الميزانية الجديدة... خطوة إيجابية تحتاج إلى خطوات

نشر في 29-01-2015 | 00:00
آخر تحديث 29-01-2015 | 00:00
No Image Caption
● سلبيات في خفض استقطاع احتياطي الأجيال... والاقتراض لتمويل العجز

● إيجابيات في خفض الدعم وتنمية الإنفاق الرأسمالي... وسعران للأساس والتعادل
مقارنة بتراجع أسعار النفط بين 50 و60 في المئة، خلال الأشهر الماضية، يمكن وصف الخطوة الحكومية بإعداد الميزانية الجديدة بأنها جيدة، إلا أن المطلوب أكثر

يمكن اعتبار إيجابيات الميزانية الجديدة لعام 2015-2016، التي أعلنها وزير المالية أنس الصالح، أكثر من سلبياتها، خصوصاً من حيث إنها أول ميزانية سنوية تتجه نحو خفض الإنفاق العام منذ نحو 7 سنوات، وبنسبة كبيرة تصل إلى 18.7 في المئة، مقارنة بالميزانية السابقة، بما يعادل 4.13 مليارات دينار.

ومن إيجابيات الميزانية الجديدة أنها رغم انخفاضها فقد عززت الإنفاق الرأسمالي ولو بنسبة طفيفة بلغت 0.43 في المئة، وهو الباب الذي كان دائما ضحية تخفيض أي إنفاق في الميزانية سابقا، مع تأكيد ضرورة أن يخدم هذا الباب أهداف الميزانية في العمل والإيرادات، بينما تراجع بند المرتبات وما في حكمها بواقع 5.7 في المئة، كما انخفض باب الدعم بنحو 35 في المئة، وهو التغير اللافت جدا في الميزانية لهذا العام، فضلا عن وضع سعر أساس لقواعد تمويل الميزانية عند 45 دولارا للبرميل، بفرضية إنتاج 2.7 مليون برميل يوميا، ينتج عنه عجز مالي يقدر بـ8.2 مليارات دينار، إلى جانب سعر تعادل يقدر بـ77 دولارا تتساوى عنده الإيرادات بالمصروفات.

أما سلبيات الميزانية فيمكن رصدها في محورين أساسيين: الأول يتمثل في خفض نسبة الاستقطاع لصالح احتياطي الأجيال من 25 في المئة من الإيرادات الى 10 في المئة فقط، في وقت كان من المفترض أن تركز الدولة على تنمية إيرادات الصندوق السيادي، أما الأخير فيتمثل في خيارات تمويل العجز بالميزانية التي حددها الوزير الصالح بأنها ستكون بين السحب من الاحتياطي العام والاقتراض من البنوك التجارية، مع أن المطلوب هو زيادة الإيرادات الذاتية التي تمول الميزانية العامة عبر إعادة تسعير الخدمات والسلع بأسعار أكثر عدالة لمصلحة الدولة بما لا يمس الفئات المحتاجة فعلا للدعم.

ومقارنة بتراجع أسعار النفط بين 50 و60 في المئة خلال الأشهر الماضية يمكن وصف الخطوة الحكومية في إعداد الميزانية الجديدة بأنها جيدة، إلا أن المطلوب أكثر، إذ لا تزال هناك تشوهات في هيكل الاقتصاد، وتعتبر الميزانية أحد أهم أوجهها.

والمطلوب اليوم إعادة تنويع الاقتصاد، بما يسهم في نمو الإيرادات غير النفطية التي بلغت نتيجة انخفاض أسعار النفط في الميزانية الجديدة 12 في المئة، وهذا بحد ذاته يجب أن يكون أحد أوجه أهداف الإدارة الحكومية في رفع قيمة ونسبة هذه الإيرادات لتشكل نسبة أكبر في مواجهة الإيرادات النفطية التي تزيد درجة مخاطر المستقبل كلما انخفضت الأسعار أكثر، عبر إعادة تسعير الدعم، إلى جانب فرض ضرائب على أرباح الشركات وجذب استثمارات أجنبية.

ويمكن اعتبار الإيرادات غير النفطية مقياسا أفضل لنجاح النشاط الاقتصادي في أي بلد، وهي أكثر جودة من الإيرادات النفطية، فالأولى مرتبطة بنشاط اقتصادي، أما الثانية فترتبط بمعايير سوق عالمي يمكن أن نتأثر بتقلباته، خصوصا في ظل حالة عدم اليقين التي يعانيها الاقتصاد العالمي والمخاوف من تراجع الأسعار، لذلك من المهم العمل على إيجاد بدائل لرفع قيمة الإيرادات غير النفطية، ونسبتها في الميزانية، حتى لا نظل نعيش يوميا في خطر أي هزة سلبية في سوق النفط أو حتى في الاقتصاد العالمي يمكن أن تؤثر في طلب النفط.

كذلك يجب بذل الجهد لمعالجة سوق العمل، الذي يستحوذ بند المرتبات وما في حكمها في الميزانية الجديدة على نحو 52.4 في المئة من إجمالي المصروفات، وهي نسبة عالية يمكن تخفيضها عبر توفير فرص عمل خارج إطار القطاع الحكومي، من خلال مشاريع حقيقية وشركات واستثمارات أجنبية ومحلية، والعمل بجدية على تحويل برامج المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى نموذج نجاح في تطوير سوق العمل، لرفع الكلفة المالية على الدولة، وعدم خلق بطالة في البلد حال العجز عن توفير فرص العمل.

ليس المهم اليوم الحديث عن انخفاض أسعار النفط، بل التعامل مع هذا الانخفاض بما يعزز خطوة ضبط انفلات الميزانية العامة، فإذا كانت قدراتنا على التحكم في سوق النفط محدودة فإن الخيار يبقى متاحا لنا في التعامل مع آثار الهبوط عبر اتخاذ إجراءات من شأنها معالجة الملفات الاقتصادية والمالية، ما يتطلب قرارات حقيقية.

إصلاح الاقتصاد، أو على الأقل تلافي الأزمات، يتطلب الاستمرار في اتخاذ قرارات، كضبط النفقات غير الضرورية في المهام واللجان، وترشيد الصرف، والعمل على وضع سقف للميزانية لا ترتفع فوقه، والإسراع في إطلاق خطة تنمية حقيقية بأدوات قياس عملية ومرتبطة مع أهداف الميزانية، لا خطة فشلت الحكومة في إدارتها فوضعت خطة أخرى محدودة الطموحات... والأهم أن تكون للكويت خطة استراتيجية يجري تقييمها سنويا، بدلا من بيع الوهم للناس، عبر مشاريع ومبان أثرها على الاقتصاد محدود وضئيل.

الميزانية الجديدة التي أعلنت يجب أن تحظى بدعم ممن أصدرها، أي الحكومة، وأن تدافع عنها لتمريرها بقانون، لأن هناك تجارب سابقة قدمت الحكومة فيها مقترحات لإعداد ميزانية فيها قدر محدود من التحفظ، إلا أن الضغط السياسي أسهم في ارتفاعها عند الإقرار بأكثر من الميزانية السابقة، وهذا إن كان ممكنا في السابق فإنه لا يستقيم مع الوضع الجديد الذي يفرضه علينا سوق النفط.

back to top