العم «بوصالح» وأسعار النفط

نشر في 23-12-2014
آخر تحديث 23-12-2014 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي جلس بجانب منعزل من الديوانية، بدا عليه الإرهاق والكدر، ويملأ قلبه همّ دفين، ويحمل على أكتافه عبئاً هائلاً من السنين، إنه اليوم ليس كعادته، فهو ملح الديوانية وأنيسها.

جلست بجانبه وسألته "عمي عسى ما شر إنت اليوم مو مثل عادتك؟"، رفع رأسه ولم يكد ينظر إلي بعينين زائغتين، حتى أخرج تنهيدة من القلب قائلاً: "انخفاض أسعار النفط". وقبل أن أبدي استغرابي من هذه الإجابة واصل "بوصالح" حديثه: "أنا ممن يطلق عليهم الرعيل الأول، خدمت البلد طوال سنوات عمري التي لا أعرف عددها، عملت في بداية عمري "بناي"، حملت الرمل والصخر والجص وغيره، من صباح الله خير إلى المسيان (المساء)، ثم ركبت البحر وتحملنا أهواله وسمعنا عن "طبعة بلال الصقر" التي حدثت بتاريخ 5/5/1943 اللي راح فيها ما يناهز 26 من رجال الكويت بمن فيهم النوخذة بلال الصقر، نحتسبهم عند الله شهداء بإذنه.

ثم عملت في شركة النفط بالأحمدي، ولما تعبت توسط لي أحد الطيبين، فعملت حارساً في إحدى المدارس القريبة من منزلي، حتى حان وقت التقاعد، فاستلمت مستحقاتي، وشريت سيارة بالأقساط، وحطيت سائق، والدولة ما قصرت معاي عطتني بيت حكومة وراتب تقاعدي وبطاقة تموين، ودواء حق السكر والضغط لزوم الجنسية.

سمعت من الربع عن البورصة، ما قصروا دلوني عليها، فحملت ما تبقى من مستحقات التقاعد ودشيت السوق حالي حال الربع، يعني مع "الخيل يا شقرا" وصارت عادة كل يوم يوصلني "راجو" البورصة ويرجع ياخذني قبل صلاة الظهر، والحمد الله يوم رابح ويوم خسران، واستمر الوضع على هالحال إلى قبل أسابيع عندما وصلت إلى السوق وإذا اللون الأحمر يخطف الأبصار، سألت صغار المتداولين الجالسين في القاعة بأجسادهم، وأذهانهم تدور حول رؤوسهم كالطيور المذبوحة: "إيش صاير"؟ قالوا أسعار النفط تهاوت بانخفاض حاد، واستمر الحال إلى الآن، وبدأ شقى العمر ينساب من أيدينا كما ينساب الماء من خلال الأصابع، وصرنا مثل بالع الموس.

 رفع "بو صالح" رأسه ونظر إلي بعينين زائغتين، ثم غادر الديوانية لا يكاد يقوى على جر قدميه، لا شك أن ما يحدث الآن في أسواق المنطقة يعود في جزء كبير منه إلى حرب الأسعار الحادة التي تدور رحاها بين قوى اقتصادية عالمية، ولكن إلى متى ستستمر، وفي الوقت نفسه فإن جزءاً من أسباب تدهور الأسعار في سوق الكويت المالي يعود إلى المضاربات وصراع الديوك، والخاسر الأكبر لهذا الصراع هم صغار المتداولين من أمثال العم "بوصالح"، فهل تستطيع الحكومة مساعدتهم؟ وهل بإمكان مجلس الأمة دراسة إمكانية مساعدتهم بدل هذه الاستجوابات العقيمة؟

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

ما أشبه الليلة بالبارحة

نستأذن الأخ العزيز مشاري العنجري "بو فيصل" باقتباس بعض الأبيات من قصيدة تغنّى بها عام 1981 عن سوق المناخ، وهي تلامس الواقع الحالي وكأنها قيلت الآن:

 سوق المناخ فيه الكنوز ... مكدسه

يالله الحقونا يالربع صارت العقول ... مكلسه

راح البلد وين الحماة سبحان ربى ... يحرسه

في يوم خميس ماله ونيس صحا النايم ... من انعسه

ثارت بعارين المناخ واللي يقرب منها ... ترفسه

صارت فلوسهم كلها ورق حق جاي الحليب ... تغمسه

راحت هوامير المناخ كل واحد راكب ... افرسه

حق الحكومة ينتخون وحق كل عضو في ... مجلسه

والله يعينا على اللي ياي ترى الديون ... ما تنّسى

كله بسبب الحكومة ما تخلي شغل ... البربسه

وما أشبه الليلة بالبارحة.

back to top