الشارخ لـ الجريدة•: الكويت لا تشتري بمساعداتها مواقف الدول

نشر في 31-01-2015 | 00:05
آخر تحديث 31-01-2015 | 00:05
مجلس التعاون تجاوز المطبات... وتلاحمه ضرورة قدرية
كشف المدير العام لمعهد سعود الناصر، الدبلوماسي السفير عبدالعزيز الشارخ، أن الكويت لا تشتري مواقف الدول، بل تقيم صداقات، وتترتب على هذه الصداقات مواقف مؤاتية لها، ولو كان هدفها شراء المواقف لما خذلتها بعض الدول العربية التي موّلت مشاريعها التنموية بكل سخاء قبل الغزو، إلى جانب أن الكويت تعطي مساعدات لدول لم تتوقع حاجتها.

وقال الشارخ في لقاء خاص أجراه مع «الجريدة» إن جهود سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصادقة لم تكن لتنجح لولا توافر إرادة المصالحة في دول مجلس التعاون، مبيناً أن الكويت آمنت من قبل قيام مجلس التعاون بأن تلاحم أهل الخليج في دولهم الست ضرورة قدرية، مضيفاً أن سياسة الكويت الخارجية مرّت في عصور مختلفة، معتبراً أن جيل الاستقلال «الجيل الجميل» بقيادة الحكيم عبدالله السالم رسم سياسة الكويت الخارجية باعتبار كامل ظروف البلاد ومصالحها، وأن الكويت استعادت «عصرها الذهبي» بعد سقوط النظام العراقي السابق بقيادة سمو الأمير أحد رواد جيل الاستقلال.

• في البداية، حدثنا عن دور المعهد الدبلوماسي، وأبرز اختصاصاته؟

- بعد سنوات من وجوده، أصبح المعهد الدبلوماسي الى حد ما محورا للجانب الأكاديمي من عمل وزارة الخارجية، ويتولى التدريب الشامل الذي لم يعد يقتصر على المستجدين، بل يقوم بإعداد دورات مكثفة لجميع العاملين في الوزارة، وحتى من هم في رتبة المستشار والسكرتير الأول، هذا الى جانب انه يمثل الكويت ووزارة الخارجية بشكل خاص في اللقاءات ومجالات التعاون مع المعاهد المماثلة، فضلا عن أن المعهد يساهم مع الوزارة في إعداد الاختبارات المتخصصة، ونحن نتعاون في ذلك مع جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.

 وأصبح لنا دور متزايد في أي أمر تحتاج إليه الوزارة، ويتعلق بالثقافة والعلوم الدبلوماسية. وللمعهد مجلس إدارة برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد، ونائبه في رئاسة المجلس وكيل وزارة الخارجية السفير خالد الجارالله، والمدير العام للمعهد هو أيضا عضو في مجلس الإدارة، الى جانب 6 أعضاء آخرين من خيرة الكفاءات الكويتية الموجودة في الساحة، وتجمع في ما بينهم الثقافة والخبرة الواسعة والعمل في الجانب الدبلوماسي سابقاً أو العمل الأكاديمي.

• متى أُسس المعهد وكم عدد خريجيه حتى نهاية العام الماضي؟

- عدد الذين تخرجوا في المعهد منذ تأسيسه بنجاح هو 197 خريجا، وهؤلاء يمثلون ما يعادل 37 في المئة من العاملين في السلك الدبلوماسي الكويتي. وقد تفضل سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، بافتتاح المعهد في 23 ديسمبر 2008.

الدبلوماسية خط دفاع

• ما القناعة التي ينطلق منها المعهد في أعماله وبرامجه التدريبية؟

- في الواقع، ينطلق المعهد الدبلوماسي في عمله وبرامجه من قناعة راسخة، وهي أن قدر هذا الوطن الجميل المسالم شاء أن تكون الدبلوماسية هي خط دفاعه الأول، وبالتالي يجب علينا أن نضع في خط دفاعنا الأول أفضل ما يمكن أن نعد من جنود. وكما تعلم فإن الدول دائما تضع أفضل ما لديها من جنود في خطوطها الدفاعية الأولى، ولذلك نحن نعمل على أن نضع خيرة ابنائنا في خطوطنا الأولى، وهي الدبلوماسية الكويتية.

• يذكر أنكم في المعهد تجمعون بين ما هو أكاديمي وما هو مهني.. كيف يتم ذلك؟

- في الواقع يمكن اعتبار برامجنا التدريبية أنها في الأساس عملية تدريب مهنية، ونؤمن بأن الدبلوماسية حرفة، ويجب على الدبلوماسي الإعداد الجيد ليتمكن من هذه الحرفة.

وعندما نعتقد أن بعض الأمور تستوجب عمقا أكاديميا نأتي بأساتذة كبار، والحمد لله أن الكويت تزخر بالكفاءات، وعليه فإن الغالبية العظمى من محاضرينا الأكاديميين من الكويتيين في مختلف التخصصات.

هذا الى جانب رجوعنا الى بعض الممارسين من خلال الاستعانة بالدبلوماسيين الممارسين، وندعو أحياناً النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، ليس فقط لأنه وزير، وإنما كمحاضر للحديث عن السياسة الخارجية الكويتية، لكونه خبيرها لسنوات طويلة، الى جانب دعوتنا وكيل وزارة الخارجية كمحاضر أيضا، وكذلك نفعل بالنسبة للعديد من السفراء المتقاعدين من أصحاب الخبرة لإلقاء المحاضرات من وحي تجاربهم العملية.

• ماذا عن تكريم الأمير كقائد إنساني، والكويت مركزا للعمل الإنساني، وعلاقة ذلك بسياسة البلاد الخارجية؟

- في الواقع أن تكريم صاحب السمو الأمير من الأمم المتحدة يأتي تتويجا لسنوات طويلة من العمل الخيري والإنساني الذي مارسته الكويت بقيادة سموه. ومنذ أن عمل وزيرا للخارجية كان مؤمنا بأهمية النشاط الخيري والإغاثي الكويتي، وكان سموه يؤمن بأن الكويت عليها مسؤولية إنسانية، وخصوصا أن الله سبحانه وتعالى حباها بثروة نسبية، مقارنة ببقية الدول، ولا يجوز أن نبخل بمد يد العون، لأننا جزء من هذا العالم.

وخير ما عبّرت به الكويت عن ميولها ونزعتها الإنسانية كان إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في نفس عام الاستقلال 1961. وظل هذا الصندوق يعطي ويمنح حتى شملت مشاريعه ما يتجاوز 104 دول في مختلف مناطق العالم.

ولا شك في أن العمل الخيري الكويتي يعد ممارسة أصيلة، وليست مستجدة على هذا الشعب. فقد كان أهل الكويت دائما صنّاعا للخير، ويؤمنون بأن "صنائع المعروف تقي مصارع السوء". وكان لأهل الكويت أيضا نشاط خيري حتى قبل اكتشاف النفط. كما كانت لدينا تجربة في دعم إخواننا الفلسطينيين عام 1936 عندما قاد الشيخ عزالدين القسام الإضراب في مدينة حيفا لستة أشهر، وتنادى أهل الكويت في ذلك الوقت لدعم إخوانهم في فلسطين، وقد تضاعفت الأعمال الخيرية من قبل الكويت في السنوات الأخيرة، حتى أصبح العمل الخيري في الوقت الحاضر من مرتكزات السياسة الخارجية للبلاد، ويتسم العمل الخيري الكويتي بأنه منضبط ومراقب، حيث إن الكويت تحرص على أن ينسجم عملها الخيري مع الالتزامات الدولية، وأنه يوجه بالفعل لمقاصده الخيرة، وليس لأي أمور أخرى.

المصالحة الخليجية

• ما تقييمكم لمستقبل مجلس التعاون في ظل المطبات التي تمر عليه بين الحين والآخر، والخطوات الملموسة لسمو الأمير في المصالحة الخليجية؟

- الكويت تؤمن حتى قبل قيام مجلس التعاون الخليجي، بأن تلاحم أهل الخليج في دولهم الست ضرورة قدرية، أي إن قدرنا يقتضي أن نكون مع بعضنا، لأن الأخطار التي نواجهها متشابهة، والمصالح الاقتصادية متماثلة، وأبناء دول المجلس مترابطون بوشائج من القربى والنسب والعادات والعلاقات الاجتماعية، وعليه فإن الأسس التي قام عليها المجلس واقعية وموضوعية وليست حالمة وخيالية، ولذلك فإنه ليس لهذا المجلس إلا أن يستمر، وليس له خيار إلا أن يتطور، وأنا أعتقد أن الشعب في الخليج، ولا أريد أن أقول شعوب الخليج وإنما شعب الخليج، لن يقبل من قادته إلا المزيد من اللحمة والتعاون.

وكما قال الشاعر العربي:

"تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ... وإذا افترقن تكسرت آحادا".

وتحدث داخل الأسرة الواحدة بعض الاختلافات، ولكن المهم هو ألا يذهب أحد بعيدا. وعندما مر المجلس ببعض "المطبات" اعتقد البعض أنها ستقود الى تفككه، ولكن، ولله الحمد، تم تجاوز تلك المطبات.

ولا شك في أن أهل الكويت يشعرون بنوع من الاعتزاز بأن يكون لأميرهم وقائدهم شيخ الدبلوماسية الشيخ صباح الأحمد دور مقدر وفاعل في تجاوز هذه المطبات. إلا أن جهود سموه الصادقة لم تكن لتنجح لولا توافر إرادة المصالحة في دول المجلس. ونحن ننظر الى مستقبل يزخر بالتعاون ومجلس التعاون سيكون، بحول الله، مفخرة لأبنائه لأنه يسير الى الأمام ولا يتراجع.

• لماذا يجري الحديث أحيانا عن العصر الذهبي للسياسة الخارجية الكويتية، ومتى كان ذلك؟

- أنا أسمع مثل هذه العبارة تردد أحيانا. وما أود أن أقوله ان السياسة الخارجية لأي بلد تكون صحيحة وناجحة اذا كانت مرسومة على أسس موضوعية ترتبط بواقع البلاد وظروفها الفعلية.

ولما كان جيل الاستقلال "الجيل الجميل" بقيادة الحكيم عبدالله السالم قد رسم سياسة الكويت الخارجية، باعتبار كامل لظروف البلاد ومصالحها وقيم شعبها ونزعته للسلم والتعاون مع الشعوب الأخرى، فقد كان النجاح نصيب تلك السياسة عبر العقود التي أعقبت الاستقلال. وقد ترتب على انضباط السلوك الكويتي الدولي وتواصل مساعداتها غير المشروطة للدول المحتاجة أن تحقق للكويت قدر عظيم من المصداقية والاحترام في الساحة الدولية.

وقد وظفت الكويت تلك المصداقية في جهود الوساطة الناجحة التي اشتهرت بها عبر السنين، وميزت سياسة الكويت الخارجية التي قادها شيخ الدبلوماسية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد منذ المراحل الأولى للاستقلال. ولم تكن للكويت في تلك الفترة هموم مباشرة ضاغطة تنشغل بها عن دورها الدولي.

وإذا كانت سياسة البلاد الخارجية قد شهدت قدرا من الانكفاء في المرحلة التي أعقبت التحرير، فإن سببه كان اضطرار الكويت للتركيز على مصالحها المباشرة، وخاصة الأمنية منها، وكان عليها الاستمرار في المجابهة في الساحتين العربية والدولية مع النظام العراقي السابق حتى سقوطه، ولله الحمد، فقد استعادت الكويت بعد ذلك وبشكل متزايد دورها الإقليمي والدولي، كما يشاهد الجميع، أي أنها تستعيد الآن "عصرها الذهبي" بقيادة أحد رواد جيل الاستقلال، وهو صاحب السمو، وفقه الله.

الاقتصاد والسياسة

• ماذا عن الترابط بين الاقتصاد والسياسة في العلاقات الدولية "الدبلوماسية الاقتصادية"؟

- الترابط بين الاقتصاد والسياسة الخارجية واضحة، ولقد آمنت الكويت في نشاطها الدولي بأن ترسيخ التعاون الاقتصادي بين الدول يقلل اهمية الخلافات السياسية، ونحن نشاهد الآن الدول المتشابكة اقتصاديا كالدول الاوروبية مثلا تتضاءل امامها المشاكل السياسية، حيث يتم إعلاء المصالح الاقتصادية القائمة، وهذه قناعة كانت لدى الكويت منذ البداية.

واذكر ان سمو الأمير كان دائما في المؤتمرات واللقاءات الدولية داعية كبير للترابط الاقتصادي بين الدول، وكان سموه يؤكد انه عندما تترابط مصالح الدول بعضها مع بعض تصبح أكثر معرفة وتفاهما.

ولذلك وبمجرد ان فرغنا من المجابهة مع النظام العراقي السابق انتقلنا الى السياسة الاكثر اهتماما بالشأن الاقتصادي، وتم تكريس قدر ملموس من الجهد الدبلوماسي الكويتي لعلاقاتنا الاقتصادية، لانها من مقومات الامن الاستراتيجي للبلاد، وهذا تطبيق لمفهوم الدبلوماسية الاقتصادية.

• ما تعليقك عما يذكره البعض بأن تبرعات الكويت ودعمها للدول، من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، يهدف إلى شراء الولاءات؟

- حقيقة، نحن لا نشتري مواقف، بل نقيم صداقات، يترتب عليها مواقف مناسبة لنا، والدليل على ذلك اننا كنا نعطي دولا مساعدات اقتصادية، ولم نتوقع ان نحتاج اليها، لاننا لم نكن نواجه مشاكل تجعلنا في حاجة إلى وقوفهم بجانبنا.

وكان وقوف الغالبية العظمى من دول العالم الى جانبنا في مواجهة محنة الغزو مثلا طبيعيا وتلقائيا، في ضوء صداقة الكويت مع هذه الدول، فضلا عن وضوح العدوان، ولو كان هدفنا شراء المواقف لما خذلتنا بعض الدول العربية التي مولنا مشاريعها التنموية بكل سخاء قبل الغزو.

مجلس الأمة والسياسة الخارجية

• ما تأثير مجلس الأمة والإعلام على السياسة الخارجية للبلاد؟

- كما قلت، لقد تشرفت بمرافقة رحلة السياسة الخارجية الكويتية للعقود الاربعة الماضية، واستطيع ان اقول إنه ولسنوات طويلة كان مجلس الامة داعما غير متحفظ للسياسة الكويتية الخارجية التي تتميز بالنفس القومي والوطني والحكيم.

والمجلس لايزال بصورة عامة داعما للسياسة الخارجية، لكني لاحظت انه في بعض الاحيان اخذت تصدر عن بعض الأعضاء، خاصة في السنوات الاخيرة، بعض التصريحات التي تسبب إحراجات للسياسة الخارجية، لكنها تصريحات فردية، وانا لا اذكر أن شيئا قد صدر بإجماع أعضاء المجلس خلق مشاكل مع دول اخرى، أي إن السياسة الخارجية لاتزال تحظى بدعم المجلس.

ووزراء الخارجية المتعاقبون كانوا حريصين على وضع نواب الامة في الصورة عما تقوم به الوزارة، ويجتمعون مع لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية، ونحن في الخارجية لا يضيق صدرنا أن يخرج بعض النواب ويعبر عن رأيه في موقف معين، لكن كل الذي نتمناه ان يراعى في ذلك مصلحة الكويت، وعدم التسبب في احراجها مع دول تهمها ولديها مصالح معها.

أما بالنسبة إلى الاعلام فهو بصورة عامة اقرب الى الدعم للسياسة الخارجية، لكن وبصراحة تظهر فيه احيانا، سواء في الصحافة او التلفزيون، أمور وتصريحات لا تراعي مصلحة الكويت، وأكرر بأننا لا تضيق صدورنا بالنقد البناء، وندعو الاخوة في الاعلام والبرلمان إلى النظر للمصلحة العليا للكويت.

• كدبلوماسي مخضرم، ما رأيك في "داعش" وما الخطر الذي يمكن أن يسببه تجاه الكويت وعلى المنطقة؟

- "داعش" منظمة ارهابية لا تخفي نواياها واهدافها الشريرة تجاه دول المنطقة ومنها دول الخليج. ومع ان ممارساتها لا تمت الى الاسلام الحنيف بصلة، فإنها تساهم في الاساءة لنظرة العالم لهذا الدين الذي انار الدنيا بقيمه و افضاله. ومن اجل الحد من انتشار هذه الحركة والعمل على ابراء الجسم الاسلامي منها، لابد من ان تتسم النظرة الى هذه الحركة بالعمق و الشمولية. لابد من التعامل الامني معها، الا ان القضاء عليها يستوجب التعامل المؤثر والفعال مع ما تمثله من فكر مشوه، لكنه مع ذلك يجتذب اعدادا لا يستهان بها من شباب المسلمين التائه, لا بد ان يتوافر لهؤلاء الشباب فكر افضل يقوم على مبادئ الاسلام الصحيح، و يستطيع ان يهزم فكر مثل هذه المنظمة ويجرده من اي جاذبية لدى الشباب المسلم في كل مكان. وكما هو معروف، فإنك لن تستطيع ان تهزم فكرة الا بأفضل منها. وأنا لا أشك في ان التحالف الدولي سيتمكن من التعامل الفعال مع الجانب الامني الذي يمثله داعش، الا ان ذلك مع الاسف لن يمثل النهاية بالنسبة لفكرها المنحرف، الذي يجد له حاضنات في بعض المناطق خارج سورية والعراق. ان اسباب انضمام الشباب لهذه الحركة مختلفة ومعقدة، ولا يملك العالم ترف إغفال الاهتمام بأي من هذه الاسباب. ومع شديد الاسف فإن غالبية المنظمين لداعش هم من أبناء المنطقة العربية التي تسود في بعض أرجائها ثقافة الكراهية للآخر.

• عملت سفيراً في عدة دول، ما الدولة التي تركت الأثر الأكبر في نفسك خلال عملك بالخارج؟

- الدبلوماسي يتوجه الى حيثما يجند. واعتبر نفسي محظوظاً، إذ خدمت في دول تعلمت منها الكثير. الا ان اليابان كانت بالنسبة لي ولأسرتي تجربة خاصة ومتميزة. انها لا تشبه اي دولة اخرى. وفضلاً عما تتميز به من تطور حضاري و تكنولوجيا متقدمة، فقد تميزت كذلك بوقوفها المطلق الى جانب الكويت في مواجهة الغزو العراقي. ومع ان دستور ما بعد الحرب العالمية الثانية يحول دون اي مشاركة عسكرية لليابان خارج حدودها، فقد وقفت اليابان حكومة وشعباً واعلاماً الى جانب الكويت. ولما كنت موجوداً في تلك المرحلة مع اسرتي في اليابان وجدنا في موقف اليابان خير سند و مبعثاً للأمل في تلك الايام العصيبة. وقد بلغت مساهمات اليابان المالية في دعم الموقف الدولي الى جانب تحرير الكويت 13 مليار دولار.

وكانت تجربتي في المانيا التي توجهت اليها بعد اليابان شيقة ومفيدة بكل المقاييس. فألمانيا بلد عظيم متحضر وقف الى جانبنا أثناء الغزو العراقي، و بلغت مساهماته في مجهود التحرير 9 مليارات دولار. وكما كانت الحال بالنسبة لليابان، فإن دستور المانيا ما بعد الحرب العالمية يحول دون مشاركتها العسكرية في الخارج، الا ان الدعم السياسي الالماني للكويت كان بلا تردد. و هي كما اليابان موطن مهم لاستثمارات الكويت الخارجية.

أما بلجيكا، التي ذهبت اليها بعد المانيا، فهي بلد صغير نسبياً، الا انه فائق التقدم في شتى المجالات. ولم تقصر بلجيكا في مختلف مجالات الدعم للكويت في مجابهة الغزو. كما ان عاصمتها بروكسل تستضيف مقر الاتحاد الاوربي الذي كنت معتمداً لديه كذلك. و كذلك مقر حلف شمال الاطلسي. و لقد كان العمل في بروكسل كثيراً وشيقاً و كان مجمل العيش في بلجيكا طيباً بالنسبة لي ولأسرتي. وعدنا الى الكويت منها بانطباعات كريمة.

• في عام 2004 دخلت الكويت في حوار مع حلف شمال الأطلسي في بروكسل عندما كنتَ سفيراً للكويت هناك، الى أين وصل هذا الحوار، وما أبعاده؟

- نحن في وزارة الخارجية نحاول كما تحاول الحكومة ان تنوع مصادر الدخل القومي، فشغلنا الشاغل هو تنويع مصادر الامن الوطني كلما كان ذلك ممكناً. وقد وجدنا ان منظمة دفاعية تضم ستة وعشرين ديمقراطية في ذلك الوقت، وهي منظمة حلف شمال الاطلسي "الناتو"، جديرة بأن نحاول الدخول في حوار معها، وكانت هذه المنظمة استطاعت ان تحمي اقاليم الدول الاعضاء، ولستين عاماً دون ان تطلق رصاصة واحدة. وصحيح ان "الناتو" لا توقع اتفاقيات دفاعية مع الدول خارج الحلف، الا ان الكويت وقعت حتى الان ثلاث اتفاقيات خاصة معها. ولا ننسى ان هذا الحلف يضم في عضويته حلفاء رئيسيين للكويت كالولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الصديقة للكويت. وفي الوقت الحاضر يشمل تعاوننا مع هذه المنظمة أمن الحدود البرية والبحرية ومقاومة الارهاب وادارة الازمات. فالناتو يعرض علينا خبراته، ونحن ننتقي ما نريده منها كمجال للتعاون معهم في نطاق مبادرة اسطنبول للتعاون التي صدرت عن قمة الحلف في عام 2004.

انخفاض النفط «الضارة النافعة»

قال الشارخ تعليقاً على انخفاض اسعار النفط في الكويت وعما اذا كان يعتبره كارثة مطلقة، "اتصور انه من الممكن اذا اجدنا التصرف ان ياتي انخفاض اسعار النفط من قبيل الضارة النافعة. فرغم ان انخفاض سعر النفط بهذه الصورة يعد أمرا سيئا، فإنه اذا مثل جرس افاقة "Wake-up Call" لدول المنطقة وجعلها تولي اهتماما اكثر جدية لتنويع مصادر الدخل، فسيكون أمراً نافعاً. فقد سبق لدول المنطقة ومنذ عشرات السنين ان رفعت شعار تنويع مصادر الدخل ولكن وبصراحة لم يتحقق الانجاز المطلوب في هذا المجال. ولا نزال نعتمد وبشكل خطير جدا على مصدر واحد وهو النفط، وكان المفترض وقبل سنوات طويلة الا نغفل ابدا اهمية تنويع مصادر الدخل، والا نركن الى مصدر واحد، وهو امر يهدد امننا الاقتصادي. واتمنى ان تعود اسعار النفط الى معقوليتها، ولكن في الوقت نفسه يجب ان يكون هذا الانخفاض جرس انذار، وخاصة انه مدو جدا هذه المرة".

رفيق أسفار الأمراء... وتفاؤل بالتحرير

يتذكر الشارخ مشاركته لبعض أمراء الكويت في أسفارهم ويقول:

لقد يسر لي الله فرصا نفيسة، تتمثل في مرافقة المرحوم سمو الشيخ صباح السالم، والمرحوم سمو الشيخ جابر الاحمد، والمرحوم سمو الشيخ سعد العبدالله، كما تشرفت بمرافقة سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد، امد الله في عمره، ولمرات عديدة.

وحقيقة، كان لكل سفرة طعمها الخاص في نفسي، لكن لا استطيع ان انسى تجربة السفر مع سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد، عندما توجه في رحلته التاريخية الى الولايات المتحدة الاميركية في سبتمبر 1990، أي أثناء محنة الغزو، وكان سموه يقيم في الطائف بالسعودية، وكنت انا في حينها سفيرا في اليابان.

وتشرفت بان اكون من ضمن الوفد المرافق لسموه، رحمه الله، الى نيويورك اولا ثم الى واشنطن، حيث عُقد اللقاء التاريخي بين سموه والرئيس الاميركي جورج بوش "الاب"، في 28 سبتمبر 1990 بواشنطن، وتميزت زيارة الشيخ جابر الاحمد في ذلك الوقت بأنها كان لها تأثير حاسم خاصة في بلورة الموقف الاميركي والرأي العام العالمي الى جانب الحق الكويتي.

وكان لسموه خطابه الشهير في الامم المتحدة، الذي استقبل من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة بطريقة غير مسبوقة، كما وصفها الرئيس بوش، ولقد كانت تلك الرحلة تاريخية لنا جميعا، بعد ان ظهرت خلالها بشائر تحرير الكويت المؤكدة، وآنذاك كانت لي مقابلات مع الإعلام الياباني أكدت خلالها أن التحرير آت لا محالة وهو ما تحقق بعون الله.

back to top