أفكار معدية تقتلك!

نشر في 24-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 24-02-2015 | 00:01
لتموت يكفي أحياناً أن تصدق أنك مريض، وكما اكتشف ديفيد روبنسون، يمكنك أن «تلتقط» في غفلة منك هذا الخوف، ما قد تترتب عليه أحياناً عواقب مخيفة.
حذار ممن يعيشون على الخوف. فعلى غرار تعويذة طبيب مشهور، قد تنشر كلماتهم أوبئة عصرية.
نعرف منذ زمن أن توقع المرض قد يكون خطراً بقدر الفيروس. فكما أن ممارسي سحر الفودو قد يؤذون ضحاياهم من خلال قوة الإيحاء، من الممكن لدفع شخص إلى الاعتقاد بأنه مريض أن يسبب أعراض مرض فعلية. وقد ينجم التقيؤ، الدوار، الصداع، وحتى الموت عن الاعتقاد فحسب. يُدعى هذا {التأثير السلبي للضرر الوهمي}.

ولكن اتضح أخيراً مدى السرعة والسهولة اللتين قد تنتشر بهما هذه المعتقدات الخطيرة من خلال الثرثرة والأخبار المتناقلة، مؤدية إلى تأثيرات سلبية. وقد يكون هذا سبب اعتبار بعض الأسر واقعة تحت تأثير المرض، وشعور مَن يعيشون قرب العنفات الهوائية نوبات محيرة من الدوار، الأرق، والتقيؤ. هل سبق أن شعرت {بتوعك} بعد تلقي لقاح، اعتقدت أن هاتفك الخلوي يسبب لك الصداع، أو عانيت حساسية طعام لا يمكن تعليلها؟ قد تكون، إذاً، أحد ضحايا الضرر الوهمي. يذكر ديموس ميتسيكوستاس من مستشفى أثينا البحري في اليونان: {يُظهر التأثير السلبي للضرر الوهمي مدى قوة الدماغ.  ولا يمكننا توضيحه كاملاً}.

دعابة قاتلة

لطالما اعتقد الأطباء أن المعتقدات قد تكون مميتة، كما تبرهن دعابة ماكرة بين الطلاب أدت إلى نتائج مريعة. يصف الطبيب إريك ميتينجر فون ليرشنثال من البندقية في القرن الثامن عشر كيف راح الطلاب يزعجون مساعداً لا يحبونه البتة. أرادوا أن يلقونه درساً، فقفزوا عليه قبل أن يعلنوا أنه سيُعدم بقطع الرأس. عصبوا عينيه، ووضعوا رأسه على قطعة خشبية كبيرة، قبل أن يسقطوا على عنقه قطعة قماش رطبة. فاعتقد الرجل المسكين أن هذا حد السيف الفولاذي، {فمات على الفور}.

صحيح أن الدعابات المماثلة شائعة، يركز الباحثون العصريون عموماً على قدرة العقل على الشفاء لا التسبب بالأذى، أو ما يُدعى {التأثير الوهمي الإيجابي}. فنلاحظ اليوم أن التجارب السريرية توزع المرضى عشوائياً لتناول دواء فعلي أو دواء وهمي على شكل حبة لا تأثير لها. لا يعرف المريض أياً من الدواءين يتناول. ولكن حتى مَن يأخذوا الدواء الوهمي يختبرون بعض التحسن، وذلك بفضل إيمانهم بالعلاج.

ولكن بالإضافة إلى الفوائد، يعاني مَن يتناولون العلاج الوهمي أحياناً تأثيرات جانبية محيرة (الغثيان، الصداع، أو الألم) يُستبعد أن تكون ناجمة عن تلك الحبة التي لا تأثير لها. تكمن المشكلة في أن المشاركين في التجربة السريرية يتلقون كلهم التحذيرات الصحية ذاتها، سواء كانوا يتناولون العلاج الفعلي أو الوهمي. ويبدو أن توقع الإصابة بالأعراض يؤدي إلى تجليها جسدياً بين مَن يتبعون العلاج الوهمي. يوضح تيد كابتشاك من كلية الطب في جامعة هارفارد: {هذه ظاهرة شائعة، إلا أن الطب لم يتناولها بعد}.

خلال السنوات العشر الماضية، أظهر الأطباء أن هذه التأثيرات السلبية للضرر الوهمي شائعة جداً. فبمراجعة الأعمال المنشورة، نجح ميتسيكوستاس حتى اليوم في توثيق تأثيرات سلبية قوية من هذا النوع في علاجات عدة للصداع، التصلب المتعدد، والكآبة. في تجارب لمرض باركنسون، عانى نحو 65% من تأثيرات سلبية نتيجة تناولهم العلاج الوهمي. يقول ميتسيكوستاس: {يخرج نحو 1 من كل 10 من المشاركين في الدراسة بسبب تأثيرات الضرر الوهمي السلبية. ولا شك في أن هذه نسبة مرتفعة}.

صحيح أن كثيراً من التأثيرات الجانبية يُعتبر خاصاً بكل حالة، مثل الغثيان والألم، لكن ردود الفعل تجاه الضرر الوهمي تظهر أحياناً على شكل طفح أو اضطرابات جليدة، كذلك تتجلى أحياناً من خلال الفحوص الفيزيولوجية. يشير ميتسيكوستاس: {هذا لا يصدق. يتناولون حبوب سكر. وعندما تقيس إنزيمات الكبد، تلاحظ أنها مرتفعة}.

وإلى مَن يعتقدون أن هذه التأثيرات الجانبية تبدو مختلقة أو متخيلة {عمداً}، نقول إن قياس النشاط العصبي عقب علاج وهمي يُظهر أن النخاع الشوكي يبدأ بالتفاعل مع ازدياد الألم قبل أن يكون التعمد الواعي ممكناً حتى.

لنتأمل في حالة {السيد أ} التي كادت أن تودي بحياته، حسبما أفاد الدكتور وري ريفز عام 2007. كان السيد أ يعاني الكآبة عندما تناول علبة كاملة من الحبوب. لكنه سرعان ما ندم على قراره وهرع إلى غرفة الطوائ، حيث انهار عند المدخل. بدا الوضع خطيراً: انخفض ضغط دمه وراح يتعرق بكثرة. لذلك سارع الأطباء إلى مده بالسوائل عبر الوريد. رغم ذلك، لم تكشف الفحوص أي أثر للدواء في جسمه. وبعد أربع ساعات، أتى طبيب آخر ليبلغ ريفز أنه كان يتناول دواء وهمياً في تجربة سريرية. وهكذا تناول {جرعة مفرطة} من حبوب السكر. وعندما سمع هذه الأخبار، شعر السيد أ بالراحة وسرعان ما تعافى.

لا يمكننا أن نجزم ما إذا كان من الممكن للتأثير السلبي للضرر الوهمي أن يقتل السيد أ، مع أن فابريزيو بينيديتي من كلية الطب في جامعة تورين يعتقد أن هذا ممكن بالتأكيد. فقد أجرى مسحاً لأدمغة أناس كانوا تحت تأثير الإيحاءات السلبية الوهمية. فبدا أنها تطلق سلسلة من التفاعلات في الحصين، الغدة النخامية، وغدد الأدرينالين، علماً أن هذه مناطق تتعاطى مع المخاطر الكبيرة التي تهدد الجسم. وإذا كان خوفك واعتقادك قويين كفاية، فقد يكون خليط الهرمونات الناجم مميتاً، وفق بينيديتي.

إشاعات ممرضة

لا شك في أن فكرة أن طبيبك قد يجعلك تمرض في غفلة منه مقلقة. ولكن اتضح في الآونة الأخيرة المدى القليل الضروري لنشر تأثيرات سلبية لضرر وهمي. فمن الممكن لتناقل الثرثرات والأقاويل أن يجعل دماغك عرضة للمرض بسبب تأثيرات قوية.

على سبيل المثال، عرض بينيديتي السنة الماضية اصطحاب أكثر من مئة طالب إلى جبال الألب الإيطالية على ارتفاع 3 آلاف متر. ولكن قبل بضعة أيام، أخبر أحدهم  عن عاقبة محتملة: انخفاض مستوى الأوكسجين قد يسبب الصداع. وبحلول يوم الانطلاق، اكتشف أن هذا الخبر انتشر إلى أكثر من ربع المجموعة، وأن مَن سمعوا هذه الأشاعة بدأوا يعانون صداعاً قوياً. علاوة على ذلك، أظهرت دراسة للعابهم ردود فعل مبالغاً فيها تجاه تراجع كمية الأوكسجين، بما فيها وفرة إنزيم يرتبط بصداع الأماكن المرتفعة. يقول بينيديتي: {تبدلت تركيبة الدماغ الكيماوية الحيوية في الأفراد المصابين اجتماعياً}.

بكلمات أخرى، قد تكون المعتقدات  التي تنقل المرض مؤذية. يشير بينيديتي: {يمكنك نقل التوقعات السلبية إلى أصدقائك، جيرانك، وغيرهم، وهي تنتقل بسرعة، مؤدية إلى تأثيرات سلبية لضرر وهمي في مجموعة كبيرة من الناس}. على نحو مماثل، اكتشفت دراسة أخرى أن مجرد قول مريض آخر أنه يعاني الألم قد يجعل العلاج أكثر إيلاماً، ما يعني أن التأثيرات السلبية للضرر الوهمي قد تنتقل من شخص إلى آخر من خلال المراقبة الصامتة. والمقلق أيضاً أن لا داعي لأن تكون واعياً لهذه الأفكار لتعاني التأثيرات السلبية. فقد اتضح أن الضرر الوهمي قد ينبع من إشارات خفية غير متعمدة.

تقارير علمية

ما الحل؟ من الصعوبة بمكان إلغاء معتقدات طويلة الأمد. لكن التقارير العلمية المسؤولة قد تحد على الأقل من انتشار الإشاعات السامة. في عام 2013، لاحظ روبن أن عرض فيلم قصير عن الحساسية الكهربائية أثار موجة من هذه الأعراض لاحقاً. كذلك تُظهر الأدلة أن تفشي {متلازمة العنفات الهوائية} تلى نشر بعض التقارير الإعلامية المحلية. بكلمات أخرى، تجعل المخاوف الصحية بحد ذاتها الناس مرضى.

ماذا عن الأطباء أنفسهم؟ تشير ريبيكا ويلز من مركز وايك فورست المعمداني الطبي في كارولاينا الشمالية إلى أن هذه تشكل معضلة كبيرة في الطب العصري. على الأطباء أن يكونوا صريحين بشأن تأثيرات الدواء السلبية لأنهم مضطرون إلى الحصول من المريض على {موافقة مطلعة}. لكن هذا المفهوم يصبح مبهماً حين تتحوَّل المعلومات بحد ذاتها إلى سبب للمرض. تذكر ويلز: {ما من حقيقة راسخة وسريعة عمَّا يحققه الطب}. وتعتقد أن الأطباء قد يُضطرون في المستقبل إلى تطوير تدابير جديدة لتحديد المعلومات التي عليهم الإفصاح عنها والطرق التي يعرضون بها هذه المعلومات. تُعتبر الرعاية المناسبة مهمة في كل حالة. وكما أشار بينيديتي، تعني طبيعة التأثيرات السلبية المعدية للضرر الوهمي أن التأثير السلبي الذي يعانيه شخص واحد قد يتفشى بسرعة في مجموعة أكبر.

لكن الجيد أن التثقيف بحد ذاته قد يسلب هذه التأثيرات قدرتها. على سبيل المثال، يحاول ميتسيكوستاس أن يوضح لمرضاه أن عليهم التنبه لتوقعاتهم. يقول: {من الضروري أن نُفهم المريض أنه خوف داخلي علينا كلينا محاربته}.

يضيف ميتسيكوستاس أننا لا نستطيع أحياناً تجاهل الرابط بين الجسم والعقل، رغم الأدوات الطبية كافة التي باتت متوافرة اليوم. يذكر: {طوال آلاف السنين، قام الطب على العلاجات الوهمية، مستخدماً التوقعات. فقد اعتمد السحرة على الإرادة للشفاء. صحيح أن هذا قد لا يكون كافياً للتغلب على المرض، إلا أن لا غنى عنه أيضاً}.

حالات غامضة

يحفل التاريخ بتفشي حالات كثيرة غامضة من هذا النوع. ولعل أبرزها الوبأ الراقص المميت عام 1518. وفي ستينيات القرن الماضي، انتشر وبأ {حشرة يونيو} الغامض في مصنع أميركي للقماش، الذي سبب الدوار والتقيؤ، مع أن العلماء عجزوا عن تحديد أي من الحشرات السامة التي اعتُقد أنها مسؤولة عن هذه الحالة. لكن المخيف حقاً موجة الوفيات الغامضة بين عدد من شعب الهمونغ الذين قدموا إلى الولايات المتحدة من جنوب شرق الصين في ثمانينيات القرن الماضي. فقد بدأ شبان لا يعانون أي مرض ظاهر يموتون خلال نومهم بعد نوبات من الكوابيس وشلل النوم. يعتقد الخبراء أن هذه الحالة تعود إلى معتقد ثقافي عن أرواح الليل المميتة. على نحو مماثل، كان الخوف من التكنولوجيا الجديدة أحياناً المسؤول: في أواخر القرن التاسع عشر، ذكر مستخدمو الهاتف الأوائل أنهم عانوا الدوار وألماً مبرحاً بعد استعمالهم هذا الابتكار الجديد، في حين أن العمال الاسكندينافيين أصيبوا في أواخر الثمانينيات بطفح جلدي مفاجئ نُسب إلى شاشات الكمبيوار على ما يبدو.

أما اليوم، فتتجلى تأثيرات الضرر الوهمي السلبية بشكل جلي على الأرجح من خلال اضطرابات مثيرة للجدل، مثل «متلازمة العنفات الهوائية» (غثيان وأرق ناجمان عن مزارع الهواء، وهو شائع جداً في كندا) و{الحساسية الكهربائية» (رد فعل أرجي تجاه إشارات الهواتف الخلوية والواي فاي). رغم ذلك، أظهرت عشرات التجارب أن احتمال ظهور هذه الأعراض لا يتبدل حتى عندما يتعرَّض المرضى لجهاز بث وهمي لا تصدر عنه فعلاً أي موجات كهربائية-مغناطيسية.

لعل الخلاصة الأهم التي نستمدها من التأثيرات السلبية للضرر الوهمي أن علينا ألا نستخف بالضغط والإجهاد اللذين تسببهما. يقول جيمس روبن من جامعة لندن الملكية: «لا أملك أدنى شك: يعاني الناس حقاً أعراضاً جسدية». وقد طاولت هذه الحالة حتى رئيسة منظمة الصحة العالمية السابقة: منعت استخدام الهواتف الخلوية في مكتبها لأنها اعتقدت أنها تسبب لها صداعاً لا يحتمل.

يُعتبر الخوف من الحساسية الكهربائية نادراً نسبياً. ولكن ثمة طرق عدة يستطيع من خلالها اعتقاد سلبي وهمي أن يسيطر على صحتك. على سبيل المثال، قد تعاني عدم تحمل غامضاً لبعض أنواع الطعام. في إنكلترا، يدعي 20% من الناس أنهم لا يستطيعون تناول أنواع محددة من الطعام. رغم ذلك، تُظهر الفحوص المخبرية لعملية الهضم الفعلية أن عشر هذا الرقم يعانون مشاكل فعلية. كذلك من الممكن للتأثيرات السلبية للضرر الوهمي أن تعلل إصابة الناس بالمرض بعد تلقيهم لقاحاً غير فاعل. وقد تلقي أيضاً الضوء على التأثيرات الجانبية لحبوب منع الحمل التي كثيراً ما تُناقش، مثل الكآبة، الصداع، وألم صدر، علماً أن التجارب العلمية أخفقت عموماً في تأكيدها. على نحو مماثل، قد يكون توقع المرض السبب وراء إجهاد العينين الناجم عن مشاهدة التلفزيونات الثلاثية الأبعاد.

back to top