«الجنايات»: الأدب المصون حيال الأمير جبري

نشر في 30-10-2014 | 00:10
آخر تحديث 30-10-2014 | 00:10
No Image Caption
● حكم سجن مرددي خطاب البراك أشار إلى قصد جرمي للإساءة لسموه
● المقيم على أرض الدولة عليه مرغماً لا طائعاً احترام رمز الدولة
أكدت محكمة الجنايات ان العبارات التي رددها 13 مواطنا عن النائب السابق مسلم البراك في ساحة الارادة، بعنوان "كفى عبثا"، بحق سمو امير البلاد، تعتبر مجرّمة وفق للقانون، لصدورها من المتهمين في اجتماع عام، وُضِعت فيه منصة ومكبرات صوت، في دلالة واضحة المعنى، على الطعن في حقوق الامير وسلطاته، فضلاً عن العيب في ذاته والتطاول على مسند الإمارة.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها الصادر الأربعاء الماضي والتي حصلت "الجريدة" على نسخة منها، ان العبارات التي اعاد المتهمون ترديدها بعد يومين من إدانة البراك، عالمين بأنها مجرمة ومدركين لمعانيها، تنطوي على تجريج يمس الهيبة ويؤذي الشعور، عبر تعريض وعدم توقير لغوي من شأنه أن "يضعف سلطة رئيس الدولة ويمس ذاته المصونة التي هي محوطة، بحكم كونها رمز الوطن، بسياج من المشاعر يتأذى بكل ما فيه مساس بها، ولو لم يبلغ مبلغ ما يعد بالنسبة لسائر الناس قذفا او سبا او اهانة".

وأضافت ان تلك العبارات التي رددها المتهمون اشتملت على ما من شأنه ان يمس كرامة الامارة، بحيث يضعف احترام الناس لها ويقلل هيبتها ونفوذها الأدبي لدى الأمة، مؤكدة أن انكار المتهمين تلك التهم يهدف الى الافلات من العقاب، في حين ثبت توافر القصد الجنائي لدى كل منهم بتوجيه تلك العبارات مع علمهم وإدراكهم لمعناها حسب ما تبين من وقائع وظروف الدعوى وملابسات اجتماعهم.

إرغام لا طواعية

ولفتت المحكمة إلى أن الدساتير كفلت حرية الرأي والتعبير لكل انسان، ونصت على أن ابداء الرأي على سبيل النصح فضيلة لا غضاضة فيها، بشرط ألا يتنكب طريق الطرح المعتدل ويضرب على غير هدى، "بل عليه ان يلزم مرغماً لا طائعاً، وهو على أرض هذه الدولة، الأدب المصون واللسان النزيه العفيف هاجرا مستقبح القول، ولئن علا صوتا وكثر نفيرا، كما ان عليه ان يلزم بما قاله لمقام رئيس الدولة ورموزها بألا يكاشفه بالرأي والنصح في الجلوة، فيتبسط عليه، اذ ان النصح في الملأ، ان صدق، تقريع والتبسط عليه تضييع ينفر منهما الشعب ويجرمهما المشرع كما تأباهما المصلحة".

وعن دفع المحامين ببطلان دخول الضابط لمسكن النائب مسلم البراك في منطقة الاندلس الذي القي فيه الخطاب، ذكرت ان الثابت بالأوراق ان ضابط الواقعة لم يبادر إلى اجراء تحريات بنفسه ومن خلال معاونيه، الا بعد ان وردته معلومات عن اجتماع المتهمين بين جمهور من العامة لإلقاء اقوال وعبارات تشكل جريمة، وبناء على ذلك استعان بوسائله، ومنها تسجيل ذلك الاجتماع لاستقصاء الجريمة بالكشف والتنقيب عنها ومعرفة مرتكيبها، وتم ذلك منه وفق البين بالاوراق، ومن مطالعة القرص المدمج المسجل بمكان عام - بالتخصيص- اتيح لكل طارق بلا تمييز.

وبينت أن الأصل أنه لا حرمة للمكان العام لغياب العلة التي احاط من خلالها المشرع المسكن الخاص بالحرمة والحصانة، وطالما لم يرع صاحب المسكن نفسه حرمته وفق ما يبين من ملابسات وظروف الدعوى، بل اباح الدخول فيه لكل طارق بلا تمييز، وجعل منه بفعله هذا محلا مفتوحا للعامة، فمثل هذا المسكن اذا دخله ضابط الواقعة كان دخوله مبررا، وكان له تبعا لذلك ان يضبط الجريمة التي يشاهدها فيه فضلا عن قيدها وتسجيلها، اذ لا يعقل ان تكون حقوق رجال الشرطة اقل من الفرد العادي، لاسيما انه يدخله باعتباره مكلفا بتنفيذ القوانين.

لا قهر

وأضافت أن الثابت لدى المحكمة من تحريات ضابط الواقعة أنها اتسمت بالجدية، كما تجردت الاجراءات التي قام بها وباشرها ضابط الواقعة- ومن ضمنها تسجيله واقعة الاتهام- من أي قهر او اجبار وقع على المتهمين، اذ لم يجبرهم على النطق بل اتوا افعالهم وتلفظوا باقوالهم طائعين مختارين ولم تنطو تلك الاجراءات منه على ثمة خرق أو انتهاك لحرياتهم وسلامتهم أو مساس بحق ما يزعمونه، ومن ثم تصبح تحرياته وكل تلك الاجراءات التي اتاها صحيحة غير مخالفة للقانون لا ثتريب عليه فيها، بل يصبح الاستشهاد بها كدليل مشروع بذاته في الدعوى المطروحة، لاسيما وقد طرحت تلك الادلة للمناقشة بالجلسات ضمن اوراق الدعوى وأتيح للمتهمين امكانية مناقشتها والرد عليها.

وعن دفع المتهمين بحرية الرأي فيما قالوه، أكدت المحكمة ان حرية الرأي تختلف عن باقي الحريات في ان اثرها ليس قاصرا على الفرد، وان بعضها يرمي الى تأثير الفرد في غيره، لذلك كان جانب تنظيمها أمرا مباحا لما تؤديه الى الفتنة والفوضى واضطراب الامن وتفتيت السلطة اذا هي قامت على وجهها المطلق، وقد حرص الدستور على تقريرها مع الاشارة الى شأن القوانين المنظمة لها، أما عن القصد الجنائي فهو الركن الثاني ويستفاد حتما من الوقائع المكونة للفعل المؤثم، والركن الثالث هو الطعن في حقوق الامير وسلطته والعيب في ذات الامير والتطاول على مسند الامارة، والمقصود حماية شخص الامير مما عساه ان يوجه اليه من طعن في حقوقه وسلطته، ويشمل كل نقد ينطوي على تجريح يمس الهيبة ويؤذي الشعور يشتمل على التعريض وعدم التوقير اللغوي الذي من شأنه ان يضعف من سلطة رئيس الدولة وينقض الحق الذي يستمده من الدستور، وليس من شأن ذلك ان يؤثر في حرية الرأي، ونقد اعمال الحكومة بل هي حرية مكفولة على الدوام ما دام الأمير لا يزج باسمه ولا يقحم.

back to top