Mind Change... التكنولوجيا الرقمية تدمر العقل

نشر في 03-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 03-03-2015 | 00:01
في Mind Change (تغير الفكر)، تُظهر عالمة الأعصاب والسياسية البريطانية سوزان غرينفيلد أن التكنولوجيا ليست مصدر إدمان فحسب، بل تشكل تهديداً وجودياً، أيضاً. تكتب أن الدماغ «يتمتع بقدرة تطورية على التكيف مع بيئته»، وأن العالم الرقمي يتبدل بسرعة أكبر من أن يتمكن الأفراد والحكومات من مجاراتها. تُدمر حياة كثيرين. يعتبر زوجان كوريان المثال إذ قاد حبهما لألعاب الفيديو إلى تجويع طفلتهما الحديثة الولادة. لكن التحذيرات ليست أقل خطورة بين مليارات المستخدمين العصريين: خسارة كبيرة في التعاطف خلال العقد الماضي وتراجع حاد في نشاطات الأولاد خارج المنزل.

منذ العمل الرائد الذي قدمه واضع النظريات الإعلامية مارشال ماكلوهان في ستينيات القرن الماضي، أوضحت مجموعة من الخبراء ما أصابنا من العصر الإلكتروني. فقد أكد كثر، على غرار صاحب الرؤية الكبيرة في عالم الكمبيوتر دوغلاس إنغلبارت، أن الأدوات الرقمية {زادت} ذكاء الإنسان وعززت الديمقراطية المترابطة.

لكن آخرين، مثل عالمة النفس شيري توركل التي درست في عملها المتقن The Second Self عام 1984 الجيل الأول من الأولاد الذين تربوا مع الكمبيوتر، انتقلوا من التفاؤل إلى الانتقاد الصادق. وعبَّر البعض عن عدائيتهم، مثل الكاتب في مجال التكنولوجيا نيكولاس كار الذي وصف حياة العقل الرقمي بـ}السطحية}.

يبدو أن علم الأعصاب، حقل يسعى إلى أن يكون الحكم العلمي في المسائل الاجتماعية، صُمم خصوصاً لتقييم وجودنا القائم على الوصلات والأسلاك. تذكر سوزان غرينفيلد في كتابها Mind Change أن العقل السليم يشبه المجتمع السليم. وكما أن الأفراد يتبدلون مع الوقت، كذلك الخلايا العصبية، من مرونة الاستكشاف لدى الشباب إلى ضوابط النضوج لدى البالغين.

يصبح الدماغ مفكراً بتنسيق {مجموعات الخلايا العصبية}، التي تعمل بتناغم، مكسبةً الإنسان فاعلية واستقراراً مع خروجنا من مرحلة المراهقة. ونبلغ ذروة الفكر عندما نتقن منطق الماضي، الحاضر، والمستقبل في صنعنا القرارات. لكننا نعيش النقيض، غياب العقل، عندما نسعى وراء الحواس، الميول الغريزية، المكافأة السريعة، علماً أن هذه الخصال تميز الأولاد، المدمنين، مرضى السمنة، و}الرياضة، الجنس، الرقص، والحلم السريع الوتيرة}.

علاوة على ذلك، توضح أن افتقار عالم الإنترنت إلى التسلسل السببي والعواقب الفورية وتقديمه ولوجاً فورياً إلى المعلومات من دون أي توجيه أو إرشاد، أدى إلى تقلص مدى انتباهنا وتراجع تفكيرنا العميق، وذبول الروابط بين الناس. ولعل الأكثر تأثراً {سكان العصر الرقمي الأصليين} الذين ولدت {أدمغتهم اللدنة الحساسة} في بيئة تقلب آلاف السنين من التطور رأساً على عقب.

يحدّث Mind Change نظرة قديمة إلى التكنولوجيا وتراجع الحضارة. في مطلع القرن العشرين، تساءل عالِم الاجتماع الشهير وليام أوغبرن عن الطريقة التي قد يتطور بها المجتمع في حين أن البشر لم يتبدلوا بيولوجياً منذ 25 ألف سنة. استند جوابه إلى مفهوم التغير التكنولوجي المبتكر حينذاك. تؤكد غرينفيلد أن الثورة الرقمية استغلت ميلنا البيولوجي إلى {غياب العقل}. وتعدد دراسات في المختبر اكتشفت أن الانكباب على مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو يطلق الدوبامين بالطريقة عينها كما المأكولات السريعة أو عقار Ecstasy.

وفي كتيبه المثير للجدل You and Machines (1934)، أظهر أوجه الاختلاف بين {الهنود ببشرتهم النحاسية} وسكان عصر الآلة الأصليين الضعفاء، الفاسدين، والميالين إلى الطلاق، الذين، في أقل من جيل، فقدوا الاتصال بالطبيعة والتقاليد. لكن التقدم التكنولوجي السريع لم يكن شراً أو خيراً، كذلك لم يكن بالإمكان وقفه، ما فرض على الخبراء (وهو أحدهم) مساعدة الحكومة، قطاع الصناعة، والأفراد على التأقلم.

يضيف توضيح غرينفيلد انعكاس عدم التوافق  بين الإنسان والآلة على الدماغ عاملاً مهماً إلى هذه النظرة الشاملة عن التكنولوجيا. علاوة على ذلك، يسعى هذا الحقل إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية بحد ذاتها (مثل ألعاب فيديو علاجية) لمحارية التأثيرات السيئة للتكنولوجيا الرقمية.

تغير فكري

وتطرح غرينفيلد إستراتيجية من أربعة أجزاء لمواجهة {التغير الفكري}: تخصيص مساحة أكبر للخبراء العلميين في وسائل الإعلام التقليدية، إجراء علامات مسح للمجتمعات حول العالم، تعزيز تمويل الدراسات المخبرية والوبائية، استخدام برامج الكمبيوتر لمحاربة {النواقص التي تبرز من الوجود الذي يعتمد بإفراط على الشاشة.

طورت غرينفيلد هذه السياسة العصبية وهي تحت الأضواء لا في المختبر. فقد ولدت فكرة Mind Change من مناظرة عام 2009 في مجلس اللوردات البريطاني الذي تشكل فيه عضواً مدى الحياة. لكن مكانتها كعالمة مشهورة تميل إلى الاستفزاز عرضتها لدفق من الانتقادات.

نُشر Mind Change في بريطانيا خلال الصيف الماضي ليصطدم برد فعل قوي. على سبيل المثال، كتب الصحافي العلمي مارتن روبنز في صحيفة Guardian أن من الصعب ألا نعتبر ازدراء هذا الكتاب بالجيل الرقمي الأصغر سناً إهانة شخصية. كذلك انتقدت دوروثي بيشوب، خبيرة متخصصة في علم الأعصاب التطوري في أكسفورد، غرينفيلد لتلميحها إلى أن التكنولوجيا الرقمية تسبب التوحد. كذلك استهجنت، على غراري أنا، أن هذا الكتاب اعتمد أدلة عابرة مثل مقالات من Daily Mail، علماء نفس على التلفزيون، مؤيدو الحركة المستقبلية، ورسالئل إلكترونية من أصدقاء، بقدر اعتمادها على أبحاث علمية متقنة ومثبتة.

إذاً، يشكل Mind Change فرصة ضائعة. فمن الممكن {لنظرة شاملة ومتوازنة} تفتح سبل الحوار بين علم الأعصاب وعلم النفس، الدراسات الإعلامية على غرار It’s Complicated (كتاب لدانا بويد من الضروري قراءته عن حياة المراهقين الرقمية)، وسياسة التكنولوجيا أن تقدم صورة واضحة عن التكنولوجيا وحالة الإنسان. تقترب غرينفيلد في لحظات من هذه الخلاصة، فضلاً عن أنها تتمتع بموهبة نادرة في توضيح العلوم بعبارة بسيطة مفهومة. لكن Mind Change يمثل كتاباً جدلياً بدل أن يضع الأساس. فهو يستخدم العلم كوسيلة كلامية لتحفيز الداعمين وإسكات كل مَن يتهمونها بأنها ممن تسميهم {محبو الخوف}.

تبدأ غرينفيلد مقارنة نفسها بعالم مناخ قبل فترة يواجه إدارة تزدري به. لكن إن كانت تطمح إلى تبدل نموذجي مماثل، تحتاج هي وأمثالها من الخبراء إلى أدلة أقوى وحجج أدق، وإلا لن يغيروا عقولاً كثيرة.

back to top