الانتخابات الإسرائيلية المقبلة مرتبطة بالتحديات الإقليمية أم بزعامة نتنياهو؟

نشر في 19-12-2014
آخر تحديث 19-12-2014 | 00:01
من الواضح أن ائتلاف نتنياهو لم يعمل بشكلٍ جيد في الأشهر الأخيرة، وأصبح رئيس الوزراء مقتنعاً بأن ائتلافه سرعان ما سيتفكك، لذا سعى إلى اكتساب المبادرة في اتخاذ الخطوة الأولى لمراوغة منافسيه.
 معهد واشنطن في الثالث من ديسمبر، صوت الكنيست الإسرائيلي على إجراء انتخابات مبكرة في السابع عشر من مارس، أي بعد سنتين فقط على الانتخابات الأخيرة، وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حل ائتلافه الحاكم لأن شركاءه السياسيين- بزعامة وزير المالية يائير لبيد من حزب "ييش عتيد" ووزيرة العدل تسيبي ليفني من "هتنوعا"- كانوا يتواطؤون مع جماعات المتدينين المتشددين لاستبداله، وأنكر الوزيران هذا الادعاء، كما انتقدا خطوة الإعلان عن انتخابات مبكرة بأنها مبالغ فيها. هذه السيناريوهات وغيرها قد لا ترسم معالم الحملة المقبلة فحسب، بل قد تحدد وجهة السياسة الإسرائيلية حينما يتم إقرار نتائج الانتخابات.

بذور الانقسام

ممن غير الواضح ما هو تبرير نتنياهو للانتخابات المبكرة، وهو أمر غير اعتيادي في بلد غالباً ما تستخدم فيه الأحزاب سقوط حكومة ما لاختيار مواقفها حول مسائل محورية قبل بدء الحملة الانتخابية، ومن الواضح أن ائتلاف نتنياهو لم يعمل بشكلٍ جيد في الأشهر الأخيرة، وأصبح رئيس الوزراء مقتنعاً بأن ائتلافه سرعان ما سيتفكك، لذا سعى إلى اكتساب المبادرة في اتخاذ الخطوة الأولى لمراوغة منافسيه، ونتيجةً لذلك اتخذ عدة خطوات أسفرت عن تعزيز الانقسام ضمن الائتلاف وأدت إلى ردود فعل سلبية في الخارج.

ووسط توقع هذا التفكك، سعى نتنياهو أيضاً إلى دعم أصدقائه القدماء على حساب لبيد وليفني، فقد بدأ بتقييم العمل مع شركائه المتشددين التقليديين خارج الائتلاف، علماً أنهم كانوا غاضبين منه لما اعتبروه خيانة سياسية، ويقصدون بذلك قراره دعم قانون رفع الإعفاءات العسكرية لطلاب المدارس الدينية "اليشيفوت" الذي طرحه لبيد، والحد من إعانات الرفاهية الخاصة بهم وتقليل دعمه لمؤسساتهم، وإرضاءً لناخبيه، تخلّى نتنياهو عن تعهده لشركائه في الائتلاف بأن يخفف من وطأة قيود الحاخامية الكبرى على عمليات التحول من ديانات أخرى واعتناق الديانة اليهودية.

استراتيجيات

وإن افترض أن نتنياهو هو الفائز في الانتخابات الأولية لحزب الليكود، فمن المرجح أن يعود إلى الاستراتيجية الناجحة التي اتبعها في عامي 2009 و2013، وذلك تأكيداً لتمركزه في أفضل مكان للاستمرار بقيادة دفة إسرائيل وسط بحر إقليمي هائج، خصوصاً في ظل تهديد نووي إيراني فضلاً عن التهديد الذي تشكله «حماس»، إلا أن منتقديه سيقولون إن انتخابات عام 2015 تشبه إلى حد كبير انتخابات عام 1999 التي اعتُبرت استفتاءً حول قيادة نتنياهو واستبعدته عن الحكم بعد فترة ولايته الأولى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الخلاف بين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان الذي يترأس حزب "إسرائيل بيتنا" يجعل هذا الأخير حزباً مرجحاً في أي معادلة ائتلافية، ويعزز دعم ليبرمان العلني المفاجئ لعملية السلام خلال ولايته الحالية كوزير خارجية، الفكرة أنه ليس مرتبطاً ارتباطاً ملزماً بنتنياهو في يمين الوسط.

وبينما يتوقع أن يشكل ليبرمان وكحلون اللاعبين المرجحين، فإن محور المعارضة لنتنياهو سيأتي من زعيم حزب العمل، إسحق (بوجي) هرتسوغ، الذي أعلن في 10 ديسمبر عقد صفقة وحدة مع ليفني تشمل اتفاقاً على المداورة في رئاسة الحكومة، إذا وصل ائتلافهما إلى الحكم في مارس، وينحدر هرتسوغ من عائلة سياسية بارزة ويريد لحزبه أن يعود إلى جذوره التقليدية في الأمن القومي بعد أن انحصر عمله بالمسائل الاجتماعية والاقتصادية أثناء ولاية خلفه، وبينما يبدو أن رئيسة الحزب السابقة شيلي ياخيموفيتش فخورة بميولها الاشتراكية، فلا شك أن هرتسوغ رأسمالي بامتياز.

ومن خلال جعل الحملة الانتخابية بمثابة استفتاء على قيادة نتنياهو، يأمل هرتسوغ وليفني أن فرصهما لكسب الأحزاب المرجحة ستكون أكثر احتمالاً بالمقارنة مع مجرد التنافس بين اليمين واليسار، ومن جهتهم يعتمد منتقدو نتنياهو على عدة عوامل أخرى أيضاً:

أولاً، التعب، فإسرائيل لم تحظ يوماً برئيس وزراء خدم أكثر من ثماني سنوات متتالية، ديفيد بن غوريون، هو رئيس الوزراء الذي شغل المنصب لأطول فترة في تاريخ البلاد، وقد وصلت إلى 13 عاماً غير متتالية في الحكم، بين 1955-1963، أما نتنياهو فيوشك على قضاء تسع سنوات كاملة في الحكم وسيسجل قريباً ست سنوات متتالية كرئيس للوزراء، ويمكن أن يتجاوز هذه الفترة ويصل إلى عشر سنوات إذا ما أُعيد انتخابه.

ثانياً، لم تحقق حملة نتنياهو الماضية نجاحاً باهراً. فقد فاز بالاستفتاءات مرة واحدة بعد بدء الحملة وكان ذلك عام 1996، وسط وقوع أربعة انفجارات إرهابية خلال تسعة أيام، وتتوقع الاستفتاءات الحالية فوز حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو بـ22 مقعداً من المقاعد الـ120 في البرلمان، وقد أظهرت ثلاثة استفتاءات جديرة بالثقة في الأيام القليلة الماضية أن "قائمة هرتسوغ – ليفني" تفوق ذلك العدد بمقعدين تقريباً، وإذا كان ذلك إشارة إلى التركيبة السكانية المنقسمة في إسرائيل أو متعلقاً بمسألة القيادة، لم يتمكن سوى رئيس وزراء واحد من الفوز بأكثر من 40 مقعداً في العقدين الأخيرين، وهو إسحق رابين الذي فاز بـ44 مقعداً عام 1992، أما عدد المقاعد الأكبر الذي حققه نتنياهو فكان 34 مقعداً في عام 1996، وفي الانتخابات الأخيرة التي خاضها مع ليبرمان، حاز نتنياهو 31 مقعداً.

توحيد اليمين

في الولايات المتحدة، تميل الأحزاب السياسية إلى أن تكون ذات توجه أيديولوجي أكبر خلال الانتخابات الأولية، ثم تستهدف الناخب الكامن في الوسط خلال الانتخبات العامة، غير أنه ليس واضحاً ما إذا كان نتنياهو سيتبع هذه المقاربة، لأنه يريد وقف تدفق ناخبي الليكود لمصلحة نفتالي بينيت وحزبه "هابايت هايهودي" (البيت اليهودي). وبالتالي، قد يعتقد أنه من الأهم توحيد اليمين خلال حملة الانتخابات العامة، معتمداً على تخلي المتدينين المتشددين عن شكاواهم، فيضمن بذلك نجاحه في مفاوضات الائتلاف بعد الانتخابات.

أما جاذبية بينيت فتكمن في أنه قد وسع نطاق وصول حزبه بشكل كبير أبعد من جمهوره الديني، كما أن انتقاده المتشدد لنتنياهو والجيش لعدم تدمير حركة "حماس" خلال حرب غزة هذا الصيف لقي أصداءه بين البعض، على الرغم من أن الجيش قد أشار إلى أن مثل هذه المقاربة كانت ستكبد إسرائيل الكثير من الضحايا.

 وأخيراً، إن نجاحه الاقتصادي في قطاع التقنية المتقدمة، وخلفيته في القتال، واستخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي، ولغته العامية الإسرائيلية هي عوامل تجذب الناخبين الشباب، حيث إن عدداً كبيراً منهم يستجيب إلى الحلول البسيطة التي يقدمها لمشاكل معقدة، كضم 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية دون أن يوضح كيف سيحدث ذلك، وتأتي هذه الجاذبية بشكل خاص في خضم الحديث عن فرض عقوبات أوروبية اقتصادية محتملة.

ومن أجل توحيد اليمين، سيشير نتنياهو على الأرجح إلى التهديد الناتج عن معارضة تعمل على جمع قواها، ويعني ذلك استخدام عملية الدمج التي قام بها هرتسوغ وليفني- إلى جانب التوقعات بأن ينضم إليهما لبيد بعد الانتخابات- للتأكيد أنه يجب على اليمين التحدث بصوت موحد.

ومن المفارقات أن نتنياهو قد يكون معتمداً أيضاً على العمل الدبلوماسي الفلسطيني، فإذا توجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مجلس الأمن الدولي خلال فترة الانتخابات للمطالبة بدولة فلسطينية، علماً أنه قد قال بالفعل إنه سيقوم بذلك، فلا شك أن نتنياهو سيستخدم ذلك سياسياً عبر اتهام عباس بالالتفاف حول المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.

* ديفيد ماكوفسكي، باحث بارز في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، حيث يدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط. وشارك دنيس روس في كتابة Myths, Illusions, and Peace.

back to top