تحيتي للراقصين تحت المطر!

نشر في 30-10-2014
آخر تحديث 30-10-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي مراوحة الحياة ما بين الأعلى والأسفل تشبه مراوحة القلب ما بين الانقباض والانبساط تماما، هي ضرورة من ضرورات الحياة أن ينقبض القلب وينبسط كي يستمر ضخ الدم في أوصال الجسد الحي، ولو ظل القلب على حالة من الحالتين، انقباضاً أو انبساطاً، لتوقف معها جريان الدم في شرايينه وأوردته ومات.

لعلي لن آتي بجديد لو أنا قلت إنه لا توجد حياة كلها سعادة وهناء ولا حياة كلها بؤس وشقاء، جميعنا ندرك أن حياة كل الناس تراوح ما بين لحظات السعادة والهناء ولحظات الحزن والشقاء، وبالطبع فإن هذه اللحظات جميعا تكون بأقدار ودرجات متنوعة وفقا لظروف كل إنسان، سعادة بالغة وفرح شديد وسعادة وفرح أقل درجة من ذلك، وشقاء وحزن أليمان جداً، وكذلك شقاء وحزن أخف وطأة من ذلك وهكذا، ويكون هذا كله بشكل نسبي طبعا.

وما أعنيه هنا بقولي "بشكل نسبي" أن ما قد يراه أحدهم من دواعي السعادة قد يكون بالنسبة إلى شخص آخر، أو ربما لذات الشخص في ظروف وملابسات أخرى من دواعي الحزن والشقاء، مثال تبسيطي، المال الوفير قد يكون على السطح مظهراً من مظاهر السعادة والهناء للناس، لكنه قد يكون عند صاحبه مجلبة للحسد والهم والغم، وهكذا هي سائر أمور الناس في الحياة. (يمكن لمن يرغب أن يزور موقعي على الإنترنت فيجد قصة المزارع الصيني الذي كان دائما يقول "ربما"، ففيها حكمة بليغة في هذا الصدد– www.sajed.org).

لو عاد كل واحد منا في هذه اللحظة بذاكرته إلى صفحات حياته الماضية لوجدها راوحت ما بين الأعلى والأسفل، ما بين القمم والوديان، ما بين الأيام المشرقة والأيام العاصفة الماطرة. كل الحياة ليست سوى لحظات سعادة ولحظات حزن، ولكن لم يكن لشيء من هذه اللحظات أن استمر أبداً، الدرس المهم الذي يجب أن نستخلصه من هذه الحقيقة الحياتية والسنّة الكونية الجارية، وهو ما تحدث عنه الطبيب د. سبنسر جونسون بشكل جميل في كتابه "قمم ووديان"، أن على كل واحد منا أن يضع هذا الأمر نصب عينيه فلا يغيب عن ذهنه أبدا.

مراوحة الحياة ما بين الأعلى والأسفل تشبه مراوحة القلب ما بين الانقباض والانبساط تماما، هي ضرورة من ضرورات الحياة أن ينقبض القلب وينبسط كي يستمر ضخ الدم في أوصال الجسد الحي، ولو ظل القلب على حالة من الحالتين، انقباضاً أو انبساطاً، لتوقف معها جريان الدم في شرايينه وأوردته ومات، كذلك الأمر ذاته ضرورة من ضرورات استمرار الحياة أن يمر الواحد منا في لحظات السعادة والفرح والراحة وفي لحظات الشدة والضيق، وذلك حتى يستريح ويهنأ ويتذكر نعمة الله عليه في لحظات الرخاء والسعادة والفرح، وحتى يشتد عوده ويزداد جلده سماكة ونفسه صلابة ويتعلم الدروس، ويكتسب الخبرات ويحتسب الأجر من ربه الغفور الرحيم في أوقات الشدة والشقاء.

الدرس المهم الثاني هنا ألا يركن الإنسان إلى التبذير والتهور والكسل والخمول في أوقات الراحة والرخاء، بل أن يظل متذكرا طوال الوقت أن "الدهر يومان، ذا أمن وذا خطر" وأن "العيش عيشان ذا صفو وذا كدر" كما قال الشاعر، فيكون مستعدا فكريا ونفسيا بروح متقبلة حامدة شاكرة للمرحلة القادمة من حياته، مرحلة "الوادي"، لأنها قادمة حتما، وحين تأتيه عليه ألا يغوص في أعماق الغم كثيراً فيأكله الهم ويغرق، بل أن يذكر نفسه على الدوام بأن "ما لحوادث الدنيا بقاء" كما قال الحكيم، وأن يكون مستعداً فكريا ونفسيا بروح متقبلة واثقة مطمئنة لقدوم المرحلة القادمة من حياته، مرحلة "القمة"، لأنها قادمة حتما.

تقول فيفيان جرين، الكاتبة والمتحدثة الأميركية: "ليست الحياة أن نقضيها في انتظار مرور العواصف الماطرة، بل أن نتعلم الرقص تحت المطر"، ولست هنا أدعوكم للرقص تحت المطر بالمعنى الحرفي للعبارة، وإن كنت أظنها تجربة جميلة، ولكن المراد أن علينا أن نستفيد ونتعلم ونخرج بأقصى الفوائد، وأن نستحلب ولو أصغر قطرات السعادة من تلك اللحظات التي سنمر فيها في مرحلة الوديان والعواصف والشدة.

تحيتي لكل المتعالين على آلامهم وهمومهم، أولئك الرائعين الراقصين تحت المطر!

back to top