الأديب أحمد الديباوي: الكتابة انعكاس روح الكاتب

نشر في 24-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 24-11-2014 | 00:02
«الكاهن» شريحة من حكاية الثورة المصرية

تحويل الواقع السياسي المعاصر إلى عمل أدبي ليس بالمهمة السهلة، خصوصاً عندما ينفخ فيه الأديب من روحه الإبداعية كي تتحول الأحداث الأليمة إلى عمل أدبي سلس. الأديب أحمد الديباوي، مؤلف رواية «الكاهن»، أوضح في حواره لـ «الجريدة» أن الكتابة انعكاس للنفس، فهو يعتبرها حالة إنسانية فريدة ينفخ فيها الكاتب من روحه، وأشار إلى أن «الأكثر مبيعاً» جملة سيئة السمعة.
يرى البعض أن الإسقاط على أشخاص معاصرين يقلل من عمق العمل الأدبي، فما هي رؤيتك؟

فعلاً، الإسقاط على أشخاص معاصرين قد يقلل من عُمق العمل الأدبي في نظر النقاد، لكنني لا أقصد النقَّاد بكتاباتي، ولم يدُر في خَلَدي قط أنْ يقيَّم عمل لي من وجهة نظرٍ نقدية، فأكثريةُ النقد في عالمنا العربيّ ترزحُ تحت وطأة المجاملات والعلاقات الاجتماعية وتبادل المصالح، وغير ذلك ممَّا ليس نقداً ولا شبه نقد، وقد قصدت في روايتي «الكاهن» ذلك الأمر، فكثير من شخوص الرواية لا يزالون أحياء بيننا يُرزقون، وكثير منهم قد ملأ حياتنا ضجيجاً بلا طحن. الرواية معاصرة، بكل ما تحمله الكلمة، لأنَّ فكرتها ألحَّت عليَّ وقتاً طويلا فأخرجتها بعدما رسمت الشخوص بصورة خاصة تختلف عن الواقع بعض الشيء، فلم أجعلها جامدة أو باهتة كما هي في حقيقتها، بل نفخت فيها من روح التجديد والفن مع غوصٍ في مكنونها النفسي.

يأتي الإسقاط الواضح في {الكاهن} مغازلاً لأعداء التيار الديني، خصوصاً أنك استخدمت أسماء تشابه الأشخاص الأصليين... هل ترى ذلك؟

لا أرى في روايتي مغازلةً لأي طائفة، خصوصاً أعداء التيار الديني، إن جاز التعبير. تمثِّل روايتي حالة عامة جرَتْ أحداثها في مصر في وقت عسير بين ثورتين جاءتا في ظرف سياسي واجتماعي واحد، ولو أنَّك دققت النظر فيها وأنعمته لتبيّن لك ذلك الأمر، فما {الكاهن} سوى كشف للفساد الديني الذي يشتبك بالفساد السياسي قبل الثورة وبعدها، فالأمر ليس وليد ما بعد 25 يناير بل هو لعب بالدين والسياسة من قبلها كما هو واضح في فصول الرواية الأولى.

 

يبدو للوهلة الأولى أن غلاف الرواية مغاير لمضمونها، هل أردت زيادة الإثارة والتشويق أم ماذا؟

أبدع غلاف الرواية المصور الفنان والكاتب الناجح أحمد مراد، ولقد اخترت الغلاف مع دار النشر بعدما اتفقنا عليه. في اعتقادي أنه ملائم لجوِّ الرواية فهو يمثِّل إنساناً يعطينا ظهره مما يوحي بشيء من الغموض والإبهام، ويظهر ذلك الإنسان وكأنه في أستديو تصوير يستعدّ لتسجيل حلقة تلفزيونية. كلا لم أهدف إلى زيادة الإثارة، فالغلاف، من وجهة نظري، يتّسق مع مضمون الرواية وعنصر التشويق فيه حاضر بعض الشيء.

ماذا تعني جملة {شريحة من حكاية سرية} التي جاءت تحت العنوان؟

{شريحة من حكاية سريَّة} جملة أردت من خلالها تنبيه القارئ وكذا الناقد أنَّ تلك الحكاية ما هي سوى مقطع أو شريحة زمنية في حياة ذلك البطل، الكاهن، الذي يتخذ من الدين مطيَّة لتحقيق أهدافه ومصالحه الذاتية، فما تلك الحكاية التي بين دفّتي الرواية سوى غيضٍ من فيضِ ذلك الرجل الذي لم أتطرَّق إلى حياته في مرحلة الشباب، فلم تمثِّل تلك الحكاية إلا عام من حياته، لذا أنهيت الرواية بتلك العبارة: {انتهت الرواية... ولم تنته الحكاية}.

بماذا كنت تقصد عندما أهديت روايتك لكل من يحيى حقي ونجيب محفوظ وخيري شلبي؟

الثلاثة أساتذتي الذين تعلمت منهم الكثير من دون أن ألتقيهم. تعلَّمت من يحيى حقي الاقتصاد في العبارة ورشاقة التعبير. أما نجيب محفوظ فأمير الرواية العربية بجدارة الذي تعلَّمت منه كلَّ شيء. وخيري شلبي هو الحكَّاء الأعظم الذي تعلَّمت منه الحكي، ودقَّة التصوير وتفصيله، وبراعة المزج بين الفصحى وبين العامية المصرية اللذيذة. إنهم أساتذتي بلا شك.

أصدرت سابقاً {باسوورد.. الرئيس وأنا وبائع المانجا}، هل تريد أن تكون أعمالك كافة معالجة أدبية للأحداث السياسية المعاصرة؟

السياسةُ جزءٌ لا يبرح حياتنا بحال لكننَّي لا أقصد أنْ تكونَ رواياتي معالجة للأحداث السياسية المعاصرة. ألحَّت الفكرة على ذهني فترة طويلة فرغبت في تدوينها بسرعة، وروايتي المقبلة تاريخية بامتياز لكنها تخاطب العصر خلف قناع شفَّاف من التاريخ .

في أي جزء من الرواية توقف الكاتب في داخلك وتحدث الإنسان، خصوصاً أن أحداثها معاصرة؟

حقيقة لا أعرف، لكنني ككاتب لا ينفصل الإنسان عني، فأحمد رمضان الديباوي الكاتب هو أحمد رمضان الديباوي الإنسان. الكتابة انعكاس للنفس لأنها حالة إنسانية فريدة ينفخ فيها الكاتب من روحه.

هل دراستك في جامعة الأزهر هي التي دفعتك إلى رفض ممارسات التيارات المتأسلمة وترصدها من خلال الرواية؟

ربما، فدراستي في الأزهر أثقلت عندي الجانب الأكاديمي للدين، أقصد الجانب البحثي الذي نفتقده في مصر، خصوصاً أنني قد تخرّجت في قسم الفلسفة والعقيدة ودرست تاريخ الملل والنِّحل والأديان، وكذا تاريخ الجماعات المتأسلمة التي تستتر بالدين، لكنني على يقين بأنَّ دراستي في الأزهر ليست هي الدافع الوحيد لذلك.

أصبح بعض الأدباء يهتم بالترويج لكتاباته بشكل مبالغ فيه ويستخدم حيلاً من نوعية {الأعلى مبيعاً}، فهل بات الانتشار بالنسبة إلى البعض أهم من الكتابة ذاتها؟

{الأكثر مبيعاً} ظاهرة أميركية دخيلة على الأدب العربي، فهي تفرض نوعاً من الوصاية على القارئ فتجعله أسيراً ومقلِّداً لذائقة الآخرين، فما هي سوى ظاهرة سيئة السمعة، من وجهة نظري، يحاول من خلالها بعض دور النشر الكبيرة الترويج لكتب بعينها من دون مراعاة لقيمتها الأدبية أو الفنية أو اللغوية، ما دفع بعض الكُتَّاب إلى اللهث خلفها لتحقيق انتشار سريع من دون اعتبار للقيمة الأدبية. أما أنا، فلا أعتني بها فجُلّ اهتمامي بتجويد العمل واتقانه ليستمر، فأنا أكتب لتبقى كلماتي ولا أهتمّ بالأكثر مبيعاً... ولك أن تتخيَّل أنَّ كاتباً بحجم نجيب محفوظ لو كان حيّاً بيننا لما وزَّعت كتبه نصف ما يوزِّع كاتباً من كُتاب القصة البوليسية أو الخيال العلمي أو الرعب.

لاحظ من قرأ الرواية أن هامش التجريب قليل. لماذا؟

فعلاً؛ هامش التجريب محدود في {الكاهن} لكنه موجود؛ فالرواية تجمع بين السيناريو وبين السرد الروائي ليكون القارئ على مسافة من النص تؤهله لاستحضار الصورة في ذهنه كما لو كان يشاهد شريطاً سينمائياً مصوَّراً. كذلك عمدت إلى الاقتصاد في العبارات مع دقة التفصيل، واستخدمت تقنية الفلاش باك، وكذا المنولوج الداخلي، وفوق ذلك كله مزجت بين ضمير الغائب وبين المتكلم، وانتقلت بينهما في ما يُعرَف بالالتفات في الضمير لإضفاء الحيوية والتجديد في النص .

back to top