بنات الجهاد... ألمانيات في {الدولة الإسلامية}

نشر في 20-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 20-02-2015 | 00:01
بدأت مسيرة فاطمة ب. نحو الجهاد في المكان الذي أقام فيه سابقاً يهود أوغسبورغ. كانت منطقة بسمارك التي تقع في جنوب ألمانيا، على مسافة غير بعيدة من مركز المدينة التاريخي، موطناً لجماعة يهودية مزدهرة قبل أن يطردها النازيون.

نعرف الكثير عن الرجال الذين يغادرون ألمانيا لحمل السلاح باسم {الدولة الإسلامية}. لكن تقلّ المعلومات عن النساء اللواتي يسافرن إلى سورية للانضمام إلى الجهاد. يُعتبر هذا النوع من النساء تهديداً إرهابياً متنامياً من وجهة نظر الخبراء. {شبيغل} تابعت هذه القضية.

لا تزال المباني العائدة إلى أواخر القرن التاسع عشر حيث عاش هؤلاء السكان قائمة حتى الآن، وقد أعيد ترميم واجهاتها بحذر، لكن لم يعد البرجوازيون يقيمون في شقق تلك المباني. تصطف سيارات صغيرة ومتوسطة الآن على جوانب الشوارع. لقد أصبح هذا الحي مقصداً للطلاب والعائلات الشابة.

عاشت فاطمة ب. في هذا المكان أيضاً. كانت فتاة بريئة عمرها 17 سنة وشعرها أسود، وقد أقامت هناك مع والديها وثلاثة أشقاء في شقة واقعة في الطابق الرابع داخل مبنى أحدث من غيره وله شرفة فولاذية تطل على الشارع. كانت أحذية أفراد العائلة مرتبة بحسب حجمها خارج الباب الأمامي للشقة. فتح والد فاطمة، حمدي ب. الباب وقال بجدية: {ماذا تريدون؟ لقد رحلت!}.

كان شعره مسرّحاً بعناية لكنه أدار رأسه عند وصولنا. يسهل أن نتخيل حمدي ب. (48 عاماً) كرجل ودود ومرح. لكن لا نجد الآن في عينيه إلا ملامح الحزن. كرر حمدي: {لقد رحلت!}.

سبق وزارت الشرطة منزل العائلة لاستجوابه بشأن اختفاء فاطمة ومن المقرر أن يمثل أمام المحكمة قريباً كشاهد. يصر حمدي ب. على كلامه وكأنّ موقفه هذا يمكن أن يجنّبه الإجابة عن أسئلة إضافية: {قلتُ كل ما لديّ}.

نساء في الحرب

لا يملك الأب الأجوبة عن الأسئلة كافة. طُلب منه أن يشرح وضعاً مبهماً: كانت ابنته واحدة من الشابات المسلمات اللواتي تخلَّيْنَ عن العالم الغربي لبدء حياة جديدة وراء النقاب في سورية أو العراق – في عالمٍ لا وجود فيه لحقوق المرأة ولا تتوافر فيه المياه الجارية أو التأمين الصحي. وفق المسؤولين الأمنيين الألمان، توجهت نحو مئة امرأة من ألمانيا إلى منطقة الحرب حتى الآن. غادر أكثر من نصفهنّ البلد في صيف عام 2014.

سافر عدد منهن إلى المنطقة مع أزواجهن، لكن غادرت أخريات كنساء عازبات بحثاً عن شركاء لهنّ. حتى إنّ بعض النساء أراد المحاربة على الجبهات شخصياً.

لا يريد حمدي ب. أن يسمع أياً من هذه التفاصيل. يقول إن ابنته موجودة {في تركيا}: إنه ادعاء شائع يستعمله عدد كبير من أهالي الأبناء المفقودين سعياً إلى حماية أنفسهم. يخبرون جيرانهم أو الشرطة بأن أولادهم يمضون العطلة في مكان ما في الخارج. أي مكان... لكن ليس في سورية! لكن في حالة فاطمة، يبدو المسؤولون متأكدين من أنها انضمت إلى المجاهدين في سورية.

يتراوح عمر معظم النساء اللواتي غادرن ألمانيا للانضمام إلى {الدولة الإسلامية} بين السادسة عشرة والسابعة والعشرين وهن يأتين من جميع أنحاء البلد: بحيرة كونستانس، سفوح جبال الألب، منطقة نهر الراين، وادي الرور، بريمن، هامبورغ، أوغسبورغ.

مجموعة صغيرة

لا شك في أن المشهد السلفي في أوغسبورغ لا يزال محدوداً وغير قابل لنشر العنف. لكن حتى في هذه المنطقة، ثمة من يروّج طريقة الخضوع للشريعة الإسلامية. نجح أحدهم في نشر التطرف ضمن مجموعة كاملة من الشابات في أوغسبورغ.

كانت فاطمة ب. وشقيقتها الكبرى أمينة جزءاً من تلك المجموعة. لاحظ حمدي ب. أن ابنتَيه بدأتا تتغيران، لا سيما بعد قرار تغطية وجهَيهما. لكنه سأل عما كان يستطيع فعله: {ارتداء الحجاب ليس ممنوعاً!}. ماذا يمكن أن يفعل أي أب إذا اختارت ابنته حياة الفضيلة بدل التورط مع الفتيان وشرب الكحول؟

لكن في المرحلة اللاحقة حاول حمدي ب. أخيراً التدخل، وتحديداً بعدما تعرّفت فاطمة إلى شاب من المغرب على الإنترنت. في عمر السادسة عشرة، أرادت أن تخطب. فعارض والداها بشدة لكن كان الأوان قد فات.

يقول حمدي ب.: {كان يمكن أن أفرض عليها الضغوط في مرحلة أبكر طبعاً. لكن ما نفع الضغوط في هذه الحالة؟ يفعل الأولاد ما يريدونه في هذا العمر}.

اختفت فاطمة في ديسمبر 2013 فقصد والدها الشرطة للإبلاغ عن اختفائها باعتبارها مفقودة. لكن لم تتمكن الشرطة من فعل الكثير لمساعدته، ويظن حمدي ب. اليوم أن المسؤولين عن إنفاذ القانون يتحملون جزءاً من اللوم على مصير ابنته: {أي نوع من البلدان يسمح لفتاة قاصر بالمغادرة من دون إذن؟}.

{البيت الألماني}

بعد شهر على اختفاء فاطمة، سافر والدها إلى تركيا ثم توجه إلى سورية مع ابنته أمينة. نجحا في تعقب فاطمة في قرية جبلية لا تبعد كثيراً عن مدينة اللاذقية السورية. تلك القرية هي موطن ما يسميه المحققون الألمان {البيت الألماني}، أي المكان الذي يقصده في البداية عدد كبير من المجاهدين القادمين من ألمانيا للحصول على التوجيهات اللازمة للتنقل في سورية.

نجح حمدي وأمينة في إقناع فاطمة بالعودة إلى أوغسبورغ، ثم اتصلوا بالشرطة في ألمانيا لإبلاغها بوصولهم الوشيك لتجنب المشاكل على الحدود. لكنهم لم يخبروا المحققين عن الرحلة التي سبقت المغادرة. مع ذلك، كان يمكن أن تستأنف العائلة حياتها العادية في حي بسمارك في أوغسبورغ. وكان يمكن أن تتخلى الابنتان عن النزعة الإسلامية المتطرفة. لكن لم يحصل ذلك.

تترك الشابات اللواتي يذهبن إلى الجهاد أهاليهنّ في وضع يائس: هذا ما حصل مع والد ابنتين، كان عمرهما حينها 15 و19 عاماً على التوالي، من منطقة وادي الرور الصناعية. حين لاحظ الأب أنهما تتجهان إلى التطرف، قصد الشرطة لطلب المساعدة. فاشتبه بأنهما تستعدان للسفر إلى ساحة المعركة السورية.

في شهر نوفمبر الماضي، حاولت الابنتان المغادرة أخيراً لكنهما وصلتا إلى قاعة المغادرة في مطار دوسلدورف قبل أن يعتقلهما ضباط من الشرطة الاتحادية الألمانية. حين حضر أهلهما لاصطحابهما إلى المنزل، صرختا في وجههم: {سأقطع رأسكم! سأقتلكم أثناء نومكم!}.

سمّ السلفية

منذ ذلك الحين، يحاول الأب تجديد التواصل مع ابنتيه ومكافحة سمّ السلفية. كذلك يبذل قصارى جهده لإخفاء قصتهما. لا يريد أن يعلم أحد في مدرستهما، حتى أقرب أصدقائهما، بشأن محاولة ابنتيه الانضمام إلى الجهاد، {وإلا لن تبقى أمامهما أي فرصة} بحسب رأي الأب.

كقاعدة عامة، تتجه الشابات إلى التطرف خارج وطنهنّ. هذا ما حصل تحديداً مع جيني س. (17 عاماً) التي بدأت تزور مسجد الفرقان في بريمن بشكل متكرر قبل أن ترتدي البرقع وتتجه إلى سورية. كذلك، أمضت سارة و. (15 عاماً) من كونستانس في أقصى جنوب ألمانيا بعض الوقت في مدرسة إسلامية في الجزائر قبل التوجه إلى سورية. ثم أرسلت صورة لها وهي تحمل سلاح كلاشنكوف عبر {واتساب} وكتبت: {بالمناسبة، قررتُ الانضمام إلى {القاعدة}}. في ما يخص سميرة ك. (16 عاماً)، وسابينا س. (15 عاماً)، يقال إن الواعظ ميرساد أ. من فيينا قادهما إلى الجهاد.

لكن كيف يمكن أن يتحكم الواعظون الإسلاميون بأتباعهم لهذه الدرجة؟ يمكن تفسير هذه الظاهرة بأفضل طريقة من وجهة نظر عاطفية بحسب قول الباحث في شؤون الإرهاب بيتر نيومان من كلية كينغز كوليدج في لندن. يقول نيومان: {تقع الشابات ضحية الأفكار الرومانسية القديمة عن فارس الأحلام الذي يحمل درعاً لامعاً ويختار أميرة كي تبقى إلى جانبه هناك}.

يقول نيومان إن المقاتلين {لديهم شعبية مثل نجوم العالم} بنظر الفتيات: {تريد الفتيات الاعتناء بهم ومرافقتهم}. قد يتعلق عامل مؤثر آخر بالرغبة في استفزاز الآخرين، وهي نزعة شائعة بين المراهقين. يوضح نيومان: {النزعة السلفية تجسّد أبرز شكل استفزازي من التمرد في المجتمعات الغربية المتسامحة. لا يمكن القيام بأمر أكثر تطرفاً}.

عرائس الجهاد

لا يتم تجنيد عرائس الجهاد في المساجد السلفية حصراً، بل بفضل الحملات الدعائية المنتشرة على الإنترنت أيضاً. على سبيل المثال، يشير المسؤولون إلى مدونة بقلم ألمانية تسمي نفسها {المهاجرة}.

تحت عنوان {بطلة حقيقية}، تكتب عن حياتها المبنية {على أساس الجهاد، على أساس الشرف}. تعتبر أن رحلتها إلى سورية كانت أشبه {بقصة مأخوذة من كتاب مصوّر}. كذلك تقول بكل حماسة إن الشعور لا يوصف: {أخيراً، لدي كامل الحرية لارتداء نقابي كما أريد ومن دون رؤية الساخرين وسماعهم}. تبدي صاحبة المدونة أيضاً استعدادها للمساعدة على إيجاد فتيات للمقاتلين. فكتبت في إحدى المرات: {نظراً إلى ارتفاع عدد المجاهدين غير المتزوجين هنا، سنجد لهم ما يناسبهم}. تؤكد {المهاجرة} على السعادة التي تعيشها عروس كانت قد ساعدتها: {تتوق شقيقاتها الآن إلى القدوم إلى هنا والتزوج من مجاهد أيضاً}.

تتعدد أسواق الزواج الخاصة بالسلفيين الشباب على الإنترنت، منها مواقع تواصل مثل ask.fm. تذكر إحدى الإعلانات مثلاً: {يبحث أسد شجاع وملتزم وقوي عن ...}. حتى الفترة الأخيرة، عرضت مدونة مخصصة للنساء واسمها {حياتي في سورية} فيديوهات مع يوميات عادية عن أعمال الغسيل والتسوق والطبخ. كتبت صاحبة المدونة في إحدى المرات: {أتوق إلى جبال وصخور ومواقع الجهاد}. لكن حُذف الموقع منذ ذلك الحين.

تحرص الحملة الدعائية التي تؤيد الجهاد وتستهدف النساء على تجنب نشر صور الأعداء بعد قطع رؤوسهم، وتختار عرض صور الجبال والزهور. تريد أن تثبت أنّ دور المرأة يمكن أن يكون مدهشاً في عالم السلفية. يقول أحد ضباط الاستخبارات: {الجو العام ريفي بامتياز}.

لضمان أن تنجح الرحلة إلى عالم الإسلاميين، تقدم مجموعات على {واتساب} توصيات عن السفر: يجب أن تسافر المرأة بملابس غربية، من دون حجاب أو نقاب، ومن دون أن يرافقها رجال ملتحون.

يشعر ضباط الأمن الألمان بقلق شديد بشأن عدد الشابات اللواتي يقررن الانضمام إلى الجهاد في سورية والعراق. يقول أحد العملاء الاستخباريين إن صورة النساء في المجتمع تجعلهنّ {إرهابيات مثاليات}. يعتبر أن المرأة تتعرض للتوقيف والتفتيش في مناسبات أقل من الرجل، ما يجعلها قادرة على التخطيط وجمع التبرعات بفاعلية أكبر، وفي أسوأ الأحوال، تنفيذ العمليات الانتحارية. هي الشخص المثالي لتحضير الاعتداءات بحسب المسؤولين الأمنيين. قال أحد المسؤولين: {بفضل العمل التحضيري الذي يحصل عموماً في الخفاء، تساهم المرأة في شن الاعتداءات الإرهابية}.

{تحت راية الإسلام}

كارولينا ر. واحدة من الشركاء الإرهابيين المشبوهين، ويظن المحققون أن هذه المرأة المقيمة في بون وفَّرت الدعم للميليشيات الإرهابية التابعة لـ}الدولة الإسلامية}. في بداية مايو 2013، سافرت إلى سورية مع زوجها وطفلها لوكمان البالغ من العمر سبعة أشهر. وجدت الشرطة نصاً على حاسوب في منزل والديها حيث عبّرت عن حماستها {للعيش تحت حكم الراية السوداء، تحت راية الإسلام}.

في سورية، أقامت في قرية تعرضت لقصف متكرر بالصواريخ والقنابل. كتبت كارولينا ر. أن الرجال ينطلقون في مهام قتالية نهاراً قبل العودة إلى المنزل ليلاً. في غضون ذلك، يمكن أن تطبخ المرأة وتنظف وتعتني بالأولاد. هي كتبت أنها لم تتعرض يوماً للهجوم، لكنها قدمت النصائح إلى نساء أخريات قائلة: {تعلمي إطلاق النار وكيفية استعمال الأسلحة! في أوقات الجد، يجب أن تجيدي استعمالها!}.

يبدو أن كارولينا ر. صوَّرت فيديوهات في سورية حيث يظهر زوجها فريد سال مع ابنهما الرضيع. في أحد الفيديوهات، يقول سال: {ابني، إذا تعرضتُ للقتل، لدينا على الأقل فيديو آخر لنا معاً}. في فيديو آخر، يضع ابنه في حضنه بينما يُدخِل قنبلة يدوية في جيب قميصه.

بعد قصف منزلهم في سورية، عادت كارولينا ر. إلى ألمانيا حيث اعتقلها الضباط، ثم بدأت محاكمة هذه المرأة البالغة من العمر 25 عاماً في المحكمة الإقليمية العليا في مدينة دوسلدورف منذ أسبوعين، حيث تواجه تهماً بتوفير الدعم إلى منظمة إرهابية خارجية. اتهمها المدعي العام الاتحادي في ألمانيا بمنح زوجها الذي يحارب مع {الدولة الإسلامية} نحو 11 ألف يورو (12535 دولاراً) ومعدات تصوير. لكن يقول محامي الدفاع كارستن روبارث: {في أقصى الأحوال، اعتنت موكلتي بزوجها بكل بساطة. لم تذهب إلى هناك لتمويل الدولة الإسلامية}.

التدفق إلى سورية

حتى الآن، وجد المسؤولون القضائيون الألمان صعوبة في مقاضاة النساء المسلمات السلفيات. تتعدد الأسباب: أولاً، لا تميل المرأة إلى التباهي بأعمالها بقدر الرجل. ثانياً، يمرّ عدد أقل منهن بمخيمات تدريب الميليشيات الإرهابية. تشمل مسودة قانون تفاوضت بشأنها حكومة المستشارة ميركل في الأسبوع الماضي مقطعاً يأمل المسؤولون أن يسهّل عملية مقاضاة المجاهدات. في حال تمرير مشروع القانون، ستصبح ملاحقة جميع أنواع تمويل الإرهاب ممكنة مستقبلاً.

كذلك تشير الجهود الأخيرة في هذا المجال، من الواضح أن النيابة العامة المحلية تحاول في الوقت الراهن استعمال أي وسيلة قانونية متاحة لمنع الناس من السفر إلى سورية. يوم الأربعاء الماضي، أعلن مكتب الادعاء العام في ميونخ أنه وجّه اتهامات ضد مجاهدة ألمانية على خلفية {المشاركة في الحرب الأهلية السورية}.

اعتنقت أندريا ب. (من بلدة إيمنستاد في منطقة آلغوي في بافاريا) الإسلام في عام 2012 ثم تركت شريكها بعدما أنجبت منه ابنتين. في بداية عام 2014، أخذت ابنتيها، فيليز (3 سنوات) وميليسا (7 سنوات)، وانتقلت إلى سورية حيث أصبحت {زوجة ثانية} لرجل يقاتل مع {جبهة النصرة} التابعة لتنظيم {القاعدة}.

في ظل تقلبات الحرب، تنقلت العائلة الجديدة كثيراً. تعلمت أندريا ب. طريقة استعمال السلاح، ويدعي المحققون وجود أسلحة نارية وقنابل يدوية في منزلها. كانت أندريا ب. التي تلقت تدريباً مهنياً في مجال البيع بالتجزئة قد أرسلت صور ابنتيها إلى بعض الأصدقاء، وتظهر الفتاتان فيها بمظهر رث.

حين عادت أندريا ب. من سورية إلى ألمانيا في مايو 2014، اعتقلتها الشرطة عند وصولها إلى المطار. كان والد ابنتيها قد اتهمها باختطاف الفتاتين، وهكذا حُرمت هذه المرأة البالغة من العمر 30 عاماً من الوصاية على ابنتيها. اليوم، قد تواجه أندريا ب. عقوبة السجن لفترة تصل إلى 10 سنوات بتهمة {التحضير لأعمال تخريبية خطيرة وعنيفة}.

عالقات في سورية

قد تصبح سارة ك. من شمال الراين- وستفاليا خير مثال على هذا الوضع. تزوجت في ألمانيا من مصطفى ك. الذي كان يسلّم الطرود سابقاً في دينسلاكن. بعدما توجه زوجها للمشاركة في الحرب في عام 2013، لحقته مع طفلهما. بعد وصولهم إلى سورية، كسب مصطفى ك. سمعة سيئة بعد أن تصوّر وهو يحمل رأساً مقطوعاً. انتشرت تلك الصورة حول العالم.

في السنة الماضية، حاول والدا سارة إقناعها بالعودة إلى ألمانيا، فوصلا إلى المنطقة التي يسيطر عليها الإسلاميون وشاهدا هناك رجالاً مسلحين يقاتلون إلى جانب {الدولة الإسلامية} مع نساء محجّبات. وجدا سارة في النهاية لكنها رفضت مرافقة والدَيها وطلبت منهما المغادرة. قيل إنها أخبرتهما بأن الوضع خطير جداً عليهما هناك.

حصل ذلك منذ أشهر. كان منزل العائلة المؤلف من طابقين مزوداً بواجهة من القرميد الأحمر، لكن لم تعد إليه سارة مع أن اسمها الجديد بعد الزواج لا يزال ملصقاً على صندوق البريد. وفق المعلومات المتوافرة، أنجبت سارة طفلاً ثانياً في سورية وتوفي زوجها مصطفى في شهر ديسمبر. تشعر والدتها بمزيج من الأمل والألم. ستبذل على الأرجح كل ما بوسعها لرؤية سارة وحفيدَيها مجدداً. تقول السلطات الألمانية إنها تملك معلومات مفادها أن سارة تريد العودة لكنها تعجز عن تحقيق ذلك وحدها.

يتحدث بوركهارد فراير، رئيس الفرع المحلي من مكتب حماية الدستور في شمال الراين- وستفاليا، عن وجود عدد من النساء العالقات في سورية وهنّ لا يعرفن ما يمكن فعله للعودة إلى ديارهن. لكن حين تنجح المرأة في العودة إلى ألمانيا، قد تحقق المستحيل بحسب قول زميله واشتر من بريمن.

نجح حمدي ب. من أوغسبورغ في تحقيق المستحيل لابنته فاطمة. لكنّ السعادة التي شعر بها بعدما استعاد ابنته من سورية حيّة وسليمة لم تدم طويلاً.

تزوجت الشقيقة الكبرى أمينة ب. من شاب وانتقلت للعيش معه في الجزء الشرقي من منطقة وستفاليا الألمانية. يتمتع زوجها بوجه طفولي ولديه لحية خفيفة وكان يرتدي {الشروال} ويحمل كتاب صلاة بيديه حين فتح لنا الباب. هل يمكن أن نقابل زوجته؟ أجاب الزوج: {هذا مستحيل في غيابي}. حين سُئل عن رحلتها إلى سورية، أجاب: {لم أسمع شيئاً عن الموضوع}.

ثم بدأ فجأةً يلقي محاضرة عن التمييز ضد المسلمين. يعتبر أن الجميع يسيئون فهم الشريعة في الغرب وأن الحديث عن الأعمال الوحشية مثل الرجم وقطع اليدين يشوه صورة دينه. مع ذلك، لا يزال مقتنعاً بأن رجم المرأة الزانية سلوك مبرر، كعامل ردع على الأقل. بدا زوج أمينة مقتنعاً بأفكاره، فأضاف: {المرأة التي تعلم أنها قد تواجه هذه العقوبة لن تجرؤ على أي سلوك مماثل}.

بالعودة إلى أوغسبورغ، لا يريد حمدي ب. أي علاقة له بالنزعة السلفية أو الجهاد. لا يزال في حالة إنكار، حتى إنه ينكر وضعه. يقول متنهداً: {لدي أربعة أولاد. يؤلمني طبعاً أن يواجه أحدهم المشاكل}.

منذ ذلك الحين، عادت ابنته فاطمة إلى سورية. فتح المدعي العام تحقيقاً بالموضوع وصنّفتها الشرطة كمصدر تهديد على السلامة العامة.

يقول المسؤولون إن فاطمة ب. لم تنجح حصراً في العودة إلى منطقة الحرب، بل إنها حققت أيضاً أمنيتها بالزواج... بمجاهد طبعاً!

التمرد ضد المجتمع

في حالات كثيرة، لا تعلم المرأة المجاهدة الكثير عن الأمور التي ستتورط فيها في سورية. في مدينة بريمن الشمالية، تقدم عالمة الاجتماع بيرنا كورناز توصيات لأقارب النساء الإسلاميات اللواتي عدن إلى ألمانيا. هي مطّلعة على مشاكلهن العائلية وظروفهن المضطربة أحياناً: {غالباً ما تتمرد الفتاة ضد عائلتها حيث يسيء الجميع فهمها أو ضد المجتمع حيث لا تشعر بالتقدير الكافي}.

تقول كورناز إن الواعظين السلفيين يقدمون حلولاً بسيطة لمشاكل هائلة، فينشرون رسالة مفادها أنّ الأهم هو أن تكون المرأة {مسلمة صالحة}. لكن حين تصل المرأة إلى منطقة الحرب، غالباً ما تنعزل عما يدور من حولها. {حتى إنها لا تفهم مدى خطورة الوضع الذي تتواجد فيه}، بحسب كورناز.

يقول هانز – يواكيم فون واشتر، رئيس مكتب حماية الدستور (وكالة استخبارية محلية في ألمانيا) في بريمن، إن المرأة {تتكل بالكامل على درجة لطف الرجل} منذ وصولها إلى هناك. يفيد بعض المصادر داخل أجهزة الاستخبارات الغربية بأن المجاهدين يتورطون أيضاً في {زيجات موقتة}. في معظم الحالات، يعني ذلك أن يقتصر الارتباط على مدة العلاقة الجنسية، ولا أهمية كبرى لموافقة المرأة أو رفضها لهذا النوع من الزواج.

تُستعمل تفسيرات قرآنية مثيرة للجدل كتبرير لهذه الأفعال، وتعتبر هذه التفسيرات أن إرضاء المجاهدين يتماشى مع إرادة الله. يذكر تحليل داخلي أجرته السلطات الأمنية أن هذا التفسير استُعمل كأساس {لإجبار النساء على الزواج وممارسة الجنس في عشرات الحالات}.

إذا قُتل زوج المرأة في الحرب، قد يتخذ مصيرها مساراً وحشياً آخر. يقول مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات: {تنتقل المرأة حينها إلى المقاتل التالي بكل بساطة}. أو قد يحصل ما هو أسوأ من ذلك، فتضطر إلى تدبّر أمورها وحدها. يقول واشتر من مكتب حماية الدستور إن المرأة في هذه الظروف لديها {فرصة ضئيلة} للهروب من الوضع.

back to top