إصلاح فرنسا مهمة إيمانويل ماكرون المستحيلة

نشر في 15-12-2014 | 00:10
آخر تحديث 15-12-2014 | 00:10
أوكل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرون البالغ من العمر 36 سنة مهمة إصلاح فرنسا. ولكن لن تكون هذه المهمة سهلة، فالاشتراكيون ينظرون إليه بعين الريبة والجناح اليساري في هذا الحزب يستعد لخوض المعركة. تفاصيل هذه المهمة الصعبة عرضتها جوليا أماليا هاير في «شبيغل».
عبّر إيمانويل ماكرون بنفسه عن أساس المشكلة الاقتصادية في فرنسا. قبل بضعة أيام، وجد ماكرون ببزته الزرقاء المخضوضرة وربطة عنقه الزرقاء الداكنة نفسه واقفاً على المنبر في غران باليه في باريس. سأل الحضور: {لمَ أنا اشتراكي؟}.

لا شك في أن هذا سؤال مهم بالنسبة إلى سياسي عمل سابقاً في مصرف استثماري وأُوكلت إليه أخيراً مهمة إصلاح بلده الملحة بصفته وزير الاقتصاد.

كان الحضور يضم على الأرجح 70 رجل أعمال أتوا للمشاركة في تلك المناسبة التي نظمتها مجلة اقتصادية. كان معظمهم يرتدي ملابس أنيقة على غرار ماكرون، وراحوا يضحكون فرحين حين طرح هذا السؤال.

ولكن بدل الإجابة عن سؤاله، طرح وزير الاقتصاد والصناعة والمعلوماتية رؤيته الواسعة للنهوض بفرنسا. تحدث عن الخير العام الذي يجب أن يبدّى مجدداً على المصالح الشخصية. وشدد على طرحه بعبارة مقتبسة من المصلح الاشتراكي جان جوريس عام 1887.

هذا الأسلوب الفرنسي الذي يميل فيه السياسيون عادةً إلى تحديد موقعهم داخل قوس التاريخ العظيم، لاءم ماكرون بالتأكيد.

أعلن أخيراً خلال خطاب ألقاه في قصر الشانزليزيه الفاخر أن على فرنسا أن تتبدَّل. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعبر فيها عن مشاعر مماثلة. أضاف مؤكداً أن أداء بلده ليس جيداً، قائلاً: {من يذكرون أننا نستطيع الاستمرار على هذا النحو لعشر سنوات إضافية يكذبون}.

يتولى إيمانويل ماكرون منصب وزير الاقتصاد الفرنسي منذ ثلاثة أشهر ونصف الشهر، علماً أنه في السادسة والثلاثين من عمره، ما يجعله أصغر عضو في حكومة هولاند. وبما أنه عُيّن ليجدد البلد، أُغدقت عليه شتى الأوصاف من {السياسي المبدع} و{منارة الأمل} إلى {الانتهازي الذي يسعى إلى بناء مسيرته المهنية}. حتى إن مجلة ماريان نعته أخيراً بـ{ذئب في ثياب حمل}. ويقول البعض داخل الأوساط المقربة من فرانسوا هولاند أن الرئيس يعتبره {آخر أوراقه}.

انفصال رمزي

في شهر مارس، وسم هولاند تبدلاً سياسياً جذرياً بتعيينه الديمقراطي الاشتراكي المحافظ مانويل فالس رئيس وزراء. كذلك شكل اختيار ماكرون انفصالاً رمزياً أوضح عن السنتين الأوليين المخيبتين للآمال من عهد الرئيس هولاند.

كان سلف ماكرون في وزارة الاقتصاد، أرنو مونتيبورغ، من أنصار حركة كولبير، مقاربة تدعو إلى بسط الدولة سيطرة كبيرة على الاقتصاد. وما زال كثيرون يعتبرونها نموذجاً فاعلاً.

لكن ماكرون ينوي تنفيذ عدد كبير من الإصلاحات الاقتصادية من النوع الذي وُضع جانباً حتى اليوم. وتتوقف مسائل كثيرة على نجاحه وعلى ما إذا كان هولاند وحزبه يمنحانه الحرية. وهنا ينشأ سؤال أساسي: هل تتمتَّع فرنسا بالقوة لتحرر نفسها من معضلتها الراهنة؟

سنكتشف الجواب عن السؤال خلال الأيام القليلة المقبلة. فيوم الأربعاء، سيقدم ماكرون أول مسودة قانون مهمة إلى الحكومة في باريس. يحمل هذا القانون اسم {قانون ماكرون} ويشمل 107 تدابير. لكن جناح الحزب اليساري سبق أن أعلن معارضته هذه الرزمة.

يوضح المشرع الاشتراكي جان جاك أورفوا أن القانون يشمل 107 {قنابل تجزئة}، في حين لا تستبعد وزيرة البيئة السابقة دلفين باتو احتمال ما وصفته بـ{الحادث البرلماني}. فلا يثق عدد كبير من الاشتراكيين بماكرون بسبب السنوات الأربع التي عمل خلال في مصرف استثماري مع مجموعة روتشيلد. لذلك يعتبرونه داعماً للمصالح المالية الكبرى وسياسياً يسعى إلى ترويج مسيرته المهنية. حتى إن أحد أعضاء الحزب الاشتراكي قال عندما أعلن الرئيس هولاند تعيينه في أواخر شهر أغسطس: {لا يعرف على الأرجح الطريق إلى مقر الحزب}.

من المؤكد أن الانتقادات التي يتعرَّض لها ماكرون ومسودة قانونه الأبرز تجعلنا نظن للحظات أن الحكومة لن تحظى بالدعم الذي ستحتاج إليه عندما تُطرح الرزمة للتصويت في البرلمان، علماً أن هذه الخطوة ستُتخذ في شهر يناير. ولا شك في أن إخفاقها سيشكل الدليل الأخير على أن التغيير الكبير لا يتلاءم مع عهد هولاند.

عقد المسؤولية

يأمل ماكرون أن يفتح سوق العمل الجامد والمثقل بالقيود في بلده. على سبيل المثال، يدعو أحد العناصر في خطته إلى رفع الحماية القانونية التي تمنح نفوذاً شبه احتكاري لعشرات المهن. لكن هذه الخطوة ستطاول كتاب العدل والصيادلة وسائقي الحافلات وسيارات الأجرة. بالإضافة إلى ذلك، يود أن يسمح للمتاجر بأن تفتح أبوابها خلال 12 يوم أحد في السنة بدل الخمسة المعتمدة اليوم. كذلك يود أن يمنح الشركات الفرنسية تخفيضات ضريبية تصل قيمتها إلى 40 مليار يورو خلال السنوات الثلاث المقبلة بغية مساعدتها في تحسين قدرتها التنافسية. فضلاً عن ذلك، تشمل هذه الخطة تخفيضاً في كلفة ملحقات الرواتب العالية، وخصوصاً في قطاع الرواتب المنخفضة.

تشكل هذه التدابير كافة جزءاً مما يُدعى {عقد المسؤولية} الذي أعلنه هولاند في مطلع السنة ضمن إطار محاولة الرئيس جعل فرنسا أكثر جذباً للأعمال. وستترافق الإصلاحات مع اقتطاعات في الإنفاق تصل إلى 50 مليار يورو بحلول عام 2017. ولكن في فرنسا، لا تزال مجموعات المصالح الخاصة قوية، ما يعني أن التفاوض في شأن عناصر عدة من هذا العقد لن تحرز تقدماً يُذكر.

في صباح أحد أيام الجمعة في شهر نوفمبر، كان إيمانويل ماكرون جالساً على أريكة جلدية في مكتبه وأمامه على الطاولة سلة فاكهة وباقة توليب تزين الرف خلفه. يقع مكتبه في مبنى من الفولاذ والزجاج على ضفة نهر السين، وتُعتبر وزارة الاقتصاد واحدة من وزارات كثيرة تتخذ من منطقة بيرسي في باريس مقراً لها. ومن الواضح أنها تعكس معاً بكل وضوح النظرة الفرنسية إلى دور الدولة في الاقتصاد.

بدا ماكرون الأنيق والوسيم بشعره المفروق بدقة ووجهه الصبياني مسترخياً وهو ممدد في أريكته تلك. يتمتَّع هذا السياسي بسيرة ذاتية مثالية. حتى إنك قد تخاله متعجرفاً لولا تحليه بتهذيب فائق. ولا شك في أن حياته المهنية تعلل الكثير من الحسد والكره اللذين يتعرض لهما، فضلاً عن الآمال الكثيرة المعلقة عليه.

يذكر ماكرون: {إن كانت الحياة السياسية تعني الرغبة في أن يُعاد انتخابي مهما كلَّف الثمن، فلست سياسياً إذاً}. ويضيف أنه لم يُنتخب يوماً ليتبوأ أي منصب سياسي، ما يمنحه الحرية الضرورية للنضال في سبيل قناعاته. احتل طاولة مكتبه نموذج من صاروخ {آريان 5} ورزمة من الملفات الملونة. وإذا كان مكتبه يضم صورة لعائلتها، فهي مخبأة جيداً.

في عام 2007، تزوَّج ماكرون مدرسته للغة الفرنسية بريجيت ترونيو التي تكبره بنحو عشرين سنة. كان في السابعة عشرة من عمره حين التقيا في مدرسة كاثوليكية كان يذهب إليها في أميان شمال باريس. ونشرت مجلة الأخبار الاجتماعية Closer، التي فضلت سابقاً التركيز على علاقة هولاند مع الممثلة جولي غاييه، سلسلة صور لماكرون وترونيو. فظهرا فيها وهما يستمتعان بتمضية نهاية أسبوع في مونمارتر. كان ماكرون يرتدي سروال جينز وقميصاً بيضاء. أما زوجته الشقراء فكانت ترتدي نظارتين شمسيتين داكنتين. ولا شك في أنهما يشكلان زوجين غير تقليديين، ليس في فرنسا فحسب، بل في العالم.

{لا يمكنك اختيار اللحظة}

في صباح ذلك اليوم من شهر نوفمبر، راح ماكرون يتحدث بصراحة عن إخفاقات الحكومات الفرنسية، بما فيها حكومته، وعن ميلها إلى لوم الآخرين على عدم تطبيق إصلاحات تُعتبر ملحة. وقد صبَّ انتقاداته على ما يدعوه {الماركسية السيئة التوجيه} التي يفضلها بوضوح عدد كبير داخل حزبه.

يدرك ماكرون المقاومة الشرسة التي يواجهها. صحيح أنه يميل عادةً إلى التحدّث بوضوح وصراخة، إلا أن وتيرة لوجئه إلى المواربات الكلامية ازدادت أخيراً. على سبيل المثال، عندما سألناه عن أسبوع العمل المؤلف من 35 ساعة والذي يعتبره اشتراكيون كثر مسألة غير قابلة للنقاش، أجاب: {أدافع عنه، إلا أنني لا أرفعه فوق شتى المسائل}. فيود أن يلمس {مرونة أكبر}، على حد تعبيره، ما يجعلك تخال أنه يرغب في التخلص من أسبوع العمل هذا، إلا أنه لا يتمتع اليوم بالنفوذ الضروري. ولا شك في أن هذا تقييم واقعي.

عندما سألناه عما إذا كانت فكرة احتلاله منصبه الوزاري الأول خلال عهد الرئيس هولاند المضطرب تزعجه، ردّ بهدوء: {لا يمكنك أن تختار اللحظة التي تتحمل فيها المسؤولية}. وتكشف عبارات مماثلة تلقيه التعليم في مدارس النخبة ومهاراته الكلامية التي اكتسبها، فهو بارع في تقديم الردود الملائمة عن أي سؤال في غضون ثوانٍ.

في الطبقة السياسية الفرنسية، لا يُعتبر تلقي ماكرون التعليم في مدارس مرموقة (تخرج في Sciences Po وEna) استثناء بالتأكيد. ولكن قبل انتقاله إلى المدسة الوطنية لإدارة الأعمال التي ارتادها عدد من كبار رجال السياسة الفرنسيين، بمن فيهم هولاند، حصل ماكرون على شهادة في الفلسفة، معداً رسالته عن ماكيافيللي. كذلك عمل طوال سنتين مساعداً للفيلسوف المشهور بول ريكور. ومعاً كتبا مقالات عن التاريخ والذاكرة للمجلة الفلسفية Esprit، التي لا تزال تدرج اسم ماكرون بين كتّابها، مع أنه نشر آخر مقال له فيها عام 2011 بعدما بدأ بالعمل كمصرفي استثماري. وشملت مسيرته المهنية أيضاً عمله خلال فترة وجيزة كمستشار لعملاء مثل نسلي.

التق هولاند بماكرون قبل سنوات عدة خلال مأدبة طعام أقامها جاك أتالي، مستشار سابق لفرانسوا ميتران يكن احتراماً كبيراً لماكرون. ومن المحتمل أن علاقتهما سرعان ما توطدت لأن ماكرون تكنوقراطي متأصل، على غرار هولاند نفسه.

قبل أن يصبح ماكرون رئيساً، كان مستشار هولاند الاقتصادي خلال حملته الانتخابية ومن ثم في قصر الإليزيه. كان هولاند يصغي إلى أفكاره ويقدرها، إلا أن القليل منها أُدرج في سياسة الحكومة. على سبيل المثال، انتقد ماكرون هولاند خصوصاً عندما رفع ضريبة الدخل على المداخيل التي تتخطى المليون يورو إلى 75%، معتبراً أنها تحول فرنسا إلى {كوبا من دون شمس}. رغم ذلك، طُبقت تلك الضريبة.

الوقت قصير

دُعي موزارت في الإليزيه بسبب مهاراته في عزف البيانو التي تُعتبر متقدمة جداً. حتى إنه كان يستطيع أن يمتهن العزف على البيانو. لكنه لطالما رغب في دخول عالم السياسة، حسبما يذكر معارفه القدماء. وقد حظي بمساعدة كبيرة من شخصيات سياسية مرموقة، معظمهم مسنون ولا ينتمون كلهم إلى اليسار.

يشمل هؤلاء ألان منك، مستشار سابق للرئيس نيكولا ساركوزي. يعرف منك ماكرون منذ أكثر من عشر سنوات ويدعوه {صغيري}. ويعتبر منك أن ماكرون وزير {قدير بكل معنى الكلمة}.

رغم ذلك، يشك في أن ينجح في تحقيق الكثير. يقول: {خلال السنتين ونصف السنة المتبقية من عهد الرئيس هولاند، لن يكون ممكناً تمرير كثير من الإصلاحات، فالوقت قصير». ويضيف أن ماكرون لن يحظى بالدعم الذي يحتاج إليه من البرلمان ذي الغالبية الاشتراكية. ويؤكد أن ماكرون وفالس هما الوحيدان اللذان يملكان الرغبة في تجديد الاقتصاد، وأن المعركة ضدهما ستحتدم عندما يقدم وزير الاقتصاد خططه للمشرعين في شهر يناير. لذلك يعتقد منك أن ماكرون «موهبة عظيمة» حُكم عليها أن تنتظر أوقاتاً أفضل.

لكن الانتظار قد يطول. لم ينعم الاقتصاد الفرنسي بأي نمو خلال السنوات الثلاث الأخيرة مع ارتفاع البطالة خلال تلك الفترة لتصل راهناً إلى 11%. ويعود اللوم في جزء منه إلى تقلبات هولاند. صحيح أنه اتخذ خطوات نحو الأمام، ولكن تلتها غالباً خطوات إلى الوراء. وقد طغى هذا التأرجح على الجزء الأكبر من سنواته الخمس في سدة الرئاسة، ما جعل عهده الأقل شعبية في فرنسا خلال التاريخ الحديث. ولكن ما يريد حقاً؟ رغم تعيينه فالس وماكرون، ما زال هذا السؤال من دون أي جواب.

لكن رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد ورئيس الجمهورية يتفقون على مسألة واحدة: يعارضون تدابير التقشف القاسية، خوفاً من أن يدفعوا فرنسا نحو ركود أعمق. نتيجة لذلك، تخطط باريس لجعل عجز الموازنة الفرنسية عند السقف الأعلى الذي يحدده الاتحاد الأوروبي (3% من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول عام 2017. لكن المفوضية الأوروبية انتقدت إدارة هولاند، في حين سعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بدأب إلى حمل جارتها المتعثرة على تبديل مسارها من دون جدوى.

خطوة لا طائل فيها

عثرت فرنسا أخيراً على حلفاء أقوياء يؤيدون تباطؤها في برلين. ففي أواخر شهر نوفمبر، نشرت كلية هرتي للحوكمة في برلين تقريراً بعنوان {الإصلاح، الاستثمار، والنمو: أجندة لفرنسا، ألمانيا، وأوروبا}. حصلت هذه الدراسة على دعم مشترك من ماكرون ونظيره الألماني سيغمار غابريال، إلا أنهما سارعا في الحال إلى رفض مطالبها الأساسية في خطوة حولت هذا التقرير المنبوذ إلى خطوة لا طائل فيها.

في المكتب، قطب ماكرون وقال إنه يعي تماماً مشكلة المصداقية التي يعانيها بلده بعد كل تلك الوعود الفارغة. وتابع موضحاً: {بدل الكلام، علينا العمل اليوم}.

لكن المشكلة تكمن في أن الحكومة الفرنسية لن تخسر مصداقيتها في الخارج فحسب. فقد فقد كثيرون في فرنسا إيمانهم بالدولة وبالطبقات السياسية. وقد تكون أزمة الثقة هذه أكثر ضرراً بالبلد من المشاكل الاقتصادية. لهذا السبب تحظى الجبهة الوطنية اليمينية الشعبوية بقيادة مارين لوبن بنجاح كبير أخيراً. تشير استطلاعات الرأي راهناً إلى أنها ستتفوق على هولاند في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في حال عقد اليوم، ما يمثل إشارة إضافية إلى أن الأحزاب السياسية التقليدية خسرت شعبيتها.

لا عجب، إذاً، أن ماكرون يواجه الريبة والتشكيك من كل الجهات. رغم ذلك، قد تجعله شعبيته التي تبلغ 35% أحد أكثر أعضاء حكومة هولاند الحالية شعبيةً. إلا أنه الأغرب أيضاً: شاب يبدو ديمقراطياً اجتماعياً أكثر منه اشتراكياً.

رغم ذلك، يمثل بفضل تعليمه في مدارس النخبة  نوعاً من السياسيين سيطر منذ زمن على الحياة السياسية الفرنسية. فيسير تكنوقراط مماثلون كثر في أروقة السفارات الفرنسية والإليزيه ويشكلون جزءاً من شرخ متنامٍ بين الفرنسيين وسياسييهم. ولعل أبرز هفوات ماكرون جاءت خلال حديثه في مقابلة إذاعية معه عن عاملات في مصنع مهدد بالإقفال. فقد قال إن تلك النساء {لا يجدن القراءة ولا الكتابة}.

كانت هذه زلة أكدت صورة كونها عنه كثيرون، صورة رجل لا يفهم الناخبين الاشتراكيين بين طبقات الشعب العاملة، حتى إن إحدى الصحف دعته {الحلو النخبوي}، ولا شك في أن هذا لقب مهين. ولكن في فرنسا، ذلك البلد الذي اعتاد منذ زمن تطوير نخبته، تشكل إهانات مماثلة مجرد نفاق في حدها الأقصى. وما ماكرون إلا واحد من موظفين كثر في أعلى مراتب عالمَي السياسة والأعمال يمكنهم التنقل بسهولة من منصب مهم إلى آخر.

عندما استلم منصبه الحالي، أعلن ماكرون أنه سيستقيل من منصبه كوزير للاقتصاد في حال عجز عن تمرير سياسات يؤمن بها. ولكن في مطلق الأحوال، يبدو مستقبله مضموناً.

back to top