الحرية بين الشعار والتطبيق

نشر في 19-12-2014
آخر تحديث 19-12-2014 | 00:01
إن حرية التعبير موجودة فعلاً، ولكن داخل إطار من تأييد السلطة، فلك مطلق الحرية في التعبير عن تأييدك للسلطة بالتصفيق إن أردت، والرقص لو شئت، والزغاريد إن كنت تجيدها، والموافقة والرضا في كل الأحوال... هذه هي حرية التعبير التي يعيشها المواطن العربي منذ مولده حتى وفاته.
 د. محمد لطفـي "حق الاختلاف"، "حرية التعبير" من أجمل الشعارات وأكثرها سحراً وعذوبة وجاذبية، وهي كنز للكُتّاب وفكرة يتناقلها الجميع ويتبادلونها ككرة القدم؛ ليحققوا بها أهدافهم، وكذلك هي "مانشيت" دائم لكل الصحف والقنوات الإعلامية، وجميعها تؤكد أن حق الاختلاف وحرية التعبير حقان أصيلان لقرائها وكتّابها، وإذا كان الجميع يحبونها ويقدرونها فما المشكلة؟ السؤال: هل هي فعلا كذلك أم أنها مجرد شعار لا تزيد قيمته عن المداد المكتوب به؟

تبدأ علاقة الإنسان بحرية التعبير منذ طفولته، فبعد انتهاء سنواته الأولى يبدأ الوالدان بتقييد حريته؛ تارة بداعي العادات والتقاليد، وتارة أخرى بداعي الآداب الاجتماعية، وبالطبع فالحجة المعلنة أنهما يؤدبانه لا يمنعانه، وأن هذا دورهما وهذه وظيفتهما، ثم ينتقل الطفل إلى المدرسة ليفاجأ بقيود أشدّ، فلا يحق له رفض نظام المدرسة أو مجرد مناقشته، فكل ما فيها مقدّس لا يجوز المساس به من حارس المدرسة إلى ناقوس الفسحة إلى المدرس الذي لا يشرح شيئاً إنما يقرأ ما هو مكتوب في الكتاب، ويحول المدرسة إلى "كُتّاب– مع كامل الاحترام له"، إلى المشرف الذي لا يهتم سوى بكشف الغياب... إلخ، وكل ذلك لا يجوز الحديث عنه إنما المسموح فقط الالتزام به.

 وفي مرحلة الشباب تبدأ المعاناة الحقيقية، فالكل مسموح له بالحديث والوعظ والإرشاد الذي ينهال عليه من الجميع: خاله وعمه وزوج أخت زوجة خاله، وقبل الجميع والداه بالطبع، والكل يستخدم العبارة التي دخلت موسوعة غينيس كأكثر العبارات استخداما "أنا أكبر منك وعارف مصلحتك".

كل ذلك يعيشه الإنسان وهو يتعلم في الكتب ويقرأ ويسمع الجميع (من يمنعونه حق الاختلاف وحرية التعبير)،  يتحدثون عن حرية التعبير وحق الاختلاف!! فأي انفصام يعانيه وهو يرى ويسمع شعارات لا تطبق... وإذا قاده حظه العاثر للعمل في الإعلام مثلا "يزداد الطين بلة"، فالمطلوب منه أن يدعو ليل نهار لحرية التعبير وحق الاختلاف، وإن حاول مرة واحدة ممارسة هذا الحق يجد نفسه في لحظة خارج المنبر الإعلامي أو الصحيفة التي يعمل بها، ويسأل نفسه ما الذي يحدث؟

أعتقد أن الأمر ببساطة شديدة أن حرية التعبير موجودة فعلا، ولكن داخل إطار من تأييد السلطة (أيا ما كانت: الوالدين- المدرسة– مدير العمل– الحكومة- النظام... إلخ)، فلك مطلق الحرية في التعبير عن تأييدك للسلطة بالتصفيق إن أردت، والرقص لو شئت، والزغاريد إن كنت تجيدها، والموافقة والرضا في كل الأحوال.

 هذه هي حرية التعبير التي يعيشها المواطن العربي منذ مولده حتى وفاته، وهي بذلك تكون فعلاً شعاراً مطبقاً وواقعاً ملموساً، ولكن هل هي فعلا ما يحتاجها وينادي بها المواطن العربي؟

back to top