فجر يوم جديد: {خارج الخدمة}

نشر في 06-03-2015
آخر تحديث 06-03-2015 | 00:01
 مجدي الطيب فاجأني المخرج محمود كامل في فيلمه الجديد «خارج الخدمة»، فعلى عكس أفلامه الثلاثة السابقة، التي عُرضت في عام 2009، وهي: «ميكانو»، «أدرينالين» و»عزبة آدم» وفيلم «حفلة منتصف الليل»، الذي عُرض في عام 2012، بدا وكأنه يغير جلده أو ينقلب على أسلوبه، عندما انطلق من نص للكاتب عمر سامي لا يعتمد طريقة السرد التقليدية (وسط ومقدمة ونهاية). كذلك تمرد على التركيبة المألوفة على صعيد الاستعانة بطاقم الممثلين، وقصر اختياره على النجمين أحمد الفيشاوي وشيرين رضا وعدد قليل من ممثلي الأدوار الثانوية، مثل: محمد طارق وأحمد ثابت، ليقدم رؤية شديدة الخصوصية تجاه الواقع الراهن في مصر.

بدأ «كامل» فيلمه برصد بطله «سعيد» (أحمد الفيشاوي) بهيئته المزرية، وملامحه الأقرب إلى «أحدب نوتردام»، حيث الظهر المنحني، بفعل قسوة الزمن، وملابسه الرثة، بسبب الفقر والبطالة، واللعثمة واللسان الثقيل، نتيجة الإدمان، ومن ثم كان طبيعياً أن يتحايل على حياته القاسية والديون المتراكمة عليه بالسرقةوبيع المسروقات بثمن بخس للغاية. لكنه يعجز عن بيع «الفلاشا» التي يعثر عليها في الشقة التي اقتحمها، وعندما يُخضعها للفحص يكتشف أنها تصور جريمة قتل يتعرف أحد أصدقائه إلى مرتكبتها، ويراها فرصة لابتزاز القاتلة (شيرين رضا) غير أنه يجد نفسه في مواجهة امرأة غريبة الأطوار، سرعان ما يتورط معها في علاقة غامضة وغريبة!

«حبكة» مثيرة تبلغ ذروتها مع تعرض المرأة، التي تُدعى «هدى»، للاغتصاب، بواسطة الشاب «الصعلوك»، ورغم هذا تستمرئ علاقتها به، وتتطلع إلى زياراته المتكررة، بعد أن يجمعهما إدمان المخدرات بصنوفه كافة، حيث تعيش وحيدة عقب وفاة زوجها في حادث سيارة، منذ ما يقرب من ثمانية عشر عاماً، ومن ثم ترى فيه الرفيق الذي يؤنس وحدتها، ولا تتردد في دعمه بالمال الذي يمنع عنه أذى رفاقه «البلطجية»!

لا يكتفي فيلم «خارج الخدمة» بهذه العلاقة المتوترة، وليته فعل، وإنما يزج بنفسه في دهاليز السياسة، من دون مبرر، عندما يربط بين علاقة المرأة و»الصعلوك» والأحداث السياسية التي مرت بها مصر، منذ قيام ثورة 25 يناير 2011، ويجعل من برامج «التوك شو» التي تم بثها في تلك الفترة، فضلاً عن مقدمي البرامج والنشطاء السياسيين، الذين أفرزتهم تلك الحقبة، بمثابة تعليق على الأحداث والتطورات، والمتغيرات التي عصفت بنظام الحكم في مصر. ورغم أن ذلك جاء في الخلفية إلا أنه أفسد، في رأيي، الحبكة المثيرة والجديدة للفيلم، وتسبب في شيء من التشويش على العلاقة المرضية بين البطلين، التي كان يمكن للكاتب عمر سامي أن يُخلص لها وحدها، ووقتها كنا سنصبح حيال تجربة حافلة بالإثارة والغموض والتشويق، والأسئلة التي لا تنتهي حول المرأة التي وجدت في»الصعلوك» الماء بعد الظمأ، وصارت تتهيأ، وتتزين، لزيارته وكأنها عروس في ليلة الزفاف. ورغم تواصل حال الشد والجذب بينهما فإن أواصر العلاقة لم تنفصم بينهما، وإن شابها بعض التوجس من «الصعلوك» الذي لم يتوقف عن التشكك في نواياها، والارتياب في شخصيتها، كونه لم ينس جريمة القتل التي ارتكبتها، وكانت الدافع وراء تردده على شقتها لابتزازها، قبل أن يكتشف أنها ضحية لا تختلف عنه، وأنها اختارت المخدرات وسيلة لتغييب عقلها لعلها تنسى مأساتها التي دفنتها في صندوق أسرارها، وأنها، للمفاجأة، لم تكن القاتلة التي ظنها، وإنما ممثلة أدت دوراً في عمل فني ليس أكثر!

نجح المخرج محمود كامل في ادخار المفاجآت التي ضمها سيناريو عمر سامي، والإعلان عنها في التوقيت المناسب، ليحتفظ للتجربة بغموضها وتوترها، ونهايتها الرتيبة التي وضعت البطلين في مواجهة بعضهما، وكأنهما ارتضيا بالواقع الراهن، وسلما بما كتبه لهما القدر. وبينما أدت موسيقى تامر كروان، ومونتاج هبة عثمان، الدور الأكبر في تجسيد حالة التشويق، لم يكن ثمة دور لمدير التصوير البريطاني الفنزويلي أرتورو سميث، ولم يضف الإبهار الذي يبرر الاستعانة به؛ إذ كان يمكن لأي مدير تصوير مصري أن يؤدي المهمة نفسها ببراعة واقتدار، وهو الأمر الذي ينطبق على أحمد الفيشاوي، الذي يُخيل للمرء أنه اكتفى باستلهام خبرته الحياتية، وتجربته الواقعية، بأكثر مما اجتهد في تجسيد شخصية الصعلوك «سعيد»، ولولا الشكل الواقعي، الذي أضفى على الشخصية مصداقية كبيرة، والأداء المُبهر لشيرين رضا، وحفاظها على التوازن بين الشكل والجوهر وهي تجسد شخصية «هدى»، التي اكتفت بالفرجة على الواقع من حولها، لأصبح الفيلم في مأزق كبير. لكن الأمر المؤكد أن المخرج محمود كامل أضاف الكثير إلى رصيده، عبر تجربته الجديدة في فيلم «خارج الخدمة»، بعدما نجح في أن يُقدم، مع المؤلف عمر سامي، قراءة خاصة للواقع دعمها برؤية سينمائية احترمت المتلقي، وإن كنت أتمنى أن تلقى نصيبها من الاهتمام الجماهيري والحفاوة النقدية على حد سواء.

back to top