هيلاري مانتل: ما يحدث في بريطانيا اليوم بشع جداً!

• روايتها عن تاتشر تشير جدلاً واسعاً

نشر في 21-11-2014
آخر تحديث 21-11-2014 | 00:02

تحظى روايات هيلاري مانتل التاريخية باهتمام كبير في بريطانيا، إلا أن كثيرين يخشون انتقاداتها للمؤسسة العامة. وفي مقابلة مع «شبيغل»، تؤكد مانتل أن بلدها يعود إلى التقوقع وإلى مواقف كانت سائدة في العصر الفيكتوري.

من الصعب التقليل من شأن هيلاري مانتل. تبدو هذه الكاتبة البريطانية الحائزة جوائز عدة خلال المحادثات هادئة ومهذبة إلى حد الخجل. لكن رواياتها وقصصها القصيرة ومقالاتها تحفل بالملاحظات الحازمة والدقيقة عن المجتمع المحيط بها، فضلاً عن أنها تشتهر بانتقاداتها للمؤسسة البريطانية مع التركيز على القادة السياسيين، وسائل الإعلام، والعائلة المالكة. على سبيل المثال، قالت ذات مرة عن حفلة استقبال أقامتها الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكينغهام قبل بضع سنوات: {مررت ناظريّ عليها كما ينظر آكل لحوم البشر إلى وجبته}.

نُشر عمل مانتل الجديد، مجموعة من القصص القصيرة بعنوان {اغتيال مارغريت تاتشر}، بالألمانية أخيراً. في القصة التي يحمل الكتاب عنوانها، يناقش الراوي وقنَّاص تابع لجيش الجمهورية الأيرلندية ويخططان لمحاولة اغتيال (خيالية) لرئيسة الوزراء حينذاك في ثمانينيات القرن الماضي. صحيح أن مانتل (62 سنة) تُعتبر أحد أكثر الكتّاب شهرة واحتراماً في البلد، غير أن استفزازاتها عادت عليها غالباً بكثير من الانتقادات اللاذعة.

حققت مانتل شهرة كبيرة مع روايتيها Wolf Hall عام 2009 وBring up Bodies عام 2012، وتدور كلتاهما في قصر الملك هنري الثامن. يؤدي دور البطولة توماس كرومويل، ابن حداد يصبح كاتم أسرار الملك وشخصية مهمة في انشقاق إنكلترا في القرن السادس عشر عن الكنيسة الكاثوليكية، مع أن خلافاً لاحقاً يؤدي إلى إعدامه. وكما تذكر مانتل كان كرومويل إستراتيجياً فصيحاً كان الملك يسمع لنصائحه ورجلاً محتالاً إنما محبوباً. أمام عدوه اللدود، فهو توماس مور الذي رسمته الكنيسة الكاثوليكية قديساً لاحقاً. لكن مانتل تصوره رجلاً متزمتاً سيئ الطبع يضطهد البروتستانت، علماً أن هذه كانت حاله الحقيقية على الأرجح.

وصلت مانتل للمشاركة في مقابلتنا عبر الباب الخلفي لمسرح أديلويتش في لندن، وكان برفقتها زوجها جيرالد ماكأوين الذي يتولى إدارة أعمالها. كان هذا المسرح يقدم العروض الأخيرة من Wolf Hall وBring up Bodies اللتين حولتهما مانتل إلى مسرحيتين بالتعاون مع المسرحي مايك بولتون. وفي الربيع التالي، سيبدأ عرض المسرحيتين في برودوي في نيويورك. كذلك من المتوقع أن يُنشر كتابها الأخير المنتظر في ثلاثيتها الشهيرة السنة المقبلة.

لمَ تكرهين مارغريت تاتشر؟

أكرهها؟ لست واثقة من أنني أكرهها. كانت تاتشر أشبه بجدال متنقل. فقد شكلت أداة للتناقضات والمعضلات. كانت أقرب إلى مسرحية بثلاثة فصول. ويدفعني هذا الأمر إلى تقديرها. وبصفتي كاتبة، عندما أحصل على شخصية قيمة إلى هذا الحد يمكنني إضافتها إلى رواية خيالية، يصبح موقفي منها متردداً.

لا يبدو عنوان قصتك القصيرة {اغتيال مارغريت تاتشر} متردداً.

أحاول في قصتي القصيرة هذه أن أعكس الشعور السائد في تلك الحقبة فحسب. وهذا أمر مثير للاهتمام حقاً لأنها بدت منفصلة كإنسانة عن سياساتها. واتضح أن المشكلة كانت ترتبط بطرق عدة بشخصيتها وصفاتها. فأثار هذا استياء الناس وولد مشاعر عنيفة متطرفة. وبما أنني كاتبة روايات خيالية، أردت أن أعرف السبب. وهذا المحور الذي تحاول شخصياتي في القصة تطويره.

أثارت القصة بعض الغضب في بريطانيا، حتى إن Daily Telegraph تراجعت عن طباعتها. كذلك دعا اللورد تيم بيل الشرطة إلى فتح تحقيق. وذكر وزير سابق في عهد تاتشر أن هذه القصة أظهرت أنك {مريضة ومنحرفة}. فهل جرحتك ردود الفعل القوية تلك؟

تسليت كثيراً. كنت مستعدة لرد فعل مماثل، إلا أن دعوة الشرطة للتحقيق فاقت كل ما خططت له أو توقعته لأنها تعرضهم مباشرة للسخرية. لا يجيد هؤلاء الأشخاص مطالعة الأعمال الخيالية، وقد شعروا باستياء مهني. لا أعلم ما إذا كانت ردود الفعل ستبقى على حالها لو أن الكاتب رجل، مثل مارتن أميس أو إيان ماكأوين. لا أحتاج إلى دفاع، لكني أود أن أسألهم: هل تعتقدون أن تاتشر تفادت المواضيع المثيرة للجدل؟ هل تظنون أنها اهتمت كثيراً بالرأي العام؟ هل تعتقدون أنها خشيت أن يكرهها الآخرون؟ يبدو لي أنهم، بوضعهم هذه المرأة القوية في مصاف الأبطال، يشعرون بالإهانة عند الاطلاع على الرأي السائد عن امرأة أخرى.

لمَ قررت الكتابة عن تاتشر في المقام الأول؟

على غرار الراوي في هذه القصة، كنت أعيش في ويندسور في ثمانينيات القرن الماضي. وكانت نافذة غرفة نومي تطل على حدائق المستشفى (التي خضعت فيها تاتشر لجراحة في العين). رأيتها تخرج من المستشفى وتسير ببطء بين صف طويل من الأطباء والممرضين. أتت لتشكرهم كلهم. شاهدت ما حدث بكل وضوح.

أتُعتبر هذه لحظة مناسبة لمحاولة اغتيالها؟

فكرت في الحال: هذا محور قصة. شكلت تاتشر مجموعة من الأساطير، كانت إحداها أنها تحمل بريطانيا في سترتها الواقية. دارت هذه الأساطير حول شخصها، تماماً مثل الأميرة ديانا. ما كانتا كلتاهما تعيان ذلك. كانت تاتشر المرأة الأولى في مركز الحكومة البريطانية، إلا أنها قلَّدت الرجال. وعندما أقول ذلك، يبدو أشبه بدعابة. إلا أنني أعتقد أن مارغريت تاتشر واجهت صعوبة كبيرة في فهم أنوثتها وتقبلها.

هل من الخطر بالنسبة إلى كاتب قصص تاريخية خيالية تناول الحاضر؟

فنياً، تُعتبر تحديات العمل التاريخي الخيالي أكبر. كذلك يبقى احتمال التعرّض لانتقادات الناس كبيراً جداً. على سبيل المثال، أثارت كتبي، وخصوصاً Wolf Hall، استياء مَن ظنوا أنني أبتكر أموراً شريرة عن توماس مور. صحيح أنه قديس ويُصوَّر عادةً كبطل، غير أنني لم أبتكر أي أخبار عنه ولم أضمّن روايتي أي تفاصيل لم تكن مهمة للسرد. لم أختلق فكرة أنه حظر كتب لوثر واضطهد البروتستانت، وأن المهرطقين كانوا يُحرقون على خشبة خلال عهده. اكتفيت بإنزال توماس مور من عليائه. لكن ثمة من لا يحب تشويه صورة بعض الشخصيات العامة.

كيف تعثرين على الشخصيات التي تكتبين عنها؟

أصبّ اهتمامي على أشخاص أتوا من مكان مغمور وصنعوا حظهم بيدهم وكتبوا قصتهم. لا أرغب في الكتابة عن شخصيات ولدت عظيمة ومحظية، مثل هنري الثامن. بدأ توماس كرومويل حياته كغريب نجح في اختراق قلب المؤسسة العامة. لا حاجة إلى أن تكون عالِم نفس ماهراً لتحدد ما أقوم به في رواياتي. أركّز على أشخاص يمكنني التفاعل مع قصتهم وأعرف بعض التفاصيل عن مكنوناتهم. هكذا يعمل الكتّاب. نعثر على أمر في حياتنا الخاصة يشدنا إلى شخصية ما أو ظروف محددة نشعر أننا نألفها جيداً.

منحك كرومويل مواد لثلاثة كتب. ماذا يشدك إليه إلى هذا الحد؟

اخترت الشخص الذي يشكّل حقاً محور الأمور كافة (خلال عهد تيودر)، مع أنه غالباً يصوَّر بطريقة قاتمة. شكّلت كتب كرومويل تبدلاً كبيراً بالنسبة إلي لأنني بهذه الطريقة شغلت مكانة بارزة في التاريخ الإنكليزي. عندما كنت أصغر سناً، اعتبرت نفسي مجرد كاتبة على الهامش في عالم الأدب، حتى إنني ظننت أن ليس من حقي أن أدعي أنني كاتبة إنكليزية. نتيجة لذلك، تمحور كتابي الأول حول الثورة الفرنسية، ومن ثم كتبت عن أيرلندا، فضلاً عن كتاب عن عالِم لندن السفلي الغريب. نجحت بعد ذلك تدريجاً في بلوغ تاريخ التيودر كما لو أنني شخص يعبر متاهة.

في السنوات الأخيرة، شكَّلت أنت أيضاً جزءاً مهماً من النخبة الثقافية في بريطانيا. فهل ما زلت تحتقرين العائلة المالكة بعدما تقرَّبت منها؟

عندما منحتني الملكة إليزابيث وسام تقدير الإمبراطورية البريطانية عام 2006، قصدت قصر باكينغهام وكان المئات حاضرين. رأيت شباناً صغار السن بدوا كما لو أنهم فقسوا لتوهم من البيضة. كان هؤلاء جنوداً أُعطوا أوسمة لأنهم حققوا إنجازات فعلية، فقد خاطروا بحياتهم. كانت لحظة مؤثرة، وشعرت أن على أناس مثلي أن يرحلوا فحسب.

خلال محاضرة قبل بضع سنوات، قارنت العائلة المالكة بدببة الباندا. لذلك اعتبرك البعض في بريطانيا ناكرة الجميل.

لماذا؟ يحبّ الجميع الباندا، حتى إن كثيرين يبذلون جهوداً كبيرة ليبقوا دببة الباندا مرتاحة كي تتكاثر. لم أقترح بالتأكيد ضرورة القضاء على العائلة المالكة أو إعدام الباندا. فضلاً عن ذلك، لا دخل لأوسمة الشرف هذه بالملكة أو العائلة المالكة. تقدّم منظمات تُعنى بالفنون الأسماء لعدد من لجان الإدارة. لا تحددها العائلة المالكة بنفسها، وأظن أنهم لا يأبهون بمن يحصل عليها.

عام 2013، قلت إن الدوقة كايت بابتسامتها المصطنعة {تبدو كما لو أنها مصنوعة بدقة بواسطة آلة}، وإنها {تختلف كثيراً عن ديانا التي تجلى تفردها الإنساني وفيض عواطفها في كل حركة أو عمل منها}. قد يكون هذا صحيحاً. ولكن ألا تعتقدين أنه قاسٍ بعض الشيء؟

صارت الأميرة ديانا في دنيا الآخرة وبمنأى عن أي إساءة. أما دوقة كامبريدج فامرأة شابة ذكية. وكان من الأفضل أن تركّز على مقاطعي الختامية التي طلبت فيها من الصحافة أن تعتبرها كائناً بشرياً لا دمية بلاستيكية من صنعها تتلاعب بها كما يحلو لها. منذ ذلك الحين، شاع خبر حملها، أنجبت، وها هي حامل مجدداً. لا تزال النقاط التي تركّز عليها الصحافة غير لائقة. ومن المؤكد أن كل ما حذَّرت منه يحدث اليوم. لا أعتقد أنهم تعلموا مما حدث مع ديانا. لا يتعاملون معها كإنسان. وأظنّ أن من المبرر أن أسأل الصحافة عمَّا إذا كانت هذه طريقة تصرف منطقية.

رغم ذلك، أعلن رئيس الوزراء بعد ذلك أنك {أسأت الفهم وكنت خاطئة بالكامل}.

هو مَن أساء الفهم لأنه تسرَّع في التعليق على أمر لا يعلم عنه شيئاً. هذا تصرّف غير حكيم.

في شهر يونيو، عُينت {سيدة قائدة في رتبة الإمبراطورية البريطانية}. فهل يعني ذلك أنك صرت جزءاً من المؤسسة العامة؟

لا أظن أن ميدالية تعني أنني صرت جزءاً من المؤسسة العامة. خلال قراءة كتاب في مكتبة قبل نحو عشرين سنة، وصفني أحد بطريقة محقرة، قائلاً إنني {في قلب المؤسسة الأدبية}. صدمني هذا الوصف. لكنني فكرت بعد ذلك أن هذا الوصف يختلف باختلاف نظرتك إليه. فإذا كنت كاتباً مغموراً وتسعى إلى نشر كتبك، ترى عندئذٍ أي كاتب مشهور كجزء من المؤسسة. يشبه لقب {السيدة القائدة} وضع خط على الجدار لترى كم صار طول ولدك، إلا أن هذا الخط لا يجعل الولد ينمو.

هل يدعوك الناس اليوم {السيدة القائدة}؟

الأصدقاء فحسب، الذين يودون أن يسخروا مني. لا شك في أنني كفنانة أعاني صراعاً داخلياً: كيف أحافظ على موقعي كمراقبة؟ أعتقد أن معظم الكتّاب يعتقدون أنهم على الهامش. يكونون عادة الشخص المتكئ على الجدار ويراقب الحفلة. سأبقى دوماً واقفة هناك، حتى لو جعلوني ملكة.

بريطانيا

هل أصبحت المناظرات العامة في بريطانيا سخيفة في العقود الأخيرة؟

لا شك في أن نوعية الحوار العام متدنية. نرى في هذا البلد ميلاً إلى الهجوم. يبدو أن الناس صاروا يهوون انتظار أحد ليدلي برأي لا يعجبهم حتى يعبرون عن رد فعلهم بطريقة عنيفة. يسود البلد مزاج قاسٍ. وأعتقد أن للإنترنت دوراً في ذلك. اعتدت تناول المسائل الملحة في كتاباتي خلال عملي كصحافية، وأدرك أن المحررين يتلقون دوماً رسائل مهينة أو حتى مسيئة جداً. إلا أن الإنترنت سهَّل عملية توجيه الانتقادات هذه.

هل يشعر الناس بالإساءة لأنهم يظنون أن العائلة المالكة تُنتقد؟

لا تقتصر هذه المسألة على العائلة المالكة. ألقي رجل في السجن أخيراً لأنه وجه تهديدات بالاغتصاب ضد امرأة هي عضو في البرلمان نظمت حملة لتضع صورة جاين أوستن على ورقة العشرة جنيهات. لا نعلم حقاً ما يثير استياء أناس كهؤلاء. يكره البعض وجود امرأة في الحياة العامة تتجرأ على رفع الصوت والمطالبة بقضية محقة.

هل الملكية القوة الأخيرة التي تبقي هذا البلد متماسكاً؟

أعتقد أن الجزء الأكبر من الفضل يعود إلى الملكة بحد ذاتها. وُلدت عام 1952، أي بعد سنة من اعتلائها العرش. ولا شك في أن جيلي وكل مَن يصغرني سناً سيشعرون بحزن كبير عندما تموت. في هذا الجو النفسي، تقدّم الملكة الاستمرارية. ولكن كمؤسسة، لا أعتقد أن لها أي أهمية راهناً. يتوقَّع الناس أن أكون جمهوريَّة وأطالب بإزالة الملكية. لكني أعتقد أن أمامنا مسائل أكثر أهمية لنتحدث عنها، وتحتل الملكية مرتبة متدنية بينها.

أمضيت سنوات عدة في الخارج في مطلع مسيرتك المهنية. فما كان تأثير ذلك فيك؟

ظللت مع زوجي خارج البلد بشكل متقطع طوال تسع سنوات. عشنا في بتسوانا وفي جدة في المملكة العربية السعودية. وقد أثَّرت هذه التجربة في تفكيري في المقام الأول. أعتبر الإقامة في جدة في ثمانينيات القرن الماضي تجربة مثقفة جداً. بما أنني امرأة، فلم يُسمح لي بالعمل. مارست بعض أعمال التعليم في منزلي، ولكن كان من المستحيل أن أخرج من المنزل وأعثر على عمل. نتيجة لذلك، اهتز كثير من أفكاري لأنني سمعت بنفسي وجهة نظر مختلفة جداً عن نظرة الإسلام إلى الغرب. واجهت عقيدة مختلفة تماماً. فما نعتبره أمراً مسلماً به هنا لا يُعتبر كذلك هناك. فحرية التعبير التي يؤيدها الغربيون كلهم لا تُعتبر بالضرورية أمراً مرغوباً فيه في العالم الإسلامي، لذلك تختلف القيم كثيراً. ومن المؤكد أن مواجهة هذه الأفكار مباشرة تشكل تجربة قوية.

بما تختلف بريطانيا اليوم عن البلد الذي ولدت فيه؟

وُلدت في عائلة عاملة في قرية قرب مانشستر. بدأت جدتي العمل في الحياكة في مصنع حين كانت في الثانية عشرة من عمرها ووالدتي في الرابعة عشرة. إليك ما كانتا تفعلانه: ما إن تعودا من المدرسة حتى تبدآ بالعمل في المصنع. وعندما كنت صغيرة، كانت المصانع قد بدأت تقفل وحالفني الحظ وحصلت على منحة حكومية لأذهب إلى الجامعة. وفي السنوات التي تلت الحرب، كان الحزبان الكبيران كلاهما، العمال والمحافظون، يتبنيان منحنى وسطياً، معتمدين مساراً ديمقراطياً اجتماعياً، وتُعرف هذه المرحلة بتوافق ما بعد الحرب. ما كان هذا التوافق ليدوم على الأرجح، إلا أننا نعتبر أن ثاتشر قوضته. وبات الذهاب إلى الجامعة اليوم تجربة مكلفة جداً.

يبدو اليوم أن بريطانيا تريد الانسحاب من العالم، كما لو أنها سئمت الحرب، فقدت اهتمامها بالشؤون العالمية، وصارت مهووسة بالهجرة؟

يشكل هذا الأمر عودة إلى القوقعة والمزاج القاسي. عندما يشعر الناس أنهم يتعرضون لسوء معاملة، يصبون جام غضبهم على مَن هم أضعف منهم، مثل المهاجرين. ما نشهده راهناً بشع حقاً. تصوّر الحكومة الفقراء والبائسين كما لو أنهم مختلون أخلاقياً. ويمثل هذا الأمر عودة إلى الحقبة الفيكتورية. حتى في القرن السادس عشر، كان توماس كرومويل يحاول إخبار الناس أن ازدهار الاقتصاد يخلّف ضحايا وأن على الحكومة أن تتخذ خطوات لمساعدة العاطلين عن العمل. حتى في تلك الحقبة، ترى الموجة العامة تنقلب على هذه الفكرة، حتى إن الفقر بات ضعفاً أخلاقياً. ومَن كان يظن أن فكرة مماثلة قد تعاود الانتشار؟ تشكل هذه خرافة كبيرة وسامة بالتأكيد.

هل نشهد اليوم بروز نوع جديد من القومية؟

لست واثقة من أنها قومية بكل معنى الكلمة. لكننا نشهد بالتأكيد التفاتة نحو اليمين في الحكومة. فحزب استقلال المملكة المتحدة الذي يُطالب بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يزداد قوة. وهو بالتأكيد حزب يجذب الناس في حالة الغضب.

من أين ينبع هذا الغضب؟

أصبح أناس كثيرون أكثر فقراً مما كانوا عليه قبل خمس أو ست سنوات. فقد أحدثت سنوات التقشف الأخيرة عقب الأزمة المصرفية فجوة أكبر بين الأغنياء وبين الفقراء. وقد احتاج الناس إلى وقت ليستوعبوا أن هذه الحالة لن تتبدل بعد سنة أو سنتين. من النقل والغاز إلى الكهرباء والإسكان: هذه الأمور كافة التي يحتاج إليها الإنسان صارت أكثر كلفة. في المقابل، لا تزال الأجور منخفضة، في حين أن الحكومة تجمد الإعانات أو حتى تخفضها. في الأحوال التقليدية، يلجأ ناخبو الطبقة العاملة إلى حزب العمال للحصول على علاج. ولكن في الوقت الراهن، لا يشعرون أنهم يستطيعون ذلك. لذلك يسود جو من عدم الرضا.

* كريستوفر شويرمان

back to top