لا قدوة للمساكين!

نشر في 05-03-2015
آخر تحديث 05-03-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري القدوة دائماً ما يكونون استثنائيين، تجاوزوا ظروفاً استثنائية، وهذا عيبهم!

القدوة غالباً ما تكون تلك الشخصية "السوبر"، التي تقاوم الأهوال وتتحدى الصعاب، ولديها من القدرة ما يجعلها تقف على قدميها سالمة معافاة كلما انهدم العالم على رأسها، وتُبعث كطائر الفينيق من الرماد، هي تلك الشخصية التي يمكنها المشي على صفيح ساخن من العقبات دون أن تنبس ببنت شفة، والتي تأكل الجمر، وتتنفس تحت الماء، وتقرأ آيات الصبر ليل نهار، وتردد أناشيد الإصرار دون أن تنهار أو يغمى عليها من شدة اليأس، أو تذبل من شدة الأسى!

القدوة هي دائماً مثال للمكابدة والحزم والإيمان بأن الشمس لابد أن تشرق غداً حتى وإن كانت تلك القدوة تسكن في بقعة تحت الأرض تبعد 90 درجة شمالاً عن خط الاستواء أو جنوبه!

شخصية لا تعرف المستحيل، ولا تجهدها المشقة، ولا يثنيها الانكسار، ولا تخونها العزيمة!

هؤلاء هم عادة القدوة الذين يزخر تراثنا بهم، ويسكنون مخيلتنا، وهم أبطال رواياتنا وقصصنا التي نحكيها لأولادنا رغبة منا في شحذ هممهم، وحثهم على ألاّ يحبطوا عند مجابهتهم الجدران العالية والأسلاك الشائكة التي قد تعترض مسيرتهم في الحياة، وأن يتخذوا من هؤلاء القدوة مثالاً عظيماً للنهايات السعيدة، وصورة لمكافأة الحياة لمن يكون ندّاً لها.

الإشكالية أن هؤلاء القدوة العظماء وغير العاديين لا يصلحون أن يكونوا قدوة للناس العاديين الذين يمرّون بظروف يومية حتى وإن شقّت عليهم هي في النهاية مجرد ظروف حياتية عادية قد تمرّ بأي فرد، وتحدث لأي شخص، غالباً الشخصيات القدوة لا تصلح للبشر العاديين الذين هم من لحم ودم، هؤلاء الذين قد يخطف أرواحهم سقوط صخرة لا على رؤوسهم بل بالقرب من موطئ أقدامهم! البشر العاديون الذين قد يوقف أنفاسهم منظر قطة تُدهس في الشارع العام، العاديون الذين تتسرب من بين أجفانهم الدمعة خلسة عند سماع أغنية أو مشاهدة فيلم ما.

لا توجد قدوة صالحة للعاديين من أمثالنا، العاديون الذين يودعون أحلامهم عند آخر نجمة يصادفونها في طريقهم إلى النوم، على أمل أن يصبحوا ويجدوها أثمرت تحت وسائدهم وعوداً بطعم الـ"كن... فيكون"، العاديون الذين تصبح أيامهم أحياناً ثياباً أضيق من أجسادهم، للدرجة التي تكاد تتمزق أيامهم ضيقاً بهم، في تراثنا لا قدوة لنا نحن العاديين، الذين يتعثرون خلال مشاوير سعيهم في الحياة، وينكسرون على الطرقات، ثم لا يلبثون أن يفزّوا من عثراتهم مسرعين في محاولة لالتزام جانب الطريق خوف أن تدوسهم عربات العابرين المسرعة!

لا قدوة للضعفاء والمساكين، ولا قدوة للدراويش، ولا للذين يغرقون في شبر حقد أو ضغينة من الآخرين، أو شبر فرح يولد فجأة بين أيديهم!

البشر الذين يقفون أمام نكباتهم عاجزين لا حيلة لهم، والذين يشعرون أنهم أصبحوا عالقين في نسيج الحياة المتشابك لا يستطيعون الفكاك ولا هم قادرون على التحرك بهذا النسيج الذي يشلّ خطواتهم، هؤلاء البشر العاديون من أمثالنا من أين لهم قدوة مثلهم عادية يتأسون بسيرتها، وتشكل لهم طريقاً للخلاص ونافذة للنجاة من اليأس؟!    

back to top