الهند تخطط بذكاء وصمت... وقد تتخطى النمو الصيني هذا العام

نشر في 07-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 07-03-2015 | 00:01
No Image Caption
يتمثل الجانب المهم في أن صعود ناريندرا مودي جاء على وعد بتحقيق رأسمالية على الطراز الأميركي، ولكنه أدرك على ما يبدو أن طريق الهند نحو الازدهار قد يكون مختلفاً، ويتعين عليه أن يأخذ في الحسبان رعاية موردها الأكثر قيمة وهو رأس المال الإنساني.

قد يقول النقاد إن أكبر ديمقراطية في العالم لا تقوم بما يكفي في سبيل خفض الإنفاق الحكومي، ولكن حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تتخذ في الواقع خطوات حذرة من أجل تحقيق تحولات ذات مغزى.

وبعد أشهر من التوقعات المتعلقة بكيفية قيام الهند بتطوير اقتصادها، كشفت حكومة نيودلهي مؤخراً عن أضخم ميزانية للسنة المالية الجديدة. وفيما تبدو هذه الميزانية البالغة 290 مليار دولار صديقة للعمل التجاري فهي لا تشمل تغييرات رئيسية في السياسة كان العديد من الناس يأملون فيها. وقد خيب ذلك آمال المحللين لأنه يأتي في وقت عالي المخاطر: ومن المتوقع أن تتجاوز الهند جارتها الصين كأسرع اقتصاد في العالم نمواً في سنة 2015 مع توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي فيها الى ما بين 8.1 في المئة و8.5 في المئة.

براغماتية في الميزانية

وكان المحللون على حق في توقعاتهم بحدوث مزيد من الإصلاحات الاقتصادية ولكنهم فشلوا في فهم البراغماتية في الميزانية، وكيف يمكنها أن تساعد في الواقع الهند على تحقيق إمكاناتها الاقتصادية بصورة أكثر فعالية من التغيير الراديكالي.

وقد يكون وزير المالية الهندي أرون جيتلي حث على القيام بخطوات أكثر جرأة قائلاً "علينا أن نفكر في قفزة كمية"، ولكن الميزانية تشير الى أن إدارة رئيس الوزراء مودي تفضل العمل بأسلوب تدريجي ويمكن تحقيقه بقدر أكبر.

ويقول النقاد إن الحكومة لا تفعل ما يكفي من أجل خفض الإنفاق وتلبية هدفها السابق البالغ 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الـ12 شهراً المقبلة. وخصص المسؤولون 11.3 مليار دولار لأغراض البنية التحتية التي تشمل الإنفاق على تشييد وتحسين الطرقات والسكك الحديدية. وقد ترك المسؤولون الإعانات الحكومية من دون تغيير، وستنفق الهند على مساعدات النفط والغذاء والأسمدة وغير ذلك من المواد في هذه السنة.

وبينما يعتبر الإنفاق على البنية التحتية كبيراً فإن له مبرراته– وتشتهر الهند بسوء بنيتها التحتية العتيقة وغير الكافية والتي تجعل الأنشطة التجارية أكثر تكلفة، ولا يمكن التعويل عليها –وفي نهاية المطاف– غير مربحة. ويتسم تحسين الطرقات والخطوط الحديدية في الهند بأهمية بالنسبة الى تحسين النشاط التجاري وشرط أساسي من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية. وينطوي هذا الجانب على أهمية أيضاً بالنسبة إلى تلبية هدف مودي في زيادة التصنيع الذي يعتبره حجر الزاوية في تحقيق اقتصاد قوي، والذي يعتمد بقوة على نقل المواد الخام إلى المعامل وإيصال البضائع إلى الأسواق.

والأكثر من ذلك أن الإنفاق على البنية التحتية قد يحسن النمو الاقتصادي، الذي ربما يخفض عندئذ الإنفاق على شكل نسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي في السنوات المقبلة، خصوصا مع هبوط الحاجة الى مزيد من الإنفاق على البنية التحتية بمرور الوقت.

 ومن جهة اخرى، فإن نقص ذلك الأساس قد يفضي إلى إبطاء النمو الاقتصادي السريع في الهند ويهدد تقدمها في الأجل الطويل.

وبالنسبة الى المساعدات المثيرة للجدل، فإن عقلانية الحكومة مماثلة ومختلفة في آن معاً. والإصلاح الراديكالي –مثل استبعاد المساعدات كلها– سيوفر المال على الحكومة ولكنه قد يشكل هزة ضخمة بالنسبة الى العمال العاديين الذين يعتمد الكثير منهم على تلك الإعانات من أجل البقاء.

اقتصاد متين

وفي دولة يصل دخل الفرد فيها الى أقل من 1500 دولار ويعيش ما لا يقل عن خمس عدد سكانها في حالة فقر، فإن الإعانات تعتبر جزءاً أساسياً لا يمكن إزالته قبل تحقيق اقتصاد متين بما يكفي لتوفير المزيد من الوظائف والأجر الأعلى للمواطنين. ويتطلب ذلك، بدوره، المزيد من النشاط الاقتصادي والبنية التحتية الأفضل.

ويتمثل الجانب المهم في أن صعود مودي جاء على وعد بتحقيق رأسمالية على الطراز الأميركي، ولكنه أدرك على ما يبدو أن طريق الهند نحو الازدهار قد يكون مختلفاً ويتعين عليه أن يأخذ في الحسبان رعاية موردها الأكثر قيمة: رأس المال الانساني.

وفي الوقت ذاته، تم تقليص الإعانات في السنة المقبلة الى 14 في المئة من إجمالي الإنفاق في مقابل 16 في المئة في السنة الحالية، وذلك بحسب "بلومبرغ"، وهي إشارة على أن الحكومة تسير في وتيرة لا تعني التخلي عن خطط تحديث الاقتصاد. والمبادرات الأخرى في الميزانية –مثل خفض معدلات ضرائب الشركات من 30 في المئة إلى 25 في المئة خلال السنوات الأربع المقبلة– وتخفيف القيود على الاستثمارات الأجنبية يجب أن تساعد بقدر أكبر على توسيع الاقتصاد، كما تساعد الحكومة على خفض الإنفاق الى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2018.

إلى ذلك فقد اعتمد بنك الاحتياط في الهند هدفاً للتضخم لتحديد السياسة النقدية –وهو نتاج جانبي خطر للاقتصادات السريعة النمو، وعجز الإنفاق الحكومي هو ارتفاع في أسعار السلع والخدمات الذي يلحق الضرر بذوي الدخل المتدني ويمكن أن يفضي الى تشديد معدلات الفائدة وخنق الاقتصاد. ومن خلال الوعد بمراقبة هذا المقياس المهم وتغيير معدلات الفائدة طبقاً لذلك تشير الحكومة الى أنها مستعدة لتعديل سياستها عندما تدعو الحاجة.

ويتعين علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان ذلك سيترجم الى خفض في الإنفاق ومزيد من الإصلاحات، ولكن لا يوجد سبب غامر للظن بأن ادارة مودي ليست ملتزمة بانضباط مالي بوتيرة معقولة.

وأخيراً، قد لا تكون ميزانية الهند الجديدة دراماتيكية، ولكنها تقوم على تقيمات واعية للحقائق المتعلقة بدولة كبيرة ومعقدة. وهذا جانب جيد بالنسبة الى المستثمرين، نظراً لأن خطة نمو تعتمد على توقعات غير واقعية سيكون مصيرها الفشل، بينما تلك المبنية على تقدم بطيء وثابت يمكن أن تنجح.        

(* مجلة فورتشن)

back to top