر من هؤلاء بُعد نظر لعرف أنه بعمله هذا يخسر السوق العربي الكبير مقابل عدة كتب يبيعها في سوق الكتاب الكويتي المحدود، وهو الأمر الجلي الواضح في كل معارض الكتاب، إذ نجد الكتب المكتوبة بلهجة دولها لا تجد من يشتريها بسبب اللهجة العامية التي كُتبت بها، وهو ما نشاهده في بعض الكتب المغاربية والسودانية وغيرها التي تكتب بلهجة بلدها، فلا تجد من يشتريها، حتى وإن احتوت مضامين مهمة وكانت لكتّاب مبدعين لا يتقنون اللغة العربية، اللهجة العامية هي العائق الأول الذي يقف في وجه انتشار الكتاب، ومن يكتب بالعامية يعدم فرصة حصوله على قراء من مختلف أنحاء الوطن العربي.

هناك آراء تقول إن الكتاب الأول حين يأتي ضعيفاً فإن الأمر عادي، فدعه يكتب وستتطور كتابته مع الأيام وتتحسن حين يتقن لغة الكتابة باللغة العربية، أنا ضد هذا الرأي، لأن الكاتب الموهوب تُولد موهبته مع أول كتابة له، ويجب أن تكون بشكل متقن وليس ضعيفاً، ثم سوف تتطور لاحقا عندما يتقن لغته، الكتاب الأول هو البصمة والانطباع الأهم الذي يتركه الكاتب في نفوس قرائه، ولو كان ركيكا وضعيفا يكون كاتبه قد حكم على نفسه حكما أبديا بأنه كاتب ضعيف، ومن الصعب أن يتغير هذا الانطباع الأول عنه، حتى وأن تحسّن بعد ذلك.

وهذا لا يعني أن استخدام اللهجة العامية في الكتابة سيء في المطلق، هناك كثير من الكتاب العرب أجادوا تطعيم اللغة العربية ببعض الجمل والمفردات العامية التي أضفت جمالية وملاحة على كتاباتهم، وخاصة عندما يتطلبها الحوار الذي يكشف عن طبيعة تعبيرات الشخصية، وقد استخدمت بعض المفردات والجمل العامية في روايتي "النواخذة" و"الشمس مذبوحة والليل محبوس"، حين تطلّب العمل الفني ذلك وفرض عليّ طبيعته، وخاصة في "الشمس مذبوحة" التي أحببت أن أسجل فيها بعضا من الكلمات الكويتية المندثرة ذات الدلالة والتكثيف العميق، مثل كلمة "مساسر"  و"مساسرقية" التي اختزنت الكون فيها، فهي تعني لقاء مسروقاً في الصمت والسر.

back to top