الرسّام Arthur K: الثقافة تنمّي الإبداع

نشر في 28-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 28-11-2014 | 00:02
بعد دبي التي غدت مركزاً عربيًّا وعالميًّا للثقافة والفنون، والتي عرض فيها الفنان Arthur K أجمل أعماله، ها هو يتحضّر في مشغله الفسيح ببيروت، للانطلاق مجدّداً في رحلة فنية تحطّ في مدن آسيا ثم تحلّق إلى الولايات المتحدة، وتعود متألقةً إلى بيروت.
وفور عودته من معرضه الخاص الذي أقيم في فندق هيلتون- دبي بعنوان {تموّجات شرقية} (Oriental Waves)، التقيناه في محرابه الذي يضجّ بالألوان وتعبق فيه رائحة الدهان البخورية. وكان بيننا الحديث الآتي:
تعود من دبي وعلى وجهك علامات الرضى، فهل كان معرضك في فندق الهيلتون بالمستوى الذي تأمله؟

كان معرضي الخاص Oriental Waves في فندق الهيلتون أفضل بكثير ممّا كنت أتوقّع من نواح عدّة، فالمسؤولون عن التنظيم كانوا في غاية الدقة من خلال اهتمامهم بأبسط التفاصيل. وقد أفسحوا في المجال لإقامة حوارات مع الحضور مما أحيا المعرض وأضاف إليه طابعاً حميماً بالإضافة إلى طابعه الفنّي.

ما هو الجديد، أو بالأحرى ما هو الاختلاف الذي يميّز هذا المعرض عن المعارض العالمية الأخرى؟

الفخامة في العرض وفي المكان، والدقّة في التنظيم، والخدمة التي كانت متوفرة على أعلى المستويات، وشجّع نجاح هذا المعرض إدارة فندق الهيلتون على التفكير بتخصيص قاعة للمعرض.

هل أضاف هذا المعرض آفاقاً مهنيّة على احترافك كرسّام؟

إنّ الاشتراك في المعارض يفسح في المجال للفنّان كي يعبّر عن نفسه ويعرّف عن فنّه أمام الحضور وأمام النقّاد، مما يساهم في نشر أعماله ويعطيه قسطاً من الطمأنينة والراحة النفسية، أما على الصعيد المهنيّ أو التقني فالإفادة لا تذكر.

ما هي المواضيع التي اعتمدتها في معرضك؟

اعتمدت ثلاثة مواضيع رئيسة، الأول منها انصبّ على البيوت القديمة في بلدات لبنان وقراه، فوشّحت غالبية اللوحات بضربات ذهبية تعبّر عن تلك {الأيام الذهبية} التي عاشها اللبنانيون وعاشها معهم الأشقاء العرب.

والموضوع الثاني هو {صبايا الفيولونسل}، ويرجع هذا الموضوع إلى أيام طفولتي عندما كنت في التاسعة من عمري وكنت أتعلم العزف على هذه الآلة، وهكذا امتزج حبي للفيولونسل مع حبي للمرأة بدون شك فأنجبا هذه اللوحات.

أما الموضوع الثالث فكان الأبجدية الأرمنية التي تشبه بحروفها الهيروغليفية المنبثقة من الأشكال الإنسانية والحيوانية وغيرها فمنحتها ألواناً تبعث الحياة فيها مجدداً.

ماذا على الرسّام أن يفعل لينمّي مهارته الفنيّة؟ وما هي علاقة الثقافة كالمطالعة والموسيقى وغيرها بمهنة الرسم؟

الموهبة أولاً هي من لدن الله، وقد توجّهت إلى الرسم بعدما مارست مهنة الطب سنوات عدّة. لكنّ الموهبة وحدها لا تكفي إذ ينبغي على الرسّام أن يبقى صديقاً لفرشاته ولا يهملها بتاتاً لتنمية قدراته. أما إذا أراد توسيع آفاقه وابتداع أفكار ومواضيع جديدة فعليه مجاراة عصره وتوسيع دائرة معارفه إن بالقراءة أو بالموسيقى أو بالمجلات الثقافية الأخرى، ولسوء حظنا في مجتمعنا العربي الفني أن الكثير من الفنانين في مختلف الحقول لا يعطون الأهمية الكافية للثقافة، فمن أين إذاً ستأتيهم الأفكار الخلاقة؟ وكيف سيتمكنون من تنمية مهاراتهم في الرسم؟

بمَ يختلف أسلوبك عن أسلوب الرسّامين الآخرين؟

أنا لا أقارن أسلوبي بأساليب الآخرين ولا أتقيّد بالأنظمة السائدة في حقول الفنّ. لا أهتمّ بالأشكال المحدّدة ولا يهمني تناسق الألوان أو تباينها. إنني رسّام أنشد الحرية في أعمالي وأطلق الفرشاة في سماء لوحتي بدون قيد أو شرط وأترك قيادتها لمشاعري وأحاسيسي.

من تفضل من الرسّامين العالميين؟

من أفضّله ليس بالضرورة أن يكون أعظم رسّام عالمي، لكنّه ذلك الرسّام الذي أعتبره أيقونة الرسم بالنسبة إليّ. إنّه فان غوغ الذي عاش في القرن التاسع عشر فوهب الفن الانطباعي أبعاداً جديدة وتكلم بلغة فنيّة عميقة المشاعر على الرغم من توترها.

ويأتي بابلو بيكاسو ليتربّع عرش القرن العشرين ويمثّل في فنّه خمسة رسامين في خمس مدارس مختلفة. ومن هو الذي لا يقف خاشعاً أمام لوحة {غيرنيكا} التي تحمل في طيّاتها عذابات الثورة الاسبانية ومآسي حروبها؟

ما هي اللوحات العالمية التي تركت أثراً في نفسك والتي ترغب في مشاهدتها وتأملها من حين إلى آخر؟

أحبّ مشاهدة أعمال رسّامي عصر النهضة، فقد تميز ذلك العصر بإبراز تفاصيل الجسم البشري بأبهى الصور كما فعل ميكال أنج، وتناول المواضيع الدينية كما ابتدعها رفاييل، واستعمال الأسلوب البيزنطي بألوانه الصارخة كما رسم إل غريكو، ولا ننسَ ليوناردو دي فنتشي بلوحته الخالدة الموناليزا.

تُطرح اليوم في المزادات العالمية أرقام خيالية لأسعار لوحات معاصرة، فهل تعتقد أن هذه الأسعار مبالغ فيها أم أنها تستحق هذا الثمن؟

نشأت هذه الظاهرة قبل 50 سنة تقريباً لأهداف لا تتعلق أبداً بالقيمة الفنية للوحة أو للرسام، بل لأهداف تجارية أخرى منها التهرب من الضرائب وتبييض الأموال.

كان تقييم الأعمال الفنية يتمّ سابقاً بالنظر إلى القيمة الفعلية للوحة، وكان النقاد آنذاك ينظرون إلى تلك الأعمال نظرة احترام ومهنية بدون أي تأثير مادي خارجيّ. أما اليوم فقد دخلت إلى الساحة عوامل عدة، وأودّ أن أذكر أنّ بعض من يشترون هذه اللوحات بالمزادات العلنية لا يعرفون عنها شيئاً ولا عن رسّاميها. لكنني أعتقد أن هذا الوضع لن يدوم فقد قررت بعض الدول وضع رسوم على المبالغ التي تدفع من أجل اقتناء اللوحات، فهل من المعقول في أيامنا هذه أن تباع لوحة للممثل مارلون براندو وأخرى للمغني الفيس بريسلي بقيمة 150 مليون دولار أميركي وهو مبلغ يمكنك أن تشتري به ناطحة سحاب في نيويورك؟

حدّثنا عن واقعة فنيّة جرت معك.

كنت في زيارة مدينة فلورنسا الإيطالية، وهي ليست مدينة بل متحف كبير يعتبر مهد النهضة الأوروبية، وفي إحدى الأمسيات دعينا إلى تمضية سهرة في أحد النوادي الليلية، ذهبنا إلى المكان وفوجئت بمظهره الخارجي الذي يدل على أنه صرح ديني، ودخلنا إلى قاعته التي كانت معبداً للصلاة وتحوّلت إلى نادٍ يمرح فيه الراقصون ويشربون. نظرت إلى سقف القاعة فإذا به يتلألأ بالجداريات المرسومة بأصابع فنّاني النهضة، وتأثرت بهذا النقيض الذي يمثّل سموّ الإنسان وخلود أعماله في تلك الفترة من الزمن، وبإنسان اليوم الذي يرتع في ملذاته الزائلة.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أحضّر نفسي لمعارض عدّة فأنا أحبّ التحليق حول العالم. فبعد أن عرضت في سنغابور ومونتي كارلو ولاس فيغاس ودبي هذا العام، سوف أطير إلى نيويورك في مطلع السنة القادمة وأعود بعدها إلى حبيبتي بيروت لأعرض فيها، ولديّ أمنية خاصة أن أدعى يوماً إلى مدينة الكويت التي تكرّم الفن وتحمل راية الثقافة والعلم.

back to top