كلينت إيستوود: أحب الحاضر الذي أعيشه

نشر في 14-12-2014 | 00:02
آخر تحديث 14-12-2014 | 00:02
شغل كلينت إيستوود كوخاً صغيراً عند إحدى الزوايا في مقر شركة Warner Bros. طوال أربعين سنة. وكانت هذه مدة كافية ليخرج 28 فيلماً لهذا الاستوديو، ويدرك أن عليه الاحتفاظ بكيس من الفول السوداني للسناجب التي تهوى المغامرة ودخول مكتبه.
يبدو أن إيستوود بمظهره الأنيق يترك الجوزيات عمداً لضيوفه. لكنه لا يملك الكثير من الوقت للتسلية. فقد أخرج فيلمين نزلا إلى دور السينما هذه السنة: قصة مستوحاة من إحدى مسرحيات برودواي الموسيقية Jersey Boys وAmerican Sniper (سيبدأ عرضه يوم عيد الميلاد)، يتمحور حول الجندي في البحرية كريس كايل (برادلي كوبر) الذي يصبح خلال أربع جولات من القتال في العراق القناص الأكثر فتكاً في تاريخ الجيش الأميركي مع 160 عملية قتل مؤكدة. يعتبر إيستوود هذا الفيلم استمراراً لأعمال مثل Flags of Our Fathers وLetters from Iwo Jima، التي تتناول الخدمة العسكرية وكلفة التضحية في سبيل الوطن.
جلس على أريكة يبدو أنه ورثها مع الكوخ عام 1974. ثم رفع قدميه وفي حوار سلس راح يتحدث عن American Sniper، الحرب، وما كان يمكن أن يحدث لو أنه تمرن أكثر على عزف ا
يقول كريس كايل: {من المذهل أن توقف قلباً عن النبض}. ذكرتني هذه العبارة بلحظة في فيلم Unforgiven تقول فيه للشاب الذي يطمح أن يبرع في استخدام المسدسات: {من المذهل أن تقتل رجلاً}. هل ربطت بينهما؟

ظننت أن هذه العبارة بالعمق ذاته. لم أتعرف يوماً إلى كريس كايل لأكتشف ماهية شعوره حيال قتل الناس منهياً حياتهم بلحظة. لكن هذا أمر مذهل بالتأكيد. وفي الفيلم، أحاول أن أعكس شعوراً مفاده أنه لم يواجه أي صعوبة، مع أنه ربما اضطر إلى إقناع نفسه بذلك.

لكن كان لذلك ثمن. ففي المشهد مع الطبيب النفسي بعد عودته إلى الوطن، ترى عبء هذه الجولات الأربع وتأثيرها فيه.

استسلم لهذا الواقع إلى حد ما، إنما خسر القليل من نفسه. في ذلك المشهد، تراه يدافع بعدائية، بعض الشيء، عما قام به. يقول: {سأذهب إلى خالقي وأنا أعلم أنني فعلت الصواب}. كان لا بد من أن يحاول تبرير ما قام به ليتابع حياته. سألت زوجته عن هذه المسألة، فأجابتني أنه لطالما آمن بعمق أنه يفعل الصواب، حامياً عدداَ كبيراً من الناس. رغم ذلك، تثقل  160 عملية قتل كاهل أي إنسان.

هذا العدد يشمل عمليات القتل المؤكدة فحسب.

صحيح. أتذكر حين دخلت مجال العمل هذا قبل نحو 60 سنة كنت في صالة الرياضة ذات يوم وكان أودي Audie مورفي يتمرن إلى جانبي. أردت أن أسأله: {ما شعورك حيال قتل كل هؤلاء الناس؟} لأنه قتل عدداً كبيراً من الناس خلال الحرب العالمية الثانية. شعرت بالفضول حيال ما إذا كان قد فكر في هذه المسألة بعد انتهاء الحرب.

زُرعت في كايل منذ نعومة أظفاره فكرة أنه حامٍ مثل {كلب راعٍ}يقاتل الذئاب، على حد تعبير والده.

لذلك كان عمله كقناص ملائماً جداً. كان لوالده تأثير كبير فيه. التقيت به وبوالدته. لا أعلم إن كان ينظر إلي بعين الريبة أو لا. لم يتكلم كثيراً. ربما ظن أنني رجل ما من هوليوود جاء لتشويه قصة حياة ابنه.

اعتقدت أنك تتمتع بمكانة قوية كفاية في نظر رجل تقليدي محافظ مثله.

أعتقد أنني أعطي هذا الانطباع. لكنني لم أكن محافظاً كفاية، في رأيه، على الأرجح. يتمسك الناس، عموماً، بالنظرة التي يكوّنونها. أيدت اليمين واليسار في أوقات مختلفة من حياتي، إلا أنني ما عدت أعلم أين أقف اليوم. أنظر إلى هذه المسألة نظرة ساخرة، وخصوصاً في هذه المرحلة من التاريخ.

أنتجت أفلاماً كثيرة عن الحرب. ويبدو أن قصص الحروب لن تنفد مطلقاً.

كنت في الحادية عشرة من عمري حين بدأت الحرب العالمية الثانية. كان أبي مسؤولاً سياسياً محلياً، واعتاد الخروج والتجول بقبعته الصغيرة، فيما كان الجميع يغطون نوافذهم بالأسود. وعندما انتهت الحرب، أذكر أننا احتفلنا في وسط مدينة أوكلاند. كان الجميع يصيحون ويمرحون، ففكرت: {سيكون هذا حدثاً تاريخياً لن يتكرر}. ولكن بعد بضع سنوات، جُندت في الجيش، فتساءلت: {ماذا حدث لفكرة ‘لن يتكرر’؟}.

يقول برادلي كوبر أنك لا تزال تعمل بسرعة. انتهيت من ذلك المشهد مع الطبيب النفسي في لقطة واحدة.

يقوم عملي على تقييم المشهد في حال العودة إلى غرفة التحرير وتأمل 20 لقطة وتحليل كل الاختلافات. فقد تختار بهذه الطريقة المشهد غير الملائم. أكتفي باختيار المشهد الذي يُقدّم بطريقة تتلاءم مع ما كنت أنا لأقوم به لو كنت الممثل. لم أحظَ يوماً بامتياز العمل مع بيلي وايلدر أو جون فورد أو هوارد هوكس.

تقاعدوا خلال الفترة التي أصبحت فيها نجماً، أو كانوا على الأقل يسيرون في هذا الاتجاه.

تعرفت إليهم في مناسبات اجتماعية، شأنهم شأن فرانك كابرا. لطالما تساءلت: {يتمتع هؤلاء الأشخاص بعقول عظيمة، فلمَ يتقاعدون في سن الستين أو الخامسة والستين؟}.

يتحدث كوينتن تارانتينو عن التقاعد، مشيراً إلى أن المخرجين لا يتحسنون مع التقدم في السن. أعتقد أنه قال: {لا أود أن أصبح مخرجاً مسناً}.

قد يكون قول ذلك سهلاً راهناً، إلا أنه قد يبدل رأيه عندما يبلغ الستين من العمر. لا شك في أنه شاب ذكي. لكنه قد يبلغ هذه السن ذات يوم ويقول: {انتظروا لحظة! ما زلت أملك ما أود أن أقدمه}. لذلك لا أوافقه الرأي في هذه المسألة. صحيح أنني في الرابعة والثمانين من عمري، إلا أنني ما زالت أستمتع بالحياة، ولست مستعداً للتقاعد بعد.

كم يبلغ سنك من الناحية العاطفية؟

ثمانية عشرة (يضحك). كلا، ربما خمسين. أشعر من الناحية الجسدية أنني في الخمسين من عمري. ولكن عندما كنت في الخمسين، شعرت أنني في الثلاثين. وما زلت ولداً في نواحٍ كثيرة من حياتي. ففي مجال العمل هذا، من الضروري أن تحافظ على اتصالك بطفولتك. فهو يحفل بالقصص ويقوم على القدرة على التخيل والإقناع. لذلك يجب أن يكون تفكيرك أصغر بكثير مما كان عليه جدي في الرابعة والثمانين من عمره حين كان ينهض ويحلب الأبقار ويعود إلى المنزل. فكانت أيامه كلها متشابهة.

هل يصدف أحياناً عرض أحد أفلامك خلال مشاهدتك التلفزيون فتجلس لتستمتع به؟

كانت إحدى المحطات تعرض أمس فيلم Thunderbolt and Lightfoot. شاهدت نحو عشر دقائق منه ثم أطفأت جهاز التلفزيون. فكرت: {علي مشاهدة هذا الفيلم مجدداً}. أرغب في مشاهدته من البداية لأستمتع بما يولده فيّ من مشاعر الحنين.

هل تستسلم للحنين؟

لا، أحب الحاضر الذي أعيشه. شكراً لك!

هل تشعر أحياناً بالقلق؟

لا أظن ذلك. أصادف أحياناً مسائل ترفع معدل الأدرينالين في جسمي. لكنني أحاول ألا أشعر بالقلق. أعتقد أنني لا أملك الوقت لذلك. إذا أردت أن تخرج فيلماً، فقم بذلك. أما إذا كنت عاجزاً عن عمل مماثل، فلا تقم به. أفسح في المجال أمام غيرك.

هل تشعر بالقلق خلال حياتك العادية اليومية؟

بلغت مرحلة ما عدت أقلق حيال أي مسألة. عندما تصبح في الرابعة والثمانين، تفكر: {ما أسوأ ما قد يحدث؟}.

هل تؤمن بالقدر؟

نعم، وقع لي ذات مرة حادث. وأخبرتني أمي بعده: {أعتقد أن ملاكاً حارساً يقف على كتفك}. لم تكن امرأة متدينة جداً، لكن هذه كانت طريقتها في التعبير عن أن حارساً ما في السماء يرعاني.

ماذا عن الدروب التي لم تسلكها؟

أفكر أحياناً أنه ربما كان علي أن أتمرن أكثر على عزف البيانو. كان بإمكاني اليوم أن أعزف في صالة كارنيغي أو ربما كنت ستجدني جالساً في أحد المطاعم وزبون ما يضع لي دولاراً في مرطبان. فأقول له: {شكراً سيدي! سأعزف Melancholy Baby مرة أخرى}.

ما ترغب في أن تتضمنه وجبتك الأخيرة؟

لطالما أوليت نظامي الغذائي اهتماماً كبيراً. فأكثر من تناول الخضر والفاكهة وثمار البحر. لذلك إذا أردت أن أختار وجبة أخيرة، فسأنتقي على الأرجح طعاماً مضراً بالصحة. لنقل مثلاً: {لنضرب عرض الحائط بلوائح الدهون! وداعاً أيها الأوغاد!}.

ألا يشتهر مطعمك بطبق الأضلع المميز؟

لم أتناول هذا الطبق إلا منذ شهر تقريباً. كان رائعاً. لكني عدت إلى أكل سمك السلمون. يمكنك أن تقوم بما يحلو لك. ولكن ثمة أمور لا تستطيع القيام بها دوماً. أو ربما تستطيع ذلك، فأنا أؤيد الحرية. أنا إنسان ليبرتاري. افعل ما يحلو لك.

إنما باعتدال؟

على الإنسان أن يعرف حدوده.

back to top