الأديبة د. غادة العبسي: قسوة الواقع تفوق خيال الأدباء

نشر في 30-01-2015 | 00:00
آخر تحديث 30-01-2015 | 00:00
أرادت أن تكتب عن الجمال والأزهار والرياحين فصدمها الواقع بخشونته وقسوته، وأرادت أن تكتب عن الطفولة فجاءت قصة مانوليا التي تتحدث عن أطفال الشوارع وفازت عنها بالمركز الثالث في مسابقة نازك الملائكة للإبداع النسوي، هي القاصة المصرية غادة العبسي التي صدرت لها سابقاً مجموعات قصصية عدة من بينها «حشيشة الملاك» و{أولاد الحور» حول حصولها على جائزة نازك الملائكة وقصصها كان هذا الحوار.
ماذا عن قصتك «مانوليا» والتي حصلت على المركز الثالث بجائزة نازك الملائكة؟

قصة «مانوليا» دراما إنسانية كتبتُها تحت تأثير مشهد واقعي أوجعني بشدة لطفلٍ متسكع يعلوه القذر، وددتُ لو أني كتبتُ نصّاً مفعماً بالجمال كي أتخلص من وطأة الصورة العالقة في ذاكرتي، فكانت «مانوليا»، وبرغم حرصي على الهروب إلى منطقة شاعرية تُنسيني القبح الذي يطاردني فإنني وجدتُ كم تحمل حقيقتنا من الطفل المسكين. أعتز كثيراً بمشاركتي ثم فوزي في مسابقة نازك الملائكة أولاً لاقتران اسمي باسم شاعرة كبيرة وقاصة وناقدة كنازك حيث لا يعرف كثيرون أن لديها مجموعة قصصية وحيدة باسم «الشمس التي وراء القمة» وهي التي عاشت في مصر ودفنت فيها.

صدرت لك اخيراً مجموعتك القصصية «أولاد الحور». حديثنا عنها؟

«أولاد الحور» مجموعة قصصية مكوّنة من 18 قصة قصيرة، حاولت من خلالها تسليط الضوء على هموم الوطن، مارست فيها ولعي بالبشر وذواتهم واحتياجاتهم الاجتماعية ورغباتهم ومخاوفهم من المستقبل. المجموعة مهتمة بنموذج المصري المهمّش والذي يبدو في منأى عن أحلامه وفي مخاض مزمن لا يفضي إلى تحقيقها. أجتهد أن أطرق الأبواب الخلفية للموضوعات الأكثر جدلاً في مجتمعنا والقضايا الفاصلة المؤثرة في حياتنا.

يلمس القارئ نزعة صوفية في كثير من قصص المجموعة، ما السر في ذلك؟

أستطيع القول إنه تأثير ثقافة القرآن الكريم في كتابتي وتبركي بها كقنديل في رأسي يوقَد كلما أظلم الطريق. كذلك ألجأ كثيراً إلى التراث الأصيل في محاولة لإحيائه في قلوبنا قبل أن يتفلت منها مع الإيقاع السريع لحياتنا... وفي النهاية تأسرني الكتابة الجميلة أينما وُجدت.

ماذا عن مجموعتك السابقة {حشيشة الملاك}؟

{حشيشة الملاك} بمثابة الابن الأكبر لي الذي تكتشف معه بدايتك وقدرتك على العطاء في شكل أقرب إلى التجريب. أما {أولاد الحور} فكنت قد تعلمت عن الكتابة أكثر وتدربت عليها بشكلٍ أفضل، إضافة إلى اختلاف النصوص باختلاف القضايا المتناوَلة، فأحاول جاهدةً ألا أكرر نفسي وأذهب أحياناً إلى غير المطروق من الموضوعات ولعاً بالتجديد. إلا أن ثمة خطاً موصولاً بينهما يظهر في الخطوط العريضة وأهمها على الإطلاق العناية بالتراث والموسيقى.

هل تركزين ناظريك على القصة فحسب، أم على أجناس أدبية أخرى؟

أعكف الآن على الانتهاء من كتابة رواية. ومع تقديسي الكامل لفن القصة ولكن قد يحتاج الكاتب إلى مساحة أكثر اتساعاً للحديث عن أزمان وأحداث متعددة ومتداخلة لا مجال لتقديمها من خلال القصة القصيرة، أو الاحتياج الشديد إلى ذكر تفاصيل لا يمكن أن يضمها سوى عمل روائي.

لكِ مدونتك الخاصة {شجرة المسافر}. ماذا أفادك التدوين أدبياً؟

كانت أولى تجاربي لاكتشاف ردود فعل القراء لحظياً حيال ما أقدّم من كتابة، وإن كنتُ أكتب في الأساس بدافع المتعة والإشباع الشخصي فقد صارت الكتابة بالنسبة إلي عادة لا يمكن الاستغناء عنها، {شجرة المسافر} بيتي الذي أدوّن على جدرانه أفكاري ومشاعري الخام كما هي قبل أي تشذيب أو مراجعة، حمّى القَص تنتابك فتقرر أن تكتب فقط وتسكب حكاياتك في آذان متابعيك في جو مفعم بالحميمية.

ما رأيك بالقصة القصيرة جداً والتي بدأت تشهد رواجاً عربياً؟ وماذا تتطلَّب الومضة في كتاباتها؟

أرى أن فن القصة القصيرة جداً لا يقل أهمية أو إبداعاً عن القصة الكلاسيكية المعروفة. مثلاً قصة {أخي} للقاص الإسباني رافاييل نوبوا، لا يسعك إلا أن تصفق لها وأنت تبكي. ثمة احتفاء عالمي بهذا الجنس الأدبي كالمسابقة التي يقيمها متحف الكلمة كل عام، ولكن المشكلة أن قليلين يهتمون بدراسة معايير تلك النوعية من القصص لضمان جودتها وإحكامها... عنصر المفاجأة هو أهم ما يميز القصة عموماً من وجهة نظري، والكتابة فكرة بالأساس فلا بد من أن تتضح فكرتك، ووساطة اللغة من المفترض أن تهب قارئك متعة وشعوراً متقداً يجذبه ويؤثر فيه بل ويلهمه كذلك... التكثيف أمر مطلوب كتّاب القصة القصيرة جداً، إضافة إلى القدرة على إدهاش القارئ.

يقال إن الكتابة باتت ساحة مباحة للجميع، أي أن كل من أراد أن يصدر كتاباً يتضمن فكرة أو خواطر فهذا حق له. هل ترين أن التعبير عن الرأي في الكتابة حق مطلق أم أنه مقيد وتتحكم به شروط عدة؟

نعم هذا صحيح، فليمارس أي منا هذا الحق. الكتابة مشروع لحيوات عدة تتجاوز عُمر الكاتب ولا يكتب الأديب كي يُقرأ بل كي يبقى. والكلمة في النهاية للزمن الذي يكتب الخلود للقيمة الإبداعية الحقيقية ويتجاهل ما عداها.

حصلت على كثير من الجوائز. فما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلاً على إبداعية المنتج الأدبي؟

حصلت على ثلاث جوائز أدبية مهمة من بينها جائزتا نازك الملائكة وإحسان عبد القدوس لعام 2014 عن قصة {وحياة قلبي وأتراحه}. أرى أن الجائزة تقييم جيد للعمل وإشارة إلى أدب يستحث القارئ على الاطلاع عليه، وهي القيمة الأهم بالنسبة إلي أكثر من اعتبارها تحفيزاً للكاتب والذي من المفترض ألا يتوقف إبداعه تحت أي ظروف.

هل من كتابات نقدية رافقت تجربتك الأدبية؟

كان من وافر حظي أن تكتب عني المخرجة والناقدة أسماء إبراهيم دراستين نقديتين عن {حشيشة الملاك} و{أولاد الحور}، وستنشران قريباً. أرى أن العمل الجيد يفرض نفسه على الساحة الأدبية، وأتعامل مع أي نقد بشكل جدي وأستمع إلى نصائح الأساتذة والأصدقاء وأدين لهم بالفضل على أمانتهم ونزاهتهم.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

أعكف الآن على الانتهاء من كتابة رواية.

back to top