المغربي أحمد المديني: «ممر الصفصاف} اختمار زواج حميمي بين الواقعي والشعري

نشر في 06-03-2015 | 00:02
آخر تحديث 06-03-2015 | 00:02
بعد وصول روايته إلى قائمة الـ{بوكر} القصيرة

يؤكد الروائي والأديب المغربي أحمد المديني أن الرواية المغربية أدركت المرتبة الأولى لجائزة البوكر مراراً، حين فاز بها الروائي محمد الأشعري مشاركة مع الكاتبة السعودية رجاء عالم. وفي العام الماضي أيضاً وصل إلى القائمة القصيرة كاتبان مغربيان آخران هما يوسف فاضل وعبدالرحيم لحبيبي. ويشير إلى أن رواية «ممر الصفصاف» هي اختمار تجربة، وزواج حميمي بين الواقعي والشعري، تتناغم فيه الرؤية والرؤيا، وتخضع فيه الرواية لمحك الغربلة والتشذيب.
كيف استقبلت بلوغ روايتك «ممر الصفصاف» مرتبة القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية العالمية «البوكر»؟

لا أخفي ابتهاجي بهذا، خصوصاً وقد سمعت الخبر مباشرة من رئيس لجنة التحكيم الموقرة عند انعقاد احتفال إعلان الجائزة في مدينة الدار البيضاء، وهي مدينة صباي ويفاعتي، بموازاة مع معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب والنشر، في مناسبة  فريدة حقاً، إذ هي المرة الأولى التي تعلن فيها أسماء أعلام لجنة التحكيم كاملة مع القائمة القصيرة. عشنا جميعاً، اللجنة أولاً، وأدباء المغرب وصحافيوه، مع الجمهور الكبير الذي حضر الاحتفال لحظة قوية، كان عنوانها الاحتفال بالأدب، بفن الرواية، كما ميزها المحكَّمون وقدّروا خصائصها التخيلية اللغوية والجمالية، وتقبلنا باعتزاز أسماء المميزين، خصوصاً المعايير النقدية المحكمة من لجنة رفيعة، مؤهلة بلا جدال.

هل بلوغ روايتك القائمة القصيرة لجائزة البوكر، يؤكد أن الأدب المغربي يشرع في أخذ مكانته المستحقة على خارطة الجوائز والنشر العربي؟

أدركت الرواية المغربية المرتبة الأولى لجائزة البوكر، حين فاز بها الروائي محمد الأشعري مشاركة مع الكاتبة السعودية رجاء عالم، ثم في العام الماضي أيضاً، حين أدرك القائمة القصيرة كاتبان مغربيان آخران هما يوسف فاضل وحبيبي. وها هو اسمي المتواضع ينضم إلى هؤلاء في هذه المرحلة من رهان الجائزة، وبالتوفيق منه تعالى إلى نهاية الشوط.

لا أميل إلى التصنيفات القُطرية، وأحب أن أنظر إلى الأدب العربي باعتباره جغرافيَا نصية واسعة، مثل رقعة الشطرنج الكبرى بخانات متعددة، كل خانة تؤدي وظيفتها الخاصة في اللعبة، فنحن هنا نكتب جميعاً باللغة العربية، ونتداول أصول الفن الروائي، لا بدرجات الانتساب إلى هذا البلد أو ذاك، ولكن إلى الهوية الفنية المحض، وبالإنسانية، طبعاً بتفاوت في العناصر المحلية المائزة على مستوى المواضيع والرصد والهموم والشخصيات، إلخ. والباقي كله، رهن بالرواية قطعاً، والرواية في المغرب، وليس المغربية هي اليوم خانة يحسب لها حسابها في بناء هذا الجنس الأدبي، وتسهم بقدر موهبة وخبرة وثقافة كتاب هذا البلد، وتجربته الكلية في توسيع رؤيتها وتجديد إهابها الفني، وفضائها التخيلي.

لماذا أخذت روايتك {ممر الصفصاف} هذا الوقت كله، وقلت سابقاً إنك بدأت كتابتها في 2010؟ وقولك سابقاً إنها تمثل لك منعطفاً في كتابة الرواية؟

لا أظن أني قلت يوماً في أي حوار، وأنا لست من هواة الحوارات والمقابلات بالمناسبة، بأني بدأت كتابة روايتي في التاريخ المذكور، وللأسف يوجد بين الصحافيين، من يضيف كلاماً من عنده. عموماً، العبرة في النهاية هي في النص الذي يصبح بين يدي القارئ، هل يقنعه، يمتعه، يمضي فيه إلى آخر الشوط؟ أم ينقطع، إذ هو لا يطرح سؤال الوقت الذي أمضاه الكاتب في صياغة عمله وحبكه، ومثله، ولا هذا ما يدخل خصوصاً في تقويم الناقد والدارس. هي حاشية زائدة إذاً، لا تقدم ولا تؤخر. أما ما تقول عن صفة المنعطف، فإن ذكرتها فأنا أعني بها كتابتي، مساري في الرواية، التي لي فيها رصيد، في كثير من الأعمال المنشورة بين مشرق ومغرب، وحظيت بتقدير ولها قراء ومتذوقون، ويمكن الوقوف فيها بصفة خاصة على خصائص الجموح في الخيال، والتدفق اللغوي، والإسراف أحياناً في الاستعارات، بتغليب التعبير الشعري، والاستيهامي، ودائماً حول محور الواقع وظلال الواقعية ولكن برؤية استبطانية وصياغة مجازية وتغريب للواقعية. أما «ممر الصفصاف» فقد انزاحت كثيراً عن هذه الخصائص، وتمثل عندي ربما اختمار تجربة، هي زواج حميمي بين الواقعي والشعري، تتناغم فيه الرؤية والرؤيا، وتخضع فيه الرواية تحديداً لمحك الغربلة والتشذيب، والعبارة القاصد، والوصف العمد، والتشخيص الناطق، والتفاصيل الكلية، والكلية بالجزء والبعد والأفق، في بناء محكم حقاً، وهذا هو معطفي.

صدر لك كثير من الأعمال، بين الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، والنقد، كيف ترى الأعمال الأقرب إليك؟

تخرجت في كلية الآداب، منذ عقود، وواصلت دراستي العليا بين المغرب، ثم في فرنسا حيث أنجزت أطاريحي، وعملت أستاذاً للأدب في كبريات جامعاتها، فالتدريس مهنتي، هكذا، الجانب النظري هو في صلب تكويني، وواظبت عليه، وأضحى راسخاً، يؤازره ويوازيه في تآلف وتناغم تأمين القسم المسمى إبداعياً، ولذا فأنا أنتقل من قول إلى قول بيسر وسلاسة، مع فارق، بالطبع، أن لكل مقام مقالاً، كما قالت العرب قديماً. أضف إلى هذا أنني أومن بأن للثقافة دوراً كبيراً في انضاج الموهبة ودعمها، من نواح عدة. لا شك في أن الرواية والقصة والشعر طراز وطرز من التعبير، ولكل نوع لغة وأسلوب ونفس، وكلما تهيأ لي منها استعداد ومقدرة أقدمت، وبشغف، يجتاحني ما لا أستطيع أن أكبحه وأعوّل كثيراً على صنعة ونظام الكتابة كي يضبطه، لأننا ينبغي أن نستحضر دائماً أننا مع وفي الأدب بصدد الفن. ولا بد من أن تعمل على شحذ أدواتك، وتطويعها كي تكتسب المهارة، ومع المراس يصبح لك أسلوبك، أو لن تكون كاتباً. الرغبة وحدها لا تكفي، ولا الغواية، ومن خضع لهما شطّ به الهوى عن القصد، وهوى.

 

تكتب القصة القصيرة، فما رأيك بالقصة القصيرة جداً، التي بدأت تشهد رواجاً عربياً؟

بالنسبة إلى هذا النوع الموسوم بالقصة القصيرة جداً، أصارحك بأني لا أفهمه، ولست مقتنعاً به، وذلك لأسباب أوجزها في: أولاً، أن لي ذائقة مختلفة عن مزاج هذا الطراز، ثانياً: أني أعتبر القصة القصيرة جنساً أدبياً كلاسيكياً مهما بلغ من مدرك التجديد والتحول، بمعنى أنه لا يمكن أن يستغني عن الحكاية، وعن الحبكة، وعن عنصر المفارقة، وعن الإيحاء، وعن التكثيف المفيد، والظلال بتلميح وأبعاد، وأن شعرية القصة القصيرة ليست هي الشعر بل بناؤها وإيقاعها الخصوصي، واللعب الضروري  المحكم، لا لغو، وليست خاطرة، وهي القص أولاً وأخيراً، والقصّ فن لا كلام على عواهنه.

الأدب موهبة

باتت الكتابة ساحة مباحة لكل من أراد أن يصدر فكرة أو خواطر، أو ما شاكل، فهل التعبير عن الرأي أو الشعور في الكتابة، شعر ونثر، حق مطلق أم هو مقيّد ومحكوم بشروط؟

لا يوجد في الوجود شيء اسمه «حق مطلق»، وإلا هي الفوضى ستعمّ العالم، اللهم الحق الأخرق، تمنحه ما يسمى بـ{القوى العظمى» لنفسها باكتساح الدول وإسقاط الأنظمة والهيمنة على الثروات الوطنية، باسم قيم ومسميات وادعاءات شتى. الكون قائم فيزيائياً على قوانين ونظام، واختلالهما بكيفية ما سيؤدي حتماً إلى الخراب والفناء، وهذا الضرب من الكتابة الذي تتحدث عنه هو من باب الأدب الخراب عينه، علما بأنه لا ينتسب إلى الأدب إلا بالاسم، وزوراً وافترا ء. أجل، حرية التعبير حق مكتسب، ولا جدال فيها، إنما الأدب، ومنذ وُجد، تعبير يرِد بأشكال وأنساق جمالية، وليس أي كلام على عواهنه.

لست هنا في معرض التعليم ولا التبشير، ولكننا نحن الجامعيون، فضلاً عن الكتاب، نحتاج إلى الإشارة المرجعية، ومرجعنا الأول هو بويطيقا أرسطو، بنظمها التجنيسية المعلومة، لا يزيغ عنها في نظرية الأدب «إلا هالك». الأدب، إلى جانب الموهبة، حق ورغبة التعبير، وكما انتبه إلى ذلك بفطنة أجدادنا من أمثال قدامة بن جعفر وابن قتيبة وابن طباطبا، وحازم القرطاجني، وكثير، صناعة، تطريز، قواعد، دراية، وعُدّةٌ لا مناص منها، يُحتاج إلى التزود بها قبل الإقدام عليها، كما اشترطها ونظمها ابن الأثير في: «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، خذ الرواية، فالسرد لعبة جدية، بل خطرة، تحتاج دائماً إلى تعلم، وانظر في تاريخها ومدارسها ونصوصها الأمهات، وسترى العجب، وهو ما ينبغي أن يعود إليه دائماً ناشئة الأدب، والمتعجلون خصوصاً، ليعلموا ويتعلموا كيف أن الأدب مضمار صعب، أوله اللغة وقواعدها وبلاغتها، تسنده الموهبة، وعماده الثقافة، وركيزته خبرة الحياة، ورافعته الوعي بالواقع وإدراك مكامن الخلل فيه، ولبُّه الإحساس بأن ثمة شعوراً إنسانياً عميقاً ينبع منا ونريد أن نخاطبه في آخرين. ما أخطره وأبهره وأرعبه من تعبير هذا الأدب.

back to top