في الحرية والتغيير

نشر في 31-01-2015
آخر تحديث 31-01-2015 | 00:01
 عبدالهادي شلا الحرية التي أتيحت للكثيرين مع انطلاقة التقنيات السريعة وحركات التغيير واعتمادها منهجا للحياة العصرية، والتي أفرغها البعض من قيمتها الحقيقية والفعلية حين ظن أنه بعيد عن سطوة "الرقيب التقليدي"، لم تعد كلها إيجابية النتائج، ولسنا في حاجة لأمثلة على ذلك، فمجرد نظرة لما يجري حولنا في كل أنحاء العالم نجد أن كل الأفعال غير المبررة تحتمي بستار الحرية.

ونحن نرى أن الحرية لها معنى واحد لكنه بوجوه متعددة، يطل علينا كل في موضعه الذي يتوافق معه، ويحقق القيمة السامية من هذه الحرية التي ينشدها كل البشر، ونصفه "بأن من حق كل إنسان أن يتمطى ويمد ذراعية في الفضاء إلى حيث يشاء، ولكن دون أن يمس بأطراف أصابعه قمة أنف الآخر".

 لقد خلق الإنسان حراً، ولكن هذه الحرية رسمت حدودها قوانين سماوية حملها الرسل في كتب وصلت إلى كل الأمم بلا استثناء، ولا نجد أمة فيما بيننا دون أن يكون لها قوانينها ودساتيرها التي تنظم حياتها وحرية الفرد فيها، فما يجري في بعض البلاد العربية هو تغيير شامل، ولا ننكر هذا لكننا نقف قليلا عند الطرق التي يتبعها هذا التغيير ومن يديره، وكيف الوصول إلى مبتغاه؟!

الطرق متعددة ومتشعبة أقرب إلى "الأنفاق" التي لم يظهر النور في آخر أي منها بعد مرور سنوات، وهذا أمر مقلق لأن الوقت يمضي بتضحيات أكبر مما يتحمله العربي في وضعه الضعيف بين الأمم، وقد كبلته القوى العظمى بكثير من القيود والقوانين العالمية الأكثر جـوراً وتسلطـا عليه.

من يدير هذا التغيير؟ وهذا الأمر أكثر ضبابية في أنفاق التغيير؛ مما يجعل الرؤية متعسرة والخطوات تتخبط بين حفر وأوحال ومستنقعات، ستحتاج إلى زمن كي تتطهر من كل ما علق بها، فكل التغييرات عبر التاريخ يقودها مجموعات أو أفراد يضعون الخطط والأهداف، فإما ينتصرون وإما توءد حركتهم في المهد.

ونحن اليوم نرى تغييرات غير مبرمجة وبلا رموز تقودها إلى أهداف سامية، وكل هذا حدث تحت مسميي الحرية والديمقراطية دون فهم كامل لمعنى أي منهما، أو التعامل ضمن حيثياتهما وأساسياتهما، فحملت النتائج خسارة في الوقت والجهد.

وهذا لا يعني أن أوضاع بعض البلاد العربية قبل التغيير كانت أفضل، أو أنها لم تكن في حاجة إلى تغيير، بل نحن مع التغيير المبرمج والممنهج الذي يحفظ كرامة الوطن والمواطن، ولا يجره إلى هوة يسهل السقوط فيها، وكلنا يعلم كم من متربص بهذه الأمة لا يريد لها أن تنهض وتلحق بركب التطور.

 وماذا عن الذي يهاجر إلى بلاد فيها كل ما يحتاجه من الحرية التي ضبطتها قوانين لمصلحة الفرد؟ النتائج غير مطمئنة بين أفراد الأمة من المهاجرين، حيث الاختلاف سمة فيهم على أبسط الأمور، وكأنهم يريدون أن تكون الحرية التي جاؤوا ينشدونها على "هــواهـُم"، وتوافق ما حملوه من إرث في البلد الأم، وهو الذي لا يتفق مع طبيعة بلاد المهجر إلا فيما تمنحه هذه البلاد من حرية العبادة والحديث واللقاءات والاحتجاجات دون المساس بحريات الآخرين!

 نتمنى أن يدرك كل من ينشد التغيير إلى الأفضل مدى قدراته وحجمه بالضبط دون تهويل وتفخيم، ودون التمجد بماض عفى عليه الزمن، فيه الكثير مما لا يقبله العقل، وترفضه الحياة العصرية بكل أشكالها، و"رحم الله امرأً عرف قدر نفسه".

 فمن أراد لنفسه عالما خاصاً به فهذا أمر يخصه، وعليه أن يتحمل نتائج فعله، ولكن ليس له أن يفرض تصوراته وخيالاته على الآخرين، فالتناحر، والتخاصم، والعصبية، وتقزيم الآخـر، وسوء الإدارة أمور تؤسس لهلاك الشعوب التي تتطلع إلى التغيير.

 هذه هي الحرية والطريق إلى الديمقراطية، والنجاة لا تكون بلا هدف وخطط مستقبلية وقــائد!

 * كاتب فلسطيني - كندا

back to top