ما قل ودل: علاقة السلطة القضائية بالتشريعية والتنفيذية تعاون لا تصادم

نشر في 23-11-2014
آخر تحديث 23-11-2014 | 00:01
 المستشار شفيق إمام أقام الدستور في المادة (50) نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، وحظر على أي سلطة من هذه السلطات النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور.

إلا أن الدستور زاد على ذلك بأن خص القضاء باستقلال لا يستمده من مبدأ الفصل بين السلطات فحسب، بل من طبيعة الوظيفة القضائية، وهو ما نصت عليه المادة (163) من أنه "لا سلطان لأى جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحالٍ التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء... إلخ".

ومن هنا فان القضاء يتمتع بنوعين من الاستقلال:

النوع الأول: استقلال مستمد من نظام الفصل بين السلطات.

النوع الثاني: استقلال مستمد من طبيعة الوظيفة القضائية.

والنوع الأول من الاستقلال ليس فصلاً مطلقاً بين السلطات، بل هو فصل لُحمته التعاون بينها، وجوهره أن السلطة تحد السلطة Pouvoir arret le Pouvoir Le، كما يبين مما يلي:

 القانون والقضاء

ولئن كانت الأحكام القضائية هي عنوان الحقيقة، فإن الحقيقة تخرج من رحم القوانين.

ولا نحسب أحداً ينكر أن السلطة التشريعية هي التي تقر القوانين التي تطبقها المحاكم، كما لا نحسب أحداً ينكر أن السلطة التشريعية هي التي تقر القوانين التي تكفل استقلال القضاء، وتبين ضمانات القضاة وأحوال عدم قابليتهم للعزل إعمالاً للمادة 163 من الدستور.

ولا نحسب أحداً ينكر أن السلطة التشريعية هي التي تقر القوانين التي ترتب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وبين وظائفها واختصاصاتها إعمالاً للمادة 164 من الدستور.

ولا نحسب أحداً ينكر أن السلطة التشريعية هي التي تقر قانون الميزانية العامة، وتدخل فيها الاعتمادات المالية الخاصة بالسلطة القضائية.

حدود الرقابة القضائية للتشريع

ولئن كان الأصل في سلطة التشريع التي تملكها الهيئة التشريعية أنها سلطة تقديرية واسعة في تنظيم الحقوق، بالمفاضلة بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر المشرع أنه أنسبها لمصلحة الجماعة بخصوص الموضوع الذي يتناوله التنظيم شريطة أن تتقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، (المحكمة الدستورية في مصر – جلسة 7/3/1992- ق 8 لسنة 8 قضائية دستورية)، إلا أن القضاء يبسط رقابته على دستورية القوانين، طبقاً للمادة (173) من الدستور، وهي رقابة تجد حدها الطبيعي في بحث مدى اتفاق نصوص القانون مع أحكام الدستور، دون الرقابة على ملاءمة التشريع أو ضرورته إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات.

فالمحكمة الدستورية لا تملك إصدار حكم تقويمي على القانون، من حيث ملاءمته، فهي لا تفتش عن بواعثه، ولا تناقش مدى ضرورته أو ملاءمته أو صلاحيته الاجتماعية أو السياسية، المتروك أمره لمطلق تقدير الهيئة التشريعية (الحكم الصادر من المحكمة الدستورية في الكويت- جلسة 14/6/86- ق 38 لسنة 1986).

الحكومة والقضاء

كما لا نحسب أحداً ينكر أن السلطة التنفيذية هي التي تضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، وهي التي تضع لوائح الضبط، وهي التي تلاحق المذنبين وتنفذ الأحكام القضائية، وتشرف على السجون وتقيم أبنية المحاكم وتوفر حراستها، وتكون الحكومة مسؤولة مسؤولية سياسية أمام البرلمان، إن قصرت في أمر من هذه الأمور، أو اختل سير العدالة، وهي المسؤولة أمام الرأي العام، وهي التي تحمل وحدها عبء الدفاع عن قضائها ضد أي اتهامات توجه إليه من منظمات حقوق الإنسان، وهي التي تبرم الاتفاقات القضائية لتسليم المجرمين ولملاحقة المذنبين.

ويباشر وزير العدل الإشراف على القضاء بمقتضى المادة (35) من قانون تنظيم القضاء، إشرافاً يحقق الأهداف المتقدمة، ولا يتعداها إلى التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة، فهذا أمر مؤثم جزائياً، ويعاقب عليه قانون الجزاء.

ويستمد حق وزير العدل في الإشراف على القضاء، من مسؤوليته السياسية أمام مجلس الأمة عن مرفق العدالة ومرفق القضاء، طبقاً للقاعدة التي تقرر أن المسؤولية تكون حين تكون السلطة.

حدود رقابة القضاء للمشروعية

كما استقر القضاء الإداري في رقابته لأعمال السلطة التنفيذية على التحقق من مشروعيتها، أى مدى مطابقتها لأحكام الدستور والقوانين واللوائح دون التدخل في السلطة التقديرية لجهة الإدارة في اتخاذ القرار، وفي ملاءمة إصداره.

وهو ما جسدته محكمة التمييز في قضائها الذي قررت فيه أن الجهة الإدارية تستقل بتقدير مناسبة إصدار القرار الإداري من عدمه بمراعاة ظروفه ووزن الملابسات المحيطة به، طالما أن الباعث عليه ابتغاء المصلحة العامة (محكمة التمييز الطعن رقم 37 لسنة 1992 تجاري – جلسة 27/5/1990)

وإن القضاء في بحثه للوقائع التي بني عليها القرار بقصد التحقق من مطابقته أو عدم مطابقته للقانون يقف عند حد التحقق من الوقائع المادية التي أسس عليها (الطعن رقم 103، 104، 105 لسنة 1986 تجاري- والطعن رقم 15 لسنة 1990 تجاري – والطعن رقم 682 لسنة 1997 تجاري).

استقلال تفرضه طبيعة القضاء

أما النوع الثاني من الاستقلال، المستمد من طبيعة الوظيفة القضائية، فهو استقلال مطلق، لا قِبَل لأحد باختراقه، ويؤثم قانون الجزاء التدخل لدى القضاء ويعاقب عليه، مهما كانت صفة المتدخل أو مكانته.

وللحديث بقيه عن علاقة وزير العدل بالنيابة العامة.

back to top