لكي نحتفل باللغة العربية

نشر في 21-12-2014
آخر تحديث 21-12-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري تم تحديد يوم الثامن عشر من ديسمبر يوما عالميا للغة للعربية، وأدخلت اللغة العربية في ذلك اليوم كإحدى اللغات العالمية الرسمية في الهيئة الدولية، وبالتأكيد كان للمملكة المغربية والمملكة العربية السعودية الجهد الأكبر في تكريس لغة الضاد والاعتراف، بها وهي لغة يتحدثها مئات الملايين في العالم، ويستخدمها أكثر من مليار مسلم في شعائرهم الدينية. واللغة العربية ظلمت كثيرا في فترات تفكك العالم الإسلامي، ولم تواكب العصر العلمي، خصوصا في فترات ما يسمى بالانحطاط، سواء اتفق الدارسون أو اختلفوا حول تلك التسمية، فهي بكل تأكيد كانت خالية من الإبداع الأدبي بشتى أجناسه، واحتلال العامية دورا كبيرا كبديل عنها.

سنترك الجانب العلمي هنا لأن شجونه تحتاج إلى دراسات مستفيضة، وسنركز على الجانب الأدبي. في إحدى محاضرات الدكتور رونالد بوم، وهو ألماني يدرس الشعر الإنكليزي في العصر الفيكتوري، وبعد أن قرأ بعض القصائد نظر إلي وقال: "كنت أتمنى أن يجيد الطلبة اللغة العربية لنستمع منك الى بعض الشعر العربي"، ثم قال: "إنهم يجيدون الشعر كما لا يجيده شعب في العالم". شعرت بالزهو حينها. نحن أمة يعترف لنا العالم، وإن مرغما، بأننا أفضل من كتب الشعر، وأحسن الكلام والخيال الشعري. ولكننا في ذات الوقت لم نقدم ما يوازي ذلك في الأجناس الأخرى.

اليوم العالم العربي يستعيد هيبته الأدبية، ومنذ بدايات القرن الماضي نشطت كتابة الرواية والمسرح، ولم تكن بطبيعة الحال لتوازي الرواية الغربية، وتلك طبيعة بداية الأشياء، لكنها تقدمت بشكل جدي كرواية محترفة تستحق الاهتمام العالمي، وقبل ذلك تستحق الاهتمام المحلي. وما تعانيه اليوم هو مساحة الحرية المتفاوتة في أغلب البلدان العربية. فما زالت الرواية تعاني الحظر الرسمي حين يرى الرقيب أنها لا تتناسب مع ذائقة يتم تغييرها بناء على المسؤول الحكومي الثقافي، فما يتم السماح به هذا العام يتم منعه في العام القادم. وما تتم إجازته في بلد ما يتم منعه في البلد المجاور.

لكي نحتفل باللغة العربية فعلا علينا أن نحترم كتابها وحرية كتابتهم، وفي مجتمعات تهيمن الدولة فيها على المنتج الثقافي وعلى وظيفة المثقف والمؤسسة الثقافية سيبقى الكاتب ذهنيا تحت وطأة هذه الهيمنة ونمو فكرة الرقابة الذاتية. ليس من حقنا أن نطلب من الآخر أن يهتم بأدبنا ترجمة ودراسة ونحن نحاصر أفكار كتابنا ونعد عليهم الكلمات التي نراها خارجة وكأننا نصحح كراريس تلامذة المدارس.

لكي نحتفل باللغة العربية نحن بحاجة لمزيد من التبادل الجامعي، وتخصيص مقاعد لدارسي الأدب العربي في الجامعات العربية، فكما نجحنا، إلى حد ما، في ترجمة الأعمال الأجنبية من لغاتها الأصلية علينا أن نشجع دارسي الأدب العربي من الثقافات الأخرى على ترجمة الأعمال العربية.

لكي نحتفل باللغة العربية علينا أن نخرج من ممارسة هذه النقائض التي نعيشها، نرسل أبناءنا وبناتنا الى الخارج لتتاح لهم قراءة آداب العالم، ونحاصر كتاباتهم لأنها كتبت باللغة العربية، نسمح لكل كتب العالم أن تدخل إلينا مترجمة وبلغاتها الأصلية، ونشهر القلم الأحمر على لفظة هنا وجملة هناك. وأكثر من ذلك نمنح الرقيب مكافأة شهرية لا يحلم بها كاتب من كتابنا، وكأننا نشجعهم على العمل في الرقابة.

back to top