السباق الإسرائيلي يعزّز حظوظ نتنياهو

نشر في 04-03-2015
آخر تحديث 04-03-2015 | 00:01
 معهد واشنطن منذ عام 1996، كان «حزب الليكود» يحقق الانتصارات الانتخابية كلما وقعت حادثة أمنية عشية الانتخابات، ولذلك سلّط نتنياهو الضوء على الاعتداءات الإرهابية في كوبنهاغن وباريس، وتحدث علناً عن تنظيم «الدولة الإسلامية» والقضية النووية الإيرانية، غير أن التهديد الأمني المحتمل الذي قد يصب في مصلحة خصومه هذه المرة هو تفاقم الهجمات من غزة، بعد ادعاء نتنياهو أنه عالج مشكلة «حماس» الصيف الماضي.

تتسم استطلاعات الرأي للانتخابات الإسرائيلية بشيء من الركود في المرحلة التي تسبق عملية الاقتراع للبرلمان المرتقبة في 17 مارس، على الرغم من وفرة التكتيكات المستخدمة في الحملات الانتخابية لتحريك السباق. وبينما لوحظت بعض المرونة ضمن الكتل السياسية الأوسع، كان هناك القليل فيما بينها إن وجدت.

وجاءت عوامل الاقتصاد الاجتماعي والعوامل الجغرافية والعرقية لتدعم الكتل الراهنة، مما جعل من غير المرجح حدوث تأرجحات كبيرة في الأصوات، وعادة يميل الناخبون العلمانيون الأشكيناز (من أصل أوروبي) من الطبقة الوسطى العليا في إسرائيل إلى التركيز على كلفة المعيشة المرتفعة والمخاوف المرتبطة باحتمال عزل البلاد عن أوروبا، الأمر الذي يزيد احتمال تصويتهم ليسار الوسط، وفي المقابل، يميل الناخبون السفارديم (من أصل شرق أوسطي وشمال إفريقيا) ذوو الجذور الاقتصادية الاجتماعية الأكثر تقليدية وتواضعاً إلى التركيز على التهديدات الأمنية، وبالتالي زيادة احتمال تصويتهم لليمين، وقد أدت التجزئة الواضحة للطيف السياسي إلى مجموعة متنوعة من السباقات المصغرة عوضاً عن سباق واحد شامل.

نحو اليمين

تشير استطلاعات الرأي إلى أن 54 في المئة من الإسرائيليين يعارضون خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمخاطبة الكونغرس الأميركي في 3 مارس، وفي حين قد تلعب هذه النسبة العالية من الاعتراض دوراً حاسماً في الولايات المتحدة، لا ينطبق الأمر نفسه في إسرائيل، إذ يُتوقع حالياً أن يستحوذ حزب «الليكود» برئاسة نتنياهو، على 20 في المئة من الأصوات أو ما يعادل 25 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي المؤلف من 120 عضواً، فإذا أضفنا ناخبي اليمين المتطرف من حزب «البيت اليهودي»، فمن الممكن أن تزيد حصة نتنياهو إلى نحو 30 في المئة أي 36 مقعداً، كما أن معظم المعترضين على خطابه المقبل أمام الكونغرس والذين تبلغ نسبتهم 54 في المئة يتواجدون في الجانب الآخر من الطيف السياسي، ولا يشكلون أهمية تذكر لمخططاته لجذب الناخبين إلى يمينه.

ولأسباب مماثلة، من المستبعد أن يتسبب تقرير المراقب المالي الذي صدر حديثا عن نفقات نتنياهو المنزلية الشخصية في تغيير أيٍّ من ديناميات السباق الكامنة، خصوصاً أنه يفتقر إلى دليل قاطع يكفي لتوجيه التهم الجنائية إليه، ويعتقد نتنياهو أن بوسعه اللجوء إلى عوامل أخرى للوصول إلى بعض الناخبين المتدينين أو الوسطيين في مساومات ما بعد الانتخابات، إلا أن لديه أولويات أخرى في الوقت الحالي. وتعتبر هذه المقاربة منافية للمنطق بالنسبة للناخبين في أميركا، حيث يميل المرشحون للرئاسة إلى الاعتدال خلال الانتخابات العامة على أمل اجتذاب أكبر عدد من الناخبين.

ويؤكد جدول حملة نتنياهو نواياه [في هذه المرحلة]. فعلى سبيل المثال، من النادر جداً أن زار مستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة ولايته، ولكنه قام مؤخراً بزيارة إلى مستوطنة إيلي «غير التكتلية» التي تتخطى بكثير حدود ما قبل عام 1967، كما ينوي الظهور في الخليل - التي عادة ما يصوت سكانها [اليهود] لحزب «البيت اليهودي»، وفي مستوطنة ثالثة لم تحدد بعد. وقد شكا رئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت علناً من الاستراتيجية التي يعتمدها رئيس الوزراء في حملته، لافتاً إلى أنه يجدر به التطلع إلى الوسط بحثاً عن الناخبين.

لربما يملك نتنياهو أسباباً عديدة لهذا الميل نحو اليمين، فأولاً، تقع على عاتق الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين مسؤولية تحديد الحزب الذي سيكلَّف بعد الانتخابات تشكيل ائتلاف جديد، وكان نتنياهو صرح علناً أن ريفلين سيتخذ قراره بناءً على الحزب الذي يحصد أكبر عدد من الأصوات.

وفي حين نفى مكتب الرئيس هذا الأمر معلناً أنه سينظر إلى الحزب الذي يملك الحظوظ الفضلى لتشكيل حكومة مستقرة، يبدو أن نتنياهو يشكك في الأمر، ونظراً إلى الخصومة الطويلة الأمد بينه وبين ريفلين، فإنه لا يستخف بشيء، حيث تُظهر الاستطلاعات تساوياً بين حزب «الليكود» وحزب «العمل» (الذي يسمى الآن «الاتحاد الصهيوني»)، ربما يعتبر نتنياهو هذا الأمر بمنزلة المهمة الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي.

واليوم يتمتع نتنياهو بحظوة فريدة لم تتوفر لديه عام 2013، فهو ليس المرشح المفترض الذي يتصدر السباق، ويقيناً، فإن طريقه نحو المقاعد الـ61 المطلوبة تبدو أكثر وضوحاً نظراً لميول الأحزاب المتدينة المتشددة نحو الانضمام إلى ائتلافه؛ فبعد أن أعلن هذا الأسبوع أنه سيلغي العقوبات الجنائية المفروضة على اليهود المتدينين المتشددين الذين يتهربون من قانون التجنيد الإجباري الجديد، أفادت التقارير بأن الزعماء اليهود المتدينين المتشددين قرروا دعمه في المشاورات المزمع إجراؤها مع ريفلين بعد الانتخابات. ومع ذلك، فإن الشك حول حظوظه ساعده على توحيد الصفوف ضمن حزبه طوال فترة الحملة الانتخابية.

وبما أن الكثيرين توقعوا فوز حزب الليكود عام 2013، شعر ناخبو الحزب بحرية توزيع أصواتهم على مجموعة متنوعة من الأحزاب، لكن نتنياهو أخبر هذا العام مناصري حزبه أنهم لا يستطيعون توزيع أصواتهم دون أن يجازفوا بارتقاء حزب «العمل»، وبقيامه بذلك، تملّك شعار «نحن أو هو» الذي سبق أن استخدمه غريماه اليساريان اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني.

إن استراتيجية نتنياهو أضرت ببينيت أيضاً، فهذا الأخير باشر الحملة بتوقعه أن يفوز بـ 17 مقعداً على الأقل، وربما أيضاً أن يتغلب على «الليكود»، إلا أن استطلاعات الرأي الحالية تظهر أن حزبه قد يحصل على 11 مقعداً، ما يدل على أنه عزز قاعدته بين المتدينين فقط، عوضاً عن الفوز بأصوات ناخبي اليمين العلماني.

وحين ترشح بينيت عام 2013، كان فخوراً بكونه حقق نجاحاً كبيراً في مجال التكنولوجيا المتقدمة وله حزبٌ ملتزم بالتقاليد اليهودية، ومع ذلك، فإن مبادئ «البيت اليهودي» باتت أكثر تحديداً، بينما يعتبر الناخبون أن الحزب، ولا سيما وزير الإسكان أوري أريئيل، يعطي الأولوية لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.

ورغم أن بينيت صرح علناً أنه ونتنياهو أعلنا وقف المشاحنات بينهما في بداية الحملة الانتخابية، فقد يكون لأي خلافٍ باقٍ بينهما تداعيات ما بعد الانتخابات، والسؤال الرئيسي الذي يُطرح هو ما إذا كان نتنياهو سيبقي «البيت اليهودي» خارج حكومته كما فعل عام 2009، مع أن حزب الاستيطان فاز بعدد أقل بكثير من المقاعد في ذلك العام.

ويقول عدة أشخاص متآلفين عن قرب مع تفكير نتنياهو إنه يفضل حكومة وحدة مع حزب «العمل» على حكومة يمينية محدودة، ولو لمجرد أنّ وضع المعتدلين في مراكز بارزة يساعد على عزل إسرائيل عن الضغوط الدولية المتوقعة.

حزبان مرجِّحان

عند بدأت الحملة الانتخابية، تساءل النقاد عما إذا كان بوسع حزبين أصغر حجماً أن يحافظا على توازن القوى بين حزبي «الليكود» و»العمل»، وهما حزب «يسرئيل بيتينو» («إسرائيل بيتنا») الذي يرأسه أفيغدور ليبرمان، وحزب «كولانو» (كلنا) الجديد الذي شكّله موشيه كاحلون، أحد وزراء حكومة نتنياهو عام 2009 الذي ينسب إليه نزع القيود عن قطاع الهواتف الخلوية والتدني اللاحق في تكاليف المستهلك. وفي البداية، تنبأ البعض بفوز الحزبين بما بين 25 و30 مقعداً بصورة مجتمعة، إلا أن التوقعات الحالية تشير إلى أنهما قد لا يصلان حتى إلى نصف هذا العدد.

ويعزى ذلك إلى عاملين يعوقان حزب «إسرائيل بيتنا»، وهما تحقيق الشرطة الجاري في مزاعم الفساد، والصعوبة الأكبر بالحفاظ على صفته كحزب مهاجرين روس بعد مرور 25 عاماً على موجة الهجرة الرئيسية، وبينما توقعت استطلاعات الرأي المبكرة حصول الحزب على ما يصل إلى 15 مقعداً، كان الإعلام الإسرائيلي زاخماً بالتقارير التي أفادت بأن ليبرمان قد يصبح صاحب القرار في تعيين المرشحين للمناصب العليا أو حتى أن يصبح رئيس الوزراء المقبل. إلا أن نصيب الحزب تدنى منذ نشر تلك التقارير إلى ستة مقاعد.

ويبدو أن معظم مناصري ليبرمان المرتقبين يعودون إلى معسكر نتنياهو، علماً أنه ترشح مع هذا الأخير على لائحة مشتركة بين «حزب الليكود» و»إسرائيل بيتنا» عام 2013، كما يبدو أن قدرة ليبرمان على الاضطلاع بدور مرجِّح قد اضمحلت هي أيضاً؛ فقد قال مسؤولو «الليكود» للناخبين الروس إنه قد يأخذ أصوات اليمين إلى حكومة يسار الوسط، ولكن بينما تراجعت أرقامه في استطلاعات الرأي، اضطر على ما يبدو إلى التصريح بأنه لن ينضم إلى ائتلاف يسار الوسط.

وإذا أضفنا ليبرمان إلى معطيات الاستطلاع الخاصة بكل من نتنياهو وبينيت، يتبين أن التوقعات المرتقبة لأحزاب اليمين مشابهة تقريباً لتوقعات الانتخابات عام 2013. وبالاقتران مع أصوات أحزاب اليهود المتدينين المتشددين، يحصل نتنياهو على ما يكفي من الأصوات لنيل الغالبية في الكنيست، وهذه حصيلة قد يستعين بها كميزة مهمة عند المساومة مع حزب «العمل» بعد الانتخابات.

ومن جهته، لم يحقق كاحلون الشعبية بعد، ويبدو أن نصيبه توقف عند سبعة مقاعد، ويظهر أن هذه المقاعد تأتي على حساب حزب «ييش عتيد» (هناك مستقبل) بزعامة وزير المالية يائير لابيد الذي فاز بـ 19 مقعداً عام 2013 مع أن الاستطلاع يمنحه الآن ما بين 11 و12 مقعداً. ويركّز الحزبان على القضايا الاقتصادية الاجتماعية مثل ارتفاع كلفة المعيشة، وبينما يستقطب لابيد الناخبين الأشكيناز من الطبقة الوسطى العليا من شمال تل أبيب، يجذب كاحلون المزيد من الناخبين السفارديم من منطقة مدينة تل أبيب وضواحيها. ويمكن توقع احتدام المنافسة بينهما خلال الشهر بينما المقبل.

العوامل المؤثرة

إذا حدثت أي حركة بين الكتل المتنافسة، ستكون ناتجة على الأرجح عن جهود رئيس حزب «العمل» اسحق هرتسوغ للتواصل مع الناخبين «الأقل التزاماً بحزب الليكود»، إذ غالباً ما يتأثر هؤلاء الناخبون بالتفاقم السريع في أعمال الإرهاب أو غيرها من الأعمال التي تعتبر بمنزلة تهديدات أمنية. ومنذ عام 1996، كان «حزب الليكود» يحقق الانتصارات الانتخابية كلما وقعت حادثة أمنية عشية الانتخابات، ولذلك سلّط نتنياهو الضوء على الاعتداءات الإرهابية في كوبنهاغن وباريس، وتحدث علناً عن تنظيم «الدولة الإسلامية» والقضية النووية الإيرانية، غير أن التهديد الأمني المحتمل الذي قد يصب في مصلحة خصوم «الليكود» هذه المرة هو حدوث تفاقم سريع في الاعتداءات من غزة، حيث يدّعي نتنياهو أنه عالج مشكلة «حماس» في الصيف الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للمناظرة الانتخابية بين نتنياهو وهرتسوغ أن تغيّر مجرى التوقعات، ففي انتخابات عام 1996، استفاد نتنياهو، الذي كان زعيم المعارضة في ذلك الحين، من المناظرة وأحرز نجاحاً صعباً بفارق أقل من 1 في المئة، إلا أنه رفض الدخول في مناظرة مع أيّ خصم عامي 2009 و2013، وفاز بكلا السباقين الانتخابيين.

وأخيراً، يأمل حزب «العمل» أن ترجح أصوات الناخبين المتأرجحين كفة الميزان لمصلحة هرتسوغ، لأنها أوصلت حزب لابيد إلى ثاني أكبر حصيلة عام 2013، والسؤال الذي يُطرح هو: هل بالإمكان تكرر تلك الظاهرة، وهنا يستعين مناصرو حزب «العمل» باستطلاعات الرأي التي تُظهر أنّ الناخبين المتأرجحين ليسوا راضين عن أداء نتنياهو، ما يدفعهم إلى الاعتقاد بإمكانية حدوث مفاجأة انتخابية بالفعل.

المحصلة

إنّ الطبيعة المتعددة الأقطاب للأحزاب الإسرائيلية زادت صعوبة وجود قضية شاملة واحدة تهيمن على الحملة الانتخابية. بل على العكس من ذلك، أعطت قيمة أكبر لاستقطاب الأصوات الهامشية ضمن الكتل، حيث تعتمد الأحزاب على السياسة والديمغرافيات القائمة على الهوية للمحافظة على ثبات بنيتها الإجمالية قبل شهر من الانتخابات. وحتى الآن، يعمل الوضع الراهن لمصلحة نتنياهو.

* ديفيد ماكوفسكي، باحث بارز في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، حيث يدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط. وشارك دنيس روس في كتابة Myths, Illusions, and Peace.

back to top