من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 5)

نشر في 30-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 30-10-2014 | 00:02
من دمشق إلى حائل على ظهور الإبل
في 16 ديسمبر 1913، انطلقت رحلة غيرترود بيل من دمشق، ميممة حائل بقافلة مكونة من 17 بعيراً محملة بالمؤن والخيام، وثلاثة جمّالين، وطباخ، ومرشد، وقد تلقت تحذيرات عن المخاطر المحتملة، وبالرغم من أخذها الحيطة والحذر في ترحالها، فإن المخاطر واكبت رحلتها: حين هاجم قافلتها بعض الفرسان وسلبوا أسلحتها وذخيرتها عنوة، وانتظرت أسبوعاً حتى أعاد أحد شيوخهم ما سُلب، ثم اعترض طريقها مسؤول عثماني لمنعها من السفر؛ وبعد 10 أيام من المفاوضات المضنية، تمكنت من إقناعه بالسماح لها بالسفر. وعند مرورها بأراضي إحدى القبائل اعترض طريقها شيخ تلك القبيلة، ولم يسمح لها بالمرور، بحجة أنها "نصرانية"، واقترح سراً على رجال قافلتها قتلها وتقاسم حاجاتها، وفي حائل ظلت غيرترود بيل حبيسة في قصر برزان قرابة 11 يوماً، وقد سجلت معاناتها في يومياتها يوماً يوماً.

وكانت، مع كل تلك المصاعب، مفعمة بالحيوية والحماسة، وقد شدها جمال الطبيعة في صحراء النفود، وكثيراً ما اعتقدت أنها دخلت إلى كوكب آخر، وأنها تعيش أجواء "ألف ليلة وليلة" الحقيقية.  وتستعرض بيل في ما يلي يومياتها من 28 يناير 1914 إلى 1 فبراير من العام نفسه.

الأربعاء 28 يناير1914

أود أن أؤكد معلومة مهمة وهي أن الخصلة الملحة والمطلوبة عند السفر بين العرب ليست (كما يعتقد البعض خطأً) هي الشجاعة بل الصبر، وجدير بالذكر أن الطبيعة لم تهبني هذه الخصلة، فإن صبري سرعان ما ينفد، ولكن ربما تمنحني هذه الرحلة الفرصة عن كيفية ممارسة هذه الخصلة، لكنني أخشى ألا تتاح لي فرصة لممارستها.

كنت أنوي اليوم التوجه جنوبا لزيارة ابن جازي، ولكن حرب الدراوشة وشقيقيه عواد وعودة قالوا لي: إن ابن جازي قد رحل غربا ورحل معه الحويطات عن ديرتهم، ونسمع أن ابن جازي في الطور.

 وأصبحت الصحراء خالية وهدفاً لغزوات كل من: هتيم، والفقرا، وبني عطية، وحرب، والعواجية (من ولد سليمان من عنزة) وغيرهم. ولا أعرف مَنْ منهم بالقرب منا ليغزونا، وبينما كنا مجتمعين في خيمة الرجال حذروني من أن أسلك الطريق الجنوبي لأنه محفوف بالمخاطر، قال حرب: «وحياة هذا الفجر»، أنصحك أن تسلكي طريق وادي السرحان.

على أي حال هم نصحوني بقوة بعدم اتخاذ هذا الطريق؛ بل يجب أن نذهب إلى الشرق إلى وادي السرحان ثم جنوبا كما كانت رغبتي، وإذا وافقت على ذلك فسيكون عواد شقيق حرب مرتاحا، حيث أسلك طريقا آمنا. وعلاوة على ذلك كان رجالي كلهم خائفين من الطريق الجنوبي دون استثناء، حتى علي الذي لا ينزعج بسهولة. وعليه لن أتجاهل هذه النصيحة ولا أستطيع أن أفعل شيئا إلا أن أوافقهم الرأي وإلا فسيعد هذا ضرباً من الجنون، ولاسيما أن الطريق من هنا إلى وادي سرحان ليس لدي خرائط له، علاوة على ذلك، يجب أن أرى بارتياح التقدم في إنجاز سكة حديد الحجاز والى أين وصلت، وعلى الرغم من أن تيماء تشكل خطورة لوجودها بالقرب منها، وكما أشار علي وكيل بن رشيد إذا وجدتُ صعوبة في الصمود أثناء رحلتي فمن السهل جداً أن يصبح ركوب القطار إلى دمشق أفضل من ركوب الجمال.

 سيرافقنا عواد، ولكن بعيره غير جاهز اليوم، وبما أننا سنغادر غدا فلابد من ملء قربنا بالماء هذه الليلة، إذن عندما نذهب شرقا مع عواد غدا نكون قد «قصرنا يوما اخر هنا»... ثمة ثرثرة بأن ابن رشيد، سيسلمني للدولة حال وصولي إلى تيماء، لكن هذه الأخبار غير مؤكدة.

 صعدت أحد التلال الحجرية بعد ظهر هذا اليوم، وتجولت بنفسي على طول ممر صخري مرتفع حيث اكتشفت من بين الصخور ربيع الصحراء: الأرض ترتدي حلة قشيبة من الزهور تتباين ألوانها ما بين الأبيض، والأحمر، والأرجواني، حتى الأشواك بيضاء مغطاة بالأخضر... الناس هنا فقراء لكنهم كمن يملك أغلى الكنوز.

عبارة حرب المفضلة: «لا أبو قليلٍ هَلَكْ ولا أبو كَثِيرٍ مَلَك“، الآن أشهد انتصار القمر الجديد على غروب الشمس، القمر في ليلته الثالثة- بدا الليلة الماضية ضئيلا جدا غاب بسرعة- وسأصطحب النجوم في الحال لتضيء مائدة طعام عشائي.

 وقفت مع سالم وهو يرفع يديه إلى السماء قائلا: «الحمد لله» الذي ما خلقنا بدوا، وأيده فتوح، وقال: من الذي خلق الأتراك؟! قال: «الله».

قلت لهم سنتجه إلى وادي السرحان إلى «جهنم»؟ قال محمد إنه يستطيع قراءة الحظ من خلال الضرب على الرمال، وقام بشرح لكيفية قراءة الحظ.

الخميس 29 يناير 1914

شرعنا في الرحيل بصحبة عواد شقيق الشيخ حرب الدراوشة، وأثناء مسيرتنا رأينا بيوت شعر للشرارات وقطعان إبلهم، توقفنا لتناول القهوة في بيت شعر كبير وهو بيت عوده أبو تايه وقيل لنا إنه كالعادة خرج لغزو شمر. التقطت صورا لشقيقته علياء، وزوجتيه الشمريتين، وقيل إن أحد شيوخ شمر تشاجر مع ابن رشيد، ولجأ إلى مضارب الحويطات وأصبح جارا لعودة أبو تايه ثم شاركه في غزواته على نجد، وبالتالي فهذه الزيجات غير عادية. إن لدى عودة زوجة من الحويطات وأخرى من الرولة. (تزوج حرب مؤخرا من فتاة صغيرة وقد التقطت لها صورة مع ابنه قاسم من زوجته الأولى وقال لي قاسم: «هذي عمتي»).

قيل لنا إن الرولة يقطنون وادي السرحان، وإن عواد لا يستطيع الذهاب إلى هناك لأنهم سيقتلونه، وكان قد سبق أن قال لنا إنه لا يستطيع الذهاب إلى الجوف. أرسلنا عواد إلى بيت محمد وطلبنا منه البحث عن مرافق شراري يجلبه دون تأخير، وعاد محمد، وعواد، وعودة، وحجاج (الذي قد التقطت له صورة في بيت شعر عودة أبو تايه الكبير). لقد أحضروا لي جلد نعامة وخروفا وسيتناولون العشاء معنا وينامون في خيامنا. انضم إلينا الرفيق الشراري، سمعت أن هناك آثارا بالقرب من خبراء «كِلْوَة»، وقررت على مضض مشاهدتها.

قال محمد: «يا مستمعين» إنني أؤدي واجبا حكوميا حيث أجمع الضريبة للحكومة «ميري» نصف مجيدي، وأضاف: «انا شيخ دولة». هناك شيخ دولة آخر هو ابن جازي، عندما يحدث خلاف بين الحكومة والحويطي يذهب إلى مصر. أثناء الحرب حاول محمد الذهاب إلى مصر لكن الحكومة لم تسمح له.

الجمعة 30 يناير 1914

شددنا رحالنا إلى مضرب محمد أبو تايه ونزلنا بالقرب منه، يا له من منظر جميل جدا! وأنت ترى بيوت الشعر والإبل متناثرة في الوادي في أرض بكر ترعى بها قطعان كثيرة من إبل الشرارات، والشرارات ليست لهم ديرة محددة، وهم خصوم للحويطات، وبني صخر، وبني عطية، يقطنون في فصل الصيف حول الآبار على تخوم النفود، في المجهرية وفجر. قال محمد أبو تايه: «إننا نعيش مثل الحيوانات البرية».

يقوم بحراسة طريق الحج كل من: الحويطات من الكرك إلى تبوك، وبنو صخر في الشمال، وحرب في الجنوب. وقالت هيلة إحدى زوجات محمد: «لا نستريح ساعة». إنها في بؤس وحالة يرثى لها، وفي بيت شعر محمد هناك غزال المها مربوط، منظر جميل للرجال وهم يتحلقون حول موقد نار القهوة وتصطف حوله دلال القهوة الكبيرة، غمغم رجل عجوز قائلا: «الله يا الدنيا!». وجاء رجال من الشرارات وقُدّمتْ لهم القهوة، وأخيرا جاء عم محمد وهو طاعن في السن، وقال إن الجد الأول لكل الحويطات أحد أشراف مكة، تم ارساله عندما كان طفلا إلى العقبة، تزوج هناك وأصبح هو أب الجميع.

 لا يُقْدِمون على بيع بعير من إبلهم أبدا، المال للميري كانوا يكسبونه من خلال العمل في الأماكن المزروعة في زيزيا- أو الجيزة كما ينطقونها- والكرك، وبطّـل [تخلّى عن] محمد الغزو منذ سجنه في دمشق الشام، يقول محمد: «شِفْتْ الموت وْبطّـلْت».

واحتج سعود – القهوجي- بسخط قائلا: «لا، وحياتك وحياة الله»، كانوا يؤمنون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، واعترف بأن الصخور [بني صخر] عندما جاؤوا في وادي باير ذبحوا أضحية، لكن «الضّحيّة»– كما قال سعود- لم تكن للرجل الميت بل لله الذي يحميهم من الشرور، وأضاف: «يا حجاج مساك الله بالخير، سَمّعْنا ما عندك!»، وقام حجاج بغناء قصيدة على الربابة.

ثم قص علينا محمد حكاية محمد بن رشيد وقتله أقاربه حيث قتل اثنين وألقى بهما في بئر، وقال: «أشُبّ النار»؟ قال الأول: اي بالله يا شيخ محمد. وجرت العادة أنه بعد صلاة الجمعة يقوم الأمير باستقبال جميع الناس، يجلسون في أربعة صفوف أمامه، وكان حمود يجلس دائما على المنصة بجانب محمد الرشيد، قال حجاج الذي يعرف حائل «أنا أشهد بالله».

 التفت محمد نحوي قائلا: إنه وعلى مدى أربع سنوات من ارتقائه سدة الإمارة كان محمد يذهب ليلا عبر شوارع حائل مصطحبا اثنين من العبيد، وكان الأخيران يتسلقان جدران البيوت للاقتراب من نوافذها، يسترقان السمع لما يقال. وأضاف «وإذا سمع مثلا محمد الضلعاني أو محمد المعراوي أو الست [يقصد غيرترود بيل] تتحدث ضده، يقوم صباح اليوم التالي إما بسجنه أو قطع رقبته».

مشهد رائع داخل خيمة محمد، حيث النار المتوهجة محاطة بحلقة من الحجارة، وخارجها هناك صخرتان كبيرتان تدعمان الخيمة لتثبيتها كأنهما معا تمثال منحوت، ودلال القهوة الكبيرة والناس يجلسون حولها، وصبية صغار ما بين الست أو السبع سنوات من العمر جالسون بوقار مثل الرجال البالغين، وزار خيامنا أحد الصبية ليلة البارحة ممتطيا صهوة مهرة جامحة، ورأيت صبيا صغيرا ممتطيا ظهر جمل قابعا خلف سنامه، وعندما يركب الصبي الصغير الفرس يتصرف كرجل بالغ.

يجلس بجانبي محمد، وهو ذو جسم ضخم، بثوبه الأبيض وكوفيته [شماغه] بحاجبيه السوداوين، يسحب نفسا قويا من الشيشة بين شفتيه الكبيرتين، أحضر العبد عباءة فرو [فروة] ذات أكمام طويلة ووضعها على كتفيه، وفي الخارج هناك فرس مربوطة بحبل طويل، وعندما عادت الإبل من الفلاة إلى المضرب أحضروا لنا طاسات كبيرة من الحليب. ورأيت الخَلْفات وحيرانها تبرك على الرمال أمام خيامنا.

عدتُ مشيا إلى خيمتي والطقس بارد قارس والهلال مرتفع كقارب في نهر، ونجما الشِّعْرَى اليَمَانِيَّة الساطعان يتلألآن في كبد السماء، وأنا جالسة في خيمتي رأيت نيازك هائلة تتساقط من السماء وقد سقطت من منتصف السماء، هناك بعض الندى في الطبيق، وعندما استيقظت في الصباح الباكر وجدت الصقيع يغطي الأرض وحبال خيمتي مبتلة.

السبت 31 يناير 1914

 شرعنا في الرحيل قبل شروق الشمس مع علي، وعواد، وأحد رجال محمد يدعى «عودة» إلى كلوة، وسرنا عبر سلسلة طويلة من التلال والوديان الصغيرة التي لا نهاية لها، وفي الوادي بالقرب من خيامنا هطلت أمطار غزيرة في وقت مبكر من فصل الشتاء مكونة غدرانا وسط رمال الصحراء بخلاف السنة الماضية حيث شحّتْ الأمطار.

وحدثنا عواد عن غزوة كبيرة عبر الفرات في العام الماضي، وكان الغزاة يمتطون ما يقرب من 1200 بعير للحصول على الأسلاب، واستغرقت رحلة الغزو ثلاثة أشهر، ولم يقتل خلالها أي فرد، عبروا الصحراء وأقاموا ثلاثة أيام في وادي حوران ثم اتجهوا إلى قبيسة ومن ثم هاجموا الشيخ فهد بيك الهذال في الرزازة ولم يستولوا إلا على 200 بعير، لأن الإبل كانت ترعى في مكان بعيد في مراعيها، كان «عودة أبو تايه» مصمما على توسيع نطاق العمليات، وقسم رجاله إلى ثلاث مجموعات، أعاد الثلثين إلى موطنهم، واصطحب 400 غازٍ مرتحلاً شمالاً إلى حلب للإغارة على الفدعان والسبعة من قبيلة عنزة.

 قال لي محمد ونحن نجلس في الخيمة الكبيرة: إن قبيلة عنزة لم ترفع شكوى إلى الحكومة لتسترد ما سلب منها، لذا فإن ما كسبه أبو تايه يعد غنائم حرب، وكانت الغزوة بأكملها لا طائل من ورائها، إذ لم يحصل أبو تايه على أسلاب ذات قيمة.

عبرنا وادياً كبيراً نسبياً يؤدي إلى وادي السرحان من جهة، ويفضي إلى خبراء أم رقبة من جهة أخرى، وقابلنا شخصا حويطيا ذكر لنا أن هناك قصرا على تلة يدعى الزوايدة فذهبنا لرؤيته. كان القصر ذا اطلالة جميلة على الوادي، في مكان عال، والقصر عبارة عن مبنى مستدير مشيد من الحجارة غير المصقولة، فيه قبو كخلية النحل، ويحيط بالقصر جدار دائري؛ ولا يتوسط الجدار تماما، وحوله صف من الحجارة يمتد إلى كفاف التل.

 ويغطي الأرض التي نسير عليها حجر رملي أحمر حتى وصلنا إلى كلوة، وتوجد خبراء داخل البركة الكبيرة، وهناك آثار واضحة تدل على سد في الجانب السفلي. المبنى الأول هو خزان مياه (بركة) وفيه ثقب يساعد على تدفق المياه من الخبراء، لا زخرفة داخل القصر؛ وعلى سطحه ألواح حجرية وبقايا مدفع مورتر وحجارة صغيرة، وكتابات كوفية على الخزان، وهناك خدش في الباب، ولا زخرفة عليه، وفوق أحد الأبواب شكل من نمط الهرم من الجص والحصى. ويخلو القصر من الأقواس، وهناك عدد قليل من الحروف العربية مكتوبة على قطعة من حجر الخزان.

 إن رؤية النوق وصغارها [حيرانها] في الصباح الباكر وهي بقرب بيت الشعر لمنظر جميل أخاذ، وقد ارسلنا رواحلنا إلى الخبراء لترتوي، ولم تعد إلينا إلا بعد التاسعة صباحا وذكر مرافقونا أن ذلولا واحدة بركت وحرنت رافضة النهوض فتركوها، وهي تبعد مسيرة ست ساعات.

لذلك وجب علينا عدم الرحيل غدا بانتظار عودة ذلولنا! جلست في خيمة محمد أستمع إلى حجاج وهو يصدح بصوته بمصاحبة الربابة يردد قصائد عن غزوات عودة أبو تايه وفخره بأخته علياء (الندى هنا والرمال البلورية هناك). وقبل مجيء رواحلنا كان قد نفد ما لدينا من ماء، والعرب الآخرون ليس لديهم ماء أيضا، وجاءت امرأة عجوز تشكو إلى محمد حال زوجها المريض وتطلب مساعدته في علاجه.

الأحد 1 فبراير 1914

 ذهب أحد رجالنا ليلاً لجلب الذلول التي حرنت بالقرب من الخبراء، وعاد عند غروب الشمس واستغرقت مسيرته ثلاث ساعات، في غضون ذلك أمضينا بعض الوقت في التحدث إلى «عقيلي» من شمر من نجد، وقد وعدنا أن يرافقنا في رحلتنا، ولكن عندما عزمنا على الرحيل في اليوم التالي أخلف وعده ولم يصاحبنا، ويبدو أنه مجرد تمنٍّ لا أكثر، واسمه حسين من فخذ سنجارة من شمر.

 جلست مع حريم محمد إلى وقت متأخر بعد الظهر، كنّ يخطن ثيابه القطنية البيضاء، أخته حمدة فتاة رشيقة القوام وجميلة جدا، وهي غير متزوجة، وله أربع شقيقات أخريات، وهن متزوجات، لقد تحدثت إلى واحدة من زوجاته رزقت طفلاً، إلا أنه توفي، ويلاقي مصطفى إزعاجات من علي العقيلي باستمرار، واشتكى مصطفى إلى محمد بأنه قد يضطر إلى تركنا إذا استمر علي في تكرار ازعاجه، وعليه اتخذت قرارا باستبعاده، إنه رفيق سوء.

في هذه الأثناء قررت أن أتخلى عن سيف ليعود إلى أهله إلا أنه أخذ يبكي، وقال: إنه كان في بيت الجوابري منذ كان طفلا وإنه لا يعرف طريقه بين هؤلاء الناس، فتراجعت عن قراري وأبقيته معنا، ولقد استأجر رفيق الطريق مساعد الشراري بعيرا بعشر ليرات مجيدية، فذهبت وقت الغسق إلى محمد وسلمته العشرة مجيديات، ودعا عشرة من الرجال ليشهدوا أنه استلم النقود، ونادى: «يا عودة، يا عواد، ويا حجاج، ويا... اشهدوا»، ثم إنهم شهدوا على أنه إذا عاد مساعد دون رسالة تحمل ختم محمد وختمي، كان عليه دفع 20 ريالا لنا، لأنه شرطنا حتى نصل إلى الجوف، وكان محمد يخشى ألا يكون نواف [الشعلان] هناك، وبالتالي يحتجزنا العبد إلى أن يأذن له نواف.

 وعلاوة على ذلك لدينا الإبل التي تم شراؤها من مرعي وعليها وسم الرولة، حتى الآن نتجه جنوب شرق وهي الجهة المنشودة أصلا، وأقسم مساعد بأن طريقنا التي سلكناها تجعل غزو عودة ابوتايه إلى اليسار وتجعل الآخرين إلى اليمين، وحدثنا محمد بأن ديرة الحويطات اعتادت ان تكون آمنة قدر الامكان، وبمقدور المرء أن يضع كيسا من الذهب فوق رأسه والتجوال في الديرة في سلام وطمأنينة، ولكن في الخريف الماضي هوجمت قافلة من التجار من غزة مع رفيق حويطي من ابن عم الرفيق، الذي قتل ابن عمه والتجار وأخذ الغنيمة، وقد دمر هذا الفعل ديرة الحويطات بعد هذه الحادثة وسال دم بين رجال القبيلة، ويقول سعيد إن عودة أبو تايه طيب المعشر ومتواضع يتحدث إلى الجميع في بيت الشعر الخاص به، وهو عادل بين الجميع، ولكن عندما يستفزه الآخرون يغضب بجنون.

في العام الماضي قتل شراري شراريا من أفراد قبيلته، وكان القاتل من جماعة محمد، فما كان من محمد إلا أن ألقى القبض على الرجل، وقطع يديه وقدميه وتركه في الصحراء ليموت، كسب محمد في إحدى غزواته أعدادا هائلة من الإبل، ووضع وسمه عليها وائتمنها لدى أناس مختلفين تحسبا فيما إذا داهمهم غزو على حين غرة لا تكون جميع الإبل متجمعة أمام بيته، وعندما يبيع بعض إبله فإنه يأتمن أثمانها لدى االتجار في معان أو الكرك.

 جاءت حمدة إلى خيمتي ودخّنَتْ سيجارة، فجاء سعيد وقال لها: خذي حذرك خشية أن يراك محمد وأنت تدخنين السيجارة، وتساءلت حمدة هل هو «مأمون»؟ وقالت إن لدينا قليلاً من «التتن» [التبغ]، والتتن يقدم للضيوف.

من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 4)

back to top