لا تؤسلموا مجانينكم

نشر في 26-10-2014
آخر تحديث 26-10-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري يعمل أكثر خريجي علم النفس في مركزين من أهم مراكز علم النفس، الأول هو الدعاية والاعلان، والآخر هو الإعلام. الأول يعتمده المنتجون للاستيلاء على ذهنية المستهلك، والثاني يستغله السياسيون لترسيخ معلومةٍ ما، يراد لها دون غيرها الاستيلاء على ذهن المتلقي. وما يحدث بعد ذلك من تفنيد لهذه المعلومة أو تحليلها، وحتى نقضها كلياً، لا ينجح في إزالة المباغتة الأولى والوقع الأول الذي تلقته العامة.

قبل أيام قام أحد الكنديين من أصل فرنسي بدهس جنديين بملابسهما العسكرية، توفي أحدهما وتعقبت الشرطة الجاني، وأطلقت النار عليه لتموت أسباب الحادث وتداعياته مع القتيل، لكن الخبر الذي بثته وكالات الأنباء وقنوات الأخبار يشير إلى أن الرجل قد تم تحويله إلى شخص راديكالي دون الإشارة مباشرة إلى الراديكالية الإسلامية. فالرجل يحمل اسماً فرنسياً لا يتخلله اسم عربي أو إسلامي، وهو رجل مطلوب للعدالة وممنوع من السفر لتشكيله خطراً على الجهة التي يسافر إليها. لم يستطع السياسي استخدام هذه الحالة في دعم مبررات تحوُّل كندا من دولة حفظ سلام إلى مقاتلة ومساهمة مباشرة في العمليات الحربية خارج حدودها، خصوصاً أن الشعب الكندي لا يرى أن هناك خطراً يهدده يستدعي أن تدخل البلاد من أجله الحرب. ولكنه أبقى ذهن المتلقي جاهزاً لتقبل التحول الراديكالي.

حادثة الأربعاء الماضي، والتي تلت الحادثة السابقة بقليل، وجدت ذهناً متحفزاً لتقبلها. يقتحم رجل، ولا أعرف إذا كانت مصادفة أيضاً، كندي من أصل فرنسي ويقتل عسكرياً تحت التمرين غير مسلح يقف أمام المتحف الحربي، ثم ينطلق إلى البرلمان، حيث تعقد الجلسة ويدخل البرلمان ويبدأ بإطلاق النار من بندقية صيد، حتى يتمكن أحد الحرس من إطلاق النار عليه وقتله، لتموت معه أيضاً هذه المرة أسباب ارتكابه للحادث.

قبل أن يتم التحقق من هوية الرجل تخرج القنوات الفضائية لتصرح بأن رجلاً جهادياً يقتحم الجلسة، وأن رئيس الوزراء بأمان الآن ولم يُصَب أحد في البرلمان بأذى. يبدأ المسلمون في كندا بالقلق ويتوقعون ردات فعل غاضبة من الآخر الأبيض، وتبدأ التعليقات التي تؤيد رئيس الوزراء في الذهاب إلى الحرب هناك، مبدية حسن تقديره للموقف ونظرته الخارقة حين توقّع بأن الحرب ستأتي إلينا إذا لم نذهب إليها.

هذا الإعلان الأول للخبر تم تخفيفه تدريجياً. المتهم فرنسي اسمه مايكل – زحاف بيبو من أم فرنسية وأب ليبي وله صور على تويتر يرتدي الشماغ العربي ويحمل سلاحاً نارياً آلياً لا بندقية صيد كالتي استخدمها. وهو مسيحي أسلم مؤخراً، لأن والده هجر أمه وهو في عامه الثامن، فتربى تربية مسيحية.

في الإعلان الثالث يخفف الخبر مرة أخرى، المتهم صاحب سوابق واسمه مايكل بيبو هال، وليس له اسم عربي، وزحاف هذا كان زوج الأم لفترةٍ ما. لدى الجاني سوابق سطو مسلح ومخدرات ومطلوب للعدالة وجاء إلى العاصمة للحصول على جواز سفر، وتم رفض طلبه لأنه يشكل خطراً على الدول التي يزورها، يعاني اضطراباً عصبياً، ولكنه (يكمل الخبر) أسلم قبل ستة أشهر، وكان ينوي السفر إلى سورية. ذلك ما تبقي من الخبر الأول. مسلم منذ ستة أشهر، لم يصم سوى رمضان واحد، ولا يجيد العربية ليحفظ آية واحدة ويحلم بالشهادة في سورية.

بالتأكيد سيخرج محللون في الأيام القادمة يفندون هذه العناوين الإخبارية، ويشككون في مصداقيتها، لكن الوقع الأول للخبر لدى العامة لن يتغير وصورة المسلم الجهادي مايكل بيبو ستبقى مرسومة على ملامح كل مسلم في الجالية الكندية المسلمة. لدينا من المجانين ما يكفينا فلا تؤسلموا مجانينكم.

back to top