فاتن حمامة... سيدة الأحلام (2-2)

نشر في 21-01-2015 | 00:02
آخر تحديث 21-01-2015 | 00:02
رغم أن شريط السينما عرف قبل فاتن حمامة نجمات كثيرات، فإن أياً منهن لم تكن {نجمة سينمائية} يقصد الجمهور دور العرض لأجلها، فتلقائيتها التي تمتعت بها منذ إطلالتها الأولى كطفلة عام 1940 في فيلم {يوم سعيد} أمام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، منحتها موقعاً خاصاً على شريط السينما، تأكد ببراعتها في تجسيد الأنماط الاجتماعية كافة رغم اختلافها.
وفي هذه الحلقة نتابع إلقاء الضوء على الطفلة المعجزة التي لفتت الأنظار إلى موهبتها، من خلال مذكراتها التي نشرت في الستينيات، وتناولت مسيرة سيدة الشاشة العربية... وجه القمر وسيدة القلوب.
كانت فاتن تتردّد مع والدها إلى نادي {بنت الفن} آنذاك. هناك رآها المخرج السينمائي عز الدين ذو الفقار، وكان يومئذ ضابطاً في الجيش استقال وأخرج فيلمه الناجح {أسير الظلام}، ويستعد لإخراج فيلم {أبو زيد الهلالي}. قرَّر الإقدام على مغامرة جعلت كثيرين يشفقون عليه ظناً منهم أن النتائج ستأتي سيئة، إذ أعلن ترشيح فاتن حمامة لبطولة الفيلم.

عارض كثر ولكن عز الدين أسند الدور إلى فاتن، وعُرض الفيلم ونجح ولمع اسمها فانهالت عليها العروض من كل جانب.

وتقدم أحد المنتجين يعرض احتكار مواهبها الفنية لشركته فرفض والدها، وفي تلك الأثناء ارتبطت بقصة حب مع عز الدين توجت بالزواج، واشتركا في تكوين شركة إنتاج سينمائي أنتجت فيلم {خلود}، وأصبح اسم فاتن حمامة بعد ذلك ملء الأسماع والأبصار.

عن زواجها بعز الدين ذو الفقار قالت فاتن: {التقيت به أول مرة أنا ووالدي في بيت الفن، وارتبط مع أبي بصداقة قوية. كان عز يستعد لإخراج فيلم {أبو زيد الهلالي} فأسند إليَّ الدور، وكان خطوة مهمة في حياتي الفنية. نجح الفيلم ونجحت أنا. أديت بعده بطولة فيلم {العقاب}، وبدأت ألمع كنجمة في الصف الأول. تقدم عز الدين يطلب يدي، فوافق أبي شرط تأجيل الزواج إلى ما بعد الانتهاء من دراستي الثانوية، فرضي عز الدين بالتأجيل. ولكن القدر أراد أمراً آخر. بينما كنت أؤدي دوري في فيلم {خلود} الذي شارك والدي في إنتاجه مع عز الدين، اتفقت معه على الزواج، ونفذنا الاتفاق فوراً.

كانت مفاجأة للأسرة حين عدنا من عند المأذون زوجين... ولأنني لم أستطع التوفيق بين عملي وبيتي ودراستي، انقطعت عن الدراسة على أن أستكملها في البيت، ثم وضعت طفلتي الأولى {نادية} في يناير 1951}.

وانهالت بعد ذلك بطولات الأفلام على فاتن حمامة، ثم أنتجت أول أفلامها {موعد مع الحياة} الذي أخرجه عز الدين ذو الفقار.

الظروف خدمتني

عندما تلمع الممثلة في طفولتها من الصعب أن تنجح عندما تكبر، لأنها تظل مرتبطة في أذهان المتفرجين كطفلة... هذا ما ذكرته فاتن، ولكنها أضافت: {حدث هذا لكثر من الممثلين المصريين والعالميين. شيرلي تمبل مثلاً، كانت رائعة في طفولتها وأفلامها حققت نجاحاً لافتاً، ولكن لم يستطع الجمهور أن يتقبلها عندما كبرت. أما بالنسبة إلي، فأديت دوراً واحداً في طفولتي، ثم دوراً ثانياً وأنا في الحادية عشرة من عمري، وثالثاً وأنا في الثالثة عشرة. في الرابعة عشرة من عمري، بدأت التمثيل بصفة مستمرة، ما يعني أن الظروف خدمتني لأنني لم أرتبط في الأذهان كطفلة}.

تابعت: {كل دور أمثله لا بد من أن أكون مقتنعة به تماماً. وإن كنت أحب {زيادة شوية} أدواري في: {موعد مع الحياة، حب ودموع، لن أبكي أبداً، دعاء الكروان، بين الأطلال، الباب المفتوح، الليلة الأخيرة}... وأذكر في بداية طريقي الفني أربعة أفلام أعتبرها نقلة مهمة في مشواري الفني: أولها {يوم سعيد} لأنه كان أول فيلم قدَّمني إلى الجمهور، ثم {ملاك الرحمة} حيث لفتّ أنظار المشاهدين الذين أبدوا إعجابهم بأدائي، كذلك كتبت الصحافة عني، علماً أن الفيلم يضم الرائعين يوسف وهبي وراقية إبراهيم.

كانت النقلة الثالثة لي في دور عمياء في فيلم {اليتيمتان}... أما الرابعة فجاءت في {لحن الخلود} مع فريد الأطرش الذي حقَّق إيرادات خيالية. ولاحقاً، كل فيلم شاركت فيه شكّل نقلة فنية بالنسبة إلي. حتى إن أفلامي لا تختلف كثيراً في إيراداتها، بل هي متقاربة جداً}.

لا أنام

دأب بعض الأقلام والتعليقات على ترداد أن فاتن حمامة تخصصت أساساً في تمثيل دور فتاة ضعيفة مغلوبة على أمرها... اعترضت النجمة على ذلك بقولها: أؤدي دور البنت الشرقية، لأنني لا أحب أن أعيش في لون واحد. وأعتقد أني نجحت في تقديم ألوان متعددة. وأمضي معظم وقتي في قراءة الإنتاج الأدبي العربي والعالمي بحثاً عن قصة أقتنع بها وأقدمها. أرحب مثلاً بأداء دور الشريرة، على أن يكون مرسوماً بإقناع. ولكن عيب بعض كتابنا أنهم يرسمون الشخصية إما طيبة دائماً أو شريرة جداً، ومن دون مناسبة وبلا أسباب مقنعة. وطبعاً، لا يمكن أن أمثل الشر لأجل الشر لأنه سطحي، وليس لخشيتي نظرة جمهور قد يخلط بين التمثيل والحقيقة...

أول دور شر قمت به كان في فيلم {لا أنام}، حيث كانت للشر أسبابه ودوافعه. كذلك لا يمكنني أن أؤدي دور إغراء وأهزّ بضحكتي خمسة رجال وأوقعهم في حبي! فلا جسمي ولا شكلي يقنعان بذلك. ولكنني ممكن أن أغري بكلمة، مثلما كان دوري في النصف الثاني من {دعاء الكروان}، فأنا أرحب بأدوار الإغراء من هذا اللون}.

وأخيراً ... عمر الشريف

انفصلت فاتن عن زوجها المخرج عز الدين ذو الفقار بعدما أنجبت منه ابنتها {نادية}، وكانت في الفترة نفسها تمثِّل مع عمر الشريف فيلم {صراع في الوادي} الذي أخرجه يوسف شاهين. كان عمر آنذاك وجهاً جديداً يقف أمام الكاميرا للمرة الأولى، فيما تربَّعت فاتن على القمة كممثلة.

وعن هذه المرحلة قالت: {للحقيقة، كنت في تلك الفترة أعاني تمزقاً عاطفياً. سعيت إلى الطلاق من عز الدين ذو الفقار، ووجدت في عمر شاباً خجولاً يعاني الارتباك وهو يقف للمرة الأولى إزائي كممثل. عطفت عليه ليتخلى عن الارتباك الذي يعانيه، إلى درجة شجعته على أن يحيطني بعاطفته. وكانت الظروف ملائمة تماماً كي يولد الحب، وبدأت الهمسات تتردد حوله، وجاءت حكاية القبلة الشهيرة لتؤكده...

كما يرد في السيناريو، ينتهي فيلم {صراع في الوادي} بقبلة حارة بيني وبين الوجه الجديد عمر الشريف، وكان من المفروض أن أرفض مثل هذه القبلة، فقد اعتدت ألا أسمح لأحد أن يقبلني على الشاشة. ولكن يوسف شاهين أقنعني بضرورة القبلة، وصورناها فعلاً. عرض {صراع في الوادي} وأثارت القبلة التي انتهى بها الفيلم ردود فعل كثيرة، وبدأ الجميع يؤمنون حقاً أن ثمة حباً يجمع بيني وبين عمر... وكان مثل هذا الحب قد أصبح قائماً فعلاً. ومضت الضجة التي رافقت عرض الفيلم، وبدأت أمثّل مع عمر الشريف فيلماً جديداً من إخراج حلمي حليم هو {أيامنا الحلوة}. ولم يعد سراً أن تجمع قصة غرام عنيف بيننا، بل فسخ عمر خطبته من فتاة أخرى، وتزوجنا في الأيام الأخيرة من تصوير {أيامنا الحلوة}.

أضافت: {لا أستطيع القول إنني لم أكن سعيدة في حياتي مع عمر، وأعترف بأنني أسأت التصرف في كثير من الأمور... فكان أقل أمر يعكِّر مزاجي وتنقلب الحبة إلى قبة... وكنت أثير أزمات بيني وبين عمر بلا مبرر، لأنني وليت نفسي حاكماً على تصرفاته كلها، ولم أدعه يتحمل مسؤولية أعماله وأخطائه. كنت أحاسبه على حركاته وسكناته. كنت الزوجة التي تريد أن يتصرَّف زوجها بحسب إرادتها. وفي الحقيقة، كنت أريد أن أراه أحسن إنسان في الدنيا. ولكن يبدو لي الآن أنني كنت {كابسة} على أنفاسه}.

تابعت: {الحق أنني أخذت عليه انفراده بنجاحه... فقد تمنيت أن أحضر الحفلة الأولى لفيلم {لورانس} وأشاركه في النجاح بصفتي زوجته. ولم أجد مبرراً لإغفاله دعوتي إلا حين راجعت نفسي وحياتي معه، فوجدت أنه من الطبيعي أن ينطلق وحده وأن يتلقى النجاح أو الفشل. وبدأت أرى عمر كما لم أره سابقاً. ومن طبيعتي أنني أحب الرجل الذي يحترم عمله ويقدمه على كل شيء في حياته، ولمثل هذا الرجل في نظري هالة تثير إعجابي. وهذا ما حدث بالنسبة إلى عمر... كل مرة ألتقيه أجد أن عمله أصبح شيئاً مقدساً ولو كان ذلك على حساب أسرته. لكنني أنا نفسي أقدِّر أهمية العمل... وأصبحت أفهم أنه إذا كان هذا ثمن نجاحه فمن واجبي أن أتحمل. وقد برهنت لنفسي أنني قوية الاحتمال، كما أن الظروف التي أدت إلى أن نعيش مفترقين أفادت عمر كما أفادتني}...

أوضحت: {اليوم ـ بعدما عدت أحب عملي وأقدمه على كل شيء حتى على حياتي العائلية، أصبحت أشعر بهذه السعادة، وحياتي باتت خالية من العقد. أضحت الأمور أبسط مما كانت، ولم يعد يهمني كلام الناس المغرضين. صرت أسعد بكل دقيقة أعيشها، ويملأ أولادي وعملي وأصدقائي حياتي. كنت أجلس بينهم في ما مضى وأنا شاردة بعيدة عنهم وعن أحاديثهم. أما الآن فأشاركهم في ابتسامتهم ومشاكلهم. ذابت مشاكلي، وتعلمت شيئاً جديداً: كلما أصابتني أزمة أو مشكلة أرجئ التفكير فيها إلى اليوم التالي. وفي اليوم التالي، أراها أصغر مما كانت.

كنت أذهب إلى عمر حاملة مشاكلي وأنقب عن مشاكله وتصرفاته التي تضايقني. والآن أذهب إليه وفي نيتي أن أسعد بالأيام القليلة التي أمضيها معه... فإذا حدثني عن مشكلة أجيب: {بكرة تنحل}... حتى اتهمني مرة بأنني لم أعد أهتم بأمره... والواقع أنني وجدت أن اهتمامي بمشاكله ومناقشتها كان يتحوَّل في النهاية إلى توتر بيننا، لأني كنت أخاطبه كزوجة وأم في وعظ وإرشاد... فيتهمني بأنني أتدخل في شؤونه وأحاول السيطرة عليه من جديد. ولهذا أكتفي الآن بالاستماع حتى أريحه وأريح نفسي، فأصبحنا نمضي أوقاتاً سعيدة كلما زرته.

واتضح لي أن عمر لا يحب أيضاً أن يعيش في مشاكلي ويفضل دائماً رؤيتي قوية معتمدة على نفسي... والحقيقة أنني لم أشعر بقوتي وثقتي بنفسي إلا عندما أقبلت على عملي بشغف وبطاقتي كلها... الناس عموماً يحترمون الأقوياء ولا يعبأون بالضعفاء كثيري الشكوى.

مررت بفترة انتابني فيها خمول وضعف. كنت أيامها أغلق باب غرفتي على نفسي وأسدل الستائر وأبقى في الظلام مع همومي. ضقت بالسينما وبجو السينما، وسيطر علي إحساس بأنني ضائعة غير قادرة على أن أبدأ حياتي من جديد. قررت في النهاية الثورة على نفسي، وبدأت مقاومة الحالة التي وصلت إليها واستعدت ثقتي بنفسي. وأعترف بأن هذا لم يتم بسهولة...

وبعدما رددت أنني ساعتزل التمثيل في الخامسة والثلاثين.. وجدت أن  حبي لعملي يربطني بالتمثيل إلى آخر يوم في حياتي. وبعدما كنت أقبل تمثيل أي فيلم حتى {لا تروح عليَّ} كما كانوا يتهامسون، أصبحت أتمسك بالأدوار التي أحبها}.

أكَّدت سيدة الشاشة: {اكتشفت أن السعادة كانت من حولي ولكنني أغلق عيني ولا أدري إلا مشاكلي... واليوم أرى الدنيا بنظرة جديدة... مجرد كلمة {الحمد لله بالسلامة} التي أسمعها في المطار بعد عودتي من زيارة عمر تسعدني... أبسط الأشياء تسعدني.

لم يعد عمر الإنسان الذي كنت أريد أن أتملكه كزوج وحبيب، فقد نضج حبي له خلال تلك السنوات وأصبح حباً عميقاً هادئاً. صار الشخص العزيز الذي أتمنى سعادته ونجاحه... فإذا فرضت الظروف أن يعيش كل منا في بلد، فالمهم أن يأتي إلينا وأن نذهب إليه كلما سنحت الفرصة. عثرت على نفسي وعرفت ماذا أريد، واكتشفت أن السعادة هي أن أرضى بحياتي وظروفها.

وأخيراً، سر الحب الذي أتمتع به في كل مكان، أنني أعتبر حب الجمهور هو دلالة النجاح الحقيقي، فلا يمكن أن ينجح إنسان من دون أن ينال إعجاب الناس وحبهم وتقديرهم. أما لماذا يحبني الناس؟ فهذا ما لا أعرف سره... أمر إلهي}.

شهر العسل في لندن

كتبت فاتن في ذكرياتها: {في اليوم الأول لزيارتي لندن حققت رغبة عمر الشريف. طهوت له بيدي طبقاً مصرياً لذيذاً. قمت بجولة شرائية سريعة انتقيت فيها اللوازم... وعدت إلى البيت مسرورة، وانهمكت في إعداد الطعام حتى جاء عمر ظهراً وفوجئ بالمائدة اللذيذة، فراح يتناول الطعام بشهية وهو في منتهى السرور، وقال لي وهو يشدّ على شفتيه:

لذيذة أوي الملوخية دي يا فاتن!

قلت له في دهشة: دي موش ملوخية يا عمر.

واستمر يأكل ومن دون أن يرفع عينيه، قال: برافو يا فاتن... دي ملوخية هائلة!

فذقتها ثانية... مش ممكن يكون عمر نسي الأكل المصري بالسرعة  دي... قلت له:

دي سبانخ بالبيض!

لكنه استمر يأكل بسرور، وحسب أنني أداعبه... وانزعجت لأنني فعلاً طهيت له سبانخ بالبيض.

كيف تحوَّل السبانخ بالبيض إلى ملوخية! هذا ما يحيرني. أعتقد أن المسؤول عن ذلك هو مناخ لندن}.

أوضحت: {أسس السعادة الزوجية في رأيي أن يحاول كل من الطرفين فهم شريك حياته فهماً كاملاً... يتيح هذا الفهم لهما فرصة التصرف بحكمة ومحاولة إسعاد شريكه. كذلك عليهما أن يكونا متقاربين في طباعهما. ويتحقق ذلك عن طريق تنازل كل واحد عن بعض من مزاجه... وفي اعتقادي أن الزوجة أكثر من زوجها صبراً، وعليها بالتالي أن تتفهم حقيقته وأخلاقه وطباعه، ثم تتنازل عن بعض رغباتها في سبيل تحقيق انسجام تام بينهما}.

back to top