ليغولاند... مغامرات داخل الفندق

نشر في 27-01-2015 | 00:02
آخر تحديث 27-01-2015 | 00:02
لم يكن المطر ينهمر طوال الصباح فحسب، بل كان يغرق مقاطعة سان دييغو الكبرى في جنوب ولاية كاليفورنيا الأميركية، متساقطاً على كامل المنطقة، وخصوصاً المنتزه المخصص للصادرات الأكثر مردوداً التي تصنعها الدنمارك. ولكن مع حلول بعد الظهر، تبددت غيوم العاصفة واستعادت الشمس قوتها، مرسلة أشعتها الحارقة، ما منح ليغولاند (عالم الليغو) مظهراً جذاباً بعد أن امتلأ بفيض من الألوان الزاهية.

كان انهمار المطر قد تحوَّل حينذاك إلى تدفق غزير لدموع الأولاد. فقد أقفل ليغولاند، الذي يُعتبر على الأرجح المنتزه الوحيد المرتكز على لعبة تحسن المهارات الحركية الدقيقة، وسيبقى كذلك طوال النهار. كان موظف واحد يرتدي بزة باللونين الأزرق والأصفر يقف عند البوابات المغلقة وينقل الخبر السيئ لرواد المنتزه. فتراوح رد فعل الأولاد بين زمّ الشفتين وتقبل الخبر بمرارة إلى بكاء ونحيب. أما الأهل، فبدت على أوجههم علامات الصدمة والانزعاج، وخصوصاً أنهم يواجهون في هذه الحالة مهمة العثور على أمر آخر، أي أمر، لتسلية أولادهم واستعادة الهدوء العائلي. ولكن إن كانوا أذكياء ويملكون بالتأكيد الموارد المالية الكافية، كان الحل يقع على بعد خمسين خطوة.

لا يشكل فندق ليغولاند مجرد امتداد لوجستي لمنتزه ليغولاند، بل يُعتبر أيضاً مصدر تسلية قائماً بحد ذاته. لا شك في أن معظم الأولاد ينجذب إلى فكرة النوم خارج المنزل، والاستمتاع بالقفز على السرير وتناول أطايب آلة صنع المثلجات في آخر الرواق. ولكن قلما نرى فندقاً بُني وجُهز للأولاد فحسب، بدءاً من أشكال حجارته البلاستيكية الحصرية التي تحد الردهات وصولاً إلى وضع قبضة أبواب الغرف عند مستوى يتلاءم مع طول الأولاد.

في البهو الذي عمَّته الفوضى وعلا فيه الضجيج في هذا اليوم الماطر، توزَّع الأولاد على الأرض كما لو أنهم في غرفة الجلوس في منزلهم، حاملين قطع الليغو بما يشبه النافورة وواضعينها في أماكنها في أسلحة دمار شامل (الصبية عموماً) وحصون خيالية معقدة دائمة التبدل. أما الأهل، فكانوا إما يتنقلون على مرأى من الأولاد أو يتحققون بتحفظ من هواتفهم الذكية. حتى إن بعضهم خلع أحذيته وانضم إلى أولاده على السجادة وشاركهم في أعمالهم المبدعة.

يمتد نهر من الحروف من قطع الليغو تحت أرضية شفافة من البهو إلى منطقة القصر الملاصقة المخصصة للعب، حيث تكثر الحصون، فضلاً عن سفينة قراصنة شبيهة بالمتاهة. كانت قطع الليغو المنفصلة موزعة في الأرجاء كما لو أنها إحدى لوحات بولوك، في حين زينت الأعمال الفنية كل جدار وسطح متوافر. خلال أوقات اللعب (أوليست كل ساعة مخصصة للعب عند الأولاد؟)، يشارك الأولاد وهم يرتدون ملابس النوم في «ألعاب الجن» ويستعدون لمباراة طاحنة من بناء النماذج، فيما ينسحب كثير من الأهل إلى مطعم مينيس القريب ليسدوا حاجتهم إلى شراب بارد ويزيلوا عن كاهلهم ضغوط النهار الحافل.

قالت ميليسا شليشتلينغ من هيلينا بمونتانا: {هذا مذهل}، فيما كان ابنها زاين (9 سنوات) يختفي داخل قصر، وابنتها سونجا (7 سنوات) تضع اللمسات الأخيرة على {عصا الأحلام} الثلاثية الألوان المعدة من قطع الليغو والتي ظنت أنها قد تتيح لها فرصة الفوز بمبارات بناء النماذج. أضافت الأم: {لا أدري ما كنا سنفعل لولا الفندق اليوم. لا يُعتبر الفندق ملائماً للأولاد فحسب، بل أعد لهم خصوصاً}.

في المطعم، كان أب في ثلاثيناته يُدعى واين في ليتلتاون بكولورادو يحمل في كل يد شراباً بارداً ويشربهما دفعة واحدة، لذلك رفض أن يذكر شهرته. وبشعره المشعث ونظراته العميقة، أخبرني أنه عانى يوماً شاقاً لأن رحلتهم إلى ليغولاند لم تكتمل. لكن الأولاد وواين أيضاً استمتعوا بمرح داخل الفندق. ومع أنهم تسلوا كثيراً، إلا أن واين يأمل أن يفتح المنتزه أبوابه في اليوم التالي، وهو الأخير لهم في هذه المنطقة، لأنه لا يعلم مدى الغضب الذي قد يطلقه أولاده الدائمو الحركة إن لم يحدث ذلك.

ذكر واين، متحدثاً عن أولاده: «يمرحون في بيئة مخصصة لهم حالياً. تبدو الجولات في المنتزه ثانوية. يحب أولادي الليغو كثيراً، لذلك كان القدوم إلى الفندق قراراً صائباً».

لا شك في أنه صائب، إلا أنه مكلف بعض الشيء. تبدأ أسعار الغرف مع 250 دولاراً لليلة وقد تصل إلى 349 دولاراً، فضلاً عن 25 دولاراً إضافية لاستعمال المنتجع. لكن عدداً كبيراً من الأهل يؤكدون أن ما تحصل عليه مقابل مالك، هذا الانغماس الكامل في سحر الليغو، الذي يستحق العناء.

عالم آخر

تجوَّل في البهو قليلاً عند دخولك الفندق وتأمل رد فعل الأولاد وهم يمرون تحت تنين أخضر ضخم معد من أكثر من 400 ألف قطعة ليغو عند المدخل. فتراهم ينتقلون إلى عالم آخر، حتى إن بعضهم يتأثر كثيراً ويبدأ بالبكاء تلقائياً، في حين يلقي آخرون حقائبهم أرضاً ويهرعون إلى حفرة الليغو. وتلاحظ أيضاً على وجوه الأهل نظرات غريبة، وخصوصاً حين يلاحظون تفاصيل الفنادق الفاخرة المعتادة ({النافورة}، {الأعمال الفنية}، والمصابيح الأنيقة) وقد تحولت إلى قطع من الليغو.

هذا حقاً عالم آخر. فما يبدو لك من بعيد قطعة فنية شعبية معدة من صور صغيرة للفنان ليشتنشتاين خلف مكتب الدخول ما هو إلا جدار من شخصيات الليغو الصغيرة التي يبلغ عددها 5 آلاف. وتحوم فوق الجدار دراجة هوائية تشغَّل بواسطة الكمبيوتر وتشكل عجلتاها عدستين مكبرتين ترى من خلالهما، إن أمعنت النظر، شخصيات ليغو مبنية بطريقة معقدة.

ولا شك في أن موظفي ليغولاند الودودين سيخبرونك بأن هذا أحد النماذج الـ3500 الموزعة في الفندق المؤلف من ثلاثة طوابق تمتد على مساحة شارعين. ترى عند المدخل بواباً بالحجم الطبيعي من الليغو مقابل نافورة الليغو، مدينة صغيرة الحجم بأبنيتها الشاهقة، ومشاهد منزلية مفصلة داخل شقق تتوزع على جدران مقهى سكايلاين، فضلاً عن نماذج معقدة يفوق عددها الوصف داخل مطعم بريكس، أو حتى قرب المصاعد. ويجب ألا ننسى بالتأكيد النباتات والأزهار المزروعة في أوعية مؤلفة فحسب من المكعبات البلاستيكية المنتشرة في كل مكان.

تشكل بنى الليغو المعقدة المبتكرة لتحديد موضوع ما طابق (مملكة، قراصنة، ومغامرة) التحف الوحيدة المصنوعة من الليغو وغير المعروضة للبيع. يتوافر معظم النماذج في غرف الضيوف المئتين والخمسين، حيث تحدد بطاقات القيمة المتوقعة لكل نموذج والتي تتراوح بين 90 دولاراً و960 دولاراً، وتحذر من أن أي ضرر أو قطع ناقصة من النموذج {ستُسحب قيمتها من بطاقة ائتمانك} التي سلمتها مسبقاً إلى إدارة الفندق.

ولكن لا داعي للقلق: يعرف الفندق نزلاءه جيداً ويقدم دلواً من قطع الليغو التي يستطيع الأولاد استخدامها لابتكار إبداعاتهم. أضف إلى ذلك {صندوق الكنز} (الذي يُستعمل أيضاً كخزنة داخل الغرفة). على النزلاء أن يحلوا أربعة ألغاز في نوع من البحث عن الكنز في منطقة البهو كي يحصلوا على أرقام القفل. وداخل هذا الصندوق يعثرون على كنز من اللعب والأطايب: علبتان من شخصيات ليغو الصغيرة وعدد من النقود الذهبية المصنوعة من الشوكولا. {والمميز أنك تعثر على كنز جديد كل صباح (بفضل فريق التنظيف). ولا شك في أن هذه مبادرة لطيفة}، وفق شليشتلينغ.

على نحو مماثل، أعربت بريتني آلن، أم أخرى في هذا الفندق، عن إعجابها فقد أحبت كثيراً أن يتمتع ولداها (7 سنوات و4 سنوات) بما دعته بالغرفة داخل الغرف، واصفة إياها {بالمميزة والملائمة}.

يفصل حاجز جزئي أماكن النوم في غرفة تبلغ مساحتها نحو 33 متراً مربعاً. ويشكل هذا مخبأ مرحاً للأولاد مع أسرة بعضها فوق بعض (فضلاً عن جارور يُفتح ويتحول إلى سرير)، شاشة تلفزيون مسطحة وضعت في الجدار لتخالها موقداً، ولافتات تلائم موضوع الطابق الذي تقع فيه الغرفة. إليك مثالاً من غرفة في طابق المملكة: {أنتم أيها البالغون المسنون لا تدخلوا}. في المقابل، قد يستمتع الأهل بالمقدار القليل من الخصوصية في قسمهم من قصر العصور الوسطى (أو سفينة القراصنة أو كوخ السفاري). ولا يخلو القسم بدوره من تفاصيل تذكر بموضوع الطابق، وصولاً إلى برميل مصنوع من الليغو وموضوع على رف فوق طاولة المكتب.

لكن لا أحد يظل في غرفته طويلاً لأن طاقم الفندق يبقي النشاط متواصلاً في البهو. ففي الليلة التي تسبب فيها المطر بإغلاق المنتزه، كانت منطقة القصر المخصصة للعب مكتظة تماماً مع أولاد يرتدون ثياب النوم ولا يكفون عن التصادم مسرعين للاستعداد لمباراة بناء النماذج التي سترأسها الأميرة {رقاقة الثلج} والروزي الجنية. راحت ابنة شليشتلينغ تتحقق من مقدار المنافسة التي ستواجهها، في حين راحت أمها تشتكي من أن بعض الأهل كان غير أكيد من القاعدة التي تمنع الأهل من مساعدة أولادهم في بناء قطعهم. قالت: {رأيت رجلاً هنا يعد علم ولاية كولورادو (من الليغو). شعرت أنه يحظى بمتعة أكبر، مقارنة بأولاده}.

شارك 53 ولداً في المباراة، عارضين إبداعاتهم من الليغو بفخر على المسرح في حين كانت روزي الجنية تجري معهم المقابلات. ولا شك في أنها بارعة أيضاً في تدريب القطط لأنها نجحت في إبقاء الأولاد في الصف واتباع ترتيب تسجيلهم. حاول أحد الأولاد أن يخترق الصف وهو يحمل سيفاً/عصا حلوى وأن يقنع روزي بأنه الولد المسجل، صبي يُدعى إيثان. لكن روزي لم تنخدع: {أنت لست إيثان! علينا أن نلتزم بأدوارنا}. عندئذٍ أوقع الولد سيفه كما لو أن ممثلاً فكاهياً يلقي الميكروفون أرضاً وقفز عن المسرح.

مع نهاية حفلة ملابس النوم نحو الساعة العاشرة مساء وبداية {فترة الهدوء}، كان الأولاد ممدين على سجادة البهو كما لو أن أحداً رمى عليهم تعويذة نوم. فحملهم أهلهم ونقلوهم إلى الفراش، آملين أن يكون الطقس غداً مشمساً وأن يفتح منتزه ليغولاند أبوابه في الصباح التالي.

بحلول الساعة العاشرة صباحاً، كان المطر الذي عاود السقوط فجراً قد توقف. فأشرقت الشمس بقوة فوق المنتزه، وراحت البوابات تدور مستقبلة الزوار. وسر الأولاد والأهل بمغارة المرح في الفندق ليستمتعوا داخل المنتزه.

نوبة من الضحك

في الطابق الأول، تلاحظ في إحدى الزوايا لوحة لعامل من الليغو يرتدي بزة كتلك التي يلبسها العمال في مصانع المواد الخطرة. تقرأ في فقاعة الكلام أعلاه عبارة: {هل أنت من فعل ذلك؟}. أما على السجادة تحته، فترى دائرة مرسومة على السجاد مع كلمات يخشى كل الأهل (بعد الاستعمال المتكرر على الأقل): {وسادة غازات}. فعندما يدوس الولد عليها، تصدر أصوات غازات عالية ليقول بعد ذلك العامل في الصورة: {يا لك من قذر!}.

وإن لم يدفع هذا الأولاد الصغار إلى نوبة من الضحك، فانتظر إلى أن يأتي المصعد الذي يشكل مثالاً بارزاً على طبيعة هذا المكان المخصصة للأولاد. فعندما تفتح أبوابه، تسمح نسخة خافتة من أغنية The Girl from Ipanema، وحين تقفل، تنطفئ الأضواء وتضيء المكان كرة ديسكو فيما تصدح أغنية البي جيز Stayin Alive وتحرك أحاسيسك. حتى إن إحدى النساء في منتصف العمر تأثرت كثيراً، فبدأت ترقص محركة يديها على طريقة ترافولتا، في حين تمسكت ابنتها المراهقة بذراعها وراحت ترجوها أن تتوقف.

أما اللمسات الأخرى الملائمة للأولاد، فهي أكثر عملانية، مع أنك قلما تصادف مثيلاً لها في فنادق أخرى.

على سبيل المثال، تُعتبر الطاولات في مطعم بريكس أقل ارتفاعاً من المعتاد بنحو 45 سنتمتراً. كذلك تتخلل جدران المطعم ثقوب كبيرة في حال رغب الولد في تسلق الجدار وتناول شطائره داخل إحداها. كذلك تتجول شخصيات الليغو في غرفة الطعام أثناء الفطور والغداء، فتلتقط منعهم صور وتعد لهم أشكالاً حيوانية من البالونات. بالإضافة إلى ذلك، حوض السباحة أقل عمقاً من المقاييس المتبعة عادةً، حتى إن النادي الرياضي يضم معدات مخصصة للأولاد ومدربون من الليغو.

تحتوي الحمامات كلها داخل الغرف على مقعد يمكن إنزاله فوق فتحة المرحاض مخصص للأولاد الصغار الذين يتعلمون التخلص من الحفاض، فضلاً عن كرسي خشبي يمكنهم استعماله لبلوغ حنفية المغسلة.

ليغولاند

• الموقع 1 ليغولاند درايف، كارلسباد، كاليفورنيا؛ فندق ليغولاند، 5885، كروسينغ درايف، كارلسباد.

• ساعات استقبال الزوار شتاء: من العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساءً (يقفل يومي الثلاثاء والخميس).

• الكلفة: ليغولاند: 73 دولاراً إلى 83 دولاراً.

• منتجع هوبر (بما فيه حوض الحياة البحرية والمنتزه المائي): 97 دولاراً إلى 107 دولارات.

المعلومات: California.legoland.com (877) 534-6526.

back to top