ليالي «النفط» في فيينا

نشر في 29-11-2014
آخر تحديث 29-11-2014 | 00:01
 يوسف عوض العازمي قد يقول قائل إن تراجع أسعار النفط  بسبب التأثر بإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، لكن هذا غير واقعي، لأن تأثير النفط الصخري ليس بذاك الحجم، نظراً لتكلفته غير المتكافئة مع إنتاج النفط، بل السبب الرئيسي، حسبما تبين من عدة معطيات، هو سياسي بحت.

تدهورت أسعار النفط في الفترة الأخيرة بفقدها نسبة 30 في المئة تقريباً، مما أثر كثيراً على التوجهات الاقتصادية والمالية في كثير من الدول، سلبا كان هذا التأثير أو إيجاباً.

وكثير من شركات النفط العالمية تأثرت أسعار أسهمها سلباً، ونزلت قيمتها السوقية، فعلى سبيل المثال تراجع سهم "بريتش بتروليوم" بنسبة 17 في المئة، وسهم "شيفرون" بنسبة 11 في المئة، وغيرها من التراجعات التي كان تأثيرها مباشراً على أسهم شركات النفط والطاقة بشكل سلبي، ولم يقتصر الأمر على أسعار الأسهم فحسب، بل حدثت تراجعات في قيمة بعض العملات، مثل الروبل الروسي.

وبطبيعة الحال تجاوز التأثير إلى أمور أخرى، إذ تغيرت الاستراتيجيات الاقتصادية للميزانيات المالية للدول المنتجة، بنسب متفاوتة، وباتت حال تلك الدول كحال التاجر عندما تهبط مبيعاته ويلجأ إلى فتح الدفاتر القديمة لعل وعسى! وهنا أقصد انتهاء فترة الوفرة المالية التي أخذت وقتها وأيامها، ورأينا خروج التوصيات بالخصخصة، وعلمنا بقرارات عديدة بوقف الدعم أو تجميد مشاريع تنموية أو ظهور دراسات جدوى لرفع أسعار الوقود والماء والكهرباء في بعض الدول المنتجة للنفط والمتأثرة سلباً بهذه التراجعات الكبيرة للأسعار.

وفي فيينا عاصمة النمسا، والتي تحتضن في أحد أحيائها مقر منظمة الأوبك وهي المنظمة التي تجتمع بها الدول المصدرة للنفط، عقدت في الأسبوع الماضي اجتماعات صعبة بين هذه الدول، وبدلاً من أن تكون المصالح المشتركة عنواناً للاتفاق على طرق محددة تساعد على رفع الأسعار حضرت الخلافات وتناقضات المواقف، فكانت إيران وفنزويلا ضحية لتلك التناقضات!

فقد قادت دول الخليج العربي تلك المنظمة إلى عدم التدخل في الأسعار والإبقاء على الكمية المنتجة حالياً، وهي 30 مليون برميل يومياً وعدم زيادتها، وجدير بالذكر أن الاجتماع الماضي كان تاريخياً بسبب ترؤس وزيرة النفط النيجيرية للاجتماعات كأول امرأه تترأس هذه الاجتماعات، ولم تؤثر هذه الرئيسة على تعديل الأسعار للأعلى، وبطبيعة الحال هي لا تملك وحدها أي تأثير، فللتحالفات أثرها المؤثر في هذه المنظمة.

وأثناء الاجتماعات أطلقت تصريحات عديدة من وزراء النفط المجتمعين، وكانت تصريحات الوزراء الخليجيين تقريباً نفس المعنى، وكذلك كانت التصريحات الشاحبة لوزيري إيران وفنزويلا!

قد يقول قائل إن ما يحدث هو بسبب التأثر بإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وبطبيعة الظروف الحالية، لكن هذا غير واقعي، لأن تأثير النفط الصخري ليس بذاك الحجم، نظراً لتكلفته غير المتكافئة مع إنتاج النفط، بل السبب الرئيسي، حسبما تبين من عدة معطيات، هو سياسي بحت لا علاقة له بالنفط الصخري ولا بالتحاليل الاقتصادية ودعمها ومقاومتها.

الذي يحدث هو خطة واضحة بين عدة دول كبرى وعدد من كبار منتجي النفط، والخطة تتلخص في إرهاق اقتصاد روسيا ومحاربتها اقتصادياً كرد فعل على تدخلاتها في أوكرانيا، وكذلك يرتبط الوضع بالتأثير على الصين التي تعاني ركوداً اقتصادياً، ولا ننس القصد التأثيري على إيران، وأيضا لأسباب سياسية، بسبب تدخلاتها المعروفة في أحداث المنطقة، أي أن الحكاية طبخة تستمد مقاديرها من السياسة والاقتصاد.

والآن وبعد وضوح التعمد في خفض الأسعار، يبقى أن ننتظر تبعات ذلك، من إصدار قرارات داخلية تمس الوضع الاقتصادي لهذه الدول، ومنها إنعاش بعض القرارات التي كانت موءودة إبان أيام الوفرة المالية، وهي فرصة، على أية حال، لهذه الدول التي قد تجد الأعذار الآن لتمرير مثل هذه القرارات.

 وهكذا مضت ليالي فيينا بقرار ترك السوق يعدل نفسه بنفسه، وعدم التدخل فيه، وكما أشرت مسبقاً فهو قرار متعمد ولعبة شد وجذب اقتصادية سياسية بين دول وأخرى.

back to top