إطلاق العنان لطاقة الفتيات في إفريقيا

نشر في 28-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 28-10-2014 | 00:01
 يواكيم تشيسانو في السنوات الأخيرة، ازدهرت اقتصادات البلدان الإفريقية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، ولكن الأرقام التي تبرزها عناوين الصحف الرئيسية تحجب غالباً المشاكل الأطول أجلا، وخاصة الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية وأشكال التفاوت المزمنة، والواقع أن تحقيق النمو الشامل المستدام أمر ممكن، ولكن هذا لن يتسنى إلا من خلال استغلال أعظم احتياطيات القارة من الطاقات والإبداع: النساء والفتيات الإفريقيات.

يتفق خبراء الصحة والتنمية، وخبراء الاقتصاد، والمنظمات غير الحكومية، وهيئات الأمم المتحدة، والبنوك على أن المفتاح الأساسي لإطلاق العنان لإمكانات إفريقيا يكمن في توسيع فرص حصول الإناث على التعليم والحرية والعمل. واليوم، لا نتوقع من العديد من النساء الإفريقيات تلبية الأدوار التقليدية فحسب، مثل تربية الأطفال ورعاية المسنين؛ بل إنهن يواجهن أيضاً التمييز القانوني والاجتماعي في ما يتعلق بملكية الأراضي والعقارات، والميراث، والتعليم، والقدرة على الوصول إلى الائتمان والتكنولوجيا، فضلاً عن العادات الجنسية القمعية والعنف.

بيد أن المساواة بين الجنسين تشكل ضرورة أساسية لتحقيق رفاهية القارة، ولنتأمل هنا القضية الملحة المتمثلة بتحقيق الأمن الغذائي، إن النساء يشكلن نصف القوة العاملة في قطاع الزراعة، حيث يزرعن ويبعن ويشترين ويتولين إعداد الطعام لأسرهن، وتشير الدراسات إلى أن المساواة في القدرة على الوصول إلى الموارد من شأنها أن تزيد من العائدات الزراعية بنسبة 20% إلى 30%، وهو ما يكفي للتعويض عن التأثيرات المترتبة على موجات الجفاف وتغير المناخ، والوصول إلى التعليم ورأس المال والأسواق والتكنولوجيا من شأنه أن يسمح للنساء بمعالجة وتغليف وتسويق منتجاتهن، وخاصة للطبقة المتوسطة المتنامية في إفريقيا، وهذا كفيل بالتالي بتعزيز الدخول والإمدادات الغذائية.

والزراعة ليست سوى مثال واحد، فمشاركة الإناث بشكل أكبر في المهن التي يهيمن عليها الرجال في جميع المجالات من شأنها أن تزيد من إنتاجية العمل الإجمالية بنحو 25%، ويصدق نفس القول على السياسة، حيث تعني زيادة مشاركة النساء وتوليهن للمناصب القيادية تحسين إدارة الحكم والخدمات العامة، كما أثبتت تجارب واعدة في بعض أجزاء إفريقيا وأماكن أخرى من العالم.

ولابد أن تكون الخطوة الأولى لتحسين ظروف النساء تعزيز صحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، وهي القضية التي تسجل إفريقيا فيما يتعلق بها بعض أسوأ المؤشرات في العالم، والأمر ببساطة أن النساء لابد أن يُسمَح لهن باتخاذ القرار، من دون إكراه أو عنف، بشأن حياتهن الجنسية وصحتهن؛ فيقررن متى ومن يتزوجن؛ وما إذا كن راغبات في الإنجاب ومتى، ومن غير الممكن أن يحدث هذا من دون تزويد النساء والفتيات بالمعلومات والتعليم والخدمات التي يحتجن إليها لاتخاذ قراراتهن بأنفسهن.

إن قضايا الصحة الجنسية والإنجابية تكبد النساء الإفريقيات وأسرهن ومجتمعاتهن خسائر ضخمة رغم إمكانية تجنبها، وتأتي هذه التكاليف عادة في مقتبل حياة النساء المنتجة اقتصاديا، فتعمل على خفض قيمة مساهماتهن في المجتمع في المستقبل، إذ إن أكثر من 400 امرأة وفتاة إفريقية تموت كل يوم أثناء الحمل أو الوضع، وهو ما يؤدي إلى إلحاق الأذى بالأسر وإغراق الأطفال الباقين في المشاق والصعاب.

وترجع نسبة كبيرة من هذه الوفيات إلى ما يقرب من خمسة ملايين عملية إجهاض غير آمنة تجرى سنوياً في بلدان جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، والتكاليف التي يتحملها المجتمع من حيث الدخل المفقود بسبب الوفيات والعجز تقرب من مليار دولار، وتحدث كل هذه الوفيات تقريباً في بلدان تفرض قوانين مقيدة للإجهاض، ويتعين على زعماء إفريقيا أن يفكروا في إصلاح هذه القوانين على سبيل تغليب الحس السليم وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولابد أن يكون التركيز الأكبر على حماية الأكثر ضعفت، الفتيات المراهقات، فأكثر من ثلث الفتيات في إفريقيا يتزوجن قبل سن 18 عاما، وهو ما يهدد صحتهن ويختصر تعليمهن ويحد من تطلعاتهن إلى المستقبل، وهن أكثر عُرضة من النساء الأكبر سناً للموت بسبب مضاعفات مرتبطة بالحمل والوضع، وأكثر عرضة لإساءة المعاملة. ورغم أن أغلب الدول الإفريقية تجرم الزواج المبكر أو القسري، فإن إنفاذ القوانين في هذا الشأن ضعيف للغاية،

والفتيات الإفريقيات عُرضة بشكل غير متناسب أيضاً للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، إذ إن ما يقرب من 90% من النساء الحوامل والأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في العالم يعيشون في إفريقيا، ورغم الانخفاض الملحوظ مؤخراً في معدلات انتقال فيروس نقص المناعية البشرية، فإن احتمالات إصابة الفتيات المراهقات بالفيروس أكثر من ضعف مثيلاتها بين الفتيان من نفس السن، ورغم هذا فإن ثلث الشباب الأفارقة بالكاد يعرفون كيفية وقاية أنفسهم من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو سبب آخر للتربية الجنسية العاجلة والشاملة.

والوباء الآخر الذي يبتلي النساء الإفريقيات هو العنف، والذي يمر غالباً بلا عقاب، فالعنف الجنسي يستخدم كأسلوب من أساليب الحرب، ولكنه أيضاً سمة مقلقة من سمات الحياة المنزلية؛ حيث تفيد التقارير أن 37% من النساء الإفريقيات يتعرضن لسوء المعاملة من قِبَل شركائهن في البيت، وفي حالة ختان الإناث وزواج الأطفال فإن مثل هذا العنف يُعاقَب ثقافيا، ويتعين علينا أن نغير القوانين، والنظم القضائية، والمواقف التي تبرئ الجناة، كما ينبغي لنا أن نقدم المساعدة للضحايا.

إن المواقف من الممكن أن تتغير، فوسائل منع الحمل على سبيل المثال كانت ذات يوم قضية مثيرة للجدال، واليوم يتقبلها أغلب القادة الأفارقة باعتبارها استثماراً مهماً وفعّالاً من حيث التكلفة وجزءاً من استراتيجيات التنمية الاقتصادية في بلدانهم، والواقع أن برامج تنظيم الأسرة الأساسية في 16 بلدا من بلدان منطقة جنوب الصحراء الكبرى من الممكن أن توفر أكثر من مليار دولار من تكاليف التعليم فقط، ومن الممكن أن ينخفض عدد الوفيات بين الأمهات بنحو الثلث، وهذا كفيل بتوفير الملايين (في البلدان النامية عموما، من الممكن أن يبلغ الوفر في مجال رعاية الأمهات والرعاية الصحية لحديثي الولادة نحو 5.7 مليارات دولار أميركي). ومع هذا فإن الحقيقة المحزنة هي أن المساعدات في مجال رعاية الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة هبطت إلى النصف في غضون العقد الماضي، رغم دعم العديد من شركاء التنمية والمانحين.

الحق أن الفوائد المضاعفة المترتبة على إنهاء التمييز القانوني والاقتصادي والتمييز بين الجنسين عموماً هائلة، ذلك أن النساء الأوفر صحة والأكثر ثراءً والأفضل تعليماً يملن إلى إنتاج أسر أوفر صحة وأكثر ثراءً وأفضل تعليما، لأن النساء يستثمرن عادة قدراً أكبر من دخولهن على رفاهية أبنائهن مقارنة بالرجال، وفي ظل التوقعات التي تشير إلى أن عدد سكان القارة سوف يتضاعف بحلول عام 2050، فلن نجد وقتاً أفضل من هذا للاستثمار في النساء والفتيات، والواقع أن الحجة اقتصادية بقدر ما هي أخلاقية.

* رئيس دولة موزمبيق سابقا، والرئيس المشارك لفريق العمل الرفيع المستوى للمؤتمر الدولي

 للسكان والتنمية (ICPD).

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top