رضا الفيلي العابر للطوائف والأديان

نشر في 16-12-2014 | 00:01
آخر تحديث 16-12-2014 | 00:01
 خلود رضا الفيلي لم أكن في وارد الكتابة في هذا الموضوع ليس لأنه شديد الحساسية، ولكن تنفيذاً لوصية الوالد رحمه الله منذ أن أدركني الوعي على فكره المستنير المنفتح ليس فقط على كل الطوائف إنما أيضاً على كل الأديان والمعتقدات، فلقد كان الوالد يرى أن العلاقة بين الإنسان والله عز وجل هي علاقة عمودية لا تمر عبر الطوائف أو الأديان، وهي ملك لمن يعتنق أو يرتبط بهذه العلاقة مع الله سبحانه، وليس من حق أحد أن يتدخل فيها ما دامت هناك وقفة إجلال ومهابة بين يدي الخالق، إله المحبة والرحمة والغفران، الإله الذي لم يخلق عباده ليعذبهم، الإله الذي ينقب في القلوب ليجد حسنة واحدة تجب كل السيئات ويدخل فيها إلى جنته.

ولكن ما دفعني للكتابة– وأنا آسفة– هو رد وجدت أنه ضروري على تخرصات البعض الذين يحاولون استثمار فكر رضا الفيلي ومعتقداته وتوظيفها في أغراض لا تمتّ إلى الإيمان بصلة، بل تؤجج نعرات لم يكن الوالد يلتفت إليها أو يعيرها أي اهتمام إلا بالقدر الذي يقارب المسّ بالذات الإلهية، بمعنى أنه كان يسمح بأي شيء ولمن يشاء أن يفكر كما يريد ما دام تفكيره يقوده إلى الله عز وجل.

وما ورد في هذا الاستهلال البسيط ليس سوى إضاءة خافتة على فكر رضا الفيلي الذي تعمق في الذات الإلهية وربانا على ذلك دون الالتفات إلى الآخرين، وكأنه يقول "لكم دينكم ولي دين".

لقد كان رحمه الله يحترم المعتقدات جميعها سواء كانت سماوية منزلة عبر الرسل أو وضعية بواسطة الفلاسفة، طالما أنها تؤدي إلى الله ووعده بالقيامة، ويحترم الطقوس المنطقية دونما مغالاة أو خروج على منطق الحياة والموت.

كثيرون تساءلوا كما كانوا دائماً: ما طائفة رضا الفيلي؟ كان يجيب: الإيمان بالله، وما عدا ذلك فإنه عبارة عن "بطاقة هوية" يحملها صاحبها عن أبيه وأجداده، وهذه البطاقة هي التي أوصلتنا إلى تكفير بعضنا بعضا لدرجة الاستحلال والإلغاء من منطلق "الطائفة الناجية"، وغير ذلك من الترّهات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا ما علّمنا إياه إلى الحد الذي أصاب الناس بالحيرة. ومن ضمن ذلك أنه رحمه الله أوصى أن يدفن في الأرض، أي أرض، دون النظر إذا كانت مقبرة سنية أو شيعية لسببين: الأول لأنه إنسان مؤمن عابر للطوائف، وثانياً لأنه أراد أن يكون جثمانه الطاهر بالقرب من رفيقة دربه. وغير ذلك ما هو إلا رجم في الفكر والمعتقد، فهو لم يكن شيعياً ليتسنن ولا سنياً ليتشيع كما يحاول البعض، وللأسف، أن يصور ذلك لأهداف لم يكن ليقبل بها رضا الفيلي! ولن أدخل في تفاصيل ممجوجة كتلك التي يرددها هذا البعض لأن ذلك لن يقربنا من أعتاب فكره ومعتقده.

كان رحمه الله يعلمنا أن من نختلف من أجلهم كانوا على وفاق، ويستدعي التاريخ والسير الذاتية ليثبت ذلك، ومن ضمن أقواله أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يكن شيعياً بل على سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). حتى أئمة المذاهب كانوا على سنّة الرسول وكانوا تلاميذ جعفر الصادق، حتى إن العباسيين (نسبة إلى عم الرسول صلى الله عليه وسلم) هم من قام باضطهاد وتنكيل أئمة أهل البيت، والتاريخ حكم في هذا الموضوع لمن يريد أن يتعظ، وإن كنت متشائمة من أن هناك من يريد أن يتعظ، وهذا لا يهمني إلا بالقدر الذي يتطاول فيه البعض على فكر ومعتقد الوالد رحمه الله.

عذراً يا أبي، كل العذر وأنت الذي كنت تبحث عن أعذار ومبررات الذين يخطئون عليك، إذا كنت تصديت بهذه العجالة لمن يحاولون استخدام سيرتك لأغراضهم الخاصة.

والله المستعان.

back to top