«داعش» والبغدادي وأهمية الخلافة

نشر في 26-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 26-10-2014 | 00:01
ما مدى أهمية مشروع الخلافة بالنسبة إلى «داعش» كقوة محاربة؟ وهل ما زال مَن يُعرف بـ«الخليفة إبراهيم» (البغدادي) يُعتبر قائداً موقراً؟ أم أن مكانته بدأت تتراجع مع تحول انتصارات «داعش» الأولى إلى صراع طويل مع مواجهته الهزيمة وارتفاع حصيلة الضحايا؟
 رونالد تيرسكي يبدو أن حرب العالم الخارجي ضد "داعش" تتطور في اتجاه إيجابي، ففي معركة كوباني على الحدود السورية-التركية، بدأ مقاتلو "داعش" ينسحبون، مع أنهم في مناطق أخرى من سورية والعراق باتوا محصنين في مواقعهم أو حتى يتقدمون، خصوصاً في محافظة الأنبار في العراق.

حان الوقت لمعالجة مسألة أعمق: ما مدى أهمية مشروع الخلافة بالنسبة إلى "داعش" كقوة محاربة؟ وهل ما زال مَن يُعرف بـ"الخليفة إبراهيم" (أبو بكر البغدادي) يُعتبر قائداً موقراً؟ أم أن مكانته بدأت تتراجع مع تحول انتصارات "داعش" الأولى إلى صراع طويل مع مواجهته الهزيمة وارتفاع حصيلة الضحايا؟ أما زال مقاتلو "داعش" يعتقدون أن خلافتهم ستدوم أم أن الشكوك بدأت تظهر والمعنويات تتراجع؟ وكي يستمر نفوذ القائد، يجب أن يظهر أمام شعبه، غير أن البغدادي ظهر مرة واحدة خلال خطبة في أحد مساجد الموصل أعلن فيها أنه الخليفة.

ينطبق الأمر عينه على كبار القادة والمسؤولين العسكريين، فقد تواروا عن الأنظار بعدما استهدفت ضربات الائتلاف الجوية مدينة الرقة، إذاً، يدرك قادة "داعش" أنهم معرضون للخطر، وهم يتصرفون على هذا الأساس.

يُفترض أن البغدادي شكّل حكومة ظل لم تستلم مهامها بعد، وسيُعلنها في اللحظة المناسبة تحت إشرافه هو كخليفة وقائد أعلى، ولكن يجب أن تكون تلك اللحظة مناسبة حقاً، أي يلزم أن يبدو "داعش" قوة دائمة، وأن يبدو وجوده مقبولاً من الدول المجاورة والقوى الخارجية، فتحت إشراف الخليفة إبراهيم، سيختار "داعش" رئيساً ورئيس وزراء ووزير خارجية يصبحون وجوه سياسة "داعش" الدبلوماسية والمحلية، لكن التنظيم لا يتبع حتى اليوم أي سياسة خارجية غير البندقية.

يختلف "داعش" عن تنظيم القاعدة في أن هذا التنظيم يشكل مجموعة إرهابية صرفة لم تحاول أن تستولي على الأراضي أو تؤسس دولة، بل كان هدفها زرع الخوف واستفزاز الدول للإقدام على ردود فعل متهورة، لكن "داعش" يشبه في هذا الصدد حركة طالبان، التي سيطرت على أفغانستان وحكمتها، وقد تمحور الجزء الأكبر من المناظرة الغربية حول ما إذا كان أسامة بن لادن قائداً لا غنى عنه، وما إذا كان موته أو أسره سيؤدي إلى انهيار "القاعدة". قرر بن لادن الاختباء، وما كان يظهر إلا نادراً من خلال بعض أشرطة الفيديو المصورة، وبعد سنوات من الهرب، عثرت عليه القوات الأميركية وقتلته وألقت جثته في البحر، ورغم ذلك، لم نشهد موجة عالمية من الانتقام، فاستلم القيادة بعده أيمن الظواهري، غير أنه لم يحقق نجاحاً كبيراً، فالقائد الذي لا يظهر علانية يفقد نفوذه في النهاية وسيطرته على أتباعه، ولا شك أن الخليفة إبراهيم يواجه هذه المشكلة.

ماذا سيحل بـ"داعش" كقوة سياسية وعسكرية وإرهابية إن جرت الإطاحة بالبغدادي؟ وماذا سيحل بحلم النهوض مجدداً بخلافة تجمع كل المسلمين؟

ثمة وجهتا نظر، تطرح الأولى إدارة أوباما، التي تعتبر أن الحرب ضد "داعش" ستشكل حملة طويلة في شتى الأحوال، فسيتطلب تحقيق الهدف (إضعاف داعش والقضاء عليه في النهاية) سنوات.

أما الفرضية الثاني، فهي: تنهار معنويات "داعش" القتالية إذا اختفى الخليفة وفقدت الخلافة مصداقيتها، صحيح أننا سنشهد ولادة خليفة آخر، إلا أنه سيكرر على الأرجح قصة خلافة بن لادن والظواهري، ونتيجة لذلك، يفتر الشغف الديني، الذي يشعل روح عدد كبير من مقاتلي "داعش"، ولا يعود بالتالي كافياً لتحفيزهم، ندرك أن البغدادي استراتيجي ذكي وماهر، إلا أننا لا نعلم ما إذا كان قد وضع خطط طوارئ لتحديد مَن يخلفه، وهو يشبه في هذا الصدد أي مدير تنفيذي مشهور بنى شركة وأسس ماركة مشهورة.

يمكن استبدال الجنرالات بسهولة، إلا أن الوضع يختلف مع القائد الأعلى، نجح الانتقال في إيران من آية الله الخميني إلى آية الله خامنئي؛ لأن الثورة للإطاحة بالشاه نجحت، ولأن النظام حظي بعشر سنوات ليبني شبكته الخاصة من المؤسسات والسيطرة الدينية على المجتمع وشرطته السرية.

من دون هذا التركيز الديني، ما كان سيدفع مقاتلي "داعش" إلى القتل والترهيب بهذا العنف؟ ولولا مشروع الخلافة، ما كان سيميزهم عن منظمات إرهابية أخرى تقاتل في هذا البلد أو ذاك؟ لا شك أن تميّز "داعش" كان سيختفي.

ما عاد يلزم أن نعتبر أن قوته القتالية لا تُهزم، فقد طُرد من سد الموصل، ودُحر من جبل سنجار، وها هو يتراجع اليوم عن حصار كوباني. إذاً، يجب ألا تكون الخلاصة أن الفرضية الثانية صحيحة والأولى خاطئة، بل إن تقييماً مخالفاً لتطور ديمومة "داعش" بات ممكناً.

الأهم من ذلك أن كلاً من وجهتي النظر هاتين يرفض الآخر رفضاً كاملاً، في حين أن علينا تطبيقهما معاً، فتشكل الحرب معركة علانية، ولكن بعيداً عن أعين الناس، يجب أن نستخدم القوات الخاصة، والاتصالات المحلية، ووسائل الاستخبارات المتطورة لشن حملة سرية بهدف العثور على كبار قادة "داعش" والقضاء عليهم، ولا شك أن البغدادي والقادة الآخرين يتنقلون باستمرار لأنهم يعون أنهم معرضون للخطر. ونأمل أن يكون الائتلاف الذي قادته الولايات المتحدة قد بدأ بملاحقتهم بدأب.

* هافينغتون بوست

back to top