منظور آخر: اعتدنا المأساة

نشر في 25-01-2015
آخر تحديث 25-01-2015 | 00:01
هكذا هي المأساة قابلة للاعتياد، ومخيف فعلاً أن نعتادها، لأن غالبية البشر تفقد التعاطف مع الاعتياد، والضحايا أرقامهم في ازدياد، هذه المستديرة تعج بالفقر والجوع والحروب، ونحن «دولة الإنسانية» قدمت دولتنا حسب ما تم تقييمه عالميا مساعدات تكفي لبناء كوكب السعادة لكل المساكين.
 أروى الوقيان كنا في البداية نستنكر، ونستغرب، ونستاء، حين نسمع عن أي مأساة في العالم، فنتحد ونتعاون لنوفر لهم سبل المعيشة على أقل تقدير، بالضبط كصدمتنا ونحن نسمع عن موت اللاجئين السوريين في البقع التي لجؤوا إليها،

كنا نحزن، ونتألم بشكل عميق، وننشر الصور، لنذكر أنفسنا أن هناك من يعاني على بعد ساعتين طيران، هناك شخص يموت من فرط البرد وقلة الإمكانات.

واليوم وبعد مرور شهرين على الشتاء، بات عادياً تدوال هكذا أخبار، مدة الحزن لم تعد تتجاوز دقائق ونطلب بعدها قهوتنا ورجاء "بوشّ" حتى لا يتعكر مزاجنا! لم يتعكر من صورة شخص يموت برداً، ولكن قد يتعكر فعلياً بسبب غياب "الوشّ" عن قهوتنا التركية.

هكذا هي المأساة قابلة للاعتياد، ومخيف فعلاً أن نعتادها، لأن غالبية البشر تفقد التعاطف مع الاعتياد، والضحايا أرقامهم في ازدياد، هذه المستديرة تعج بالفقر والجوع والحروب، ونحن "دولة الإنسانية" قدمت دولتنا حسب ما تم تقييمه عالميا مساعدات تكفي لبناء كوكب السعادة لكل المساكين.

ويظل السؤال معلقا: بعد مرور أربع سنوات على مأساة سورية أين ذهبت الأموال الطائلة المقدمة لهم، وما مصير اللاجئ السوري الآن؟

بات الفرد أكثر حذرا في تقديم المساعدات؛ لأنه لا يرى على أرض الواقع حلولا واقعية تتناسب مع كمية ما يتم تقديمه، والأمم المتحدة ما زالت تعلن أرقاما مخيفة دون حلول جذرية لأن المشكلة سياسية من الدرجة الأولى، ومؤتمرات المانحين مازالت تضخ بملايين لا نعلم ما تم العمل بها طوال هذه السنوات.

كأفراد نحتاج إلى معرفة ماهية استخدام هذه النقود، وكيف خدمت اللاجئين؟ ونحتاج إلى خطة محكمة للتحكم في الفساد المتفشي بالجهات التي تستضيف اللاجئين، وما تقوم به من تقليص للنقود التي تصل إليهم، فالوضع معقد، لاجئ في بلد فقير، تقدم له الملايين فيسيل لعاب الفقير طامعا بكسرة من خبزة هذا المسكين، صراع الفقير واللاجئ، ويبقى الموت سيد الموقف حاليا على الساحة السورية، الأرقام في ازدياد، نعم يبدو أننا اعتدنا المأساة، قليل من القهوة الآن قد يساعدني لأذكر نفسي برفاهيتي المطلقة وأنا أكتب المقال، أشكو من أن المدفأة أصابتني بصداع!

قفلة:

أشارت صحيفة "ذي ديلي تلغراف" البريطانية إلى أن العاصفة الثلجية تسببت في تعليق القتال الذي يعصف بسورية ليوم واحد، وأن يوم الأربعاء الموافق 7 يناير 2015 تميز بكونه اليوم الوحيد منذ نحو أربع سنوات الذي لم يتم فيه التبليغ عن قتلى في الحرب الدائرة في سورية، وذلك لتوقف القتال بسبب العاصفة الثلجية الشديدة التي تجتاح المنطقة... أصبح غريباً أن يمر يوم دون موت!

back to top