إسرائيل المحيرة تشجع الانتفاضة الثالثة

نشر في 30-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-10-2014 | 00:01
من المؤكد أن رد فعل إسرائيل تجاه الاضطرابات المتنامية في القدس واحتمال نشوء انتفاضة أخرى في الضفة الغربية يعكسان انفصالاً غريباً بين المخاوف على مستوى الشارع البالغ العدائية والمخاوف الأمنية اليومية.
 ذي ناشيونال بعد أيام عدة من العنف في القدس الشرقية المحتلة، يكثر الحديث عن انتفاضة جديدة. لا شك أننا سمعنا ذلك مرات كثيرة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية، وتبين أن هذه الإعلانات السابقة غير حقيقية، إلا أن ذلك لا يعني أن الوضع الحالي سيظل مضبوطاً.

على العكس، حتى لو انتهت موجة العنف الحالية من دون أن تسبب انتفاضة مستمرة ضد الحكم الإسرائيلي، فإن كل هذا يؤكد أن الاستياء والسخط الفلسطينيين سيولّدان في النهاية ثورة جديدة. لا شك أن كل هذه التطورات ستؤول إلى نهايةٍ ما، ومن الممكن أن يطغى الغضب على الحكم السديد. يواصل المستوطنون اليهود غزوهم العنيف لحي سلوان المتنازع عليه في القدس. فقد جال السياسيون الإسرائيليون المتشددون في المنطقة، معلنين أن هذه التدابير تُظهر استمرارية حكم إسرائيل كل القدس، بما فيها الأماكن المقدسة المسيحية والمسلمة. ويبدو أن وزير الإسكان الإسرائيلي يوري أريئيل يتوق إلى المشاركة في كل هذه المعمعة، حتى إنه يحاول الانتقال للعيش في سلوان. يوم الأربعاء، تعمد أحد أعضاء "حماس" من سلوان أن يصدم بسيارته حشداً من الإسرائيليين المتجمعين في محطة ترامواي في القدس، قاتلاً طفلة عمرها ثلاثة أشهر. يعتبر فلسطينيون كثر نظام الترامواي هذا معادلاً لجدار الضفة الغربية، في تجسيد مادي للسيطرة على الأراضي المحتلة حيث يبعث برسالة: "نحن هنا لنبقى ونحكم".

يوم الجمعة، قتلت قوات الاحتلال مراهقاً فلسطينياً افترضت أنه كان يلقي قنابل مولوتوف. كذلك اصطدم الفلسطينيون والقوات الإسرائيلية مرات كثيرة في المواقع المقدسة الإسلامية في القدس الشرقية المحتلة، وخصوصاً المسجد الأقصى. وأعلنت مجموعات سياسية إسرائيلية متطرفة أنها تخطط لاقتحام هذه الأماكن المقدسة الإسلامية، كي تبرهن وتؤكد استمرار السيطرة الإسرائيلية عليها. لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعهد بمنع ذلك "مهما كلف الثمن".

في هذه الأثناء، تسعى إسرائيل بلا هوادة لتنفيذ مشاريع استيطان كبيرة في القدس الشرقية وحولها، رغم المعارضة الأميركية والأوروبية القوية.

خلال فصل الصيف الماضي، بدا أن الوضع يتأرجح على شفير الهاوية. ففي ليلة القدر، هددت الصدامات بين قوات الاحتلال والمتظاهرين بالخروج تماماً عن السيطرة. وبدت هذه التطورات الأخطر والأقرب إلى انتفاضة ثالثة منذ الانتفاضة الثانية. ولكن رغم السخط المتفشي تجاه سلوك إسرائيل في غزة، ظل الوضع تحت السيطرة.

تدخلت القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في مناسبات حساسة عدة، مانحة الفلسطينيين فرصة تقييم الجدوى النسبية لخوض انتفاضة أخرى ضد إسرائيل بكل هدوء وروية لا في اللحظات الساخنة. ويبدو حتى اليوم أن معظم فلسطينيي الضفة الغربية يخشون عواقب انتفاضة أخرى بما فيه الكفاية ليتفادوها.

ولكن لا يمكن الاعتماد على أي من وسائل الاحتواء الطارئة هذه. ففي مرحلة ما، قد ترفض القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، أو بكل بساطة تعجز عن اتخاذ التدابير الضرورية لتهدئة الحشود الغاضبة. وفي لحظة ما، قد يتخلى الشعب الفلسطيني عن خوفه، مهما كان منطقياً، من عواقب انتفاضة ثانية. وإذا صار الشعب مصمماً بكل بساطة على الثورة ضد ظلم الاحتلال المريع، مهما كانت المخاطر واضحة والنتائج غامضة، فلن يتمكن أحد من وقفه.

ولا شك أن شرارة التحفيز المنظم، التي قد تشعل الغضب الشعبي المتأجج الحقيقي الذي لا يمكن قمعه والمتمثل في آلاف الرجال الغاضبين الذين لا مستقبل لهم، ستؤدي إلى انفجار كبير، إن اجتمع هذان العاملان معاً. ففي أغسطس الماضي، ادعت قوى الأمن الإسرائيلية أن "حماس" وضعت خطة لتزعزع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والإطاحة بها من خلال تنظيم سلسلة من الاعتداءات ضد إسرائيليين في المقام الأول.

يقول المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون إن أغلبية الاضطرابات عفوية. ولا شك أن "حماس" ما زالت تروج لانتفاضة إضافية في الضفة الغربية. لكن التوتر في القدس، حيث ستولد الانتفاضة الجديدة بالتأكيد، لا يبدو مرتبطاً بهذه الجهود، بل يمثل على العكس استياء الفلسطينيين العاديين العائشين في ظل الحكم الإسرائيلي الظالم جداً، مع غياب خارطة طريق لتحرر أو أي أمل واضح في التوصل إلى حل.

تُحمّل إسرائيل عباس مسؤولية الاعتداء الذي نفذه عضو حماس وغيره من الحوادث العنيفة. ولكن إذا أصابت إسرائيل الصيف الماضي باعتقادها أن ثمة خطة سرية وضعتها "حماس" للإطاحة بالسلطة الفلسطينية من خلال سلسلة من الحوادث العنيفة التي تزعزع الاستقرار، فمن غير المنطقي تحميله مسؤولية هذا الاعتداء.

أما إذا لم تتبع حماس سياسة مماثلة، إن إسرائيل تفتقر، إذن، إلى رواية متماسكة تبرر الوقائع في الضفة الغربية، وهي بذلك تنتقل بكل بساطة من وسيلة إلى أخرى لإلقاء اللوم على الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية كل الأمور البغيضة وغير المبررة.

في مطلق الأحوال، لا نلاحظ أي مقاربة إسرائيلية منظمة لمعالجة التوتر المتنامي في القدس. لا شك أن سياسة إسرائيل تجاه حماس في غزة بالغة العدائية في مستواها الدقيق المباشر، إلا أنها سلبية على نحو محير في تعاطيها مع الصورة الأكبر. فتبدو ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن الخطير وغير المستدام.

من المؤكد أن رد فعل إسرائيل تجاه الاضطرابات المتنامية في القدس واحتمال نشوء انتفاضة أخرى في الضفة الغربية يعكسان انفصالاً غريباً بين المخاوف على مستوى الشارع البالغ العدائية والمخاوف الأمنية اليومية. ولكن يبدو أنه ما من خطة ظاهرة (باستثناء النشاط الاستيطاني الذي يزيد استفزاز الفلسطينيين) للمساهمة في صوغ المستقبل الطويل الأمد. قد تكون هذه السلبية الظاهرة والوثوق بالقدر ملائمين سياسياً لبعض القادة الإسرائيليين. ولكن من الناحية الإستراتيجة وكمسألة مهمة من مسائل السياسة القومية، وخصوصاً بالنسبة إلى دولة قوية وعدائية تاريخياً، لا تبدوان مبررتين مطلقاً.

 * حسين إيبش

back to top