الثقافة والإعلام والتشاؤم

نشر في 04-03-2015
آخر تحديث 04-03-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي "لديكم برلمانات صغيرة وصريحة وجريئة هي الديوانيات، وتمثل الشكوى السمة السائدة لدى أفراد المجتمع الكويتي".

هذه خلاصة الرؤية التي خرج بها أحد الأصدقاء الأجانب بعد زيارته الأولى للكويت، التي استغرقت قرابة أسبوعين. قابل خلالها شرائح كثيرة من المجتمع الكويتي، وتنقل بين ناس ودواوين الجهراء وضاحية عبدالله السالم والفحيحيل، والشاليهات والمخيمات والبر.

في حديث مطول معه، شرح لي إعجابه بالدور الذي تلعبه الديوانية، وعبّر عن استغرابه كون جميع الشرائح التي التقاها كانت تقابله بابتسامة عابرة، وسرعان ما تنحرف إلى الشكوى. وبيّن لي تفهمه لشكوى بعض الفئات نتيجة إحساسهم بالغبن والمعاناة والوجع، لكن مكمن استغرابه تمحور حول شكوى الجميع. وأرسل جملته ضاحكاً:

"قابلت رجلاً عجوزاً كان راضياً. شعَّ وجهه بالرضا وهو يردد قناعته: الحمد لله".

والتفت إليّ قائلاً: "وقع هذا الرضا كان سيكون مختلفاً لو جاء من شاب في مقتبل العمر".

سكت لبرهة قبل أن يضيف: "تنقلت في الأسواق الحديثة "المولات" باحثاً في الوجوه عن ابتسامة، وفي الأغلب يبدو الكويتي رجلاً أو امرأة أقرب إلى شيء من التجهم، حتى في ساعات فسحته وتسوّقه!".

رمى جملته بوجهي قائلاً: "هل للأديب والمثقف دور في ذلك؟".

سافر صديقي، لكن نقاشي معه ظل عالقاً في رأسي، وظلت تساؤلاته مشرعة تبحلق بي: "لماذا أصبحت الشكوى سمة حاضرة في كل مجلس في الكويت؟ وهل للأديب والمثقف دور في ذلك؟".

مؤكد أن إجابة السؤال الأول تحتاج لمسح ودراسة ميدانية علمية، تنهض بها إحدى المؤسسات الرسمية أو الأهلية، تختار عينة كبيرة تمثل مختلف شرائح المجتمع الكويتي، وتبحث في سبب تذمرها، ثم تقوم بتحليل نتائج الدراسة للوصول إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الظاهرة. أما في ما يخصّ دور الأديب والمثقف فإن الأدباء والمثقفين وحدهم المعنيون بالوقوف ملياً أمام السؤال، والإجابة عليه.

لقد كان الأدب والفن الكويتي على الدوام مرآة صادقة وجريئة لما يجري في المجتمع الكويتي. لم يقم بنقل صور كاذبة عن هذا الواقع تجمّله بما ليس فيه، ولا هو شوّه هذا الواقع بقذفه بأوصاف وحيوات تجور عليه. وهذا يصدق على أنواع الفنون: الشعر والقصة والرواية والمسرح والتشكيل والسينما. لكن الإشكال قد يبدو متوارياً خلف بابٍ آخر، وأعني به الكتابة التقريرية، وتحديداً كتّاب الأعمدة والزوايا الثابتة، سواء كانت يومية أو أسبوعية.

الراصد للمشهد الإبداعي يعلم أن النتاج الإبداعي عادة ما يأتي متباعداً، فبين رواية وأخرى لأي روائي تمتد سنوات، لكن الكتابات الصحافية، هي على تماس يومي وتفاعلي مباشر مع القارئ، وإذا ما أخذ في الاعتبار أن شرائح كبيرة من المجتمع الكويتي تتخذ من قراءة الجريدة عادة يومية تلازمها فإن ذلك يوضح بشكل جلي أثر هذه الكتابات، وتأثيرها في رسم حالة نفسية لدى المتلقي.

القانون الفيزيائي يقول: "التراكم الكمي يؤدي إلى تغيّر نوعي". وهذا القانون يصلح تماماً على وعي الإنسان، وهو إحدى أهم النظريات التي يعمل وفقها الإعلام الغربي تحديداً، في بث برامج متوالية ومتتالية تحمل مدلولات يراد لها الوصول إلى المشاهد والتأثير المباشر وغير المباشر في وعيه وموقفه من الحياة.

إن كتابة صحافية يومية تبدأ بالعناوين الرئيسية للجرائد، وتتوزع على كتّاب الأعمدة، في مختلف الجرائد الكويتية، لكفيلة بأن تشكل ذائقة ووعي الجمهور حيال قضايا الرأي العام. لذا أظن أن نظرة فاحصة لما يجري حولنا، على القرب والبعد، تتطلب من كل كاتب أن يكون موضوعياً في تقييم الأمور. ليس المطلوب نظرة وردية للأمور، ولكن غير مقبول بث التشاؤم في نفوس شعب بأكمله.

back to top