وسائل الإعلام الليبرالية تحمي أوباما

نشر في 31-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 31-10-2014 | 00:02
في مذكراتها الجديدة بعنوان {مقموعة: معركتي في سبيل الحقيقة ضد قوى الظلم والترهيب والمضايقة في واشنطن خلال عهد أوباما} (Stonewalled: My Fight for Truth Against Forces of Obstruction, Intimidation, and Harassment in Obama’s Washington)، تهاجم شاريل أتكينسون زملاءها في نشرة الأخبار بسبب جبنهم وتشجيعهم لإدارة أوباما، كما تكشف عن مظاهر الفساد وسوء الإدارة والكذب الفاضح الذي يشوب الآلية السياسية الراهنة في واشنطن.
شاريل أتكينسون هي امرأة غير منطقية. هذا ما كانت تسمعه من شخصيات مهمة.
حين طلبت هذه المراسلة التي عملت مع قناة «سي بي إس» فترة طويلة تفاصيل عن التعزيزات التي تم إرسالها إلى بنغازي خلال الاعتداء الإرهابي في 11 سبتمبر 2012، أجاب المتحدث بشؤون الأمن القومي في البيت الأبيض تومي فيوتر قائلاً: «أنا أستسلم يا شاريل. أظن أنني سأعمل من الآن فصاعداً مع أشخاص أكثر عقلانية كي يتمكنوا من مواكبة الوضع كما يجب».
لم يحب مسؤول آخر في البيت الأبيض، وهو إيريك شولتز، أن يتعرض للضغوط كي يقدم الأجوبة عن فضيحة استعمال الأسلحة حيث وجه عملاء أميركيون الأسلحة نحو تجار المخدرات المكسيكيين. فصرخ في وجهها: {يا للهول يا شاريل! صحيفة {واشنطن بوست} منطقية و}لوس أنجليس تايمز} منطقية و}نيويورك تايمز} منطقية. أنت وحدك تبدين غير منطقية!}.

وصفها اثنان من أرباب عملها السابقين، وهما المنتجان التنفيذيان لنشرة الأخبار المسائية على قناة {سي بي إس} جيم مورفي وريك كابلان، بكلمة {مسعورة}.

إنه وصف شاريل حين تكون لطيفة.

بما أنها لم تعد تعمل الآن مع قناة {سي بي إس}، أصبح هذا الوصف شائعاً وبدأ ينتشر في أوساط وسائل الإعلام والمسؤولين الحكوميين. نظرة إلى مذكرات أتكينسون الجديدة بعنوان {مقموعة: معركتي في سبيل الحقيقة ضد قوى الظلم والترهيب والمضايقة في واشنطن خلال عهد أوباما}.

حتى تقسيم الأرباح

تعتبر أتكنسون نفسها {لاأدرية على المستوى السياسي}، علماً أنها فازت بجائزة إيمي خمس مرات. تقول إنها تتعقب القصص والأموال بكل بساطة وتنساق وراءها.

خلال 20 سنة تقريباً من العمل في نشرة أخبار {سي بي إس}، أعدّت قصصاً عدة تهاجم فيها الجمهوريين والشركات الأميركية. تعتبر أن النشرات الإخبارية المتلفزة التي تتردد في مهاجمة معلنيها أصبحت أكثر حذراً في نشر القصص التي تشكك في شركات الأدوية أو شركات تصنيع السيارات مثلاً.

كانت تعمل على تقرير يطرح الأسئلة حول الرد الكارثي للصليب الأحمر الأميركي، فقالت إن رب عملها قال لها: {يجب ألا نقوم بأي خطوة من شأنها أن تثير غضب شركائنا في المؤسسات حتى تقسيم الأرباح}.

على صعيد آخر، هي تعتبر أن البرنامج الصباحي على القناة يبث نشرات إعلانية جريئة مثل إعلان مدته ثلاث دقائق لترويج مقبلات مطعم TGI Fridays أو إعلان مدته أربع دقائق لتسويق دوريتوس الذي يباع في سلسلة Taco Bell.

تقول أتكنسون إن المراسلين الميدانيين لا يكونون إيديولوجيين بالضرورة لكن يقرأ فريق صغير من المديرين التنفيذيين في نيويورك الصحف نفسها ويحملون الأفكار عينها وهم من يتخذون القرارات الكبرى في شأن نشرة الأخبار التي تعرضها الشبكة.

غالباً ما يبتكرون القصص مسبقاً ويحولون المراسلين إلى {عملاء مقَوْلبين} فيخبرونهم بأنهم يحتاجون إلى إيجاد شخص يقول {إن سياسة معينة جيدة أو سيئة. يُطلَب منا أن نبتكر واقعاً يتماشى مع تصورهم لمدينة نيويورك وما يؤمنون به}.

أعدّت أتكينسون تقارير عن شركات الطاقة الخضراء مثل {سوليندرا} التي فشلت بعد إهدار مئات الملايين على منشورات في واشنطن، وقد واجهت صعوبة متزايدة لبث قصصها على الهواء. أخبرها زميلها عن الإجراء المتّبع. قال المدير التنفيذي لنشرة الأخبار: {القصص مهمة جداً. ربما يجب أن نبث جزءاً منها في نشرة الأخبار المسائية؟}. لكن أجاب مُعِدّ البرامج بات شيفلين: {ما الخطب؟ ألا تدعم الطاقة الخضراء؟}.

تقول أتكينسون: {الأمر أشبه بأن نقول إننا ضد الأدوية إذا اعتبرنا شركات الأدوية مخادعة}.

بسبب تقرير أعدته عن طريقة توفير الدعم الحكومي لشركة كورية للطاقة الخضراء (تم إرسال دولارات الضرائب إلى كوريا!)، شعر أرباب عملها بالحماسة في البداية ثم مُنع بث التقرير على الهواء ودُفن في موقع {سي بي إس} الإخباري. أخبرتها المنتجة لورا ستريكلر بأن شيفلن {لم يحبذ الموضوع من أساسه}.

أصدقاء مرموقون

حين أبدى البيت الأبيض عدم تأييده لتقاريرها، اتضح لها محور النفوذ الحقيقي. أرسل وكيل إعلامي رسالة إلكترونية نارية إلى رب عملها ديفيد رودز، رئيس قسم الأخبار في القناة، وإلى شقيق رودز، بن، وهو مستشار بارز في مجال الأمن القومي للرئيس أوباما.

نجحت الإدارة، بتعاون تام مع وسائل الإعلام، في تحويل {بنغازي} إلى كلمة مرتبطة بالجنون، لكن تذكر أتكينسون أن {معظم المعلومات المسيئة يأتي من مصادر إدارة أوباما الداخلية، وتحديداً من وثائق الحكومة، ومن مصادر كل من شعر بالسخط من سلوك حكومته بسبب ما اعتبروه تغطية للحقيقة}.

صحيح أن وسائل الإعلام البارزة لا تستطيع أن تذكر فضيحة الأسلحة من دون التذمر، لكن تشير أتكينسون إلى أن هذه القصة أدت إلى استقالة محامٍ أميركي ورئيس {مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات} ودفعت الرئيس الأميركي للمرة الأولى إلى إعطاء {امتياز تنفيذي} لكبح تدفق المعلومات المسيئة.

تقول أتكينسون التي تلقت جائزتَي إيمي وإدوارد مورو بعد جهودها الحثيثة لتغطية هذه القصة إنها أثارت حفيظة القناة حين ظهرت في برنامج لورا إنغراهام الإذاعي وذكرت أن المسؤولين في إدارة أوباما استدعوها للصراخ في وجهها حين كانت تعمل على هذه القصة.

اتصل مدير تنفيذي غاضب في القناة بأتكينسون ليخبرها بأن إنغراهام {يمينية إلى أقصى الحدود} وأن أتكينسون يجب ألا تظهر في برنامجها بعد الآن. صُدمت أتكينسون وذكرت أن أحداً لا يمنع مراسلي قناة {سي بي إس} من الظهور في البرامج اليسارية على قناة MSNBC.

كانت تجمع الأدلة التي تربط بين فضيحة الأسلحة (وهي شملت كماً كبيراً من الأسلحة لدرجة أن المسؤولين في {مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات} شعروا بالقلق من أن يكون السلاح المستعمل في توكسون لإطلاق النار على عضوة الكونغرس غابرييل جيفوردز أحد تلك الأسلحة) وشبكة موسعة من القضايا حين تلقت رسالة إلكترونية من كاتي كوريك كي تعرف إذا كانت توافق على أن تجري كوريك مقابلة مع إيريك هولدر الذي تعرفه كوريك اجتماعياً للتحدث عن الفضيحة. فأجابت أتكينسون بالإيجاب طبعاً.

لم يتم بث أي مقابلة مع هولدر. لكن {بعد تبادل تلك الرسائل في نهاية الأسبوع، تغير كل شيء في العمل. بدأت النشرة المسائية تحذف تقاريرها في شأن الفضيحة، وقال أحد المنتجين لأتكينسون: {لقد حضّرتِ تقارير عن كل شيء. لم يبق شيء لتقوليه}.

هكذا بدأ القراء يتساءلون عما إذا كان هولدر أخبر كوريك بضرورة التخلي عن القصة.

سيضحّون بك

تبين أن تجاهل أتكينسون أساء إلى قناة {سي بي إس} على مستويات عدة. حين جاء إليها منتج بارز لم تحدد هويته في عام 2004 ليتذمر من الوثائق التي تشير إلى أن الرئيس جورج بوش أخفق في واجباته خلال حرب فيتنام، ألقت نظرة على الوثائق وقالت: {بدا وكأن ابنتي طبعتها على الحاسوب في الأمس}.

حين طُلب منها أن تتابع القصة في شأن الوثائق، رفضت فوراً وذكرت البند الأخلاقي في عقدها: {وإذا أجبرتموني على ذلك، سأضطر إلى الاتصال بمحامٍ}. لم يكلمها أحد بعد ذلك في شأن إعداد التقارير عن الوثائق التي تبين أنها غير قابلة للإثبات ومزيفة على الأرجح.

بعدما بث بيلي وشيفلن تقريراً عن عدم صحة التقارير المشبوهة التي أعدّتها أتكينسون (وجوناثان كارل من قناة {إي بي سي}) في شأن تشويه الإدارة مراجعها حول الإرهاب بعد أحداث بنغازي (وقد قامت بذلك من دون أن تذكر أنّ كاتب بعض النقاط، أي بن رودز، كان شقيق رئيس القناة)، تقول أتكينسون إن زميلاً لها أخبرها بأن القناة ستبيعها: {هم سيضحون بسمعتك بكل سرور لأجل إنقاذ سمعتهم. إذا لم تدافعي عن نفسك، لا أحد سيفعل}.

بعد قراءة الكتاب، لن يشكك أحد بمن يتمتع بمصداقية أكبر: قناة {سي بي إس} أم أتكينسون!

دعونا لا نبالغ

تحدثت أتكنسون بكل دهاء عما تسميه {لعبة التبديل}: تحب أن تتخيل طريقة التعامل مع قصة عن الإدارة الراهنة لو أنها تجعل الجمهوريين يظهرون بصورة سيئة.

في مجال الطاقة الخضراء مثلاً: {تخيلوا سيناريو موازياً حيث يشارك الرئيس بوش ونائب الرئيس ديك تشيني شخصياً في مشاريع مهمة ويستعملان مليارات الدولارات من الضرائب لتوفير الدعم لمشاريع تقوم بها شركات عملاقة متعددة حيث يكون المستثمرون أحياناً من أبرز المساهمين في الحملة، قبل أن تفلس تلك الشركات حين تعلم مسبقاً بأن معدلات الائتمان فيها كانت سيئة}.

تابعت أتكينسون تقاريرها الشائكة خلال مرحلة إطلاق برنامج {أوباماكير}: كانت المراسلة التي جذبت انتباه الرأي العام إلى العدد الصغير والسخيف (ستة) الذي استفاد من البرنامج في اليوم الأول.

كتبت أتكينسون: {يتصارع الكثيرون في مجال الإعلام مع أرواحهم. يعلمون أن برنامج أوباماكير في مأزق حقيقي، لكنهم يجدون صعوبة في التحدث عن الموضوع. يشعر البعض بالقلق من أن تؤذي التغطية الإخبارية هذه القضية التي يؤمنون بها شخصياً. يتوقون إلى التخلي عن الأدلة الموثقة والسلبية تزامناً مع تبني تفسيرات إدارة أوباما المتبدلة وغير المثبتة بشكل حاسم أحياناً}.

كان أحد أرباب عملها يتبع قاعدة مفادها أن المحللين المحافظين يجب أن يبقوا دوماً محافظين، بينما يبقى المحللون الليبراليون مجرد {محللين}. تقول أتكينسون: {وإذا تبين أن رأي أحد المحللين المحافظين لا يروق للمشرفة على البرنامج، قد تعيد هذه الأخيرة صياغة السيناريو لتصنيفه كمحلل {يميني}.

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في منتصف أكتوبر 2012، تقول أتكينسون إن قناة {سي بي إس} فقدت اهتمامها فجأةً ببث تقاريرها حول اعتداءات بنغازي. فكتبت: {تلاشى الاهتمام فجأةً. اعتباراً من تلك المرحلة، لم يعد معظم تقاريري عن بنغازي يُعرَض على التلفاز بل على الإنترنت}.

بحسب قولها، انتشر تعبيران شائعان في نشرات الأخبار على القناة وهما {التقدمية} و}المبالغة}. عبارتان مشفرتان وتعنيان {تقديم الأعذار للقصص التي لا يريدون عرضها، مع أننا كنا نلحظ أن تطورات القصص التي يفضلونها كانت تُعرَض بأدق التفاصيل}.

وكـأنهم أرادوا أن يقولوا: يا شباب، ها قد وجدنا أميركيَّين إضافيين يؤيدان برنامج {أوباماكير}. لنقم بتقرير طويل عن الموضوع!

تحقيقات ممنوعة

غادرت أتكينسون قناة {سي بي إس} الإخبارية وهي تشعر بالإحباط في وقت سابق من هذه السنة. تذكر في الكتاب أنها لم تعد تهتم بالتقارير الاستقصائية التي تُعرَض في النشرة المسائية مع المذيع الجديد سكوت بيلي والمنتج التنفيذي الجديد شيفلين.

تذكر أن البرنامج الذي كان يعطيها كامل الحرية حين كان من تقديم دان راثر وكاتي كوريك وبوب شيفر بات يرفض التقارير الحقيقية وقد طلب الصحافي الاستقصائي أرمين كيتيان ومنتجه كيث سوما عدم تخصيص الميزانية لها ضمن البرنامج (كي يتمكنوا من نقل بعض القصص إلى برامج إخبارية أخرى على القناة)، لكن عاد سوما وغادر الشبكة نهائياً.

حين قامت أتكينسون بمقابلة حصرية أمام عدسة الكاميرا مع ناكولا باسلي ناكولا، لامت هذه المخرجة التي تعرض أعمالها على موقع يوتيوب هيلاري كلينتون على اعتداءات بنغازي، فاعترض رئيس قسم الأخبار في قناة {سي بي إس}، رودز، على هذه الفكرة قائلاً: {إنها أخبار قديمة، أليس كذلك؟}.

أصبحت الأجواء السياسية مخادعة أيضاً، فقامت أتكينسون بما ظنت أنها تغطية سهلة لقصة احتيال تتعلق بوجبات الغداء المدرسية وقد قبلها البرنامج الصباحي على {قناة سي بي إس} بكل حماسة وأراد عرضها على الهواء، لكن سرعان ما تلاشى الدعم فجأةً ولم نعلم ما اعتبروه شائباً من الناحية السياسية في هذه القصة}.

لم تكن القصة تتعلق بميشيل أوباما، لكن اكتشفت أتكينسون أن الرابط بين السيدة الأولى ووجبات الغداء المدرسية و/أو صداقتها مع مذيعة البرنامج الصباحي غايل كينغ ربما أثر على قرار المديرين التنفيذيين الذين أخبروها بأن قصتها {لم تكن مثيرة للاهتمام بالنسبة إلى الجمهور}.

حُذفت قصة حول النفايات في وزارة الإسكان وتطوير المدن تم التخطيط لها لنشرة نهاية الأسبوع، وقد تحولت إلى {قصة غير قابلة للنشر} قبل البث: قام مدير تنفيذي لم تحدد هويته، وهو {المسؤول الثاني} بعد شيفلين، بالرد وكأن القصة أساءت إلى صديقه المفضل. وكأن صديقه المفضل يتمثل بالحكومة الفدرالية. فأردف قائلاً: {إنه خطأ جميع الولايات!}.

صحيح أن أحداً لم يواجهها مباشرةً، لكنها بدأت {حملة الهمس}: {إذا عرضتُ قصة عن أي جدل مشروع يتعلق بالحكومة، بدل اعتباري صحافية بارعة، كنت أُعتبَر من معارضي أوباما}.

لكن كانت أتكينسون هي التي فضحت القصة عن أن إدارة بوش أطلقت برنامجاً يشبه فضيحة الأسلحة واسمه {المتلقي العريض}. قدمت عشرات القصص العميقة حول بوش وتعامله مع إدارة الغذاء والدواء وبرنامج {تارب} ومتعاقدين مثل هاليبرتون. حتى إنها شجعت على تحضير تقرير من سبع دقائق حول {برنامج راتشيل مادو} وأجرت تقريراً عن الأعمال الخيرية المشبوهة لعضو الكونغرس الجمهوري ستيفن باير.

أتكينسون هي مخبِرة بالفطرة، لكن فقدت القناة الاهتمام بالضجة التي كانت تحدثها.

back to top