العلم وراء طقس يتحكّم فيه الإنسان

نشر في 03-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 03-03-2015 | 00:01
لن تحلّ عملية الاستمطار مصاعب الشتاء، ولن تعد، على الأرجح، بسماء صافية في أيام الزفاف أيضاً.
لم يكن الشتاء ممتعاً لمعظم مناطق الولايات المتحدة. فقد غطت كمية غير مسبوقة من الثلج مدناً مثل بوسطن، في حين نشرت درجات حرارة تحت الصفر ورياح باردة لا تهدأ الصقيع  من شيكاغو إلى أتلانتا.

في أوقات مماثلة، يبدأ بعض الناس بالتساؤل عما إذا كان الإنسان قادراً على محاربة البرد بطرق غير ارتداء طبقات عدة من الملابس واللجوء إلى وسائل التدفئة. قد يحلم البعض: ماذا لو استطعنا ذات يوم أن نفكك الغيوم التي تسبب المطر والثلج وسائر المتساقطات الشتوية؟ ماذا لو استطعنا لمرة التحكم في الطقس؟

هذا ممكن. نسمع كثيراً عن تبديل الطقس، في الآونة الأخيرة، في مناظرات حول مَن (الحكومة أو الشركات الخاصة) يجب أن يقوم بالتبديل وما قد تكون تأثيرات ذلك الصحية وغيرهما من المسائل. وتطرح هذه المسائل، عادةً، عندما نكون بحاجة إلى طقس أفضل.

خدمة تبديل الطقس

كما خلال أيام الزفاف مثلاً. أعلنت شركة Oliver's Travels الفاخرة في المملكة المتحدة أنها تقدم خدمة تبديل الطقس التي تساهم في تبديد الغيوم وتضمن سماء صافية باستخدام الاستمطار، عملية تشجع على سقوط المطر قبل يوم الزفاف المنتظر. لكن الشركة تطلب ثلاثة أسابيع لتدرس وتبدل طقس موقع الزفاف مقابل 150 ألف دولار.

أذهل هذا الإعلان بروس بوي، نائب رئيس قسم علم المناخ في Weather Modification, Inc.، شركة في داكوتا الشمالية تجري أبحاثاً وتنفذ عمليات استمطار فوق المزارع التي تحتاج إلى المطر. اتصلت ببوي، الذي درس العواصف وقاد طائرات منذ 1974 لأعرف ما إذا كان الاستمطار يؤدي إلى سماء صافية، وبالتالي يحدّ من برد الشتاء في المستقل.

بعد تأمل عرض Oliver's Travels، أخبرني بوي أن من المستحيل ضمان طقس صافٍ. قال: {لا نعتقد أن ثمة طريقة يُعتمد عليها لمنع تساقط الأمطار والثلوج. لذا نفاجأ حين نسمع أن آخرين يظنون أنهم يستطيعون تحقيق ذلك}.

ثمة عقبات تحول دون التحكم بالطقس، حسبما يوضح. يمكن استمطار عدد محدود من الغيوم. رغم ذلك، تظل أنماط الطقس صعبة التوقع، حتى مع أفضل أدوات توقع الأحوال الجوية. فمقياس جو الأرض أكبر من أن نتمكن من التلاعب به، في الوقت الراهن على الأقل (لم تردّ Oliver›s Travels على طلبنا إجراء مقابلة معها، إلا أن هذه الشركة تذكر على مدونتها: {تؤدي التكنولوجيا والأبحاث الجديدة إلى نتائج موثوقة تجعل من عملية الاستمطار نشاطاً يُعتمد عليه}).

مطر وجليد

الأهم من ذلك أن الاستمطار قد يؤدي إلى أشكال مختلفة من المتساقطات: تؤدي عملية Glaciogenic seeding إلى الجليد باستخدام عامل تنوية (يوديد الفضة، الذي يجذب الماء) لتسريع تشكل الغيوم. أما عملية Hydroscopic seeding، فتشمل إطلاق تشكل القطرات الصغيرة أو جعل القطرات الصغيرة أكبر حجماً، ما يؤدي إلى تساقط المطر.

أوضح بوي: {فكر في هذه المسألة على أنها علم فيزياء الغيوم التطبيقية. فنحن لا نبدل الطقس، بل نبدل عمليات التساقط في الغيوم}.

حتى العلماء الذين ابتكروا الاستمطار أدركوا بسرعة أن تبديل الطقس، ككل، يشكل هدفاً بعيد المنال. ففي عام 1946، أجرى عالم الكيمياء في {جنرال إلكتريك} فنسنت شايفر تجارب لإنتاج المتساقطات، مستخدماً الثلج الجاف البلورات. وعمل بعد ذلك مع برنار فونغات (نعم، شقيق كورت) لتطوير ديود الفضة، ذلك المركب الذي يعزز حجم قطرات الماء ويسبب المطر والثلج في الداخل. كانا متحمسين كثيراً في البداية: وفي مقابلة مع الجمعية الأميركية للأرصاد الجوية (1993)، تذكّر شايفر شعوره عند نجاح تجربته مع الثلج الجاف:

كان يوماً حاراً ورطباً وكنت أستخدم غرفتي كثيراً. لذلك قررت أن أبردها بوضع قليل من الثلج الجاف فيها. وفي غضون ثوانٍ تحول الثلج الجاف إلى سحابة شديدة البرودة، وتحول كل شيء إلى بلورات ثلج. وهكذا أدركت أنني حصلت على الجواب. كان هذا حدثاً يفوق الوصف... عرفت أنني اكتشفت أمراً بالغ الأهمية.

برهنت هذا في عدد من اللقاءات العلمية. وأثار هذا الاكتشاف اهتمام الجميع. اقترب مني هاري وكسلر [كبير العلماء آنذاك في مكتب الطقس الأميركي] وقال: «قبل عشر سنوات، كنت أستخدم الثلج الجاف لأضبط موازين الحرارة في غرفة باردة، ولم أكن ذكياً كفاية لأدرك مدى أهمية ذلك». فقد كان يملك كل ما حصلت عليه، إلا أنه لم يراقب هذه الظاهرة.

ولكن مع مضي الأبحاث قدماً، اعتبر شايفر وفونغات تعديل المناخ محاولة لتحسينه أكثر منه لتغييره. ذكر بوي: {ظنا في البداية أنهما سيتمكنان من التحكم في الطقس. لكننا أدركنا منذ ذلك الحين أن هذا ليس ممكننا بقدر ما اعتقدنا}.

ابتكارات طموحة

رغم ذلك، لأن هذه الإمكانات تبدو أقرب إلى الخيال العلمي (يشكل ضبط الطقس قوة خارقة في النهاية)، أدى تعديل المناخ دوماً إلى ابتكارات طموحة ووعود بسماء صافية. ذكر بوي مدافع البرد، التي تزعم أنها توقف عواصف البرد بإنتاج موجات صادمة. وتُستخدم هذه، عموماً، في أوروبا منذ مطلع القرن العشرين، إلا أن ما من أدلة على أنها توقف البرد فعلاً.

لكن لا يعني ذلك أن العقود التي تلت تجارب شايفر وفونغات مع الثلج الجاف لم تشهد أي تقدم. صحيح أن تغيير الطقس بالكامل قد لا يصبح ممكناً أبداً، أشار بوي أن التقنية المستعملة حققت تقدماً كبيراً. ففي عام 1978، مثلاً، قاد طائرات عبر السحاب من دون الاعتماد على نظام تحديد المواقع العالمي، واستخدم مسدسات ثاني أكسيد الكربون لالتقاط قطرات السحب على شرائح من زجاج. وكان عليه، بعد ذلك، حمل الشرائح إلى المختبر، حيث عمل على تفحصها تحت المجهر.

أما اليوم، فيستعمل مثابر بصرية، الديودات، والليزر التي تظهر في الحال حجم الجزيئات وشكلها وعددها في السحب حيث يحلق. وقبل الإقلاع، يستطيع محاكاة عملية الاستمطار ليختار السحب المناسبة. ولا تُعتبر هذه الطريقة أكثر فاعلية فحسب، بل أكثر دقة أيضاً، ما يساعد بوي وفريقه، حسبما يقول، على فهم أنماط الطقس وعلم السحب أولاً، قبل أن يتمكنوا من الانتقال إلى احتمالات تبديل المناخ بالكامل.

ختم: {نسعى إلى التقدم على كل هذه، وهذا وقت مثير للاهتمام للعمل في الميدان. لكني ما زلت أنتظر اليوم الذي نتوقف فيه عن تسميته ‘تبدل الطقس’ ونبدأ بدعوته ‘تبديل السحب’}.

back to top