فاتن حمامة

نشر في 26-01-2015
آخر تحديث 26-01-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم وضعت اسم فاتن حمامة كعنوان بدون أي إيضاحات تسبقه أو تعقبه، فاسمها وحده بات علامة جودة تعني قيمة فنية عالية استحقتها بكل جدارة، وباتت علامة فارقة لأجيال عديدة تربت على فنها الملتزم المحترم الذي أدرك ماهية الفن وجوهره، ودور الفنان كرمز وأداة تجسد روح الفن وقيمته الأصيلة ودوره المهم في حياة الناس كإشعاع وبث وتعزيز لثقافة فنية تعلو بالسلوكيات والعادات لترهفها وتزيدها رقيا ورفعة وعمقا، وهو ما أدركته فاتن حمامة واستشعرته، وعرفت ماهية دور الفنان به، فعملت على تجسيده بحرفية عالية واتقان يحسب لها، فمنذ بداياتها الرومانسية التي كانت في أوائل أفلامها وفي عمرها الصغير حينذاك عملت في أفلام عكست مشاكل وهموم ذاك الوقت الذي كان إيقاع العصر أبطأ ومشاكله أبسط وأقل تعقيدا، وكانت السمة الرومانسية هي هوية وطابع الناس في ذاك العصر، لذا عكست أفلام فاتن زمن البساطة والطيبة بمشاكله التي لا تتعدى خلافات الحب والغرام وهموم الحياة العادية، لكن مع تطور العصر وتعقد الحياة وزيادة مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دخلت فاتن مرحلة الفن الناضج الأكثر مسؤولية ووعيا وأكثر تعقيدا وتغلغلا في مشاكل الناس الحقيقية، فمثلت أفلاما عالجت أوضاع المرأة في "أريد حلا" و"لا عزاء للسيدات"، وقضايا اجتماعية في أفلام "أفواه وأرانب" و"وجه القمر" و"ضمير أبله حكمت" وموضوعات مختلفة طرحتها في أفلام بلغ عددها 94 فيلما، منها 8 ضُمت لقائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ما أهلها لنيل الجوائز، وعلى قمتها شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، وجائزة المرأة العربية، وأيضا جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكتاب والنقاد المصريين، هذا عدا ميداليات وأوسمة الشرف التي نالتها من قبل جمال عبدالناصر، والرئيس أنور السادات، وملك المغرب، والرئيس رفيق الحريري.

تاريخ فني غني راق ومحترم، لذا جاء خبر موتها صدمة للناس، ليس لأنها غير قابلة للفناء، فهي على عكس ذلك عاشت عمرا مديدا، لكن محبة الناس لها لم تتحمل فكرة فراقها الذي آلم الآلاف من الذين ساروا في جنازتها، ومن الذين لم يسيروا فيها، والجميع شعروا بألم ووجع حقيقي لرحيلها، وهذا يبين كم كانت فاتن حمامة قيمة فنية عظيمة بينت للناس كم الفن محترم ومهم في الحياة.

ورغم اعتزالها الفن منذ 15 سنة أو أكثر مازال الجميع يتذكرونها بقوة كأنها مازالت معهم، لذا جاء حزنهم حقيقيا ومؤثرا وصادرا من مشاعر عاشوها معها في أغلب مراحل عمرهم في أفلامها، وأنا واحدة من الذين حزنوا عليها بشدة، فبموتها شعرت كأن مراحل كثيرة من عمري ماتت معها، فكل مشهد أو لقطة من أفلامها تعني لي زمنا معينا عشته فيها، من الطفولة وحتى الآن وإلى آخر العمر ستكون فاتن حمامة علامة درب لأجيال وأجيال ستشاركهم حياتهم المعيشة في أفلامها.

أتذكر حين قابلتها لأول مرة في لندن بمنزل الصديقة ليلى حسين، وقد دُهشت من رقتها وتواضعها وبساطتها التي تدخل القلب بلا استئذان، تكاد تذوب القلب من حلاوة روحها ودماثة خلقها الذي ينثر الاحترام لها رغم كل هذه البساطة في القرب والتعامل الذي يجعل منها سيدة الشاشة بجدارة، فلا غيرها يستحق شرف هذا اللقب.

فاتن حمامة أيقونة فنية سواء في فنها الغني المتنوع في ثراء مواضيعه أو في سلوكها وأخلاقها وتعاملها مع الآخرين في مجالها الفني والاجتماعي، فهي قدوة للرقي والسلوك الأخلاقي السليم الذي دُمر على يد بعض الفنانين الذين عكسوا واقعا سيئا للحياة الفنية، كما أنها كانت مثالا للأناقة والذوق والجمال، فعلى مدى عمرها الفني خلقت حالة تخصها وحدها، فبات صوتها الخافت نموذجا يتبع في السينما والحياة، وكذلك طراز ملابسها ذات الذوق الكلاسيكي يحتذى من قبل الكثيرات على كل مستوى في المجتمعات، وهذا يبين كم كان تأثيرها بالغا على جمهورها الذي أحبها بلا حدود.

رحم الله فاتن حمامة الفنانة التي أعادت للفن احترامه وقيمته الفنية، ما جعلها ملكة عليه وعلى قلوب آلاف الذين شيعوها إلى مقرها الأخير.

back to top