الحرمان من النوم... مخاطره كثيرة

نشر في 27-01-2015 | 00:02
آخر تحديث 27-01-2015 | 00:02
No Image Caption
نستخف بهذا الأمر، لكن يضطر معظم الناس إلى الاستيقاظ والذهاب إلى العمل (أو المدرسة أو القيام بواجبات صباحية أخرى) قبل فترة طويلة مما يجب. يتم التعامل مع النوم وكأنه من الكماليات القيمة: أصبح طبيعياً أن يستيقظ الناس وهم يشعرون بالإرهاق إلا في بعض الحالات الاستثنائية. فما هي مخاطر الحرمان من النوم؟ الإجابة من {أتلانتيك}.
لا شك في أن ركاب قطار الأنفاق يجيدون أخذ قيلولة، لكن بدا ركاب هذه العربة ماهرين على نحو خاص. كانت المركبة تمر فوق جسر بروكلين في صباح أحد الأيام، فأشرقت الشمس فيما كان عدد من الرجال الذين يرتدون بذلات سوداء متشابهة يمسكون بالأربطة ويغلقون عيونهم. كانت أعناقهم منحنية نحو الأمام كصف من أزهار الأقحوان التي يحركها النسيم. وحين اتصلت العربة بمسارها واخترقت الشمس نوافذ القطار القذرة، أدركتُ أخيراً أن هؤلاء الرجال نائمون. حتى المطبات والأضواء لم تستطع منعهم من إغلاق عيونهم لخمس عشرة دقيقة إضافية قبل العمل.

النهوض قبل أن يرغب الجسم في ذلك لا يتعلق حصراً بالمعنويات ومستوى الطاقة بل بوظيفة الدماغ أيضاً. كتب تيل رونينبرغ، أستاذ في علم الأحياء الزمني في معهد علم النفس الطبي في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في مونش: «قد تكون عادة النوم والنهوض في أوقات «غير طبيعية» أبرز سلوك عالي المخاطر في المجتمع المعاصر».

وفق دراسة رونينبرغ المهمة التي نُشرت في مجلة Current Biology، يضطر ثلث الناس الذين يعيشون في دول العالم الأول إلى النهوض قبل ساعتين من الوقت الذي تريده ساعتهم البيولوجية أو {أوقات النهوض الطبيعية}، ويضطر 69% من الناس إلى النهوض قبل ساعة مما يريد الجسم.

تختلف مدة النوم التي يحتاج إليها الناس. ورغم عدم وجود أي قاعدة عالمية لتحديد مدة النوم المثالية، اتضح أن بعض المشاكل الجدية قد ينجم عن العمل لساعة متأخرة والنهوض في ساعة مبكرة. لا يواجه الناس المشاكل بسبب الحرمان المتكرر من النوم. بل إن ليلة مضطربة واحدة قد تنعكس سلباً على وضعنا في الصباح.

وفق دراسة جديدة نُشرت في عدد شهر سبتمبر من مجلة {علم النفس}، يبدو أن النوم لأقل من خمس ساعات في الليلة يجعل الناس أكثر غباءً وأقل قدرة على التركيز، وقد يصبح الناس حينها أكثر عرضة لحفظ الذكريات الكاذبة. قاد ستيفن فريندا من جامعة كاليفورنيا – إيرفين هذه الدراسة: من بين 193 شخصاً خضعوا للاختبار، تبين أن المشاركين الذين ناموا لأقل من خمس ساعات في الليلة أصبحوا أكثر ميلاً إلى الاعتراف بأنهم شاهدوا نشرة إخبارية مع أنهم لم يفعلوا ذلك. كانت المجموعة التي حُرمت من النوم أكثر ميلاً لذلك أيضاً. أثناء تذكّر أي قصة شخصية، أضاف 38% منهم معلومات خاطئة كان الباحثون قد لقّنوها لهم، بينما حفظ 28% ممن ناموا لأكثر من خمس ساعات المعلومات الكاذبة عند إعادة سرد قصتهم. افترض فريندا وزملاؤه أن قلة النوم تعيق قدرتنا على ترميز المعلومات.

كذلك شككوا في صحة كلام شهود العيان في المحكمة بما أن عدداً كبيراً من المشاركين في هذه الدراسة (لا سيما أولئك الذين لا ينامون لفترة كافية) يكون قابلاً لحفظ ذكريات كاذبة. إذا ذهب شخص للعمل بعد ليلة من الأرق، يرتفع احتمال أن يتذكر الأحداث بطريقة شائبة.

لكن تتجاوز أهمية النوم نطاق المحاكم والشركات. في صفوف المدارس، يميل التلامذة الذين ينامون لفترة أطول إلى تذكر ما تعلّموه في اليوم السابق أكثر من الأولاد الذين ينامون لفترة أقل، وفق دراسة نُشرت في مجلة {العلوم} في عام 2001. كذلك، أكدت دراسة صدرت في عام 2014 على أن النوم لمدة إضافية يسهم في نيل علامات أعلى في الامتحانات. سجل الطلاب الذين ناموا لسبع ساعات في الليلة قبل امتحانات في الاقتصاد واللغات والرياضيات علامة أعلى بنسبة 9% مقارنةً بالطلاب الذين ناموا لست ساعات فقط في الليلة السابقة.

النوم لأقل من خمس أو ست ساعات يرتبط أيضاً بالعجز عن تعلم المهارات الحركية. قبل تعلم العزف على البيانو مثلاً، يجب التركيز أولاً على النوم بالشكل المناسب.

لكن يمكن تجاوز رغبة العقل والجسم في النوم. من خلال إخبار الدماغ بأن مدة النوم كانت كافية، تشير الدراسات إلى أن الناس يستطيعون الاحتيال على أدمغتهم موقتاً. تؤدي قلة النوم إلى المشاكل لكن حين تخبر نفسك بأنك نمت لفترة أطول وأنك تشعر بالانتعاش (حتى لو لم يكن الأمر صحيحاً)، ستتحسن وظيفتك المعرفية في الصباح، وقد اتضح ذلك مع الأشخاص الذين يخدعون أنفسهم ويسجلون علامات أعلى في الطلاقة اللفظية واختبارات المعالجة العصبية.

كان النائمون في قطار الأنفاق يعرفون ما يفعلونه. حتى بعد تمضية ليلة مريعة، يمكن أن تسهم قيلولة من 10 دقائق في زيادة مستوى اليقظة على المدى القصير وتحسين مهارات حل المشاكل.

حين وصلنا إلى محطة قطار الأنفاق في شارع تشامبرز، أدرك الرجال والنساء الذين يرتدون البذلات أنهم وصلوا إلى وجهتهم. ثم بدأوا في الوقت نفسه يفتحون عيونهم ويجبرون أنفسهم على الاستيقاظ. بدأ البعض يصفعون خدودهم، وفرك البعض الآخر عيونهم وصدغهم. ثم انتصبوا وكأنهم دمى متحركة ونظروا أمامهم وحملوا حقائبهم وخرجوا من الباب ثم صعدوا السلالم وخرجوا إلى الشارع الصاخب واليقظ.

back to top