مايكل مان مهووس لا نمطي

نشر في 22-01-2015 | 00:02
آخر تحديث 22-01-2015 | 00:02
لكل حركة يقدم عليها مايكل مان هدف. قامته الصغيرة تنضح طاقة متدفقة، في حين يتنقل بسرعة عبر مكاتبه في سانتا مونيكا بعد ظهر أحد الأيام. قرر مان أخذ استراحة قصيرة بعد عمله طويلاً على إدخال التعديلات الأخيرة إلى Blackhat، فيلم تشويق بدا فجأة ملائماً لعالمنا اليوم، وخصوصاً أنه يدور حول جرائم الإنترنت.
جلس مايكل مان إلى طاولة صغيرة عملية وراح يتأمل ملاحظة قدمتها له إحدى مساعداته، مكوّناً فكرة سريعة عن الرسالة التي تحملها. ومع بدء المقابلة، شغل مسجلة خاصة به. يوضح: {أسجل أنا أيضاً هذه المقابلة في حال تفوهت عن غير عمد ببعض العبارات الغبية}.

ولكن ما من أمر غير متعمد في عمل مان (71 سنة). فهو يعد أفلام تشويق حادة وذكية تتضمَّن لمحة وجودية متقلبة. حظي هذا المخرج بأربعة ترشيحات لجائزة الأوسكار. ومن أفلامه الباكرة Jericho Mile، Thief،

وManhunter إلى Heat، Collateral، Miami Vice، وPublic Enemies، جمع بين اهتمامه بالأصالة وحبه للأسلوب، ما يجعله رائداً في مجاله ونظيراً لمخرجين مميزين أمثال ديفيد فينشر وكريستوفر نولان.

يُستهل Blackhat برحلة مذهلة (عمل مان الأكثر اعتماداً على المؤثرات الخاصة المعدة بذكاء على الكمبيوتر) عبر العالم المجهري للإشارات الإلكترونية التي تنتقل عبر الشبكة، مجتازة الكوكب كما لو أنها موجات غازية من المعلومات.

يعكس Blackhat اهتمام مان المتواصل بتفاصيل العمل والمشاركين فيه، كيفية إنجاز الأمور، واستكشاف عوالم الجريمة والقوة المخبأة. لم يمضِ على بدء المقابلة أكثر من دقيقتين حين راح يوضح الهندسة الداخلية للرقاقات الإلكترونية وعملية انتقال البيانات والبرامج الإلكترونية التي تعيق عمل الكمبيوتر عبرها.

يذكر مان: {ثمة وجه مخيف ودراماتيكي ومثالي في نظري في محاكاة انتقال الأشياء لتحقيق هدف ما. من المثير جداً للاهتمام الاطلاع على شفرة ما وما تحققه وكيفية تحطيمها الدفاعات}.

يؤدي كريس هيمسورث (The Avengers) دور نيكولاس هاثاوي، قرصان كمبيوتر مدان يُسمح له بالخروج موقتاً من سجن فدرالي للمشاركة في تحقيق بشأن سلسلة من الهجمات عبر الإنترنت. فقد تعرضت محطة طاقة نووية صينية وعملية تبادل سلع في شيكاغو لغزو إلكتروني لنشر الفوضى والحصول على المال من دون أي هدف ظاهري آخر.

يشرف على التحقيق المشترك عميلة من مكتب التحقيقات الفدرالي (فيولا ديفيس) ومسؤول عسكري صيني (ليهون وانغ) كان زميل هاثاوي السابق في السكن في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. بعد ضم هاثاوي إلى هذا التحقيق، يقع في حب أخت صديقه (تانغ وي)، مهندسة إلكترونية، فيما يعملون جميعاً على تحديد الدوافع والأدلة التي تقودهم إلى شرير غامض يُدعى ساداك (يوريك فان واجنينجن).

ينبع سرد مان من بحث عميق. قبل إعداد فيلم Blackhat، الذي كتبه مورغان ديفيس فويل، أعجب مان بفيروس ستاكسنت، برنامج سري مؤذٍ بالغ التعقيد ينشر الفوضى في أنظمة الكمبيوتر وفي المعدات الفعلية التي تراقبها هذه الكمبيوترات وتضبط عملها.

يوضح مان: {فتح هذا الفيروس عيني على واقع أننا لا نعيش الحياة التي نظن أننا نحياها. فلا ندخل منزلنا ونقفل الأبواب والنوافذ، فنصبح بأمان وتسير الأمور على ما يُرام. على العكس، نسبح في بحر من الترابط والتداخل}.

أدت الاعتداءات الأخيرة على سوني إلى تصدر النتائج الفعلية لجرائم الإنترنت عناوين الأخبار خلال الأشهر الأخيرة. ولكن خلال العمل على مشروع مان، {قبل سنتين أو ثلاث سنوات، ما كان الناس يعرفون عما أتكلم}.

راح مان يتحدث عن كثيرين التقاهم خلال بحثه: مهندسو رقاقات الكمبيوتر، خبراء متخصصون في مواجهة الخروقات الإلكترونية، قراصنة تحولوا إلى خبراء أمنيين، عمال في قطاع الفولاذ، ومساجين في سجون خاضعة لحراسة مشددة.

يخبر مان: {أجري أبحاثاً معمقة. عندما تغوص كثيراً في ثقافة ما، تنجح في تكوين ما يشبه فهماً للأنماط والنظم والمعايير والقيم المتبعة ولما يفكر فيه الناس أو يشعروه أو يريدونه. أعشق هذه الرحلة}.

مع أبطاله الغريبين واهتمامه بالتصميم والهندسة والتكنولوجيا، لطالما اعتُبر مان {نمطياً}. لكنه عمد مراراً إلى التقليل من أهمية هذا الوجه من إنتاجه الأفلام. أعلن في الفترة التي حقق فيها Miami Vice (كان منتجه التنفيذي) نجاحاً لا يُضاهي: «النمطية كلمة بشعة».

شهدت أفلامه الأخيرة تبدلاً واضحاً في الأوجه الجمالية: يشعر المشاهد أن لقطاته القريبة قريبة جداً وأنماط تحريره أكثر تعرجاً، وذلك كله بهدف منح أفلامه إلحاحاً بارزاً. ويعود ذلك في جزء منه، على ما يبدو، إلى تبنيه باكراً التصوير وفق الصيغ الرقمية، مستخدماً كاميرات أقل وزناً ومتمتعاً بالقدرة على التصوير بمستويات إضاءة منخفضة.

66 يوماً

صُور Blackhat في غضون 66 يوماً في الولايات المتحدة، هونغ كونغ، ماليزيا، وإندونيسيا. واعتمد الإنتاج على مجموعة متنوعة من الكاميرات من أحدث المعدات الرقمية إلى النماذج الأصغر القليلة الثمن المخصصة للمستهلكين. يشير ستيوارت دريبورغ، خبير تصوير رُشح لجائزة أوسكار عن عمله في The Piano وتعاون مع مان للمرة الأولى خلال إعداده الحلقة الأولى من سلسلته التلفزيونية الأخيرة Luck، إلى أنهم حاولوا الاعتماد على الأضواء المتوافرة قدر المستطاع، من أضواء النيون المذهلة في كولون إلى أنوار المشاعل عموماً خلال المواجهة الأخيرة في جكارتا. وفي هذا المشهد، أعاد معدو الفيلم ابتكار احتفالات يوم {بالينيز نييبي} مع أكثر من 3 آلاف ممثل ثانوي.

يقول دريبورغ: {حددت المواقع شكل المشاهد إلى حد كبير}. يضيف: {لا أعلم إن كان مايكل قد ذكر ذلك أو أن هذا ما لاحظته، إلا أنني أستطيع أن أجزم في تفكيري أننا حاولنا إعداد قصة عن جريمة تُعتبر مؤثرة بقدر Heat، معتمدين في الوقت عينه على نمط تصوير أكثر حميمية على غرار The Insider. سيلاحظ المشاهد أن الكاميرا دائمة التحرك وتتبع الشخصيات عن كثب، علماً أن أسلوب التصوير هذا أثار اهتمام مايكل منذ بعض الوقت}.

يقر مان بهذه التغييرات إنما لأسباب لا تتوقعها. يوضح: {لا دخل لذلك بالمسائل الرقمية، لا علاقة بين الاثنين}.

بدلاً من ذلك، يؤكد: {أواصل التطور والتقدم. ثمة طرق لتركيب اللقطات وتحريرها تلائم خصوصاً Last of the Mohicans، إلا أنها ما عادت تثير اهتمامي اليوم. على غرار الجميع على هذا الكوكب، أتعرض لفيض من المعلومات ووسائل التواصل، وبتنا اليوم أكثر تعقيداً في نظرتنا إلى الأمور}.

يختم مان: {لا أهدف بعملي هذا إلى طرح النظريات، بل يشكل نوعاً من الملاحظة الطبيعية، فضلاً عن محاولتي تحديد لماذا أحب أمراً مماثلاً}.

back to top