سعي عالمي للعثور على لقاح للإيبولا

نشر في 05-12-2014 | 00:12
آخر تحديث 05-12-2014 | 00:12
يتهافت الباحثون في مجال الطب على اختبار أدوية ولقاحات جديدة على أمل إبطاء وباء الإيبولا. وتبدو النتائج واعدة حتى اليوم. فقد يبدأ علاج أول مريض في غرب أفريقيا في غضون أسابيع. فيرونيكا هاكنبروتش، وماركوس غريل، وكاترين إلغر عرضوا التفاصيل في «شبيغل».
لا يزال البروفسور بلايز جنتون مندهشاً من مدى التغيير الذي ظهر فجأة. فما عاد ينتظر أسابيع ليعاود المسؤولون المهمون الاتصال به، بل يتصلون في غضون ساعات. فضلاً عن ذلك، تنتهي إجراءات الموافقة، التي كانت مرهقة وتتطلب فترات طويلة، في أوقات قياسية. وماذا عن الـ1.5 مليون يورو التي يحتاج إليها؟ حتى لو كان المستشفى سيدفع الكلفة مقدماً، يبدو جنتون، رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى لوزان الجامعي، واثقاً من أن الحكومة السويسرية ستؤمن التمويل قريباً.

يذكر جنتون، أحد أهم اللاعبين حول العالم في محاربة الإيبولا: «نواجه وضعاً خاصاً، ولذلك حصلنا على ظروف عمل جيدة على نحو خاص. ولكن لا بد من أن أشير إلى أن الناس يأملون أن نقدم لهم في غضون أشهر نتائج تتطلب سنة أو اثنتين لتحقيقها». يحث جمنتون، الذي يرتدي سروال جينز وقميصاً ملوناً، الخطى في ممر المستشفى للمشاركة في اجتماع لفريقه. لكن سيره الحثيث هذا مألوف: فمنذ أن اتصلت منظمة الصحة العالمية به وبفريق أبحاثه في مطلع سبتمبر، صارت المهل أمامه قصيرة.

لم يتردد جينتون، وهو أب لستة أولاد، عندما سألته منظمة الصحة العالمية عما إذا كان مهتماً بقيادة إحدى أكبر الدراسات حول لقاح الإيبولا في العالم. صحيح أنه أدرك أن حياته الشخصية ستعاني خلال مرحلة الاختبار هذه، إلا أنه وافق في الحال. يخبر جينتون أنه وفريقه لا يحظون أحياناً إلا بأربع إلى خمس ساعات نوم خلال اليوم.

تشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 4500 شخص ماتوا بسبب الإيبولا في غرب أفريقيا، مع إصابة أكثر من 15 ألف به في ليبيريا، سيراليون، وغينيا. صحيح أن جهود الإغاثة الدولية الواسعة النطاق بدأت أخيراً، إلا أن هذا الوباء ما زال بعيداً كل البعد عن السيطرة. يُعتبر الوضع في سيراليون وغينيا حرجاً. كذلك سُجلت أخيراً حالات في مالي، جارة غينيا الشرقية غير المستقرة سياسياً. ولم تبدأ وتيرة انتشار المرض إلا في ليبيريا، وفق منظمة الصحة العالمية.

رغم الجهود المتنامية، فقد لا يكون المساعدون على الأرض في أفريقيا كافين لوقف الوباء. نتيجة لذلك، تُعلّق آمال كبيرة على الباحثين في مجال الطب أمثال بلايز جنتون في لوزان أو مارلين أدو في المركز الألماني لأبحاث الأمراض المعدية في هامبورغ، علماً أن فريقها يختبر راهناً لقاحاً محتملاً آخر.

صعوبة بالغة

يعتقد خبراء كثر ألا مجال لوقف هذا الوباء إلا بتطوير لقاحات جديدة وتحسين الأدوية. فمن {الصعوبة بمكان التحكم} في أي انتشار للمرض يصيب آلاف المرضى في عدد من البلدان في آن باستخدام الحجر الصحي التقليدي، حسبما يؤكد جيريمي فارار، مدير Wellcome Trust، مؤسسة لا تتوخى الربح تصل أصولها إلى 21 مليار يورو وتموّل جزءاً من دراسات اللقاحات. ولكنَّ الإطار الزمني الذي حددته منظمة الصحة العالمية لتوزيع اللقاحات والأدوية في المنطقة بأسرها مبالغ فيه.

تشمل الدراسات الراهنة عدداً محدوداً من المشاركين وتهدف إلى تأكيد ما إذا كانت أجسام المرضى تتحمَّل اللقاحات المحتملة جيداً وتحديد الجرعات الواجب اعتمادها (المرحلة الأولى). ومن الضروري أن تلي ذلك اختبارات واسعة النطاق في المناطق المصابة بغية التحقق مما إذا كانت هذه اللقاحات تؤمن حقاً الحماية ضد الفيروس، ومعرفة ما إذا كانت تسبب أي تأثيرات جانبية (المرحلتان الثانية والثالثة).

في يناير على أبعد تقدير، أو ربما في وقت أبكر، ستُختبر فاعلية لقاحين واعدين على آلاف المتطوعين في ليبيريا وسيراليون. وإذا نجحا، فسيترتب على شركات الأدوية، بحلول يونيو، إنتاج مئات آلاف الجرعات، التي ستكون جاهزة لتلقيح الناس.

على نحو مماثل، ستسير التجارب لاختبار الأدوية بالسرعة عينها. ففي ديسمبر، تخطط منظمة {أطباء بلا حدود} لإطلاق دراسات تتناول ثلاثة أدوية في مراكز علاجها.

حُقن نحو نصف المتطوعين المئة والعشرين في دراسة لوزان بلقاح cAd3-ZEBOV. يرتكز هذا المصل على فيروس زكام عادي يصيب حيوانات الشمبانزي لا البشر، وقد أضيف إليه بروتين الإيبولا. ويأمل الباحثون أن يجعل الفيروس الغداني الناتج جهاز مناعة الإنسان حساساً ضد فيروس الإيبولا.

عثور على متطوعين

تُطور هذا المنتج شركة الأدوية البريطانية GlaxoSmithKline، ويُعتبر واحداً من لقاحين يُعتبران الأفضل حتى الآن. بالإضافة إلى لوزان، يُختبر اللقاح، أيضاً، في أكسفورد، مالي، ومعاهد الصحة الوطنية في بيثسدا في ماريلاند حيث أُعلنت أولى النتائج الإيجابية أخيراً. خلال مرحلة الاختبار السريري الأولية هذه، عمدت الفرق إلى تشاطر البيانات بغية تحديد، مثلاً، الجرعات المناسبة.

يذكر براين شابرد، متطوع في بيثسدا، أن الجزء الأسوأ من هذا الاختبار كان نزع الضمادة عن ذراعه، مع أنه أصيب بحمى خفيفة يوم لُقّح، إلا أنها سرعان ما زالت. شابرد عالم في معاهد الصحة الوطنية، وقد تطوَّع في هذه التجربة بدافع الفضول، على غرار كثيرين آخرين. كذلك يتقاضى المتطوعون أجراً صغيراً.

على نحو مماثل، لم تواجه مارلين أدو صعوبة في العثور على متطوعين لاختباراتها. فما إن أُعلن أن مستشفى هامبورغ-إبيندورف الجامعي سيجري دراسة، حتى بدأت الرسائل الإلكترونية من مشاركين محتملين بالتدفق. وبالتزامن مع زملاء في جميف، غابون، وكينيا، بدأ فريق الأبحاث في هامبورغ اختبار لقاح ثانٍ محتمل لمرض الإيبولا (rVSV-ZEBOV) طوَّرته وكالة الصحة العامة الكندية في وينيبيغ. يُعتبر اللقاح حياً ويحتوي على فيروس معدّل جينياً يتوافر في حيوانات المزارع.

تطمئن أدو وشعرها المتجعد الأسود مرفوع إلى أعلى وأمامها على الطاولة دفتر ملاحظات أبيض: {ما من خطر بسيط حتى يلتقط أحد الإيبولا من خلال اللقاح}. كُتبت على غلاف دفتر الملاحظات الأبيض ذاك عبارة {الأمور كافة تؤول إلى الخير في النهاية}. ولكن كم سيمضي من وقت قبل احتواء وباء الإيبولا؟ تعرب أدو عن أسفها لميلها إلى الحد من التوقعات، فتقول: {لا يمكننا افتراض بالضرورة أن اللقاح سيكون له تأثير كبير على تطور الوباء الحالي في المستقبل}.

يوافقها جنتون الرأي: {سيبدأ هذا الوباء بالانحسار، على الأرجح، قبل أن يصبح اللقاح جاهزاً للاستعمال. ولكن إذا انتقل الفيروس إلى دول مجاورة أخرى، فقد يؤدي التلقيح في هذه الحالة دوراً مهماً}.

تبدو النتائج الأولية للاختبارات الجارية واعدة، فقد أعلنت معاهد الصحة الوطنية في ماريلاند أخيراً أنها نجحت في إنتاج رد فعل مناعي في تجربة تشمل 20 شخصاً بالغاً، من دون أن يعانوا تأثيرات جانبية ظاهرة. وتعمل هذه المعاهد راهناً على إجراء تجارب أوسع.

تعرب شركة GlaxoSmithKline عن قلقها تجاه البدء باختبارات واسعة النطاق في ليبيريا وسيراليون بحلول منتصف يناير. يوضح ريبلي بالو، رئيس برنامج الإيبولا في هذه الشركة، أن الأخيرة ستُجري دراستين فقط بسبب الاضطرابات في هذين البلدين. ويضيف: {نظراً إلى التحديات اللوجستية والغموض الذي يحيط بهذا الوباء، قررنا أننا نحتاج إلى إستراتيجية بديلة. شعرنا أن من المخيب للآمال أن نواجه الوباء من دون أن نعرف ما إذا كان أي من هذه اللقاحات فاعلاً}.

بحث عن المال

لعل أبسط المشاكل التي تواجهها الشركة ضرورة حفظ اللقاح على حرارة 80 درجة مئوية تحت الصفر، ما يشكل تحدياً على الأرض. لكن بالو يشير: {يؤكد بعض البيانات أن من الممكن حفظه على دراجات حرارة أعلى ما إن يوضع في حقن}. فضلاً عن ذلك، تشمل عملية التلقيح أيضاً بعض الصعوبات، فقد يتضح أن من الصعب مراقبة المشاركين في الدراسة عن كثب طوال بضعة أسابيع، خصوصاً إن كانوا يعيشون في مدن كبيرة مكتظة بالسكان مثل مونروفيا.

علاوة على ذلك، ثمة مسائل كثيرة عالقة في شأن التمويل في المستقبل. {ولا شك في أن هذا الأمر بالغ الأهمية}، على حد تعبير سيث بيركلي، مدير تنفيذي فيGavi, Vaccine Alliance في جنيف. فما من اتفاق، وفق بيركلي، في شأن مَن سيسدد كلفة إنتاج كميات كبيرة من اللقاح لتحصين الناس في أفريقيا.

تحظى مؤسسة Gavi بالتمويل من هبات حكومية وتبرعات خاصة، وهي تسعى إلى تأمين اللحقات المنقذة للحياة، مثل لقاحات الحصبة والشلل، للبلدان الفقيرة. وها هي تعمل اليوم على توسيع نطاق عملها ليشمل الإيبولا. يذكر بيركلي: {نتفاوض راهناً مع الواهبين وشركات الأدوية}.

يجري التخطيط اليوم لإجراء دراسة تلقيح مضبوط تشمل استعمال لقاح وهمي في ليبيريا. في هذه الدارسة، سيُحقن المتطوعون عشوائياً بواحد من اللقاحين المحتملين أو بلقاح وهمي.، ومن ثم ستُقارن النتائج في نهاية فترة الدراسة. وإذا سارت الأمور على خير ما يُرام، يؤكد بالو {أن فاعلية اللقاحين ستتضح في غضون ثمانية إلى 12 أسبوعاً}.

يتبع تصميم الدراسة المبادئ العلمية المعتمدة عموماً، إلا أن البعض يشكك في ما إذا كان يجب تطبيقها في حالة الإيبولا. على سبيل المثال، تعتبر منظمة {أطباء بلا حدود}، التي تركز على الأدوية لا اللقاحات، أن من غير المقبول إعطاء المرضى في مراكزها العلاجية أدوية وهمية.

يوضح أنيك أنتييرنز، منسق دراسات الإيبولا لأطباء بلا حدود: {لن يرضى أطباؤنا اعتماد تدابير مماثلة. تخيل فقط ما يعنيه ذلك: إعطاء حبة سكر إلى شخص يحارب الموت ويتقيأ بشدة. أرفض ذلك رفضاً قاطعاً}.

فوز بالجائزة الكبرى

لا شك في أن مخاوف الأطباء مبررة. لذلك قررت المؤسسة اتباع تصميم دراسي مختلف، إلا أنه لن يتمكن من تقديم نتائج حاسمة.

يخبر أنتييرنز: {ينجو نحو نصف المرضى في مراكزنا العلاجية راهناً. ولكن إذا قدمنا للمرضى العلاج الجديد، شفي اثنان من كل ثلاثة منهم، فسنكون سعداء جداً ونعتبر ما حققناه إنجازاً. سنعمد بعد ذلك إلى اختبار العلاج في دراسة أكبر بكثير. وإذا نجا أربعة من كل خمسة مرضى تلقوا العلاج، فسنكون قد فزنا بالجائزة الكبرى. وسنعمل بعد ذلك بسرعة على توسيع الدراسة لتشمل مراكز إضافية}.

يخطط أطباء بلا حدود لاختبار دوائي برينسيدوفوفير وفافيبيرافير المضادين للفيروسات، فضلاً عن علاجات تشمل مصلاً من المرضى الناجين الذين يحمل دمهم أجساماً مضادة للإيبولا. وقد اختارت المنظمة هذه العلاجات الثلاثة بدقة وعناية. يوضح أنتييرنز: {أردنا أن نستعمل أدوية لها تأثير مباشر على الفيروس ويمكن الحصول عليها بسرعة بكميات كبيرة}.

لكن السعي إلى التصدي لهذا الوباء لم يقتصر على الخبراء الطبيين التقليديين المشهورين. فقد اعتبر اختصاصيو المعالجة المثلية (homeopathy) تفشي هذا الوباء فرصة لتقديم الدليل على نجاح أساليب غير مثبتة حتى اليوم. تشير منظمة المعالجة المثلية الدولية Liga Medicorum Homoeopathica Internationalis إلى أن وفداً من الأطباء المتخصصين في المعالجة المثلية أرسل إلى المناطق التي تفشى فيها المرض بقوة في ليبيريا بغية معالجة المرضى المصابين بالغلوبولين. يكتب أورترود لندمان، رئيس الوفد، في رسالة إلكترونية من مونروفيا: {نحن ممتنون لأننا نملك 110 علاجات مثلية تتمتع بقدرة علاجية أكبر بنحو ثلاثة أو أربعة أضعاف. دُعينا لمساعدة الناس في ليبيريا من خلال العلاجات المثلية بغية المشاركة في محاربة الإيبولا}.

لكن المسؤولين الحكوميين في ليبيريا لا يشاركون هؤلاء الاختصاصيين الألمان حماستهم، ومنعوا خبراء المعالجة المثلية من معالجة مرضى الإيبولا. لكن هؤلاء الخبراء لم يتراجعوا. فداعمو مهمتهم هذه يفكرون في إرسال فريق آخر محمّل بالعلاجات المثلية التي ترتكز على الغلوبولين إلى غرب أفريقيا.

back to top