فن القراءة

نشر في 29-10-2014
آخر تحديث 29-10-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي بتاريخ 15 أكتوبر الجاري، نشرت مقالاً هنا بعنوان "معرض الكتاب ومسؤولية الناشر الكويتي" وأشرت فيه إلى ضرورة تشجيع ودعم الكاتب الكويتي المبتدئ، وكنتُ صريحاً بأن هذا التشجيع لا يعفي الناشر الكويتي من مسؤوليته حيال كل كتاب يصدر عنه. فبالنظر إلى خبرة الناشر المحلي وتجربته القصيرتين في الزمن، فإن البعض من الناشرين العرب، ينظر إليه كناشر من الدرجة الثانية، وهذا يضع الناشر المحلي أمام تحدٍ كبير كي يرتقى بمستوى كتبه إبداعياً وطباعياً ليكون نداً لأي دار نشرٍ عربية. وإذا كان بعض الناشرين الكويتيين قد اتصل بي عاتباً عما يمكن أن يكون قسوة في مقالي، فإن أكثر من سؤال جاءني بصيغة: "ما الكتاب الذي تنصح بشرائه من المعرض؟" وكانت إجابتي واحدة لكل السائلين: "ليس من كتاب معيّن أنصح به".

إن المطابع العربية، ناهيك عن الأجنبية، تقدم كل يوم زاداً معرفياً عصيّاً على المتابعة، وفي شتى فروع العلم والفكر والإبداع الأدبي والفني. وبالتالي فإنني ومنذ ما يزيد على العقد من الزمن، اتخذت قراري بأن أحدد بدقة ما أريد. وأنا هنا أتكلم عن نفسي بصفتي قارئاً يرى في القراءة طريقاً سالكاً للمعرفة الإنسانية. إن تحديد أي قارئ للمادة التي تعنيه وتشدّه، يشكّل العنصر الأساس في اختياره لأي كتاب، فعاشق الرواية، يختلف عن متذوق الشعر، عن سائر في درب الفلسفة، عن رجل اقتصاد، عن شابة تعشق قصص الأطفال، وقس على ذلك.

ما عدت أثقل على مكتبتي وجيبي بكتب لا أقرأها لشهرتها أو بريق كتّابها، أو لجائزة حصلت عليها، أو لأن شخصاً ذكر شيئاً عنها. أكون دقيقاً في اختياراتي. وليس عيباً أن يتفحص القارئ الكتاب، بل أن المكتبات الأوروبية والأميركية، تضع ركنا للقارئ، يستطيع من خلاله الجلوس بهدوء وتفحص وقراءة أجزاء من الكتاب كما يحلو له، قبل الإقدام على شرائه.

نصيحتي للشباب الكويتي السائر في درب القراءة والكتابة، وتحديداً من يعتقد أن طريق حياته ستمر عبر محطات الكتابة والكتاب، هو أن يحدد لنفسه المجال الأدبي المعني به، والأقرب إلى قلبه واهتمامه، ومن ثم يحاول جاهداً البحث عن الكتب والمراجع في هذا المجال. ومثال على ذلك: الكاتب الشاب الذي يكتب الرواية، فهو بالضرورة مطالب بأن ينهل من عالم الرواية الكلاسيكية، قبل الالتفات إلى روايات أصدقائه ومعارفه من الشباب. فلا يمكن لكاتب رواية أن يتجاوز القمم الروائية العالمية، فقراءة هؤلاء الذين شهد لهم العالم، وتُرجمت أعمالهم إلى معظم اللغات الحيّة، إنما تمثل درساً مهماً وثميناً لكل من ينشد تعلم فن كتابة الرواية، والأمر عينه ينطبق على الشاعر والقاص.

في عصر القرية الكونية، ما عاد بإمكان بشر أن يكون شخصاً موسوعياً، حتى لو كرّس عمره للقراءة والبحث، لذا يلزم كل قارئ الذهاب مباشرة إلى ولعه، وإلى ما يتصل به. فكاتب الرواية، وإلى جانب تزوده بما لا يُعد من الروايات، هو مطالب بأن يكون صديقا للشعر، وألا يجافي الفلسفة، ومؤكد أنه بحاجة لقراءة شيء من النقد. فهذه الآداب متصلة فيما بينها، وهي في نهاية المطاف، تصبّ في تنبيه حواسه حيال الكتابة الروائية، وحيال كتابة رواية تكون لافتة.

لقد أصبح للقراءة مدارس علمية كثيرة، تعلّم كيفية اختيار الكتاب الصحيح، وكيفية قراءة هذا الكتاب وتحقيق الاستفادة المرجوة منه، ناهيك عن القراءة السريعة، والقراءة المركّزة، وأخيراً تجاوز الكتاب إلى كتاب آخر متقدم عليه، مما يجعل القراءة عملية تراكمية، تؤدي بصاحبها إلى مزيد من تجويد وتطوير العلم أو الفكر الذي هو بصدد الخوض فيه.

back to top