تصويت أوكرانيا ومصير روسيا

نشر في 26-10-2014
آخر تحديث 26-10-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت عندما يذهب الناخبون في أوكرانيا إلى صناديق الاقتراع اليوم، فلن يكون مصير بلادهم فقط على المحك؛ بل أيضاً مستقبل جزء كبير من أوروبا. والأمر ببساطة أن مستقبل أوكرانيا سيقرر مستقبل روسيا، ومستقبل روسيا سيخلف تأثيراً قوياً على مستقبل أوروبا.

عندما انهار الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من عقدين من الزمان، واختارت أوكرانيا الاستقلال، توقع كثيرون أن يكون أداؤها أفضل من أداء روسيا في السنوات التالية. ولكن الأحداث جرت على نحو مختلف.

خلال العقد الأول من القرن الجديد، استفادت روسيا من التأثير المجمع لصناعة الهيدروكربون القديمة التي أصبحت أكثر كفاءة في تسعينيات القرن العشرين بفضل الخصخصة وارتفاع أسعار النفط. ولم يكن الارتداد عن التنويع الاقتصادي المرغوب والتراجع عن "التحديث" حتى لم يتبق منه شيء، إلى شعارات، سبباً في إثارة أي قلق مباشر.

وعلى النقيض من ذلك، أصبحت أوكرانيا الدولة الأسوأ إدارة بين دول ما بعد الاتحاد السوفياتي، حيث أحبط الفساد والمحسوبية القدرة الإنتاجية وتسببا في تخلف البلاد على نحو متزايد عن بلدان ما بعد الشيوعية في المرحلة الانتقالية. والمقارنة الأكثر بروزاً مع بولندا، فعند الاستقلال كان نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي متماثلاً تقريباً في البلدين، واليوم أصبح نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في بولندا أعلى من نظيره في أوكرانيا بثلاثة أمثال.

وكانت الثورة البرتقالية عام 2004 فاشلة بالنسبة لأغلب سكان أوكرانيا. فلم يحدث الانفصال المأمول عن الماضي، وتسبب التناحر السياسي بين قادة البلاد الجدد في عرقلة تنفيذ أي أجندة إصلاح جدية.

ولكن عام 2004 كان أيضاً بمنزلة فشل مرير بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الذي حاول وضع مرشحه الرئاسي المفضل فيكتور يانوكوفيتش على رأس السلطة في كييف من خلال دعم التلاعب في التصويت، والذي جرى على نطاق واسع. وكان الفشل في تحقيق تلك الغاية ضربة قاسية تلقاها الكرملين، ولم ينسها ولم يغفرها منذ ذلك الحين.

ثم في عام 2010، كان فشل الثورة البرتقالية سبباً في عودة يانوكوفيتش إلى السلطة في انتخابات حرة ونزيهة، وفي 2012 اختار بوتن نفسه لولاية رئاسية ثالثة في روسيا. وكان إنشاء اتحاد أوراسيا الجديد جزءاً أساسياً في برنامجه الانتخابي.

وفي الوقت نفسه، كانت أوكرانيا تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية التجارة الحرة واتفاقية الشراكة منذ عام 2007، واكتملت المحادثات في أوائل 2012. ورغم توافقها التام مع اتفاقية التجارة الحرة القائمة بين أوكرانيا وروسيا، فإن الاتفاقية المقترحة مع الاتحاد الأوروبي لم تكن متوافقة مع مشروع بوتن الأوراسي.

وقبل ما يزيد على العام قليلا، بدأ الكرملين هجومه لتحويل أوكرانيا بعيداً عن اتفاقية الاتحاد الأوروبي التي حظيت بالدعم حتى من قِبَل يانوكوفيتش وحزبه (حزب المناطق). والبقية تاريخ معروف، حيث فقد تخلى يانوكوفيتش عن اتفاقية الاتحاد الأوروبي، واندلعت انتفاضة شعبية أطاحت به نتيجة لذلك، ونظمت روسيا غزوتين لأوكرانيا، وقُتِل الآلاف من البشر في إقليم دونباس في شرق البلاد.

ويسعى الكرملين إلى ما هو أكثر من ضم شبه جزيرة القرم وفرض السيطرة على حزام الصدأ في دونباس؛ ويتلخص هدفه في منع أوكرانيا من الاتجاه غربا، وسحق أي خطر داخل المدار الروسي الأوسع أو أي ثورات أخرى، كتلك التي أسقطت يانوكوفيتش.

لاشك أن العقوبات الغربية ضد روسيا سلطت الضوء على الجدية التي ينظر بها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى الجهود التي يبذلها بوتن لتحدي وتقويض المبادئ الأساسية التي تحكم الأمن الأوروبي والقانون الدولي. ولكن روسيا ستظل رغم محاولات إضعافها قوة عاتية في جوارها المباشر. وفي نهاية المطاف، لن يتسنى منع طموحات روسيا الرجعية إلا بقوة وعزم أوكرانيا.

ولكن تعزيز قوة أوكرانيا المبتلاة بالفساد والمحسوبية، والتي يثقل كاهلها عدوان روسيا ومحاولاتها زعزعة استقرارها، ليس بالمهمة السهلة. ولابد أن تمهد انتخابات اليوم الطريق لظهور حكومة عازمة حقاً على إصلاح البلاد جذريا.

ولابد أن تكون هذه الحكومة قادرة على الاعتماد على الدعم القوي الحازم من قِبَل المجتمع الدولي الأوسع. وتشكل حزمة صندوق النقد الدولي المنقحة والمعززة ضرورة أساسية لتنفيذ الإصلاحات اللازمة. ولابد من إدخال تغيير جذري على سياسة الطاقة غير الرشيدة التي تنتهجها البلاد، والتي تقوم على إعانات دعم مسرفة إلى حد هائل. ولابد أن يستخدم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لدفع عملية الإصلاح إلى الأمام.

وإذا نجحت هذه الأجندة، فإن هذا يعني عرقلة محاولات الكرملين الرجعية؛ ومع زيادة هذا الأمر وضوحاً فقد تسنح الفرصة لانطلاق موجة جديدة مطلوبة بشدة من الإصلاح في روسيا ذاتها. ولكن إذا فشل الإصلاح، فليس هناك من شك في أن الكرملين سوف يواصل سياساته إلى أن يصل إلى أهدافه في كييف. والواقع أن بوتن ليس في عجلة من أمره، ولكنه يعرف ماذا يريد بوضوح.

وبهذا فإن وضع روسيا على مسار المواجهة المستمرة مع الغرب ربما يدفعها إلى الاحتماء خلف عقلية الحصار، وما قد يترتب على ذلك من الخطر المتمثل في سعي الكرملين إلى التعويض عن الفشل الاقتصادي بالمزيد من السلوكيات الرجعية. وكل من يطلع على الموقف القومي العدواني الذي تتخذه وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة الروسية الآن يدرك المخاطر التي قد تترتب على ذلك.

وفي ظل هذه الظروف قد ينشأ الخطر الحقيقي الذي يهدد أوروبا. ذلك أن طموحات روسيا لن تتوقف عند حدود نهر الدنيبر. وقد يتحول هذا السلوك الرجعي إلى استرجاعية صريحة مع سعي الكرملين إلى التعويض عن الضعف الداخلي باستعراض القوة في الخارج.

وبحلول ذلك الوقت، ربما يفوت أوان وقف الانزلاق نحو مواجهة أوسع. ولهذا السبب فإن ظهور أوكرانيا القوية الديمقراطية بعد عقود من الفشل أمر بالغ الأهمية الآن. والواقع أن انتخابات اليوم المرتقبة تشكل أهمية حاسمة بالنسبة لأوكرانيا، ولكنها تشكل أيضاً ضرورة أساسية لتشجيع تحول روسيا إلى عضو حقيقي في الأسرة الأوروبية الديمقراطية.

* كارل بيلت | Carl Bildt ، رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها سابقاً

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top