إليكم مبتكري العصر

نشر في 23-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 23-11-2014 | 00:02
ابتكارات كثيرة من حولنا تدخل في صلب يومياتنا، حتى إن بعضها غيَّر نظرتنا إلى أمور كثيرة وإلى الحياة عموماً، هذه الابتكارات صنعها أشخاص لا يعرف معظمنا عنهم شيئاً، تعرّفوا إلى بعض مبتكري هذا العصر وإلى ابتكاراتهم المميزة والطريق الذي سلكته لتصبح في متناولنا.
سيفرين هاكر: مقاربة جديدة لتعلّم اللغات

في عام 2009، تحصّن كلٌّ من سيفرين هاكر ولويس فون آن في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيغي ميلون، متمعّنين في تحدٍّ بدا مستحيلاً: كيفية ترجمة الصفحات التريليون كافةً على شبكة الإنترنت، والتي هي بمعظمها بالإنكليزية، حتى يتمكّن من يتكلّم لغاتٍ أخرى من فهمها.

لم تعجب الخيارات المتوافرة هاكر، وهو مواطن سويسري كان حينها طالب دكتوراه، ولا فون آن، الذي ترعرع في غواتيمالا وعمل مستشاراً لدى هاكر. لم تنتج صفحات الشبكة التي يترجمها موقع {غوغل ترانسلايت} للترجمة عادةً إلّا الهراء، فيما كانت فكرة توظيف عددٍ كافٍ من المترجمين شبه مستحيلة. ويقول هاكر: {الترجمة مهمة لا يودّ الناس القيام بها. إنّه عملٌ}.

لذا ابتكر هاكر لعبةً من الترجمة، تُعرف باسم DuoLingo، وهو تطبيق يعلّم اللغات الأجنبية مجّاناً لأيّ شخصٍ يحمل هاتفاً ذكياً أو يكون متّصلاً بالإنترنت. وبخلاف معظم صفوف اللغات، الذي يعتمد على التلقين والاستظهار، يوفّر DuoLingo تفاعلاً مستمرّاً. تجيب عن أسئلة متعدّدة الخيارات، وتكمل الجمل عبر كتابة الإجابات وتتمرّن على لفظ الجمل باستخدام الميكروفون. إذا كانت إجابتك خاطئةً، يكشف لك التطبيق عن مكمن الخطأ، وإذا ارتكبت أخطاءً كثيرةً في قسمٍ واحدٍ، ستضطرّ إلى إعادة الكرّة. تتطلّب كلّ حصّة نحو 35 ساعةً لإتمامها وتؤمّن للطالب إجادةً متوسّطة المستوى.

لكنّ العبقرية الحقيقية التي تميّز DuoLingo هي الطريقة التي حلّت المشكلة التي اعترضت هاكر وفون آن بادئ ذي بدءٍ. عندما تصل إلى أعلى مستويات حصّةٍ ما وتترجم الجمل إلى اللغة التي تتعلّمها، يجمع DuoLingo عملك مع ما قدّمه طلّابٌ آخرون. ومن شأن هذا العمل التجميعي أن ينتج ترجماتٍ دقيقةً، فيما تدفع شركات الإعلام مثل Buzzfeed وCNN المال لـDuoLingo، الذي بات الآن شركةً يرأس فيها هاكر قسم التكنولوجيا، مقابل ترجمة أجنبية لصفحاتها باللغة الإنكليزية على الإنترنت.

يوفّر DuoLingo الحصص في 30 لغةً ويضمّ 30 مليون مستخدم. استخدمه هاكر بنفسه أخيراً ليتعلّم اللغة الإسبانية حتى يسافر إلى غواتيمالا ليحضر حفلة زفاف فون آن. وقد جال في المطار، والفندق والمطاعم، وقرأ الجريدة، وقصّ شعره. ويؤكّد: {توازي عشر دقائق من DuoLingo نحو ساعةٍ من الدرس في الصفّ}.

باتريك دويل

سارة كيرني: طريقة جديدة للمؤسسات الخيرية للاستثمار في الطاقة النظيفة

تريد سارة كيرني من المحسنين أن يتصرّفوا كالرأسماليين المغامرين.

أنشأت منظمةً لا تبغي الربح تدعى برايم كواليشين (أي الائتلاف الأساسي) لتساعد المؤسسات الخاصّة على الاستثمار في الشركات الناشئة المتعلّقة بالطاقة. وبما أنّ الاستثمار المغامر في تكنولوجيا الطاقة النظيفة انخفض بشكلٍ كبير في خلال السنوات الأخيرة، يمكن أن تفتح فكرة كيرني الباب أمام مصدرٍ لرأس المال تشتدّ الحاجة إليه ويؤمّنه الداعمون على المدى البعيد.

تبيّن أنّ تكنولوجيات الطاقة الجديدة جذرياً محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى معظم المستثمرين من القطاع الخاص والحكومة أيضاً. لكن قد لا تمانع المؤسسات الخيرية وجود هذه المخاطر، وعليها أن تتخلّى عن قسمٍ صغير من هباتها سنوياً إذا ما أرادت أن تحافظ على حالة الإعفاء من الضرائب. فلمَ لا تخصّص هذه الأموال لتمويل الشركات التي يتمثّل هدفها الأساسي بمحاربة التغيّر المناخي؟

اقتنعت حتى الآن سبع مؤسسات خيرية برؤيتها، ومنحوها المال اللازم لتمويل برايم كواليشين. تأمل لاحقاً تسهيل الصفقات بين المحسنين والشركات الناشئة التي تعمل في مجال الطاقة المتجددة، وتخزين الطاقة والتكنولوجيات المتعلقة بذلك.

ويعتبر إنشاء البنى القانونية والمالية الضرورية عملية طويلةً ومعقّدة، إذ ثمة أيضاً مزالق محتملة. فإذا حصلت شركة ناشئة على المال من مؤسسة خيرية ومستثمرين من القطاع الخاصّ، هل تتعارض المهمة الاجتماعية للمؤسسة الخيرية مع أهداف الرأسماليين الذي يبغون الربح؟ لكنّ كيرني تجيب موضحةً أنّه يجب على المؤسسات الخيرية التي تريد المساعدة في قضية التغيّر المناخي أن تشارك في الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا بطريقةٍ ما. وتضيف: {لن تتبلور أيّ فكرة إن لم يجنِ الناس المال}.

مارتين لامونيكا

مانو براكاش: اختراعات مبتكرة تُنزل العلوم من برجها العاجيّ

مانو براكاش عازمٌ على تقليص كلفة العمل في مجال العلوم. يقول إنّ المنشآت المكلفة تحدّ المعرفة والخبرة وتجعلها حكراً على نخبة متميّزة. لذا ينتج براكاش من مختبره في قسم الهندسة الحيوية في جامعة ستانفورد أدواتٍ تسمح للناس بالغوص في بحر العلوم بكلفة زهيدة.

يتمتّع معظم اختراعات براكاش بصفة سريالية، كمختبر الكيمياء للمائعيات الميكروبية الذي يبلغ سعره خمسة دولارات. وأثناء تبادل الهدايا في إحدى العطل، تلقّت زوجته صندوق موسيقى مزوّداً بمرفقٍ يدوي يعتمد على شريط مخرّم على غرار لفة البيانو ليُخرج النوتات الموسيقية. أدرك براكاش إمكانية هذه الآلية أن تجمع الكواشف الكيماوية بناءً على برنامجٍ محدّد (الشريط المخرّم)، من دون الحاجة إلى الكهرباء (بفضل المرفق اليدوي)، مقابل جزءٍ صغير من الكلفة الاعتيادية. بات الآن يصنع المختبرات الصغيرة من العدم.

ترعرع باركاش في شمال الهند وخاض في مضمار العمل الميداني في أوغندا، وغانا ودولٍ نامية أخرى، وهذا ما منحه نظرةً إلى المشاكل التي قد لا تظهر في معظم المختبرات الأكاديمية المجهّزة على أحسن وجه. أدّت أفكاره المتبصّرة إلى اختراع أجهزة مثل Foldoscope، وهو مجهرٌ للبحث مصنوعٌ من الورق المشرّب بالبلاستيك، لا يزيد سعره عن 55 سنتاً، وOScan، وهي إضافةٌ بطبعةٍ ثلاثية الأبعاد للهاتف الذكي، تساعد على تشخيص السرطانات الفموية المسؤولة عن 40 بالمئة من الوفيات الناتجة من السرطان في الهند. ويؤكّد أنّه يهدف إلى وضع الأدوات العلمية بين يدي أيّ شخصٍ يودّ طرح أيّ سؤال.

تيد غرينوالد

كوك لي: الإحباط في انتظار الكمبيوتر حتى يتعلّم أموراً جديدةً ألهمَت مقاربةً أفضل

لم يرَ كوك لي، الذي ترعرع في فيتنام الريفية، الكهرباء في منزله. لكنّه عاش بالقرب من مكتبة، حيث قرأ بشكلٍ إلزامي عن اختراعات رائعة وحلم بإغناء اللائحة. قرّر في الـ14 من عمره أنّ الإنسانية يمكن أن تحظى بمساعدة عظيمة بفضل آلة ذكية إلى درجة أنّها تكون مخترِعةً في حدّ ذاتها، وهي فكرةٌ لا تزال حلماً. لكنّها وضعت لي على الطريق نحو ابتكار مقاربةٍ للذكاء الاصطناعي يمكن أن تسمح للبرنامج أن يفهم العالم أكثر ممّا يفهمه البشر.

انبثقت هذه التكنولوجيا من الإحباط الذي شعر به لي في الجامعة الوطنية الأسترالية ومن ثمّ بوصفه تلميذ دكتوراه في جامعة ستانفورد عندما اطلع على الحال التي وصل إليها الذكاء الآلي. فغالباً ما احتاج ما يُسمّى ببرنامج تعليم الآلة إلى مساعدةٍ كبيرة من البشر. اضطرّ الناس على سبيل المثال إلى شرح البيانات، عبر تصنيف الصور بين التي تحوي وجوهاً والتي لا تحوي، قبل أن يتمكّن البرنامج من تعلّمها. ثمّ اضطرّوا إلى إخبار البرنامج عن الميزات التي يجب التنبّه إليها في البيانات، كأشكال الأنوف مثلاً. لم يرق هذا النوع من العمل الشاقّ للي. فمع أنّه جذّابٌ اجتماعياً، يبقى غير مساومٍ عندما يتعلّق الأمر بتوقّعاته من الآلات. ويقول ضاحكاً: {أنا شابّ سريعاً ما ينفد غضبه}.

وضع لي أثناء دراسته في جامعة ستانفورد استراتيجية تسمح للبرنامج بتعلّم الأمور بنفسه. كان الأكاديميون قد بدؤوا بتحقيق بعض النتائج الواعدة إنّما الشديدة البطء باستخدام طريقةٍ تُعرف باسم التعليم الكثيف، الذي يستخدم شبكات الخلايا العصبية الصُورية. واكتشف لي إمكان تسريعها إلى حدّ ملحوظٍ، عبر بناء شبكات عصبية صُورية أكبر بمئة ضعف وقادرة على استيعاب بيانات أكثر بمئات آلاف الأضعاف. وكانت هذه المقاربة عملية لدرجة أنّها جذبت اهتمام غوغل، التي وظّفته لاختبارها تحت إرشاد الباحث أندرو نيغ (انظر {عملاق إنترنت صيني يبدأ بالحلم}، صفحة 22).

عندما انتشرت نتائج نيغ علناً في العام 2012، أدّت إلى إطلاق سباقٍ بين فيسبوك، وبين مايكروسوفت وشركاتٍ أخرى للاستثمار بحوث التعليم الكثيف. وكان برنامجه قد تعلّم، من دون أيّ إرشادٍ بشري، كيفية كشف القطط، والناس وأكثر من 3000 غرضٍ آخر بمجرّد إدخال عشرة ملايين صورة من مقاطع الفيديو على يوتيوب. وأثبت ذلك أنّ الآلات قادرة على التعلّم من دون مساعدةٍ بشرية شاقّة، بالإضافة إلى تحقيق مستوياتٍ جديدة في الدقة.

تُستخدم هذه التقنية الآن في محرّك غوغل للبحث عن الصور وبرنامج التعرّف إلى الكلام. وثمة عادةً في المصانع حدودٌ بين الأشخاص والروبوتات. مردّ ذلك في الأصل كان إلى الأمان، إذ كانت الروبوتات غير عملية ولا تتزحزح. وعلى الرغم من أنّها مصمَّمة أكثر وأكثر لتشارك البشر بشكلٍ آمن مساحات العمل، فإنّ الناس ينجزون مجموعةً من الوظائف فيما تنجز الروبوتات مجموعةً أخرى، حتى في ظلّ هذه الإعدادات.

ويضيف لي: {تخيّل لو أنّ الروبوتات قادرة فعلاً على أن تكون شريكةً متعاوناً، تستبق الأمور وتتأقلم مع حاجات زملائها البشر. هذا النوع من الروبوتات كفيلٌ بزيادة الإنتاجية إلى حدٍّ كبير، ويشوّقني هذا الاحتمال للغاية. ليس التفاعل البشري جزءاً من المنهج التقليدي لتدريب اختصّاصيي علم الروبوت. دائماً ما يسعى مجالنا إلى جعل أنظمتنا أكثر استقلاليةً، وتتمتّع بقدراتٍ أعظم وذكاءٍ أهمّ. لكن نميل في مسعانا هذا إلى تجاهل حقيقة أنّ أنظمتنا هذه تعمل وستعمل دائماً في أطُرٍ بشرية}.

ويتابع: {يتركّز العمل في مختبري اليوم على كيفية إنشاء روبوتات ترسم خططاً مرنةً وتعيد النظر في أفضل خطوة لاحقة استناداً إلى الظروف المتغيّرة. إنّها مشكلة صعبة، إذ من بالغ الصعوبة أن نرسم الأشخاص بطريقة يعلمون فيها تحديداً ما الذي سيفعلونه ومتى. ثمة أيضاً تحدٍّ حاسوبي، لأنّ الروبوت يحتاج إلى التفكير في هذه الأفق المستقبلية المحتملة كلّها بسرعةٍ رهيبة (بالطريقة عينها التي يفكّر فيها البشر أيضاً). وعليك أن تجعل الروبوت يتفاعل بطريقة يتقبّلها الإنسان. لكن تظهر التجارب أنّه عندما يعمل الناس مع الروبوتات التكيّفية التي صمّمناها، يمكن إتمام مهامهم بشكلٍ أسرع وبوقتٍ ضائعٍ أقلّ، ويشعرون بأمانٍ وارتياح أكبر}.

ويختم: {المثير للاهتمام في شأن ذلك هو توفّر أدلّة تشير إلى أنّ هذه التقنيات يمكن أن تُترجم إلى عملٍ جماعي أفضل بين البشر والآلات في أيّ محيطٍ تقريباً – بدءاً من التصنيع وصولاً إلى غرف الجراحات والاستخدامات العسكرية. أعتقد أنّ هذه الأفكار المتبصّرة ستُطبّق على أوسع نطاق. فالعمل الجماعي الجيّد هو في نهاية المطاف عملٌ جماعي جيّد}. لكن ما يبعث على السرور في لي هو رؤية أنّ أفكاره تجعل البرامج ذكيةً بما يكفي لتساعد الناس في حياتهم اليومية.

توم سيمونايت

رومي شنارا: يمكن استقاء المعلومات الأساسية في شأن تفشي الأمراض في وقتٍ سابقٍ

المشكلة: لا يمكن الاعتماد على أنظمتنا للكشف عن تفشي الأمراض. ويبرز الكلام عن تفشي الأمراض عادةً عندما يزور المرضى الاختصّاصيين العاملين في مجال الصحة الذين يبلغون عن هذه الحالات للسلطات. وغالباً ما تعجز الأخيرة عن جمع هذه التقارير في الوقت المناسب للحؤول دون إصابة عددٍ مهمٍ من باقي الناس.

الحلّ: تنكبّ رومي شنارا، وهي باحثة في كلية الطبّ في جامعة هارفارد، على وسائل التواصل الاجتماعي ومصادر أخرى على الإنترنت، بحثاً عن معلومات خارج المحيط الطبي.

واكتشفت شنارا في إحدى الدراسات ارتفاعاً في التغريدات المتعلّقة بالكوليرا في هايتي ارتبط بتفشّي الوباء في البلد. وتؤكّد: {هذا أمرٌ مهمّ لأنّه يتطّلب وزارة الصحة في هايتي نحو أسبوعين لجمع بياناتها}. وفي حالات التفشي المستقبلية، يمكن أن تساعد التغريدات المسعفين على الأرض مباشرةً في وقتٍ سابق وأن تحرص على وصول الإمدادات مثل أقراص تنقية المياه إلى حيث تدعو الحاجة.

تعلم شنارا أنّ الكشف الرقمي عن الأمراض ليس بالضرورة أفضل. لاحظ الباحثون على سبيل المثال غياب الدقة في خدمة اتجاهات الإنفلونزا التي تقدّمها شركة غوغل، وهي خدمة تحلّل عمليات البحث على الإنترنت وتقدّر انتشار الإنفلونزا. لكن لا تهدف شنارا إلى الحلّ مكان سلسلة القيادة التقليدية في الصحة العامة، بل تسعى إلى إغنائها بالمزيد من المعلومات.

وكي تتخطّى ما يمكن استقاؤه من وسائل التواصل الاجتماعي، عرضت مكافآت صغيرة على الناس في الهند الذين أجروا مسحاً عن الملاريا، ما فتح الباب أمام معلومات يمكن أن ترشد في نشر أدوات التشخيص والعلاج. وساعدت شنارا في حال الولايات المتّحدة بتطوير موقع Flu Near You، وهو موقع ينشئ خرائط عن الإنفلونزا استناداً إلى معلومات يقدّمها المستخدمون في شأن الأعراض والتشخيصات. شنارا تثبت إذاً أنّك قادرٌ على استقاء بيانات جيّدة حتى من الأشخاص الذين لم يزوروا الطبيب.

back to top