محرر «نيويورك تايمز» دين باكيت: كنَّا متعجرفين

نشر في 30-01-2015 | 00:02
آخر تحديث 30-01-2015 | 00:02
يتمتَّع دين باكيت، المحرر التنفيذي في صحيفة «نيويورك تايمز»، بحس انتقاد ذاتي غير اعتيادي. في مقابلة مع إيزابيل هولسن وهولجر ستارك من «شبيغل»، يقرّ أن إعطاء إدوارد سنودن روايته لصحف أخرى آلمه، ويوضح لمَ اختارت صحيفته ألا تنشر صور شارلي إيبدو الكاريكاتورية عن النبي محمد.
يروي زملاؤك في {نيويورك تايمز} قصصاً عن إحداثك ثقوباً في جدران المكتب عندما تغضب. فهل هذا صحيح؟

حدث ذلك مرة عندما كنت رئيس مكتب واشنطن. غضبت من قرار مكتب نيويورك ألا ينشر خبراً على الصفحة الأولى، فضربت الجدار بقبضتي وأحدثت فيه ثقباً. ولكن بعدما انتقلت اليوم إلى نيويورك وأصبحت صاحب القرار، أعتقد أنني كنت مخطئاً حينذاك وبالغت في رد فعلي. أما المرة الثانية، فكانت عندما خضت جدالاً حامياً مع رئيسة التحرير السابقة جيل أبرامسون. لا أعتقد أني أحدثت ثقباً في الجدار، إلا أني بدلت شكله. وهذا تصرف غير ناضج.

ما كان سبب الجدال بينكما؟

لا أذكر. اختلفنا في الرأي بشأن مسألة ما، وليست هذه المرة الأولى التي نختلف فيها. لكن ذلك لا يعني أننا كنا على خلاف دائم. لطالما نشأت خلافات بين المحرر الأول والثاني.

يقول زملاؤك إن الخلاف كان بشأن الرواج وحاجة {نيويورك تايمز} إلى أخبار أكثر شعبية للفت الانتباه على موقعها الإلكتروني.

أحبت جيل أن يتمتع الخبر بجاذبية ما، إلا أنني لم أوافقها الرأي في هذا الشأن. ولكن في مؤسسات إخبارية مثل {نيويورك تايمز} و{شبيغل}، نرى دوماً توتراً بين الصحافة الأكثر جدية وتلك الأكثر ميلاً إلى المرح. لا أنكر أننا نبالغ أحياناً في الجد، إلا أننا نقدم أخباراً عن الثقافة الشعبية أكثر من أي وقت مضى. لا تشكل أقسام الموضة والأخبار الاجتماعية الأجزاء الأكثر جدية في {نيويورك تايمز} أيضاً. نقدم كثيراً من الأخبار الشعبية الجذابة، مع أننا نبالغ في ذلك أحياناً.

تقدم المواقع الإلكترونية المنافسة مثل BuzzFeed وHuffington Post خليطاً متنوعاً جداً من الأخبار وتحقق نجاحاً أكبر من موقع {نيويورك تايمز} بفضل أخبارها الشعبية الجذابة.

لأنها مجانية. تحظى دوماً بعدد أكبر من الزوار إن كان موقعك مجانياً. لكننا اعترفنا دوماً أننا متخلفون عن سائر المؤسسات الإخبارية في جعل أخبارنا متوافرة للناس على شبكة الإنترنت. يتفوق موقعي BuzzFeed وHuffington Post علينا وأحسدهما على ذلك. لكني أعتقد أن سر نجاح نيويورك تايمز يكمن في الالتزام بما نحن عليه. ولا يعني ذلك عدم التغيير. لكني لا أريد بالتأكيد أن أصبح مثل BuzzFeed. فإن حاولنا ذلك، فسنخسر بالتأكيد.

في شهر مايو 2014، سُرِّب تقرير التجديد الداخلي في «نيويورك تايمز» مع خلاصته المرة عن أن «أفضلية نيويورك تايمز الصحافية» تتضاءل. فهل قللتم من شأن منافسيكم الرقميين الجدد؟

نعم، أعتقد ذلك. افترضنا خطأ أن هؤلاء المنافسين، سواء كانوا مثل موقع BuzzFeed أو غيره، يحققون النجاح لأنهم كانوا يقومون بأعمال صحافية ما افتقرنا إليها نحن. كنا متعجرفين بصراحة. استخففنا بمنافسينا الجدد. وأظن أننا أدركنا اليوم أننا كنا مخطئين. فقد فهموا قبلنا كيف يجعلون أخبارهم متوافرة للناس المهتمين بها. أما نحن، فأبطأنا في ذلك.

شكَّل هذا التقرير خيبة أمل لرؤساء تحرير كثير من الصحف لأن {نيويورك تايمز} تُعتبر عموماً مثالاً أعلى في مسألة جني الأرباح على شبكة الإنترنت. بدلاً من ذلك، أظهر التقرير أنها تفتقر إلى إستراتيجية رقمية وأن غرفة الأخبار بعيدة كل البعد عن ثقافة {الرقمي أولاً}.

أولاً، لطالما كانت {نيويورك تايمز} رائدة في المجال الرقمي وستبقى كذلك. أما التقرير، فلم يحقق أي هدف غير إظهار بعض المواضع التي أخفقنا فيها. ثانياً، يحمل التقرير في نصفه نقداً، في حين يقدم نصفه الآخر أفكاراً عن كيفية إصلاح الهفوات. وقد أنجزنا كثيراً منها اليوم.

ماذا تبدَّل؟

نجحنا مثلاً في بناء فريق متكامل هدفه تطوير مجموعة القراء من خلال التفاعل معهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. بدأ الفريق العمل منذ ثلاثة أشهر، ونتمتع اليوم بزيادة ثابتة في عدد زوار موقعنا تصل إلى 20%.

كيف ينعكس ذلك على عمل صحافييك؟

اعتدنا سابقاً أن يكتب مراسل خبراً، ومن ثم ينتقل إلى خبر آخر. اعتدنا أن يأتي إلينا الناس. كنا ننتظرهم ليزوروا مواقعنا أو يشتروا صحيفتنا المطبوعة ليطلعوا على محتواها. لكننا صرنا ندرك اليوم أن علينا جعل أخبارنا متاحة للقراء. يحصل عدد كبير من الناس على أخبارهم من فيسبوك أو تويتر. لذلك نحرص على أن يروا بعض أفضل أخبارنا على مواقع مماثلة أيضاً. وصرنا نقوم بذلك بزخم أكبر من السابق.

نشرت أنت شخصياً تغريدتين في شهر يونيو من العام الماضي.

أعلم أن هذا سيسبب لي المشاكل، إلا أني سأقوله في مطلق الأحوال: أعتبر فكرة أن علي نشر التغريدات باستمرار سخيفة. ينشر عدد كبير من الصحافيين في {نيويورك تايمز} التغريدات. ولا أعارض ذلك. أما أنا، فلا أملك الوقت الكافي لذلك، فضلاً عن أن المحررين لا يملكون الكثير ليقولونه. يتألف عالمي من هذا المكتب، هذا الطابق، شقتي، والمحادثات الممتعة التي أجريها مع مراسلينا ومندوبينا، علماً أن عدداً كبيراً منهم يعرف عالمنا أفضل مني بكثير.

ما زالت النسخة المطبوعة تعود عليكم بثلاثة أرباع الأرباح. كيف يمكنك أن تنمي ثقافة {الرقمي أولاً} في غرفة أخبار تتطلب ميزانيتها أن يكون {المطبوع أولاً}؟

لطالما اعتبرت {الرقمي أولاً} مفهوماً مبسطاً، ولا أعرف بصراحة ما يعنيه حقاً. يجب أن يكون هدفنا {الخبر أولاً}. لنتأمل في ما حدث في باريس: غطينا التطورات كافة طوال اليوم ولم نخفِ أي أمر عن قرائنا. نشرنا على موقعنا الإلكتروني المعلومات كافة التي تلقيناها. ولكن عندما اقتربنا من موعد الطباعة، كان علينا القيام بخطوتين: أولاً، كان من الضروري تنقيح الأخبار التي نُشرت على الموقع الإلكتروني لأن عقاب الأخطاء المطبوعة يكون أشد قسوة. وثانياً، في عالم مثالي، تختار خبراً واحداً تعتبره جديداً وجذاباً بالنسبة إلى الناس عندما يفتحون صحفهم في الصباح.

تبلغ كلفة تشغيل غرفة أخبار {نيويورك تايمز} راهناً نحو 200 مليون دولار. هل تنجح العائدات الرقمية يوماً في تحقيق الأرباح الكافية لدعم عمل مماثل؟

لا أعلم. لكني أعتقد أننا نحتاج إلى غرفة أخبار بالحجم القائم اليوم. ولا شك في أننا نرتكب خطأ كبيراً إن قلصناها. بالإضافة إلى ذلك، لا أظن أن العائدات كلها ستأتي من الاشتراكات الرقمية. لدينا مجموعة متنوعة من مصادر العائدات وسيبقى الوضع كذلك فترة طويلة. لكن ما يقلقني أننا بنينا غرفة الأخبار هذه على هامش ربح كبير تضاءل كثيراً خلال السنوات الماضية. وأخشى أننا لن نتمتَّع في السنوات المقبلة بهوامش ربح تتيح لنا الحفاظ على غرفة أخبار كبيرة وقوية.

عمدت {نيويورك تايمز} إلى تخفيض عدد موظفيها خلال السنوات الأخيرة، مع إزالة نحو مئة منصب في الأشهر الثلاثة الفائتة. غادرت صحيفة {لوس أنجلس تايمز} عام 2006 لأنك لم تشأ أن تنفذ برنامج توفير ضخماً. فما يجعلك واثقاً من أن الأمر لن يتكرر في {نيويورك تايمز}؟

لم أقل يوماً إننا لن نتخذ خطوات إضافية. ثمة وجها اختلاف بارزان. عندما بدأت العمل في {لوس أنجلس تايمز}، كانت غرفة الأخبار تضم 1200 شخص. وعندما غادرت، كان العدد قد تراجع إلى 900. أما اليوم، فبات أقل من 500. لا أظن أن مَن تولوا إدارة شؤون الصحيفة اكترثوا بنوعيتها. في المقابل، برهن مالكو {نيويورك تايمز}، عائلة سولزبيرغر، على مدى الأجيال أنهم يهتمون بالنوعية. شهدت المؤسسات الإخبارية كافة في الولايات المتحدة تقلصاً كبيراً في حجمها خلال السنوات العشرين الماضية. ولكن ظل عددنا 1300 حتى حصول التخفيضات الأخيرة. لذلك أشعر بثقة أكبر.

تحظى نيويورك تايمز بـ 875 ألف مشترك رقمي. هل شارفتم على بلوغ السقف؟

لا أعتقد ذلك. لم نتوصَّل بعد إلى طريقة لننمي بها مجموعة قرائنا الدوليين. أسسنا موقعاً إلكترونياً في الصين، إلا أن الحكومة الصينية حجبته. لكنه يتمتع بعدد قراء جيد. على سبيل المثال، شهدت صحيفة Guardian نمواً كبيراً من خلال موقعها الإلكتروني في الولايات المتحدة. علينا أن نتوصل إلى طرق لنجذب القراء في أماكن مختلفة من العالم.

تشهد {واشنطن بوست} توسعاً تحت قيادة مالكها الجديد، مؤسس {أمازون} جيف بيزوس. ما عادت الأرباح تؤدي دوراً كبيراً في هذ المجال. فهل يقلقك هذا الواقع؟

يشعر نصفي بالقلق إلى حد ما. لطالما كانت {واشنطن بوست} ولا تزال أكبر منافس تاريخي لنا. لكن نصفي الآخر، نصفي الصحافي غير الأناني، يشعر بالحماسة. أرغب في أن تحقق الصحف النجاح. لنتأمل في مثال صحيفة Guardian، التي أصبحت منافساً جديداً في العصر الرقمي. هل أشعر بالقلق لأنها تنافسنا ولأنها سبقتنا إلى خبر سنودن؟ نعم، أنا في جزء مني صحافي يهوى المنافسة ويريد أن يناضل: هيا لنواجه! العمل بهذه الطريقة أكثر متعة.

هذه مقاربة تنافسية بامتياز.

كبرت في عالم الصحافة الأميركية التقليدي مع تنافس الصحيفة الصباحية والصحيفة المسائية الخطوة تلو الأخرى. حظيت بالقدر الأكبر من المتعة. ولا شك في أن هذا عاد بالفائدة الكبرى على الصحافة.

كم آلمك أن إدوارد سنودن لم يلجأ إلى {نيويورك تايمز} كمؤسسة؟

آلمني كثيراً. عنى ذلك أمرين: من الناحية الأخلاقية، لم يعتقد شخص يحمل خبراً مهماً يود إيصاله إلى الناس أننا الوسيلة المناسبة. ولا شك في أن هذا محزن. ثانياً، يعني ذلك أيضاً أننا هُزمنا في ما يعتبره كثيرون القضية الأمنية الوطنية الكبرى منذ سنوات كثيرة. لم تتغلب علينا Guardian فحسب لأنه لجأ إليها، بل أيضاً {واشنطن بوست} لأنه لجأ إلى كاتب من هذه الصحيفة. حاولنا أن نعوض هذا النقص وأعددنا تقارير جيدة جداً أشعر بالرضا حيالها. لكن هذا آلمني في الصميم.

أحد الأسباب التي دفعت سنودن إلى عدم اللجوء إلى {نيويورك تايمز} رفضها نشر بحث أولي عن مجموعة وكالة الأمن القومي عام 2004، ولم يُنشر هذا الخبر إلا بعد سنة تقريباً. هل تعتبر التردد في نشر التقرير خطأ؟

لم أكن في {نيويورك تايمز} آنذاك، ولا أعلم ماهية المناقشات التي دارت. من السهل النظر إلى هذه المسألة اليوم والقول: {كيف أحجمت نيويورك تايمز عن نشر هذا الخبر؟}. لكني أرفض الحكم عليهم لأنني لم أكن مع المسؤولين فيها. أجهل ما دار من نقاش. يؤكد رئيس التحرير السابق بيل كيلر أن الخبر لم يكن بجودة ما نشروه.

ثمة حالات عدة أخرى أعربت فيها {نيويورك تايمز} عن مراعاة للحكومة الأميركية. في عام 2011 مثلاً، لم تنشروا خبراً عن قواعد الطائرات من دون طيار في المملكة العربية السعودية. هل يمكنك أن تحدد لنا المعايير التي تعتمدون عليها لتقرروا عدم نشر أخبار مماثلة؟

اتخذت أنا بنفسي قرار عدم نشر البحث عن الطائرات من دون طيار، وكان قراراً خاطئاً بالتأكيد. ولكن في تلك الفترة، كان الإمام المتطرف الأميركي الأصل أنور العولقي قد قُتل في هجوم لطائرات من دون طيار. وكنا نعد الخبر عن هذه القواعد للنشر. لكنَّ مسؤولاً بارزاً في وكالة الاستخبارات المركزية اتصل بي وحاول إقناعي بعدم ذكر موقع القواعد، أي المملكة العربية السعودية، فقبلت. لكن قراري كان في غير محله. اتخذته قبيل موعد النشر، إلا أنني ندمت عليه في اليوم التالي، فنشرنا هذه المعلومة لاحقاً. تعلمت درساً مما حدث. ولكن ثمة حالات عليك فيها، في رأيي، أن تحجم عن نشر بعض المعلومات. ويمكنني التفكير في مناسبات عدة لم أندم فيها على قرار مماثل.

هلّا تعطينا مثلاً!

خلال تسريبات {ويكيليكس}، اطلعنا إحدى المرات على برقية مذهلة. كان معمر القذافي لا يزال في السلطة، وحملت البرقية تفاصيل دقيقة جداً تُظهر أن مرسل البرقية على اطلاع واسع على نشاطات القذافي. بدا هذا خبراً ممتازاً للنشر. لكن الحكومة قدَّمت لنا حججاً أكدت لنا أننا إذا نشرناها، فسيعرف القذافي مصدرها. ولا شك في أن المصدر سيُقتل. وعندما أعدت قراءة البرقية على ضوء المعلومات الجديدة، اتضح لي أن الحكومة محقة في طلب عدم نشرها. وكما أذكر، وافق الجميع على عدم استعمال هذه البرقية بالتحديد.

{شبيغل} أيضاً وافقت...

حتى موقع {ويكيليكس}. ولا أندم على قراري هذا.

كم تحاول الحكومة التواصل معكم بشأن الأخبار التي تنشرونها؟

يعتمد ذلك على الأخبار. تداوم على الاتصال بنا طوال أسبوعين أو ثلاثة، مثلاً، ومن ثم تنقطع الاتصالات بيننا. ولا نعود نتلقى أي اتصال منها خلال ستة أشهر. مررنا في الآونة الأخيرة في مرحلة كانت الاتصالات بيننا مكثفة. أرفض طلبهم في معظم الأحيان. ولكن في حالات مثل برقية القذافي، يتضح جلياً أن شخصاً ما قد يتعرض للخطر إن نشر الخبر. يعتقد كثيرون أن الصحافة جبانة إلى حد ما، وأنها تمتنع عن نشر الأخبار ما إن تطلب منها الحكومة ذلك. لكن الواقع مختلف، ففي 70% إلى 80% من الحالات تطلب منا الحكومة عدم نشر الأخبار لأسباب أمنية، وخصوصاً إن كان ذلك يحمي حياة شخص ما. إلا أننا نحن نزن الأمور ونناقشها، علماً أننا نقر النشر في معظم الحالات.

في حالة القذافي، نشر موقع {ويكيليكس} البرقية بعد نحو سنة ولم يحدث شيء. هل نبالغ في الحرص إن رفضنا نشر معلومات مماثلة؟

أعتقد أنك محق. أظن أننا بالغنا في الحرص.

مَن بدل وجهة نظرك؟ سنودن؟ ويكيليكس؟

تطورات كثيرة بدَّلت تفكيري: ما كشفه سنودن، ويكيليكس، اقتراف بعض الأخطاء والندم عليها، وفهم مقدار التبدل الذي شهده هذا البلد خلال الحرب على الإرهاب. أعتبر مثال المملكة العربية السعودية بالغ الأهمية لأنني لمسته لمس اليد. عندما أعدت التفكير في كيفية اتخاذي هذا القرار، تذكَّرت أنني اتصلت بالمراسلين وخالفوني الرأي. أقدمت على القرار من دون التشاور معهم كفاية. أظن أنني أخطأت تماماً. وأتى سنودن بعدي ليبرهن مدى خطأي.

أعطنا سبباً يدفع إدوارد سنودن التالي إلى اللجوء إلى نيويورك تايمز.

سنعرب لسنودن التالي أننا أكثر استعداداً من أي مؤسسة إخبارية لتغطية الخبر. ونملك الوسائل، الأدمغة، وبالتأكيد الجرأة لنشر خبر مماثل.

{تشارلي إيبدو}

لم تنشروا صور شارلي إيبدو الكاريكاتورية عن النبي محمد. فما السبب؟

كان القرار صعباً جداً. كان رد فعلي التلقائي الأول كصحافي رغبتي في التعبير عن تضامني مع الصحافيين الذين قُتلوا. لذلك اتخذت في ذلك الصباح القرار بنشرها. لكني أحجمت عن ذلك، مع أن هذا لم يكن بالأمر السهل. فكرت أننا بنشرنا صوراً مماثلة نضع المأساة الحقيقية جانباً ونصبّ اهتمامنا كله على الرسوم الكرتونية بحد ذاتها. لذلك جلست في الغرفة ورحت أتأمل مجموعة من الرسوم الكرتونية. أيقنت أن هذا النوع من الدعابة ما هو إلا إهانة غير مبررة، وأنا لا أنتقدها. لم يتوافق هذا النوع من الدعابة مع المعايير المتبعة في {نيويورك تايمز}. لم أظن أن علينا عرضها للناس كي يفهموا ما حدث. يكفي أن نصفها. ما من ضرورة لنشرها.

لكن هذه الرسوم الكارتونية كانت السبب الرئيس وراء الاعتداء.

هذا صحيح.

ألا يوجِّه نشر الصور رسالة تضامن؟ فالدفاع عن حق أن تستطيع نشر حتى أتفه الأمور في مجتمع حر لا يعني بالضرورة أنك تتبنى محتواها.

أعتقد أن ثمة طرقاً للدفاع عن حق النشر من دون أن تتخلى عن قيمك ومعاييرك. صحيح أنني أود الإعراب عن التضامن، إلا أن ذلك يحتل المرتبة الثانية أو الثالثة بين مهامي الأكثر أهمية. تبقى مهمتي الأولى أن أخدم قراء {نيويورك تايمز}. ولا شك في أن جزءاً كبيراً من قرائنا سيشعرون بالإهانة إن نشرنا رسوماً تسخر بالنبي محمد. لا يشكل هذا القارئ عضواً في داعش، بل شخص مسلم ملتزم يعيش في بروكلين، له عائلة، ويعتبر عملاً مماثلاً مهيناً. نقترف خطأ كبيراً صحافياً إن نسينا هؤلاء القراء. بحثت عن رسوم كرتونية تسخر بأديان أخرى ورحت أتأملها، فأدركت أن من الضروري عدم نشرها. إن رفضت أن أنشر رسماً ساخراً عن يسوع، فلمَ قد أنشر رسوماً عن شخصية دينية أخرى؟

صار الشعار {أنا شارلي} عالمياً. كيف يمكنكم استخدامه من دون نشر الرسوم الكرتونية؟

تبني موقف {كلنا شارلي} قرار اتخذه مجلس المحررين لا أنا شخصياً. اقتصر عملي على تغطية التطورات التي رافقت الخبر بقوة. على المؤسسة الإخبارية أن تتحلى بالشجاعة في توزيع مراسليها وصحافييها لتغطية كامل أوجه الخبر على الصفحة الأولى. عليك أن تحرص على أن بعض مراسليك يغطون أخبار داعش، فيما يتوجه آخرون إلى بغداد. من الضروري أيضاً أن تتقن تغطية الحرب في أفغانستان. صحيح أن الصحافي في داخلي يدعم {شارلي إيبدو}، إلا أن محرر {نيويورك تايمز} في داخلي يعتقد أن من واجبي اكتشاف ما حدث وتغطية كامل أوجهه. ولا شك في أن هذا أكثر أهمية من نشر عدد من الرسوم الرمزية على الصفحة الأولى.

تعذيب

في شهر أغسطس، أعلنت تبديلاً كبيراً في تغطية {نيويورك تايمز} لفضيحة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. بدأتم بنعت بعض تقنيات الاستجواب بـ{التعذيب}. ولكن طوال سنوات، استخدمت الصحيفة مصطلحات مثل {تقنيات الاستجواب القاسية}. لمَ استغرق اتخاذ هذا القرار وقتاً طويلاً؟

لم أكن المسؤول عندما اتُخذ القرار الأساسي بعدم استخدام كلمة {تعذيب}، إلا أنني أتفهم القرار. في تلك الفترة، لم نكن نعلم الكثير عمَّا تعرض له هؤلاء الأشخاص. ما كان أحد يعرف كم مرة تعرض خالد شيخ محمد للتعذيب بالإغراق بالماء (waterboarded). لذلك انتظرنا فترة طويلة إلى أن اكتشفنا الحقائق كافة عما ارتُكب. وعندما حصلنا على المعلومات، كان لا بد من أن نقول: لنبدأ باستعمال كلمة {تعذيب}.

أيعود ذلك إلى اتباعكم تعريف الحكومة، الذي اعتبر أن هذه التقنيات لا تندرج تحت التعريف القانوني للتعذيب؟

ما كان يجب أن تحاول الحكومة تعريف معنى مصطلح {التعذيب}. وما كان علينا أن ننتظر هذه المدة كلها لنستخدم المصطلح. بدأت أستعمل هذه الكلمة قبل بضعة أشهر، بعيد تولي منصب رئيس التحرير. اتصل بي مارك مازيتي، الذي يغطي أخبار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لصحيفتنا وقال لي: {سيصدر التقرير بعد أشهر. علينا أن نعيد النظر في سياسة نيويورك تايمز بشأن استخدام كلمة تعذيب}. عقدنا بعد ذلك أنا ومارك وبعض المراسلين اجتماعاً عبر الهاتف، فقالوا لي: {إليك ما نعرف اليوم وما غطيناه}. ثم سردوا أخباراً سبق وغطيناها، فأجبتهم: {هذا تعذيب بالتأكيد}. نتخذ أحياناً القرارات الصائبة بعد وقت لأننا بطيئون، فنحن بشر لا نفكر أحياناً في المسائل في الوقت المناسب، ولا ننتبه أحياناً لبعض الأمور المهمة. نكون أحياناً أغبياء بصراحة.

أعلن أحد أفضل مراسليك، جيمس ريزن، في أحد خطاباته أن الصحف الرئيسة {أخفقت بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر}. فهل توافقه الرأي؟

نعم بالتأكيد. لم تتحلَّ الصحف الرئيسة بالعدائية الكافية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. افتقرت إلى الحماسة في طرح الأسئلة عن قرار السير إلى الحرب في العراق، وفي طرح الأسئلة الصعبة عن الحرب ضد الإرهاب. أقبل بأمر مماثل مع صحف مثل {لوس أنجلس تايمز} و{نيويورك تايمز}.

back to top