ماذا يحدث إن خرجت اليونان من {اليورو}؟

نشر في 01-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 01-03-2015 | 00:01
تستعد المصارف عبر أوروبا، بما فيها المصرف المركزي الأوروبي، لاحتمال أن تترك اليونان منطقة اليورو. فبما أن أثينا وبروكسل لم تتفقا بعد، تبدو هذه النهاية وشيكة أكثر من أي وقت مضى. ولكن ما الاضطرابات التي سيسببها خروج اليونان؟ تلقى 30 من كبار المديرين في مصرف ألماني مهم أخيراً رسالة نصية وبريداً إلكترونياً في الوقت عينه. بعيد ذلك، رن هاتفهم الخلوي وأعطاهم صوت آلي كلمات مرور وأرقاماً للاتصال بها عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً للانضمام إلى مؤتمر عن بعد مع مجلس المديرين. شكَّلت موجة التواصل هذه الخطوة الأولى من خطة طوارئ المصرف لمواجهة {خروج اليونان}: استراتيجية وُضعت في وثيقة من عشرات الصفحات تفصل طريقة تفاعل المديرين إذا خرجت اليونان من منطقة اليورو.

طُلب من كل من مديري المصرف الثلاثين الاطلاع بدقة على تدابير الطوارئ كافة التي تخصه هو وقسمه. وكان من الضروري نقل المعلومات إلى مجلس مشرف. كذلك يجب إبقاء المسؤولين العامين مطلعين على التطورات كافة، تماماً مثل وزير المالية الألماني. دعت هذه الخطة أيضاً، بحسب {شبيغل} إلى تهدئة روع كبار المستثمرين. فينبغي الإجابة عن الأسئلة المرتبطة بخسائر المصرف المحتملة بسبب السندات اليونانية، فضلاً عن توضيح أي تبدلات في التعاملات المالية مع اليونان، عندما لا تعود تشكل جزءاً من منطقة العملة الموحدة.

شمل هذا الرد أيضاً عمليات التواصل الداخلية في المصرف، مع نشرة التوجيهات للموظفين الذين يتعاطون مع هذا الوضع الجديد على الشبكة الداخلية لهذه المؤسسة المالية. كذلك كان من الضروري إبقاء العملاء وحاملي الأسهم على اطلاع على المجريات كافة.

نحو الساعة السادسة مساء، وصلت الأزمة إلى نهايتها مع حلول الظلام. وهكذا ذهبت خطة «خروج اليونان» سدى، في الوقت الراهن على الأقل.

تُطرح سيناريوهات مماثلة في مختلف أنحاء أوروبا هذه الأيام، في حين تستعد الشركات، المصارف، والحكومات كلها لأسوأ ما قد يحدث، علماً أن هذا الوضع لا تتناوله قوانين منطقة اليورو وأسسها: خروج إحدى الدول الأعضاء من منطقة العملة الموحدة.

تقدمت حكومة اليونان الجديدة بقيادة رئيس الوزراء ألكسي تسيبراس أخيراً بطلب توسيع برنامج إنقاذها. ولكن من وجهة نظر وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، أخفق في تحقيق الشروط التي حددتها مجموعة اليورو. تحدثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عبر الهاتف مع تسيبراس وتواصلت المفاوضات، مع تحديد موعد الجولة التالي. ولكن حتى لو توصلا إلى تسوية في النهاية، لن تكون لعبة المقامرة العالية المخاطر قد انتهت. فعلى الطرفين الاتفاق على خطة جديدة لرعاية هذا البلد إلى أن يستعيد عافية المالية.

بعيد عن البساطة

لن يكون على دائني اليونان، الذي يُعرفون اليوم بـ{المؤسسات} لا {الترويكا}، التوصل إلى اتفاق مع أثينا بشأن معدلات الفائدة وفترات التسديد فحسب، بل أيضاً مسائل مثل الحد الأدنى للأجور والزيادات في فوائد التقاعد. ولا شك في أن احتمال {خروج اليونان} سيحوم حول المحادثات طوال الوقت.

لن تكون هذه المفاوضات بسيطة. فمن جهة نرى داعمي حزب تسيبراس اليساري الشعبوي {سيريزا}، كثيرون منهم ما زالوا يعيشون في عالم مخلفات الأحزاب الشيوعية التي تعود إلى حقبة سبعينيات القرن الماضي. ومن جهة أخرى نلاحظ أن 18 وزير مالية في منطقة اليورو اجتمعوا معاً لاستهداف وعود حملة تسيبراس. أراد حزب سيريزا زيادة الإنفاق العام، في حين سعت مجموعة اليورو إلى حده. كذلك تخطط أثينا لزيادة عدد الموظفين الحكوميين، بينما تعتقد مجموعة اليورو أن من الضروري خفض الإنفاق. وتظن منطقة اليورو أيضاً أن تخصيص أصول عائدة للدولة يجب أن يشكل أولوية، لكن حكومة تسيبراس علقت تنفيذ هذا البرنامج في الوقت الراهن.

الجو السائد سام. طوال أسابيع، قدّم رئيس الوزراء تسيبراس ووزير المالية جيانيس فاروفاكيس لشركائهما في منطقة اليورو طلبات بقيمة مليارات اليورو من دون إعطائهم اقتراحاً منطقياً واحداً بشأن تسديد هذه الخطط. وأخيراً، قدّم شويبله إنذاراً بلغة إنكليزية غير متقنة يلجأ إليها عادةً عندما تتخذ الأمور منحى جاداً. قال: {في الثامن والعشرين من فبراير عند منتصف الليل ينتهي كل شيء}.

لا شك في أن شويبله بدا أحياناً كمن يؤدي دور الأب الصارم الذي يحاول إبقاء ابنه المراهق المتمرد ضمن الحدود. لكنَّ يونانيين كثراً شعروا بالإهانة بسبب لهجة التشاور، التي لا تُعتبر ملائمة البتة للمهمة قيد المعالجة: التوصل إلى تسوية بين موقفين يبدوان متناقضين تماماً.

يعتمد النجاح إلى حد كبير على تقديم تسيبراس التنازلات. قد يحصل على الأرجح ببعض التخفيفات في مجال معدل الفائدة أو قد يُسمح له بتحسين الأوضاع الاجتماعية في اليونان. إلا أن عليه أيضاً الموافقة على المضي قدماً بتدابير التقشف وتطبيق الإصلاحات التي فرضها دائنو هذا البلد، علماً أن هذا سيكون نقيض ما وعد به الناخبين اليونان خلال حملته.

أما البديل الوحيد المتوافر، فهو خروج اليونان من اتحاد العملة الموحدة، علماً أن كلا الطرفين منهمك اليوم في احتساب تداعيات خطوة مماثلة. ما سيكون انعكاس التخلي عن اليورو على اقتصاد اليونان؟ كم ستكون الكلفة عالية بالنسبة إلى منطقة اليورو؟ وما ستكون العواقب المحتملة في حال أدارت أثينا ظهرها لأوروبا؟

يستعد المصرف المركزي الأوروبي بدوره لاحتمال خروج اليونان. فيبدو المسؤولون منهمكين في إعداد عمليات محاكاة داخلية في محاولة لتحديد كيفية الحفاظ على تماسك سائر منطقة اليورو في حال خرجت اليونان. يعتقد مسؤولو هذا المصرف أن احتمال خروج اليونان ازداد في الأيام الأخيرة، ورغم محاولات الإنكار الملحة، يحضون أثينا على تطبيق أخيراً بعض الضوابط المالية للحد من هرب رؤوس الأموال المتواصل. فكل يوم، يرسل اليونانيون مليار يورو إضافياً إلى الخارج، وفق مسؤولي المصرف المركزي الأوروبي.

يصرّ المعنيون كلهم على أنهم لا يريدون أن تخرج اليونان من اتحاد العملة الموحدة. لكن هذه الخطوة قد تصبح في النهاية حتمية، إن بات الشرخ السياسي بين أثينا وبروكسل أكبر من أن يُسد.

المقرات

ينبض قلب هذا الحزب اليوناني في ساحة كوموندورو، لكن واقع أنه لا يزال ينبض يُعتبر مذهلاً بسبب سحابة دخان السجائر الكثيفة التي تلف مقر حزب سيريزا المؤلف من سبعة طوابق. يقع هذا المبنى العالي في قلب تشايناتاون في أثينا.

كانت قيادة الحزب في البرلمان لانتخاب الرئيس الجديد خلال زيارتنا. لكن معسكر الحزب الرئيس، أي المقهى في الطابق الأول، كان مكتظاً. وبدا واضحاً العدد الكبير من الموظفين المخضرمين، رجال غزا الشيب شعرهم ويرتدون معاطف رياضية بنية، وكلهم يدعون أنهم شيوعيون، إلا أنهم {ليسوا متعصبين}. ومن هؤلاء أليكوس كاليفيس، عضو في مكتب سيريزا السياسي، قائد اتحاد العمال، وموظف مصرف متقاعد. يقول، ساحباً كمية دخان كبيرة من سيجارته: {يريد الألمان والنخبة الأوروبية خنقنا. لماذا؟ لأنهم لا يريدون أن تتحوَّل اليونان إلى سابقة}.

ولكن ما العمل إن ظلَّت مجموعة اليورو غير مقتنعة بحجج مماثلة؟ {يجب أن يقتنعوا، وإلا سيكون الوضع أشبه بما لو أن الانتخابات لم تحدث. لا نستطيع في أي حال من الأحوال أن نرضى بحل يفرض علينا التخلي عن مبادئنا}.

تصيح جورجيا فيليو، التي تعمل في المقهى، وهي واقفة قرب المغسلة: {حتى لو سقطنا في المعركة، فنسقط ورأسنا مرفوع}. ثم تجفف يديها، تتّجه نحو حاسوبها المحمول، وتبدأ بالتحدث عن {180 ملياراً لا تزال ألمانيا تدين بها لنا منذ أيام الحرب}.

يشكل مقر حزب سيريزا عالمه الخاص. يبدو عالمياً، إلا أنه معزول إلى حد ما عن العالم الخارجي وعائلي نوعاً ما. يشكِّل هذا المقر ملجأ لا تزال المبادئ القديمة قائمة فيه. لكن هذا الملجأ أدى إلى ولادة حكومة جديدة في بلد أوروبي في القرن الحادي والعشرين. وهو أيضاً ملجأ منح تسيبراس الدعم الذي يعتمد عليه. فكم خيبة أمل يستطيع أتباعه التحمل}.

يوضح فاسيليوس بريميكيريس: {انتظرت طوال حياتي كي يبلغ الغضب ضد النظام الطبقات الوسطى. وهذا ما يحدث اليوم}. أمضى طبيب التخدير هذا البالغ من العمر 63 سنة حقبة الحكم العسكري اليوناني المستبد في المنفى في إيطاليا. لكنه عاد اليوم ليشارك في اللجنة المركزية لحزب سيريزا.

يؤكد أن نجاح سيريزا محتم، ويصرّ على أن تسيبراس ما زال يتمتَّع بقوة في أوروبا. يقول: {يشكل خروج اليونان حلاً مكلفاً جداً للمعنيين كلهم}. بعد ذلك، ستبدأ أسماك القرش، وفق بريميكيريس، بالبحث عن فريسة جديدة، مثل إيطاليا أو إسبانيا. ويضيف: {تنبش ميركل قبر أوروبا. أما تسيبراس، فيبدو معزولاً مثل إفيجينيا، إلا أنه ليس كذلك. فمَن سيموت هو أغاميمنون الحاكم}.

المفوض

فلاديس دومبروفسكيس رجل خجول. كان نائب رئيس المفوضية الأوروبية الجديد عالم فيزياء، وحصد في بروكسل شهرة بأنه من السياسيين الذين لا يتكلمون إلا إذا كانوا يملكون ما يريدون قوله.

علاوة على ذلك، يدرك عالم الفيزياء هذا (43 سنة) من لاتفيا كيفية قيادة بلد خلال الصعوبات المالية. فعندما رزحت هذه الدولة من دول البلطيق تحت وطأة الأزمة المالية عام 2009، كان دومبروفسكيس رئيس الوزراء وسارع في الحال إلى الحد من عدد الموظفين العامين الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة بنسبة 30% وخفض أجور المتبقين بنحو 40%. وبعد سنتين، عاود اقتصاد بلده النمو. أخبر دومبروفسكيس شبكة BBC عام 2011، موضحاً قصة نجاح لاتفيا: {تقنع الأسواق المالية أنك جاد بشأن التعديلات وتعيد إرساء الاستقرار المالي}.

أصبح دومبروفسكيس اليوم المفوض الأوروبي لشؤون اليورو والحوار الاجتماعي، واعتمد مقاربة حازمة في الخلاف بشأن الدين مع اليونان، علماً أنه يبرر موقفه هذا بالاستناد إلى ماضيه السياسي. يذكر: {وفق البرنامج، لا تتلقى اليونان التمويل إلا في ظل ظروف محددة. وسيبقى الوضع كذلك بعد الأول من مارس أيضاً}.

لا يفهم دومبروفسكيس اليونانيين. قبل الانتخابات في شهر يناير، كان الوضع يتحسن في البلد. كانت الحكومة في أثينا تدخل أموالاً أكثر مما تنفق (على الأقل بعد حذف دفعات الفائدة)، وكان الاقتصاد ينمو. وأشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أخيراً إلى أن هذا البلد {حقق تقدماً مذهلاً}.

كانت فرص الأثينيين في مرحلة ما كبيرة بالحصول على مساعدة جديدة من بروكسل، ما كان سيتيح للحكومة مجال مناورة أكبر لتتخذ قراراتها الخاصة بشأن الموازنة، بيد أن انتخاب تسيبراس بدَّل الوضع جذرياً. فقد دعم يونانيون كثر دفع الضرائب أو دفعوا أقل، متوقعين الاقتطاعات الضريبية التي وعد بها خلال حملته. في هذه الأثناء، قللت الشركاء استثماراتها خوفاً من الحكومة اليسارية. نتيجة لذلك، عادت الثغرات في الموازنة الوطنية كبيرة بقدر ما كانت سابقاً.

تشير المصادر في بروكسل إلى أن الخطوات الأولى التي اتخذتها الحكومة اليونانية الجديدة قوضت أي أمل بحل قريب. يذكر أحد المسؤولين في بروكسل: «ما عاد أمام اليونانيين اليوم أي خيار آخر غير التقدم بطلب للحصول على برنامج إنقاذ كامل ثالث». فلا يعرب دومبروفسكيس، الذي نادى بالتقشف والتضحية للاتفيين طوال سنوات، عن أي ميل للتراجع أمام الأثينيين. ويشاركه في هذا الموقف عدد كبير من وزراء المالية. ويضيف مصدر آخر في مجموعة اليورو أن المفاوضات المقبلة «ستكون أكثر صعوبة من كل ما شهدناه حتى اليوم».

كلفة خروج اليونان

يقضي عمل أثاناسيوس كيليميس، بصفته رئيس الغرفة التجارية اليونانية-الألمانية، باجتذاب أكبر عدد ممكن من الشركات إلى اليونان، خلال الظروف العادية على الأقل. ولكن في الوقت الراهن، يواجه كيليميس صعوبة في الترويج لبلده. فمن دون مستقبل واضح المعالم، لا يستطيع، على حد قوله، إلا أن ينصح الشركات بعدم استثمار أموالها في البلد. يذكر: {ينتظر الجميع لمعرفة ما سيحدث. سيكون 2015 عاماً ضائعاً للاقتصاد اليوناني}.

صحيح أن خروج اليونان لا يشكل، حسبما يُفترض، موضوع نقاش بين أثينا واليونان، لكن الجميع في الواقع يفكرون في هذا الاحتمال، إما صدفة أو بإدراك أن هذا الخروج قد يكون أهون الشرين.

إذا خرجت اليونان من منطقة اليورو، فعلى الحكومة أن تروج لعملة جديدة في ليلة وضحاها وستكون قيمتها متدنية مقابل اليورو. وسيؤدي هذا إلى الفوضى، في البداية على الأقل. ستترنح المصارف بخطر، فيما ترتفع معدلات الفائدة بسرعة وتفلس الشركات. كذلك سيرتفع عدد حالات التعثر بنسبة 50% وبنحو 30% إضافية في السنة التالية، حسبما يتوقع لودفيك سوبران، كبير خبراء الاقتصاد في شركة تأمين الائتمان Euler Hermes. حتى شركة الكهرباء الكبرى في البلد، PPC التي تملكها الحكومة، قد تفلس، وفق توقعات وكالة Standard and Poor’s.

لمنع الناس من التهافت إلى المصارف، سيُضطر هذا البلد إلى فرض ضوابط موقتة على تدفق الأموال. فستُمنع عمليات تحويل المال إلى الخارج، ستُفرض الحدود على سحب الأموال من آلات الصرف الآلي، وستُعلّق عقود المزودين. كذلك من الممكن ألا تعود الأدوية والمنتجات الغذائية متوافرة إلا في السوق السوداء، ولن تُباع على الأرجح إلا بالعملات الصعبة.

إحدى العواقب المحتملة لتراجع قيمة العملة أيضاً ارتفاع دين الحكومة اليونانية الحالي من معدل 175% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 230%، حسبما يظن المحللون في مصرف Commerzbank الألماني. نتيجة لذلك، ستعجز أثينا عن سد خدمات الدين العائد لجزء كبير من قروضها، وسيفتقر البلد إلى الملاءة جزئياً على الأقل.

من الصعب توقع كيفية تفاعل الناس مع أوضاع مماثلة. فقد تلت إعلان الأرجنتين الإفلاس عام 2001 أعمال شغب ونهب عنيفة. ويُظهر مثال الأرجنتين أيضاً كم يحتاج الاقتصاد من وقت ليتعافى من أزمة مماثلة. فقد ترك عشرات آلاف الأرجنتينيين البلد، وكان كثيرون منهم من المتعلمين. ولا شك في أن يونانيين كثراً سيحذون حذوهم. وستهتز ثقة المستثمرين الدوليين. ومن المرجح أن الحكومة اليونانية ستواجه صعوبة في جمع المال لسنوات.

معضلة أوروبية

من الممكن ضبط مخاطر خروج اليونان في منطقة اليورو بأكملها. ولا شك في أن المصرف المركزي الأوروبي سيستخدم التدابير المتاحة له كافة للدفاع عن اتحاد العملة. من الناحية السياسية، من الممكن استخدام آلية الاستقرار الأوروبي، صندوق الدعم الأوروبي الذي برهن أنه أداة فاعلة في تأمين أموال الطوارئ للدول، في حال خرجت التداعيات عن السيطرة. فما زال نحو نصف تريليون يورو موضوعة جانباً. كذلك أثنى صندوق النقد الدولي على مجموعة اليورو لبنائها {جدار نار} يمنع الاضطرابات الناجمة عن خروج اليونان من الانتشار إلى دول أخرى.

لكن الأهم من ذلك أن الدول الواقعة على أطراف منطقة اليورو ما عادت عرضة للخطر كما كانت خلال تفشي اضطرابات اليورو عام 2010. صحيح أن مردود سندات حكومتي إسبانيا وإيطاليا قد يرتفع قليلاً عقب خروج اليونان، إلا أن الخبراء في Commerzbank يتوقعون أن {ما من خطر انهيار}.

لكن هذه الخطوة قد تؤدي إلى خسائر مالية للدول التي أقرضت اليونان المال. فقد قدَّمت الدول الشريكة، صندوق الإنقاذ الأوروبي، وصندوق النقد الدولي 240 مليار يورو لليونان. كذلك ضمَّنت ألمانيا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة نحو 65 ملياراً من القروض. وإذا خرجت اليونان من اتحاد العملة، فقد يضيع جزء كبير من هذه الأموال.

رغم ذلك، لن تشكل هذه خسائر كبيرة في السنوات المقبلة. فمع تعليق دفعات الفائدة وتسديد قروض الإنقاذ حتى عام 2020، لا تحاول اليونان اليوم تسديد خدمة هذه الديون في الوقت الراهن. ولن تُضطر ألمانيا إلى تسجيل أي من هذه الخسائر إلا بعد فترة طويلة.

لكنَّ اليونانيين قد يسببوا الخسائر في مكان آخر. فبصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، يحق لليونان أن تتقدم بما يُدعى {مساعدة موازنة الدفعات} من بروكسل. يتوافر هذا النوع من المساعدة لدول الاتحاد الأوروبي التي لا تشكل جزءاً من منطقة اليورو والتي تواجه المشاكل. وتشكل المجر ولاتفيا مثالين لدول استغلت هذه المساعدة.

فرص؟

قد تؤدي عملة أقل ثمناً في الوقت عينه إلى بعض الفرص الجديدة، فستجعل الصادرات اليونانية أقل كلفة بكثير. على سبيل المثال، يعتقد هانز-ويرنر سين، رئيس المؤسسة الفكرية الاقتصادية في ميونخ Ifo، أن هذا البلد قد يعيد إحياء صناعات النسيج التي اختفت قبل بضع سنوات.

على نحو مماثل، قد تحقق اليونان أرباحاً من صفقات العطل البخسة الثمن. يعاني عدد من وجهات العطل اليونانية كثيراً في الوقت الراهن لأن الأسعار أقل في تركيا المجاورة، حيث تبدو السماء والبحر بالزرقة عينها. يوضح توماس ماير، الذي عمل سابقاً كبير خبراء الاقتصاد في مصرف Deutsche Bank الألماني: {سيجني قطاع السياحة اليوناني على وجه الخصوص من خروج اليونان من منطقة اليورو}.

لكن السؤال الذي ينشأ هنا: ما مدى التحفيز الذي سيقدمه هذا لقطاعي الصادرات والسياحة؟ والأهم من ذلك سؤال: متى ستعود اليونان إلى الازدهار؟

يشكك معهد تكيال للاقتصاد العالمي في تحقيق اليونان أي فوائد من العود إلى الدراخما على الأمد الطويل. يقول ستيفان كوثس، رئيس مركز IfW للتوقعات: {لن يحقق خفض قيمة العملة بطريقة غير مدروسة أي هدف في تغيير مشاكل اليونان البنيوية}. ويتوقع صندوق النقد الدولي وضعاً مماثلاً. فتقول مصادر الصندوق في واشنطن إنها تعتقد أن كلفة الخروج من منطقة اليورو ستكون أكبر بالنسبة إلى اليونان، مقارنة بمواصلة تدابير الإصلاح.

لكن تبديل العملة قد يمنح الحكومة اليونانية أفضلية: يمكنها أن تطبع الكمية التي تريدها من المال لتمول وعودها التي قطعتها خلال الحملة الانتخابية.

خطر اقتصادي

لا شك في أن الضرر الاقتصادي سيكون أكبر. فسيمثل خروج اليونان هزيمة سياسية كبيرة للقادة الأوروبيين. طوال السنوات الخمس الأخيرة، حاولوا إبقاء اليونان في منطقة اليورو رغم ما تكبدوا من مشقات. وإذا خرج هذا البلد من منطقة اليورو، فثمة خطر أن يبدأ بالتوجه أكثر فأكثر نحو روسيا والصين.

في التحليل الأخير، قد يعرض الخروج من منطقة اليورو اليونان إلى مخاطر اقتصادية لا تُحصى تقريباً، إلا أنه قد يعود عليها بفوائد سياسية. وينطبق العكس على منطقة اليورو. لذلك لا عجب في أن الشكوك بدأت تظهر في الواجهة اليونانية في الأسابيع الأخيرة. على سبيل المثال، قدّم وزير المالية اليوناني فاروفاكيس تنازلات عدة لنظرائه الأوروبيين ليرى بعد ذلك رئيس وزرائه وهو يسحبها مجدداً.

لا تُعتبر أوروبا بحد ذاتها موحدة. صحيح أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر سعى إلى التوصل إلى تسوية بنفسه، غير أن وزير المالية الألماني شويبله تصرف غالباً كما لو أنه يفضل أن تخرج اليونان من منطقة اليورو. ولكن حتى سيغمار غابريال، رئيس شريك ميركل في الائتلاف الحاكم، الحزب الديمقراطي الاجتماعي، عبّر عن معارضته.

إذاً، يبقى الخيار الأفضل للمعنيين كلهم التوصل إلى تسوية. فبعد إصلاحات بنيوية صعبة طُبقت في السنوات الأخيرة، سيكون من الصعب جداً على اليونان مواجهة المزيد من آلام إصلاحات العملة. في المقابل، ليس من مصلحة منطقة اليورو بأن تسمح لليونان بالحصول على حقوق خاصة لا تتمتع بها أي دولة أخرى. يبقى التوصل إلى صفقة صعباً، ولكن كلما طالت المفاوضات، ازدادت الشكوك حول ما إذا كان الطرفان مستعدين لتقديم التضحيات الضرورية.

أوضح مَن يقودون المفاوضات من الطرفين أنهم لا يملكون مجال مناورة كبيراً. تقول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من جهتها: {ما عادت اليونان تلبي متطلبات البرنامج، لذلك من الضروري تعديله. فالتضامن والجهد وجهان لعملة واحدة}.

back to top