الفنان أحمد نوار: في معرض «الشهيد» جدارة الحياة والأوطان باقية

نشر في 22-12-2014 | 00:02
آخر تحديث 22-12-2014 | 00:02
يطل علينا الفنان التشكيلي المصري الدكتور أحمد نوار في معرضه الجديد «الشهيد»، في لحظة مهمة من تاريخ مصر حيث تسود الرؤى الضبابية للمستقبل المنظور وكأنه يستخرج من جسد الشهيد طاقة نور عبر لوحاته.
التقته «الجريدة» في حوارها التالي على هامش معرضه الأخير «الشهيد».
في معرض «الشهيد»، تزخر لوحاتك بظلال شفافة وأنوار خافتة. هل ثمة سر ما؟

يمكن القول إنها تعبير عن روح الشهيد، فهذا المعرض هو امتداد لتجربة معرض «العبور» الذي أقُيم في القاعة نفسها عام 2009 (آفق1) في متحف محمد محمود خليل. جاء المعرضان من عمق الذاكرة، ومن تجربتي في الحرب منذ عام 1968 حتى 1970. لا شكّ في أن معايشتي زملائي المقاتلين آنذاك كان له أثر كبير عليّ كفنان شاهد حوادث فارقة، فقد تركت تأثيرات نفسية ووطنية مشحونة في أعماقي، فضلاً عن الحروب العربية التي احتشدت في بوتقة واحدة ظهرت بعد ثورة 25 يناير. بدأت التفرغ للتجربة المتكاملة عام 2012، وطفت على السطح شحنة متواصلة حتى وصل عدد الأعمال إلى 31 إضافة إلى لوحتين من معرض «العبور»، وقد حدث نوع من الحوار الذاتي في العمل، حيث التعبير عن روح الشهيد ومكانته الوطنية والعقائدية. استغرق الحوار فترة طويلة لأنه يعتمد على كيفية تحويل هذه الطاقة إلى بناء تشكيلي معبر عن معان تتسم بالجلال والرهبة، ووجدت أنه من المفاهيم التي أشعر بها على مستوى استعادة شهدائنا جسداً فيما تصعد أرواحهم إلى السماء، وهذا الأمر يساوي بالنسبة إلي ميلاد الطاقة والوطن واستمرار الحياة التي لا تتوقف، والضوء الأبيض المشع ما هو إلا تعبير عن هذه الروح.

ثمة رمز مباشر في بعض الأعمال يتعلَّق بالألوان، فما دلالته؟

فعلاً، ثمة رمز مباشر وآخر غير مباشر يتعلَّق بالألوان الثلاثة الأحمر والأبيض والأسود، حيث تتشكَّل المنظومة اللونية والتي تتحرَّك في معظم الألوان وكأنها {جينة} تكمن في هذا الشكل العضوي الذي يمثل الشهيد وكأنه المحرك للطاقة واستمرار للوطن. جزء كبير من هذه الأعمال يستشرف الجسد وكأنه روح تسري فيه. كذلك يتضمن بعض اللوحات دوائر تمثّل العجلة الدائرة لتشير إلى استمرار الحياة، الحياة لا تموت مع الشهيد بل تحيا معه.

يطلق بعض النقاد لفظ {شيك} على أعمالك، كيف ترى ذلك التوصيف؟

تكمن الأناقة في شخصية الفنان. أقدم الإنسان حتى في الحرب بقيمة جمالية مختلفة، لأنني أعتبر هذا الأمر نوعاً من الخلاص لانتشال الهدف أو الشكل العضوي الذي يعبر عن الإنسان أو السلام من الرُكام الفتاك لمرحلة الحرب. لا أنقل الحرب كحرب، بل كإصرار الإنسان على التحدي للانتصار على الشر. يعتمد هذا الأمر على الشخصية نفسها والأسلوب والرؤية الفنية وسياق الحياة ذاتها.

استثمرت فترة التجنيد كفنان وقناص بشكل لفت الأنظار، فكيف كان ذلك؟

كانت فترة انضمامي إلى الجيش الأهم في حياتي لإحساسي بتقديم أمر غال للوطن. أن يحمل الفرد حساً وطنياً للدفاع عن الوطن والعزة أراها ثورة بالنسبة إلي كفنان، ورغم مرور 40 عاماً أحاول التعبير عن هذه الفترة من تاريخ مصر.

{لوحة الحساب}، مشروع التخرج الخاص بك عام 1967، نقلة حقيقية في مسارك التشكيلي، فما سر تفرد ذلك العمل؟

اللوحة 30 م مسطح، رسمُت بالقلم الرصاص واستغرق إنتاجها ستة أشهر. في إجازة عام 1964، نظَّمت الكلية رحلة إلى اليونان وإيطاليا وكنت أحد أفرادها لمدة شهر، وعند وصولي إلى مدينة روما رأيت لوحة {يوم القيامة} لمايكل أنجلو في إحدى الكنائس، انبهرت بها ووجدت الكاتب المصري أنيس منصور يشاهدها فقلت له: {خالق مايكل أنجلو خلق أناساً كثيرين}، فردّ: {يعني إيه، عايز تعمل زيه؟}. أجبت بأني سأحاول أن أجتهد، من هنا انجذبت إلى تقديم عمل فني كبير، ومنذ السنة الأولى ورؤيتي اللوحة وحتى الثلاث سنوات التي سبقت المشروع قرأت القرآن بتفاسيره، كذلك الأنجيل، والتقيت الأنبا شنودة وقرأت الكوميديا الإلهية ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري إلى أن تشبعت بالموضوع كاملاً. كنت أسير في الشارع فأشعر بالجحيم. انفعلت بالحدث، وفي منتصف 1966 فكرت في الموضوع ووزَّعت الخيال على {مشهد الحساب والجنة والنار}، وقد ساعدني الخيال والمعلومات التي قرأتها. أعتبر هذه اللوحة أحد أهم أعمالي حتى الآن، احتفظت بصورة لها في مرسمي وأذهب لرؤيتها بين الحين والآخر.

{الحرية- الإرادة- التحدي} أسماء ثلاثة تماثيل لك في دولة المكسيك، كيف شيدت هذه الأعمال وما دلالة الربط بينها؟

تلقيت دعوة من حكومة المكسيك عام 2000 للمشاركة في أول ملتقى للنحت، فنحتّ تمثال {الحرية} ارتفاعة 5م، عبارة عن شكل يجسد بوابة هندسية على شاطئ الجزيرة كلها مربعات تذكرنا بفكرة بوابات القلاع القديمة، وعام 2003 قدَّمت تمثال الإرادة الكائن على شاطئ البحر الكاريبي أمام جامعة المكسيك. التمثال أبيض وأسود أطلقت عليه اسم {الإرادة} لأنه على شكل قنبلة نووية مشطورة إلى نصفين، النصف الأبيض يعلو، لكنه ينطلق من الجسم الأسود إلى أعلى، وهنا إشارة إلى انتصار الخير على الشر. وقدمت عام 2007 تمثال {التحدي}، اختيار الأسماء كلها مرتبط ببعضه، {الحرية - الإرادة والتحدي}، فلا حرية من دون إرادة، أو إرادة بلا تحدٍ. ارتفاع التمثال 25 متراً على نهر سانت كاترينا، تنعكس أشعة الشمس عليه بشكل مدروس وعلمي.

ما هي رؤيتك للمشهد التشكيلي المصري الراهن؟

يفتقد المشهد التشكيلي إلى الظواهر الفنية الجديدة، الظواهر هنا ليست بالضرورة أن يكون ثمة اختراع أو ابتكار جديد. ولكن على الأقل لا بد من وجود أفكار ومعالجات جديدة، إحساس مغاير بالمستقبل. أرى أن الحركة التشكيلية في حالة اجترار لاتجاهات سابقة لا تضيف جديداً.

توليت مناصب قيادية عدة، برأيك ما هي شروط القيادي الناجح؟

لا بد أن نؤكد على أن الإدارة أو القيادة فيها جزء يولد مع الشخصية أو ما نطلق عليه الحس الإداري، لذلك عند اختيار قائد لا بد من البحث عمن يملك هذا الحس، بالإضافة إلى امتلاكه نواصي وأركان المجال الثقافي كاملاً، والخبرة الحياتية لأن خلاصتها تدعم الرؤية الإدارية عموماً في التفكير والتنظيم، والعلم.

back to top