إلياس الرحباني: المحطات تقاطع الفنّ الأصيل

نشر في 28-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 28-11-2014 | 00:02
No Image Caption
بفضل مقطوعاته الموسيقية أوصل الفنان إلياس الرحباني لبنان إلى اقطار العالم، وباتت أعماله تذاع في كل الاصقاع، سواء في الإعلانات أو شارات الأفلام والمسلسلات وفي المطارات أيضاً. آخر مشاريعه إحياء حفلتين في قطر ودبي وثالثة في البحرين ويخطط لحفلة في الجزائر.
كذلك يطلّ ضيفاً على لجنة تحكيم {ستار أكاديمي} في موسمه الراهن، وهو قدّم أخيراً أغنية {كل يوم عبكرا} مع العارضة ميريام كلينك.
عن أعماله وحفلاته والواقع الفنيّ تحدث الياس الرحباني إلى {الجريدة}.
ماذا تقول لصباح في غيابها؟

صوتها مزيج من صدى أجراس القرى وصدى الوديان. يحمل لون صباح مشمس فوق سهول فسيحة. يسكن في البال، وفي كل مرة نسمعه يعيد لنا صور لبنان النقيّ، انسياب الأنهار الصافية، فرح الأيام الماضية وغناء الفلاحين تحت شمس دافئة.

على وجهها اشراقة التفاؤل والأمل الآتي. مناضلة وحيدة سنين طويلة. تخفي آلامها وراء ضحكةـ تبعث الفرح للآخرين. نبيلة في التعامل، والوقت بالنسبة إليها مقدس، العمل معها متعة، كريمة والكرم حياة ثانية.

عندما تساعد يدها اليمنى لا تعلم يدها اليسرى. إنها شمس الشموس صباح. استمدت تكريمها من الشعب فيما الدولة تتناسى وجودنا. كانت صديقة العائلة، وكنا، زوجتي وأنا، نشعر، حين تغيب عن لبنان، كأنها أخذت الشمس معها. كانت إنسانة كاريسماتية، ضحوكة فرحة لا تظهر حزنها. قدّمت أفلاماً ومسلسلات لمصر ولها من تأليفي 65 أغنية.

لننتقل إلى حفلتك في البحرين، كيف كانت الأجواء؟

ممتازة، على صعيدي الجمهور وكيفية تنظيم المسرح الوطني، بايعاز من وزيرة الثقافة الشيخة مي آل خليفة المشكورة على اهتمامها.

كيف يتفاعل الشعب العربي مع الموسيقى التراثية الأصيلة؟

أتأسف لإهمالي، سابقاً، إحياء حفلات في الدول العربية لانشغالي بالتأليف الموسيقي لصالح شركات إعلان عالمية وللأفلام والمسلسلات. يتذوّق الشعب العربي الفن الأصيل فيما يحاول لبنان، للأسف، تحوير الأمور نحو الاسوأ، رغم أنه كان في الماضي منارة الشرق الفنية، وكان للموسيقى الفضل في إحياء الاقتصاد، وازدهرت المصارف بفضل حركة السياح واهتمام الصحف بالأعمال المسرحية التي أطلقها الأخوان رحباني بناء لطلب الرئيس كميل شمعون.

كيف تقيّم الإصدارات الموسيقية في لبنان راهناً؟

ما أراه عادياً جداً وسخيفاً، مع الإشارة إلى أن الاخوين رحباني قدّما إنتاجات هذّبت اللهجة اللبنانية التي كانت مختلفة بين المناطق اللبنانية، فأصبحت بفضلهما لهجة بيضاء موّحدة، وتأنقّت اللهجة البدوية بصوت فيروز.

راهناً، نشهد في الأغنيات لهجة بقاعية غريبة عنّا. برأيي من حقق أرباحاً مادية لم يعد يهتمّ بالتراث، وثمة محطات وشركات تقاطع الفن التراثي الأصيل مع أنني دعمتها كلها في فترة انطلاقتها من دون مقابل، لكن المعيار راهناً مرتبط بالشكل والإطلالة، فيما كان لبنان في الماضي مركز الإصدارات الفنّية، بفضل الموسيقى وشركات الإنتاج آنذاك، وأقام الفنانون المصريون، على غرار  محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، أشهراً في لبنان للتعاون مع الأخوين رحباني. شخصياً لم أغيّر مساري الفنّي يوماً، ولا تزال الأغاني التي قدّمتها منذ خمسين عاماً ماثلة في ذهن الجمهور من دون أي ترويج إذاعي أو تلفزيوني.

من يتحكّم بالذوق الفنيّ في البلد؟

محطات التلفزة ومنتجو الكليبات البشعة، ففي مقابل كليب واحد جيّد يعرضون عشرين كليباً سيّئاً، وذلك مرتبط بالمردود المادي، فالمموّل الأكبر يحظى بعرض أعماله أكثر من سواه،  مع أن ذلك منافٍ للقانون الذي يفرض على الاذاعات والمحطات عرض 70% من الأعمال باللهجة اللبنانية، إنما لا يلتزم أحد بذلك. طالما أن إذاعة أغنية أو عرض كليب يحتاج إلى تمويل، فأنا غير قادر على إنتاج أعمالي وترويجها.

قدّمت أنواعاً موسيقية عدّة وبلغات مختلفة، أي منها هي الأرقى؟

لكل لغة ميزتها، مع أنني ألحّن بأربع لغات، إلا أن اللغتين الإسبانية والإيطالية أكثر طواعية ونغمتهما خفيفة على السمع.

كيف تقيّم تجربتي «ستار أكاديمي» و{سوبر ستار»؟

برامج إطلاق المواهب متشابهة في غالبيتها، إلا أن «ستار أكاديمي» برنامج من نوع آخر، اذ يرتكز على تعليم المشتركين وتثقيفهم ليتطوّروا فكرياً وفنياً.

ألا تطغى الإطلالة والحضور على مستوى الصوت والأداء في ظل الاستعراضات التي نشهدها؟

أبداً، لا شيء يطغى على مستوى الصوت والأداء.

ما رأيك بوفرة برامج إطلاق المواهب الصوتية ومستوى لجان التحكيم؟

نلاحظ أن معيار اختيار لجنة التحكيم لا يرتكز إلى المستوى الأكاديمي والثقافي، لأن أصوات بعض المشتركين وأداءهم أفضل من مستوى صوت أحد أعضاء اللجان. بينما في «ستار أكاديمي» تتطوّر الأصوات مع تقدّم الحلقات، بفضل توجيهات الأساتذة الأكاديميين الذين لا يغنّون.

ألا ترى أن مبدأ التصويت يظلم بعض المشتركين؟

لا يقتصر الأمر  على التصويت فحسب، فثمة تنوّع في آراء أعضاء لجنة التحكيم، فضلا عن عوامل أخرى تؤثر أيضاً، كرأي الإدارة والجمهور...

ألا تتأسف للمستوى الفني الذي بلغناه؟

طبعاً أتأسف، خصوصاً أن البلد يتراجع بدلا من التقدم والتطوّر، ولعدم قدرتي على تسويق  المقطوعات الموسيقية التي أملكها، وقد بلغ عددها 650،  وتسويق 6500 مقطوعة موسيقية فرنسية.

للأسف لم تكترث الدولة اللبنانية حتى بإبلاغ فرنسا بترؤسي الفرنكوفونية في لبنان، ولم تكترث لتوّقفي عن إصدار أعمال جديدة. وعندما عُرض عليّ عقد عمل في باريس للقيام بجولة موسيقية عالمية، باعتبار أنني مؤلف لموسيقى صافية، شعرت بحنين إلى وطني فرفضت العرض.

قدّمت موسيقى مسلسلات تلفزيونية وأفلام، ما أهمية ذلك؟

تحيي الموسيقى المسلسل أو الفيلم، وتجعله حيّاً في ذهن الجمهور عبر السنين وتساهم في نجاحه.

 

بما تنصح مشتركي برامج الهواة؟

يحتاجون إلى منتج أولا  كي لا يضطروا إلى اللجوء إلى وسائل غير مستحبّة لتحقيق الشهرة، مثلما فعل بعضهم. فضلا عن أن الموهبة وحدها لا تكفي وتحتاج إلى دراسة أكاديمية.

هل ترغب بالتعاون مع أحد من المشتركين؟

عندما قدّم ابني غسان برنامجه، خرّج أصواتاً رائعة إنما لا إنتاج متوافراً للتعاون، وكذلك الأمر راهناً. فضلا عن ذلك، ثمة فنانون متمكنون مادياً يدركون أنهم، مهما كان أداؤهم متدنياً فسيشتهرون بفضل دعمها مادياً في الإذاعات ومحطات التلفزة.

كيف ترد على الانتقادات التي وجهت إليك بسبب تعاونك مع «ميريام كلينك»؟

منذ انطلاقتي لم أضع فيتو على أحد، بل تعاونت مع فنانين من المستويات الصوتية كافة، مقدّماً أغنيات لا تزال حيّة منذ خمسين عاماً، مع أن الاصوات التي أدتها عادية. فإذا كان مستوى صوت الفنان 20% أرفعه إلى 50%، لأنني أنفّذ الأغنيات وفق صوت الشخص وقدراته، مثلما فعلت حين طلبت مني هيفا وهبي أغنية، فألفت لها «بدي عيش». أمّا بالنسبة الى التعاون مع ميريام كلينك، فالموضوع جديد ومهضوم ومستوى صوتها 6/10، فما المانع اذاً؟

يعتبر صاحب الصوت المتواضع تعاونه معك فخراً لمسيرته، ولكن ما الإضافة التي تحققها أنت في هذا التعاون؟

يهمني تقديم عمل جميل بغض النظر عن مستوى الصوت، فعندما تعاونت مع فيريال كريم وأبو سليم حققنا نجاحاً. الأغنية المتكاملة هي الأساس، فإذا كانت جميلة رفعت شأن الفنان وحققت نجاحاً، وإذا كانت بشعة لا يمكن للصوت الجميل أن يرفعها.

تعاونت مع فنانين كبار وآخرين مبتدئين، كيف يتميّز فنان عن آخر؟

في بداية انطلاقتي الفنية، طلب مني وديع الصافي «أغنية على ذوقي» وأرادني أن أغنيها أمامه ليتعلّم منهاجها منّي، وكذلك صباح، عندما طلبت منّي أغنية أرادت أن أعلّمها إياها، لكنّ هذه الأخلاقية في التعاطي مفقودة راهناً، لأن الفنان الحقيقي يعرف كيفية التعامل مع المؤلف الموسيقي ويدرك قيمة هذا الأخير فنياً، فيما أصبح الفنان المبتدئ يسألني» شو عندك بهالجوارير»، وكأنني أبيع سلعاً، بينما يُفترض أن أستمع إلى صوته أولا لأحدد مستواه وما يليق به.

back to top